المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وادي .. كلمـــة ...!


الصفحات : 1 [2]

أحمد مبارك البريكي
12-09-2012, 07:34 PM
حياة في «الإرادة»..!

أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

دعوة للمبيت في ساحة فرشتها وهندستها الحكومة ليتجمّع فيها معارضوها ويلتحفوا مواد الدستور على حد تعبيرهم، يصرخون ويشطحون ثم يصرحون بكل (قواة عين) بأن رئيس الحكومة لن يكون صباحياً بعد الآن بل من الشعب الكويتي، وكأن آل صباح من شعوب المايا أو الماساي وليسوا قطعة من هذا الشعب وهذه الأرض، ثمّ ينتهي الليل المزدحم بالصراخ ويبدو النهار فتظهر الأشياء، ويسير كل منهم في طريقه الذي ينتهي مرّة أخرى في ساحة الإرادة، فيصرّحون مرة ثانية ويصرخون ويشطحون إلى أن ينتهي الليل ويسيرون مرّة أخرى إلى الطريق المؤدي مرّة ومرات إلى ساحة الإرادة ويظل الوضع كما هو عليه..!
التجمعات وإعلاء الصوت يراها البعض ظاهرة صحيّة، ولا نختلف بشكل كبير معهم بسبب كونها إحدى قنوات التعبير، والكويت بلد مؤمنة بحرية التعبير وإبداء الآراء، ليس في من يتولون شؤونها فقط وإنما في صفوف الشعب الذي تنفّس الديمقراطية وعاش بها ولها، لكن هناك (لكن) كبيرة تراود المتبصرين في الوضع الراهن للبلد، وهناك أشياء تغيب وأخرى حاضرة نراها رأي العين، فتثير الريبة والتساؤل الممهور بعلامة الاستفهام والتعجب، منها كثافة هذه الاعتصامات ومدى مناسبة مواقيتها وما هي خلف أكمتها من أجندات؟ ربما هذه الاستفهامات لا يعيها جيدا صادقو الوطنية و(الفازعون) للكويت، وهم كُثر الذين حرّكتهم غيرتهم على وطنهم بعد أن شدّ انتباههم هذه الشعارات التي لها بريق العزّة والثورة على الظلام المصطنع..!
يتزامن الخروج (بالشارع) في الشارع، مع وجود قنوات مؤسسية ومحاكم دستورية وهيئات تنظم الاعتراض والتظلم، وقنوات إعلامية حرّة تقول ما تريد دون حجر عقلي، ويصاحب هذا الخروج أيضا إدخال البلد في مناوشات وتجاذبات ضد دول محيطة، وربما تكون دولا حليفة لها مواقف جيدة مع قضايانا، كدولة الإمارات العربية وقطر والبحرين وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة، ويزيد الغرابة غرابة أن محدثي هذه الصراعات الخارجية هم أنفسهم قياديّو هذه الاحتجاجات الداخلية، هناك بالتأكيد شيء يلوح في الأفق وهو شيء سيئ..!
أغلبية 2012 التي اختطّت في بدايتها خطا إصلاحيا معقولا بدأت بالانكماش ليتسرب من أطرافها جموع المؤيدين السابقين، هذا لأنها جعلت قضاياها معروضة في مزاد العناد فقط، ولا تترك خيوطا للرجوع والنقاش والإقناع بالاقتناع، حتى وصلت برمي تهم الخطأ على كل من يبدي رأيا لا يعجبها، ليستهدفوا أخيرا بعض رجال الدين الذين رأوا أن اعتصامهم لا مسوغ شرعيا له، ناهيك عن أن أهل الكويت لم يعرفوا هذه الجرعة الزائدة من التهييج الصارخ والنزول في حشد لأمور سياسية بحتة يختص بها أهل شأن السلطات في البلد، بما فيهم أعضاء الأمة المنتخبون، بعد أن أوصلتهم أصوات الشعب ليعالجوها نيابة عنهم وبعيدا عنهم.
ساحة الإرادة صارت روتينا كويتيا حيا للتعبير، وهو شيء مطلوب وجميل إن كان رواده من الباحثين عن نبرة صوت عاقلة، وإن كنت أمني النفس بأن تكون هذه الساحة الحرّة لكل الأمور وليست قاصرة على السياسية منها فقط، فهناك قضايا الفكر والإبداع والتظاهرات الثقافية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية وشؤون الرياضة التي قبعنا في قاعها منذ أزل العصور الذهبية..!

أحمد مبارك البريكي
17-09-2012, 10:56 AM
فتّش عن (صهيون)..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

بالتأكيد هناك أيدٍ خفيّة تُمسك خيوطاً تراقص بها غضب الشعوب، والعالم مسرح عرائس لهوايتهم الحارقة.
الغضبة الإسلامية و«الحميّة» الدينية التي انطلقت في كل بقعة من ديار «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، هي مؤشر جميل يدل على أن الشعوب الإسلامية لايزال فيها عرق إحساس ينبض، وأنها لاتزال على قيد حياة الغيرة والنصرة للدين، تجلّى ذلك في رفع رايات الاحتجاج والشجب ضد الفيلم الهزلي الركيك والخائب، الذي تطاول بشكل سافر ووقح على أفضل الخلق وخاتم الأنبياء نبينا وسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وإن شابت هذه الاحتجاجات أمور تدعو إلى الحزن من تعامل البعض مع ثورة الغضب، وعدم حسن التصرف في تسيير أمور الاعتراض، ما جعل شديدي التطرف يمرحون في أجواء الهوجة فيسفكون كل القيم ويظهرون الوجه الإسلامي الطاهر بأبشع صورة.
فتّش عن المرأة.. هذه العبارة النابليونية شاهد حق يشير بأصبع السبابة إلى الطرف المستفيد من سكب الزيت في أتون الساحة العربية والإسلامية كلما بدأت تبرد جِمارها، ليدقّ إسفينا بين جموع الشارع العربي وبلد عملاق كالولايات المتحدة.
لقد اختلط حابل طالبي الحق والاقتصاص من فاعلي هذا الفيلم المسيء السيئ بنابل بعض المتعصبين الذين يتبعون أهواءهم، كما حصل عندما اقتحم بعض المحتجين «البن غازيين» السفارة الأميركية ليقتلوا سفيرها، ويضربوا بذلك مثلا جبانا ومقززا في الاعتداء على المؤتمنين في بلادهم، وهم يظنون كل الظن أن فعلتهم هي من الدين، لكن قاتل الله الجهل الذي أوصل سكين التشنج إلى عظم الإسلام، ألم يتعلموا نهج الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهو القدوة الحسنة فينا وهديُه نور ونبراس لكل أمور حياتنا، وهو الذي أنكر على نفسه قبل غيره قتل الرسل، فليس من المنطق ولا العقل ولا الإنصاف أن نرى فيلما يتهمنا بالقتل فنغضب ثم نذهب لنقتل من أغضبنا حينما اتهمنا بالقتل..!
من شرور بلاوي الجهل التي أسهرتني ضاحكا على بلواها، هو خبر اقتحام جموع غاضبين سودانيين لسفارة ألمانيا احتجاجا على الفيلم..«شكو ألمانيا»..!
يبدو أن سبتمبر هو شهر ابتلاء لنا وللأمة الأميركية، فعندما يفتتح هذا الموسم أبوابه نصحو على جريمة يفعلها مبتورو العقل هنا وهناك، فتضطرم أمواج الفُرقة ليتراقص أعداؤنا الحقيقيون في غرب المقدس على سخافة الجريمة وغباء فاعليها..!

أحمد مبارك البريكي
19-09-2012, 04:30 PM
طريق (حرير)..!

أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

باب المبنى الوردي يفتح أبوابه في صباح روضة للأطفال، صغيرتي (حرير) تضع خطوة صغيرة على أول السجادة المفروشة بزهرات العِلم، وتسأل من أعماقها: أهُنــاك فسحـة للفراشـات؟
يوم أول وحياة جديدة.. رائحة المكان (حقائب)، وأحضان أولياء الأمور ملجأ، ودموع البراءة ولادة جديدة، وحَول النعومة الحزينة تغني السعادة، وطفلتي زينة هذا المسرح الوردي البهي.
في هذه البقعة الحافلة هنا الدنيا حفلة نهاريّة بهيجة، وأطفال من نور ينظرون إلى الضياء، تتكاثف ألوان الأشياء حولهم وتكثر وتختلف في عيون عصافير تفتّحت لهم أطياف الحياة، فخرجوا من غرفهم الصغيرة إلى محيط البشر الواسع.
اليوم رقم واحد في حياة (حرير) العلمية وهو يوم خالد سيحفر في ذاكرتها الطريّة، إلى أن يقسو عودها مع مرّ الأيام، وستصبح ومضة جميلة تتذكرها كلما سعت في دروب العمر، تجلس على طاولة خضراء ساحرة، في ركن الصف تناثرت عليها قصاصات بيضاء، تمسك بأناملها القصيرة علبة ألوان، تختار منها ألوانها المحببة (وردي.. بنفسجي.. سماوي) لتغزل رسمة، وتملأ صورة (السنفورة).
أرقبها من بعيد، وهي تلهو في خِدر النحلات تحفّها جموع الطاهرين، وعسل الشهد يتقاطر بين روعة الشمعات، وهذه الصغيرة وردة في روضة القلب، على حين غفلة منها تركتها وغادرت حديقة الطفولة، على أن أعود حينما يأزف زمن العودة إلى المنزل، فيفرح أهل البيت بحمامة الرجوع.
دقّت ساعة الساندريلا الظهريّة لتشير إلى الثانية عشرة، أسعى إليها في شوق والسؤال على شفاهي: كيف كان يومكِ صغيرتي؟ التقطت كفّها الناعم، وسألتها فأجابت:
لعبت مع رفيقتي (مشويّة)! وبعد تمحيص وتدقيق واستنتاج وتحر اتضح لي اسم صديقتها (نشميّة)!!

أحمد مبارك البريكي
21-09-2012, 01:24 AM
بريكيات (28)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• لا أحسـنُ فن الجدال.. ولا أجيـد التعامل مع أبناء بيزنطـة.. لذلك لن أقترب.. من بؤرة العُقـم..!
• تزاول ظاهرتها المفضلـة.. ظاهرة (الغياب).. وهي طبيعة لا قوانين لها.. إن بدأت انتهى الكبرياء..!
• كل يوم ينجلي الظّل عن شيء كئيـب.. وجهه الظالـم اختبـأ حولاً خلف قناع العادليـن..!
• لِرقصـات النوافيـر فوق برك المـاء وتمايلها.. إغراء رهيب يجنـح بالنواظـر إلى المجـون في عشـق الرذاذ..!
• كانت البداية معها.. في منتهـى الصدق..!
• حديثـكِ عميـق وغموض معانيـكِ بحـرٌ لجيّ مجهول الغـور.. لا تشقيني كثيـرا وتتركينـي.. فأصيـر غواصاً للأحاديـث..!
• خلف حقل الذرة الشاسع المهجـور.. هنالِك متجـرٌ صغيـر مزدحم بجمهـور.. يقدّم لهم رقائق الذرة..!
• حياة شاقّـة أن تعيش ألمعيـاً في بيئـة غبــاء..!
• حكامنـا.. هامات مسطـورة على سلك الزمـن..!
• طريق الغايات ليس مفروشا بسجـاد أحمـر..!
• تقاطرت من عذوقكِ سلاسيبُ الدمـوع.. وتحمّلت روحكِ جرح السكـوت.. أطلقي الآلام في ركن الصارخين.. فالصمت لم يكن يومـا.. ملاذ الآمليـن..!
• الشمس مثال عظيــم.. للوضوح..!
• حينما نسمـو في الارتفاع.. تتضـح لنا ضآلة المساحات.. لِندرك أن البُعـد خدعـة..!
• النوم كائن أفعـواني بليـد.. يلتهم أجزاء من حياتنـا..!

أحمد مبارك البريكي
23-09-2012, 12:23 AM
مملكة السعـود

أحمد مبارك البريكي
ahmad_alburaiki@Twitter

«إما أن تعـود الكويـت أو تذهـب السعوديـة معها..»
بهذه العبارة البسيطة الخالدة، سطّر الملك فهد طيب الله ثراه أروع أمثلة التضحية والإيثار في سبيل نصرة شقيقة جارة لمملكته دارت عليها دوائر غدر الشمال فكانت السعودية على العهد بها، لتقف بجانب الحق والمبدأ حينما تقافـز تجّار المبادئ العربية على ضفة الخذلان..!
السعودية والكويت توأمان لا غنى لأحدهما عن الآخـر أبدا، والتاريـخ يحكي الروايـة، فعندما تعصف رياح الظروف وتتآمر عواصف التخريب تتعانق المصائر وتتحد العزائم، ويزدهر الترابط هكذا كان وهذا ما سيكون، وهذا ديدن أهل المكارم.
قبل ثمانية عقود مضت، وقف الملك عبدالعزيـز بن عبدالرحمن آل سعـود في خريف العام 1932 وفي مثل هذا اليـوم ليرفع خفاقا أخضر يحمل النور المسطّر (لا إلـه إلا اللـه محمد رسول اللـه)، ويدشن ميلاد أمـة عظيمة وبلـد يسعى للكمـال في كل شـيء، ويحث الخطى بسرعة هائلـة إلى حيث المجـد والأضواء والسعي الجدّي لبناء بلد يضاهي عظيمات الأمـم، فكانت ولادة المملكة العربية السعودية.
يـوم توحيـد أطراف شبه جزيرة مترامية كان يوما من أيــام الفخـر، رأى النـور فيـه وطنا جعـل الشريعـة مسلكـا والقرآن دستـورا لا يحيد عنـه، فتوحـدت شعوب وقبائل متنافـرة لتتعارف فتجتمع على التوحيـد والوحـدة، هكذا هي المملكـة بشموخها وعزتها وكرمها تعيـش فجـرا يتشـقق منه النـور، وهذه البلاد شبه القاريّة بعظمة مساحتها التي تناهز المليوني كيلو متر مربع منبع الرسالة ومهد الهدى، وشعبها الأصيل صاحب التاريخ المشرق والمشرّف وذو الجذور الراسخـة في عمق الإنسانيـة، شعب لا يهدأ حتى يصل إلى قمـم النجـاح.
بلاد الحرميـن وقبلة المسلمين بقيادة خادم حرميها ومليكهـا، بلاد لا تعرف الكسـل ولا الركون إلى الثبات، إنها نهـر هادر من الإنجازات في كل المجالات، هي وطـن للعلـم والعلماء، وطن للرياضة والحياة، وطن للصناعة والاقتصاد، وطن للثقافة والفنون، وطن للسلام.
في إحدى زياراتي لمدينـة الرياض عرجت على المتحف الوطني ودارة الملك عبدالعزيز بحي العليا وسط الرياض، لقد أذهلني وسرّني ما رأيت في ذلك المتحف المعلم الذي يمجد تاريخ وطن، إنه بلد حي تاريخه محفوظ في قلب عاصمتـه، تجولت في أروقـة ذلك المبنى العصري الفاخر الزاخر بكنوز التاريـخ وحكايات بناة الحضارات.
هناك كلمات جميلة للشاعر سعيد فياض يمتدح فيها بلاده فيقول:
بلادي بلاد الإبا والشمم..
ومغنى المروءة منذ القدم..
يعانق فيها السماح الهمم..
وفيها تصون العهود الذمم..
ستبقى بلادي منار الأمم..
لتمنع عنها دياجي الظلم..
باسم المهيمن حامي العلم..
وعزم السيوف وهدي القلم..
تحية ومباركة يزفها أهل الكويت لأشقائهم السعوديين في يوم وطنهم المجيد، فاهنـؤوا أهل المملكة ملكا وحكومة وشعبا وسارعوا للمجد والعليـاء، ومجدوا خالق السمـاء.

أحمد مبارك البريكي
24-09-2012, 09:21 PM
رجل أقسم أن يموت رائعاً

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

يقول الزاهي زاهي: فكيف بالتراب الذي يستعيدنا أن يحفظ بياضنا بلا كفن؟ وكيف للأحمر في أوردتنا أن يشتعل مجدداً شوقاً للبياض؟
حزينة هي اللحظات التي يعجز الكلام فيها عن الكلام، وتتلاشى حروف العزاء خلف بياض الورق، فكم أنت أليم أيها الصمت الخالد وبوارق الذكرى تسحب سحابة الشعور لعزيز كان بالأمس هنا واليوم لم يكن..!
محمد بن بليق العازمي (أبو حسين) تركنا بهدوء ورحل مع مغيب شمس يوم حزين، فضجّت صدور من عرفه ومن أحبه بصخب نوح الفراق.. رجل نادر وجميل، عاش محبوبا ونشر محبته على كل من حوله.. عاش شامخا شديد الغيرة على دين اللـه، مناصرا للحق، مواصلا للخير، لا يبدي إلا حسن النية، ولا يقول إلا ما يبني جسور الوصل، ضحوكاً ليناً كريماً، إنه رجل أقسم أن يموت رائعاً.. رحمك اللـه الكريم الرحيم يا أبا حسين وأسكنك فسيح جناته.. وإنا واللـه على فراقك لمحزونون.
* * *
ركب الإعلام الفرنسي والألماني والهولندي سكة قطار الإساءة للرسول الكريم- عليه أفضل الصلوات والتسليم- فراحت الصحف تنشر رسوما مسيئة، وأخرى تكتب عن جهل، لتزيد اشتعال ثورة الشعوب المثارة الغاضبة على دينها ومقدساتها اشتعالا، هذه البروباغندا الإعلامية المدفوعة إلى صراع الأديان، تفهم الحرية بمكيال ميكيافيللي صارخ، فترى بالعين الواحدة المجردة من الإنصاف، وتختار دائماً سكب الزيت الحارق على النار، وتدّعي حرية التفكير، لكنها تنقلب على أعقابها، وتنكص حرياتها المزعومة، لو دارت دائرة التعبير عن أمور جدلية مثل حقيقة محرقة الهولوكوست..!
أدعو الحكومة السودانية لتوزيع خرائط توضّح للمحتجين في الخرطوم الطريق للسفارة الفرنسية بدلا من تخريب سفارة دولة أخرى..!

أحمد مبارك البريكي
28-09-2012, 10:39 AM
أنشودة البيـدر المحصـود..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

ريـح عاتيـة..
زارت بستان القمـح..
فتمايلت ضفائر القش القصيرة في اتجاه الريح..
وتطايرت حبات الدقيـق الناضجات..
في جو الحقل..
تسابق أطراف الإعصار..
تحمل برقية حصاد لراهب الناقوس..
بينما الأعشـاش تأهبت لموسم المحصول..
وعلى ربوة التل البعيدة..
يستلقي كوخ الناطور..
مفترشا سجاد العشـب الأصفـر..
مشرعا سراحه المسجون..
معانقا أمل المجهود..
ويبدأ الحرث..
عند سيقان الغلات تبرق قبعات عاملات الحقول..
والسلال المضفورة تغازل عطاء المحراث..
راغبة في عيدان القش المحطوب..
وعاصفة الريح العاتية تلهو بأطراف الكومات..
تسحبها معها للغروب..
كموج ذهبي عند مفترق أفـق..
ينشـد لأمة السنابل
أنشودة البيـدر المحصود..!

أحمد مبارك البريكي
01-10-2012, 12:01 AM
نواميس مقلوبة..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

في زمن (الكوع والبوع) تتنافر المفاهيم و (تطيش) العقول ويتوه المنطق في متاهات التناقض الذي نعايشه حياً في عالم سياسة اليوم، لنرى بأم العيون مالا يصدقه عقل الأمس القريب، فنعجز وتعجز كتب التفاسير وقواعد التحليل السليم عن تعليل الظواهر التي نراها ونسمعها ويتكلمها الكل..!
إن أومأنا يمينا رأينا (الليبراليون) يحضّون على السمع والطاعة لولي الأمر وعلى عدم الخروج إلى شارع المطالبات والحريات، وإن مالت الرؤوس حول اليسار وجدنا (المحافظون) وأهل (دعاة) الزهد والإيمان، و محاربي البدعة كيف يتشبثون بالدستور وتحريم المساس به وبقوانينه الموضوعة..!
وعلى الشارع المقابل نجد التناقضات (تطق الرصيف) مخالفة كل قوانين الموضوعية والاتزان، فترى عضوا لمجلس كويتي يطير بعيدا ليحشر شأنه بشؤون دولة خليجية قريبة ويطالب بعزل رئيس وزرائها بسبب أن فئة من الشعب هناك لا تريده، ويصر في نفس المولد على إبقاء رئيس وزراء بلده لأن فئة من الشعب هنا تريده..!
وعندما نوسّع بؤرة العين إقليميا نرى (كاريكاتيرا) مؤلما مفجعا وقاسيا، فالقتل صار وجبة يومية وحسّابات الأكفان تُحسب، وأطفالا يوأدون بلا ثمن وكؤوس الدم يتبادلها رعاة الحرب، فلا تتحرك الشعوب ولا تغضب.. ثم يخرج فيلم هزلي تافه لا يساوي قطميرا ولا فتيلا .. فتهب الشعوب وتغضب لتقتل وتحرق وتفور..!
نسمو إلى أعلى ونتبحّر في بحر العلوم الدولية، فنجد إسرائيل تهدد بقصف إيران، وإيران تتوعد بتدمير بلدان الخليج العربي، هذه بالذات لا يمكن تفسيرها ولا بالأحلام..!
***
في مثل هذا اليوم قبل 42 عاما شيّعت مصر زعيمها الراحل جمال عبد الناصر في أكبر جنازة بتاريخ مصر، وقد توفي بعد دقائق قليلة من توديعه أمير البلاد الراحل الشيخ صباح السالم (رحمه اللـه)، وعقب ختام قمة القاهرة 1970 التي أنهت خلافا فسطينياً أردنياً عُرف يومها باسم أيلول الأسود الفلسطيني.. بينما كان الطرف الأردني يصبغه ويطلق عليه اسم (أيلول الأبيض)..!

أحمد مبارك البريكي
03-10-2012, 12:54 AM
ليلة بلشفيّة..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

حقا هناك أفلام خالدة.. لا يمحوها القِدم أبدا، هي جواهر نبعتها مشاعر إنسانية، لتكون ثروة للبشر.
في كل مرّة تسنح لي ظروف سهرة هادئة أختار فيلما من هذه الأفلام التي لا تبيد، فكانت ليلة طويلة مع الفيلم الروائي الأميركي الإنتاج والروسي الفكرة (دكتور جيفاغو) المأخوذ عن رواية باسترناك الذي هرب بفكرته تلك من مخالب الدب السوفييتي الذي أنكر عليه حرية الفكر والتعبير والإبداع، ليتم منع نشر روايته داخل روسيا، فتوجه سالكا الحدود الإيطالية طريدا بكتابه الذي سبّب أصداء واسعة انتهت بنيله جائزة نوبل للأدب، ورفضها لسبب مجهول في عام 1958.
الفيلم دشّنه المخرج الأميركي الشهير ديفيد لين على شاشة الفن السابع في العام 1965 وحصد خمس جوائز أوسكار فيما بعد، وأخذ موقعه ضمن أفضل عشرة أعمال سينمائية على مر تاريخ السينما، تصدّى لدور البطولة فيه الممثل المصري العالمي عمر الشريف، والفاتنة الأميركية جولي كريستي، والفنانة جيرالدين شابلن ابنة الممثل الكوميدي شارلي شابلن، الفيلم طويل جدا يمر عبر أربع ساعات متواصلة من الأحداث السيناريستيّة المتقنة التي تصاحبها موسيقى الملحن الفرنسي العملاق موريس جار الذي أضاف بلسما شافياً لكل منظر.
الثورة البلشفية التي حمل راياتها الحمراء لينين ورفاقه الشيوعيون مطلع القرن العشرين في أعقاب الحرب العالمية الأولى ضد القيصر الروسي نيكولاي الثاني، آخر الأباطرة الروس الذي امتد عمر عرشهم ما يزيد على أربعة قرون، وانتهت بإعدام العائلة الرومانوفيّة عن بكرة أبيها في ليلة (حزيرانيّة) مرعبة في أحد أقبية منازل عاصمة إقليم الأورال، لينتهي بذلك كل بصيص وطيف أمل في استعادة تلك الأسرة لعهدها، وتأتي السنون بعدها تجر بعضها لتكرّس حقبة حكم البلاشفة الذين وضعوا نقطة حمراء كبيرة وشديدة الوضوح في التاريخ البشري، تقاطرت وتناثرت على جوانبها شلالات الدم التي لن يمحوها النسيان أبدا خلال ثمانية عقود من الحكم القسري، ليجسّد قمة هاويتها الزعيم الجورجي ستالين الذي وُصِم بلقب أكثر البشر قتلا للبشر، وعلى يديه الدمويتين حوّل عربة اقتصاد روسيا من الزراعة البدائية إلى الصناعة الثقيلة لتصبح صورة مشوّهة للقوة العظمى الجبّارة التي نشأت على أجساد شعب ضعيف متهالك.
الفيلم أخذ أبعادا إنسانية وصوّر تلقائية الشعوب في اندفاعها وراء شعارات قومية ووطنية مغرية، لتختزل حبها لأوطانها وتشبثها بأمل رفعة شأنها في سبيل تحقيق أهدافها فثارت، وكان الفيلم راويا جيّدا لولادة تلك الثورة التي جعلت أملهم ألماً لهم.

أحمد مبارك البريكي
05-10-2012, 12:37 AM
بريكيات (29)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
• بين قمة تلٍ وتل سحابة ساعية إلى وادي الجفاف..!
• أحببتك أكثر مما ينبغي وأحببتني أقل مما أستحق.. رواية جميلة يعيش من يقرؤها كل الفصول تحت سقف الأوراق.. لجميلة التعبير أثير..!
• فتنتكِ ليلتها سرقت مني وعداً.. وعدي لكِ يؤرقني وأنا لست بارعاً بالإيفاء في بعض الوعود..!
• تقسو الساعات وتتصارع دقائقها وثواني الوقت تنقل عقاربها بِثقل.. ولحظات الأمل بخار ماء..!
• صار الكل معاتبا.. حتى من نلقي عليهم آذاننا قاصدين اللجوء لصفائهم.. ركبوا موجة العتاب..!
• كثبان رمل.. سماء مستيقظة.. نسمات تائهات وناقوس رسائلك يرن في ربعٍ خال..!
• في عمق لوحة زجاج زيتيّة.. تستلقي على خشبة مكتب.. خيول تتنافس لِتصل إلى حاجز النهاية.. ثم تتقافز إلى المجهول..!
• أفكاري فنجان قهوة.. ومن حولي عالم وهمي يتبوّأ كراسي مصفوفة.. والحياة طاولة اجتماعات..!
• في مغرب العرب لكلمة (بريكيات) معنى جميل وعميق ومدهش.. تعني: مجموعة بِرك الينابيع النقيّة المتجمعة في الواحات وسط الصحاري..!
• أقبلت كفراشةٍ مائيّة تجوب بواقي الخريف.. كعلامة راكزة بانحناءة وسط حقل الشعور.. كريشةٍ هائمة تدنو إلى محطة الحافلات..!
• ممر يفصل بين جيوش الكتب.. والرفوف محيط هادئ أنيق يزهو بألوان الأغلفة.. وأناس هجروا منابر القراءة إلى ميادين (القرادة)..!
• بسيطة جدا هي نهاياتكِ بين حلكة الليل وأضواء السهرات..!

أحمد مبارك البريكي
07-10-2012, 08:05 PM
فواكه كويتية..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

جلس جهبذ لغوي ذات عصرية ديوانية على (المركى) اللي يمّي فأخذ يشرح لي جهل العامة في كتابة كلمة (لكن) حينما يكتبونها (لاكن).. وهذا الخطأ الكارثي يسبب له على حد قوله تضخما قولونيا عصبيا.. وأسهب قولا حكيما ثم صرخ في وجهي فجأة متألما: تصوّر أن أحدهم يكتب اسم منطقة سويسرية هكذا (انترلاكن)! سألته متحرصا: وما الصحيح؟ فختمها بسواد المسك.. (لاكن) لا تكتب هكذا ياعزيزي.. تكتب -جذي- (لكن)..!
* * *
تدش مدرسة وكأنك (داش) بيت ناس أو سكن خاص، يحرقونك حرق.. وييييه رياااال.. أخوي المدرسااات منقبات ما يجووز.. برّا لو سمحت.. ارحل! تجرّ أخفاف الهزيمة وأنت في اتجاهك لخارج المدرسة الحكومية التي وُضعت مدرسة.. وتردد في أعماق نفسك: سننتظر 11 سنة ضوئية أخرى حتى نلحق بركبان الدول المتفاهمة..!
* * *
قبل أمس كنا في المقدمة.. واليوم حنا في المؤخرة وبكرة أكيد بنرجع لقدام..! -من درر الصاحي نهاش فتى الجبل-
* * *
يا كثر (هرج) الكويتيين الكل ناقم.. الكل فاهم.. الكل أبو العريف.. تفتح أي قناة يطلع لك (شنب) يقذف ويسب ويرمي بالشك إلى اليأس.. وينك يانهااش: خففوا من هرجكم شوي!
* * *
تشارك الكويت عادة في الألعاب الأولمبية بأربعة لاعبين و35 إداريا.. و(يبون) ميداليات! أتذكر في إحدى البطولات فاز لاعب كويتي بميدالية في لعبة البلياردو!.. (أنا بلعب بلياردو ومايهمنيش أي حد) – بهجت الأباصيري-
* * *
هناك من (يبرر) وهناك من (يبربر) والتبرير والبربرة وجهان لعَملة واحدة (عملة بفتح العين!).
* * *
عبدالسلام جلود (الطبجة) الثانية لمعمر..!
* * *
(2161) مليون دولار..
يطلعوا كم جنيه (دول) ياد.
يا (ميرسي)..؟!
* * *
آخر نكتة:
مصرية تهاوشت مع بدوية وبعد كم يوم لقتها..
قالت المصرية: هوّ انتي؟
ردت البدوية: لا بالله ماهوّنت..
وتذابحوا..!

أحمد مبارك البريكي
09-10-2012, 08:28 PM
متفلسف مفلّس..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

على قارعة مقهى صباحي جلست.. برفقة شاي مغربي وأنا من مناصري كل شاي أخضر، عَبر لحظتها بجانب أجوائي إعصار هادر اكتشفت بعد أن انجلى الغبار بأنه صديق قديم متجدد الوصال بين كل عهد وعهد، يزورني في كل سنة مرّة ولا ينساني بالمرّة حتى لا تنقطع شعرة معاوية صداقتنا.
الصديق الذي قرضته القروض من كل حدب وصوب، صار همّه في الحياة، العيش على سؤال واحد يبحث له عن إجابة:
متى تطيح القروض؟!
تفضّل يا (فيلسوف المرقاب) قلت له، وهذا اللقب أطلقته عليه يوما فسرى بين جماهير المقترضين فصار اسما مرادفا لاسمه.
سحب الكرسي المقابل لي وجلس، وفي عينيه كثير من أحاديث..
خطفت إبريق الشاي الفضي وسكبت له كأسا أخضر، واستعدلت كرسيّ ونشدته: هات آهاتك يا صاحبي؟
هجم لسانه على صيوان آذاني متحدثا: شفت شصار؟
أجبته: قصدك حل المجلس؟
إيه
شنو الجديد كل سنة ينحل؟
لا .. هالمرّة غير
وشنو (الغير) فيه هالمرّة يا فيلسوف النقعة؟
أجابني بلوم ولؤم المتهكمين: أنت ما تدري عن هوا دارك بس (قاظب) لي (الغوري) وطايحله شاي ودرابيل، راح تصير أشياء ما تتخيلها.
قلت: مثل شنو؟
مراسيم الضرورة..
شفيها؟
بيغيرون الدوائر الانتخابية ويشطبون ديون العراق، وراح يلغون قانون الصحافة ويرجع الرقيب ومقصّه، ويمكن يغيرون كم مادة في دستور 62 وخاصة المواد اللي تختص في استجواب الوزراء ورئيسهم، ويجرمون التجمعات والمظاهرات، والرياضة تدخل بيت احتكار الكراسي، ويبو يفرضون ضرايب على الخدمات العامة، حتى الشوارع بتصير بفلوس، وما فيه كوادر وزيادات، وراح يوقفون التنمية ويلغون ميناء مبارك ويبيعون (الكويتية)، و(البدون) بيسفرونهم، والمدارس والمستشفيات بتصير قطاع خاص، ويفرضون ضريبة دخل على كل مواطن، ويلغون كفالات الخدم والبطاقة التموينية ومساعدة السكن وكل أشكال العلاوات الاجتماعية، وسكين الخصخصة بيمسكها التجار ويقطعون الكيكة، والمشاريع الإسكانية اللي واقفة بيوقفونها، ويمكن يعلقون مجلس الأمة كم سنة أو يمكن
يلغونه بالمرّة!
قلت: مخّك حدّه منسّم.. وكل هذا عشان شنو؟
قال: عشان بعدها يراضونّا ويطيحون قروضنا..!
طيّح اللـه حظّك قبل لا يطيحون قرضك..!

أحمد مبارك البريكي
11-10-2012, 07:53 PM
يوم (الصباحية).. يوم أهدرت فيه الكرامة..!

أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki


(عشرة عشرة).. هنا الكويت وحكومتها التي امتهنت زراعة الريح فلا تحصد على الدوام إلا أعاصير الخطأ.
من رأى ليلة أمس زفرات الصدور على محيّا الحاضرين، والوجوم الذي اعتلى الوجوه في ندوة نملان، سيدرك أن عاصفة الكرامة الكويتية تهدأ لكنها لا تموت.
القصة بدأت في يوم عمره أصبح الآن أربعة أعوام ونصف العام، وزير داخلية بشحمه ولحمه الضخم يستقل طائرة مروحيّة يحوم بها من علٍ على بيوت ودواوين مواطنين آمنين لم يرتكبوا إثما مبينا وقتها، ومدرعاته تنتشر ورصاصات الجهل المطاطيّة تتقاذف مصطحبة معها غاز الدموع، ومجاميع مذهولة لمنظر لم ينظروه يوما حقيقة، الا ما ينقل لهم من أخبار البلدان المحتلّة، كان للنيران ذلك اليوم صوت مخيف.
الوزير القراقوشي الذي صرّح بكل قبح يومها أنه يطبّق القانون بفخر وقوة والذي انتهى عهده بفضيحة ستتحدث عنها الكويت لثلاثمئة سنة قادمة، هو نفسه الرجل الذي كتب له التاريخ هروبه عن حضور خيمة صفوان التي واجهت الكويت فيها ألد أعدائها.
لن ينسى مواطنون عزّل كانوا يؤمنون بحكامهم وحكومتهم ورموزهم أشد الإيمان يوما ضربهم فيه وطنهم، ناموا على حب استقرار بلدهم وثقة تامة بأنهم خصلة من شعر هذا المجتمع، وصحوا على جنازير وأقنعة سوداء لجنود ليسوا جنود الكويت حين أضحوا ذلك النهار تحت إمرة جوقة لا تعرف أين اتجاه المسير، يوم (الصباحية) كان يوما لزراعة الريح والقهر وبذرة الإذلال لأناس لم يتخاذلوا لحظة من عمر الكويت في الدفاع والذود عن ترابها وحكامها وأهلها، يوم (الصباحية) كان يوما لنار الجهل وسوء استخدام السلطة.
لا تلوموا الداهوم حينما قال ليلة البارحة: حقوقنا ليس لها إلا حلوقنا، لأننا سكتنا كثيرا وكثيرا جدا (على نيّة) طيبة فصار ضربنا (علانيّة) دون أدنى ضمير.

أحمد مبارك البريكي
14-10-2012, 08:12 PM
الذي لا يتكلم أبدا..!

أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

الصين ذلك البلد الأخطبوطي العملاق الذي يتمدد على رقعة بساط شرق القارة الآسيوية من الغرب وحتى الشرق، ويشكل أحد الأعمدة الخمسة التي ينشأ فوقها النظام العالمي بصفتها قطبا مهما من أقطاب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وهي الحائزة على أحد حقوق (النقض) الخمسة، وأكثر الدول سكانا بين خارطة الأطلس التي تحوي (208) دول حتى هذه اللحظة، ويبلغ عدد نسماتها مليارا ونصف المليار لتشكّل ما نسبته ربع سكّان الأرض، وهي بلد نظام الحزب الواحد الذي أسسه الزعيم الأحمر ما وتسي تونغ بعد الحرب العالمية الطاحنة التي قسمت الكرة الأرضية إلى فسطاطين متناقضين، وهي في المقابل أمة ذات نهضة أدبية عظيمة نجهلها نحن العرب.
الوجه الآخر المغمور في الظلام لمنبع الشعوب الصفراء، هي الأدب بكل إشعاعاته وإشراقاته، ولا يصلنا نحن العرب إلا قطرات قليلة جدا من بحور تراجمها وإبداعاتها التي غطّت عين الشمس، فالشعوب الصينية التي صنعت سورا عظيما صمد في وجه الدهور، صانعة أيضا لثقافة إنسانية نهبت من الزمن عمرا مديدا، فلا يمكن أن يتجاوز الحضارة الصينية أي باحث كَتَبَ للتاريخ كتابا، ولا يمكن أن يحيد مؤرخ عن ذكر إنجازات تلك الحضارة في الإسهام بالنهضة البشرية قاطبة، ولا يمكن أن يغطي منخل المتجاهلين لتاريخ الأمة الصينية ضياء شروقها، ففي كل مجال هناك (صين) سواء أكان ذلك في الرسم أم الفنون المعمارية أو الأوبرا أو كل حقول العلوم وصولا للشعر بأنواعه والروايات، ومنها كمثال رواية تشونك الكلاسيكية العالمية الخالدة (قصص الممالك الثلاث).
بحثت في الشعر الصيني فوجدته رقراقا عذبا يكنز بين طيّات سطوره معاني جميلة عميقة غاية في الإبداع، منها قصيدة لأسطورة الشعر الصيني (لي بو) الذي يعرف في الثقافة الصينية بالنجم الأبيض الكبير، والقصيدة بطّنها لملكة ليعرّض بها أمام شعبها على مائدة ملكيّة يوم عيد الصبار فقال مخاطبا السماء..
إن المجرى الدافق يصب ماءه في البحر ولا يعود قط..
ألا ترى فوق هذا البرج الشامخ..
شبحاً أبيض الشعر يكاد يذوب قلبه حسرة أمام مرآته البراقة؟
لقد كانت هذه الغدائر في الصباح شبيهة بالحرير الأسود..
فلما أقبل المساء إذا هي كلها في بياض الثلج..
هيا بنا، ما دام ذلك في مقدورنا، نتذوق الملاذ القديمة
ولا نترك إبريق الخمر الذهبي..
يقف بمفرده في ضياء القمر..!
الأدب الصيني شاسع المبحث، ويكفي أن نعرف أنه في هذا العام استطاع الروائي الصيني - مو يان - الملقّب بـ «الذي لا يتكلم أبدا» اختراق الحواجز الثقافية جمعيها، وكسر احتكار الشطر الغربي من العالم للجائزة على مدى عقود، ليضع اسم الصين الأدبية على خارطة نوبل، لروايته «مخدع من البلور»، بعد أن وصفته لجنة تحكيم الجائزة بكلمات بسيطة فقالت فيه: «هو الذي يدمج الهلوسة الواقعية بالحكايات الشعبية والتاريخ والحاضر..!».

أحمد مبارك البريكي
16-10-2012, 09:00 PM
قفزة..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

قفز رائد الفضاء النمساوي فيليكس بومغارتنر صاحب الثلاثة وأربعين ربيعا من أعلى، فتقافزت معه «نكشات» وتعليقات أمة العرب الجاهزين دائما للتعليق والتهكم، بعد أن تناسوا همومهم التي سكنت صدورهم لساعتين من زمن القفزة التاريخية.
المغامرة الجريئة التي قام بها رجل الفضاء بالسقوط من الفضاء، دليل على أن البداية هي نصف كل شيء، والجرأة هي كل المغامرة، فكانت تلك الوثبة العالية التي دخلت كذلك مختبرات التجارب العلمية وأنابيب الاختبار بعد أن تابعها بحرص جمهور من علماء الفيزياء والبيولوجيا والباحثين في الأمور العسكرية، وحتى علماء النفس وناشطي الرياضة والأرقام القياسية، ليستنبطوا قوانين جديدة تخدم مستقبل الإنسان، بعد معايشتهم لتجربة حيّة اخترق من خلالها أول جسم بشري بسرعته حاجز الصوت، انطلاقا من مكان ما من طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي للأرض، التي حمله إليها منطاد مليء بالهيليوم، ليهبط حرا مسافة 39 كيلومترا خلال أربع دقائق و19 ثانية، وهو رقم قياسي عالمي يُكسر لأول مرة.
فيليكس المحب للمغامرة والعمل، هو الذي أبصر النور يوم ولادته في نفس عام هبوط إنسان مغامر آخر على سطح القمر، هو الأميركي نيل آرمسترونغ، قام بجنوحه الرائع بحبس أنفاس كل سكان الأرض وهو يتجه نزولا نحو الأرض في رحلة إنسانية لخدمة العلم والبحث، التي ستظهر نتائجها في القريب.
يتبادر إلى العقل أسئلة بلا أجوبة، وأمانٍ كثيرة مؤجلة، فإلى متى والعالم من حولنا شعلة نشطة وكل يوم هو في شأن علمي جديد؟ يرسي حقائق ويمحو أخرى وينتج نظريات متحركة تفتح الآفاق إلى علوم مجهولة، ونبقى نحن أمة العرب ننام على بساط الحلم الأحمر ونتغنى بتواشيح ماضٍ تليد، أين نحن من البحث والمخاطرة في طلب العلم، والتوق والتطلع إلى أعلى القمم، حيث الاستكشاف والنور؟ وهل سنبقى هكذا دائما جامدين بلا حراك عقلي وعلمي نسقط سقوطا حرا عبر تقادم السنين إلى حيث التلاشي والارتطام؟!

أحمد مبارك البريكي
18-10-2012, 08:40 PM
بريكيات (30)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• الشمس تسكُب قطراتها الأولى في كأس يومٍ جديــد..!
• أقبل الصبح.. سقطت ورقة جديدة من رزنامة الحائط.. لحظات قليلة وتدب الحياة في طرقات المدينة وعجلة اليوم تتأهب للدوران..!
• حكومتنا الدونكيشوتيّة عاشقة دوما لصُنـع طواحيـن الهواء..!
• سجينـة وطليـق لا يلتقيــان أبدا.. إلا وبينهما قضبــان القيــود..!
• في عشٍ صغير جمعناهم صغارا.. أطعمناهم من فم.. كبروا في ذاك الخدر السعيد.. كبرنا برفقتهم.. صارت لهم أجنحة قادرة على الطيران.. طاروا في ليلة وبنوا أعشاشا جديدة.. بعيدة، هكذا الحياة..!
• هناك روايات كاملة الدسم.. هي قطعة من شعور إنساني نبيل، وهناك روايات متوسطة الدسم تسمن ولا تغني من جوع.. وأخرى قليلة دسم وأدب.. كل صفحة فيها صفعة..!
• الذاكرة.. خلّاطة عملاقة تحوي كل الأحداث..!
• علامَ تصبغون الأيام؟ ثلاثاء رمادي.. أربعاء أحمر.. خميس أسود.. وتتطاحن الألوان في أفواهكم، اتركوا الأيام شفافة مائية كعهدها القديم.. قد مللنا تلوينكم..!
• الانتصــار في قيعان الهزيمة.. خسـارة..!
• في لحظة ما.. يتوارى الزمن ويصمت دولاب العهد.. وينطق السكوت.. فلا يستحيل وقتها ملامسة النور..!
• همّت دهور الليل بالرحيل.. وفصول الأيام الأجمل في قدوم..!
• شمس يوم آخر تهم بالمغادرة.. و«القار» يمتص ما تبقى من رحيق أشعة الأصيل.. ومركبتي تغذّ الخُطى نحو الجنوب..!

أحمد مبارك البريكي
22-10-2012, 12:51 AM
زفـرة الكويتي الأخيرة..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

شمال الكويت..
سماء تفتح مصراعيها لتقذف تربة الوطن بكريات ثلج ناصعة (بردي).. وفي قلب الكويت هناك حسرة..!
(حسرة) عمرها يقاس بالحزن، تركتنا حطاما فلم نعد قادرين على انتشال أحلام وطننا الصغير الجميل من بين هذا المشهد الحزين.
نيران نشعلها بأيدينا فوق تراب الوطن، حرارتها أشد وأقسى من نيران (نفطنا) الذي حُرق يوما بأيدي أعدائنا، كيف أصبحنا هكذا؟ كيف؟.. تحوّلنا جميعا إلى مطارِق عملاقة ومعاوِل يضرب كل منا ظهر الآخر قصد هدمُه ولن ننتهِي حتى ننتهي..!
صار بعض قومنا من (متشبهي الزعامة).. حناجِر لها فِعل الخناجر المسمومة، تسير في الطرقات تصفّق لها الضمائر الغائبة عن الوعي.. تتعالى صيحاتها وتتسلّق سلالم الثعبان وصولا لتحطيم كل جواهر القِيـم، وحرق حدائق الأعراف..!
الهيجاء أصبحت هي السبيل لرغباتهم الرافضة لفسحة الحوار، وظلام الرموز صار له ظِلال الفتن، فلم يعد للكبير مقدار ولا للصغير رحمة، ولا صار العقل زينة ولا للقلوب بصيرة، أفضال القدير العزيز أغدقت علينا أمنا وخيرا مديدا، وشعباً صبوراً وولاة عادلين.. ووطناً صغيراً بحجم الأرض.. حمدنا الرب عليها كثيرا وشكرنا في كل حال وزمن وصدقت النوايا البيض، فطالت أعمارنا لمئات السنين.. وعمر الوطن يطول.
لا تهدموا (الكوت) الصغير القابع بجوار البحر الذي سرق من السنين حياة، فالعبث يا سادة دستور العابثين، وشريعة النقمة مهنة الناقمين، وحسن الظن يسكب دمه السيئون، و(وهم) المؤامرة يخلقها جيوش المتآمرين.
كانت أحلام الكويت يوما تتجاوز الشموس.. فلم يتحقق منها شيء، وأضحى الوطن لا يفصله عن الهاوية غير ..
(? How) و (When)

أحمد مبارك البريكي
31-10-2012, 11:06 PM
أشيـاء في الحج..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

إلى بيت اللـه مسيرنا..
إلى قصر من قصور القدوس..
إلى شعيرة وعبادة لها من العمر كأعمار السجود، في رحلة لها اتجاهات أفقية على الأرض وعمودية نحو السماء..!
سيارتنا تهمّ بمغادرة الكويت حيث مغرب الشمس ومكمن النور، نبتعد شيئا فشيئا ويبهت الوطن.. وكل أمنية عابِرة عبر الليل أغلّفها بِـ (سولوفان) الدعاء وأزفها بياضا إلى الكويت، مئات الكيلومترات تطويها دواليب المركبة، وروحي شاخصة لأفق سنصله في أيامٍ معلومات.
بعد نهار طويل تتراءى لنا طلائع منارات (الطائف).. تلك المدينة التي ترتكز على طرف من أطراف سلسلة جبلية عظيمة تسمى جبال السروات، وأطلق عليها العرب اسم الحجاز لأنها تقف حاجزا بين تهامة ونجد فتفلقهما إلى نصفين متباعدين - متقاربين، وفي وادٍ ما.. بين الأخشبين وقبل مغيب شمس يوم آخر من أيام ذي الحِجة، توقفنا عند رعاة إبل على طريق سفر، فكان الغبوق.. وكان الحليب الناصع وجلسة تحت غيوم نافقة عند سفح الغروب، وتجربة (حَلب) فريدة لخلفة طيبة.
يوم عرفة والحج عرفة.. وبالقرب من جبل الرحمة الذي كان يوما شاهدا للالتقاء بين أبي البشر وأمهم فتعارفا ليكون.. المكان عرفة والجبل رحمة والوقوف حج والزمن أفضل أيام اللـه، وأمام لوحة كبيرة كأنها علّقت في السماء أنظر إلى.. (نهاية عرفات)، ونحن نستعد لمغادرة الصعيد الطاهر حيث النفير إلى بقية المشاعر الباقية.
الأضحى عيد ومهرجان إلهيّ مهيب وهدير حناجر الملبّين في صوت واحد ترسل رسائل صوتية من أرض اللـه الحرام إلى سمائه.. (لبيك اللهم لبيك)، ومن على شرفة جِسر أقف فتبدو لي قِباب مخيمات (مِنى) الفاتحة قد اصطفت بشكل هندسي جميل، وهي تتوسط جبالا صخريّة داكِنة في ليل عيدٍ ورحمة، وملايين النفوس البشرية تموج إلى اللـه راغبة بالغموس في نهر البيدخ الخالد ليخرجوا في أبهى حلّة وأجمل صورة.
في خِضم الزحام وحشد الأرواح.. وعلى رصيف المناسِك بَرَقت عيناها من بين الجموع، إنها هالة (يُتم) حزينة، تركتها الأقدار على رصيف الجحود، جسد ضئيل حمل على عاتقه ثُقل الخطيئة..
- سألتها: .. من أين؟
- أجابتني بعينين يملؤهما الشغف على صدقة ما: من الأرض..
- كلنا من الأرض.. قلت لها.
- ردّت باستعطاف: لا، أنتم تهبطون من السماء.. وأنا ألتقط ما تجودون به..!
- ناولتها ما قدّر اللـه لي.. أن أعطيها.
وبلمح بصر.. انغمست في بحر الأجساد وغابت.. إلى الأبد.
حتى الومضات الخاطفة تقدر أن تعيث في الظلام وتعبث، رحت بعدها أستنطق عقلي وأحدثه وأناجيه، ولمناجاة العقل في التباحث بعظمة الخالق والتأمل في مخلوقاته تبصّر وتفكّر بهي، فجميعنا نبدأ من على خط واحد ومسافة واحدة من اللـه، لكن بوصلة رغباتنا فيما بعد، هي التي تعطي مؤشر الاقتراب والابتعاد.
عائدون..
يحدونا الحنين للديار، تاركين وراءنا ديارا طاهرة، راجعين على مِطاء النسيم وسِلك الوتر، فما أجمل العودة من بعد غياب إلى الوطن، فعليل الديرة العليلة.. ساحِر ورقيق وعبِق وبالرغم من كل شيء.. فالكويت باقية..!

أحمد مبارك البريكي
05-11-2012, 02:58 AM
صباحاتي.. أثيـر..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alnuraiki

صباح أربعاء خريفي عبِق يقف بي الزمن على حدود الشتاء.. وكرسي له إطلالة البحر وكأس «البللغرينو» تتزين بشريحة ليمون، أنهي كتابا جميلا رافقني لمدة من الوقت، كتابا صنّفته أنا بأنه قِطعة من شعور إنساني نبيل، لا يصل إلى أعماق سطوره إلا كل قلب شغوف يعشق الجمال.
رواية أنجبتها للوجود قبل ثلاثة أعوام رائعة الحِس الروائية السعودية والكاتبة الصحافية الشابّة أثير عبداللـه النشمي، (أحببتك أكثر مما ينبغي) عن دار الفارابي، والذي نفدت كل طبعاته الست بلمح البرق، رواية لا يمكن أن يتجاوزها الأدب بكل عظمته إلا أن يقف بمحاذاتها وينحني ويتأدّب، وفيضان من شعور يفيض خارج حدود أوراق القصّة ويترك كل من أبحر في محيطها حائرا في تفاعلات النفس وخيوط الآمال وحطام الأحلام.
مما نثرته أثير عبر أثير صفحات روايتها كلمات أزعم أنها صدرت من سفوح جبال ملائكيّة، لتنهمر نهرا فرائحيا يجعل السابح في غوره يحصد الدر..
جاءت العبارات معبّرة، وهنا بعض من اللآلئ النشميّة:
- «البدايات الجديدة ما هي إلا كذبة..
كذبة نكذبها ونصدقها لنخلق أملاً جديداً يضيء لنا العتمة.. فادعاء إمكانية بدء حياة جديدة ليس سوى مخدر نحقن به أنفسنا..
لتسكنَ آلامنا ونرتاح».
- «مؤمنة أنا بأن لكل شخص فينا «تجارب» حب
لكن في حياة كل منا «حكاية حب» واحدة لا تتكرر».
- «ما أصعب أن تنادي امرأة باسم أخرى على الرغم من أنها تكاد أن تُنادي كل رجال الدنيا باسمك».
- «أتدري يا عزيزي أني على قناعة أن النساء خلقن من سكر
النساء لسن إلا مخلوقات في غاية الحلاوة
لذا من السهل إذابتهن
لكن المرأة/ السكر حيث تذوب
لا تعود كما كانت
بل تختفي وتتلاشي
وكأنها لم تضف يوما
طعما حلوا إلى رجل».
- «أخبرتك مرة بأني لا أشعر بقوتي إلا «معك» وبأني لا أشعر بضعفي إلا «أمامك»..!
أجبتني بأنك لا تشعر بضعفك إلا «معي» ولا تشعر بقوتك إلا «أمامي»..!
وهُنا فرق..! فرقُ كبير بيننا..! ».
(انتهى).
الأدب الخليجي، وبالأخص السعودي، حرّكه حِراك شبابي نشط أدبيا فصار ذا جودة عالية وتميّز، ولا أبالغ كثيرا إن جعلته يقف في مصاف الأدب العالمي بعد أن تجاوز المجال العربي على كل حال.. وهذه نظرتي الخاصة ولا عَتَب.

أحمد مبارك البريكي
07-11-2012, 05:45 PM
مغارة كنوز أحمد..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

استمتعت جدا في زيارة لي للصديق الكريم والعزيز أحمد البغلي، صاحب الهواية الجميلة والراقية في اقتناء كل ما هو من التراث الكويتي الجميل، فعلى مدار أربع ساعات (غُصت) في مكتبته الأنتيكية التي (غصّت) بشتى أنواع الكتب القديمة وجواهر المقتنيات النادرة، وكل عدد يحمل الرقم واحد لمجلة أو إصدار.
أدهشتني تلك المغارة الزاخرة بالكنوز، فراحت كفّي تستعرض شريط ماضي كل كتاب يقع عليه ناظراي، والرفوف تحفّني من كل اتجاه وقد نامت على حطباتها وثائق وصور تحكي حكايات لا تنتهي عن الكويت وتاريخها المجيد.
(أبو شهاب) أخذني من الباب إلى شبابيك هذه الكتب وهو يروي لي باهتمام وحب قصته مع تلك النوادر الجميلة وكيف جمعها قطعة قطعة، وكيف تحوّل العشق إلى هوس بكل ما هو تليد، وفي ممر بين الغرف الزاخرة بالورق توقفنا وأشار إلى معلّقات على الحائط لأغلفة مجلات شديدة الندرة لا يمتلكها أحد على أرض البسيطة وتختص في شؤون الوطن، منها أغلفة لمجلة (الكويت) واحدة منها صبغت بالسواد ووضع على صدرها صورة أبو الدستور الأمير الراحل عبدالله السالم- طيب اللـه ثراه- يوم رحيله، وأخرى لمجلة النهضة تزفّ خبر الاستقلال، وثالثة اسمها (المصوّر) تخبر بوفاة الملك فيصل- رحمه اللـه، الى أن مررنا بجانب مطويّة مهمة لمرسوم أميري في تعيين الشيخ جابر الأحمد (أمير القلوب) وليا للعهد في عام 1966، كذلك لفت انتباهي صدر الصفحة الأولى لجريدة الرأي العام التي كانت أولى الجرائد الكويتية التي شهدت النور في عام 1961 وتصطف بجانبها الأعداد من 2 إلى 20، وهي حقا من النوادر، وفي اعتقادي أن أصحاب شأن الجريدة أنفسهم لا يمتلكون تلك النسخ بعد أن حرق الغزو ما حرق، وتستمر سلسلة الأغلفة المغلفة بشفاف يحفظها من التلف والمثبّتة على سواري جدار الذكريات، وفي ركن زجاجي أنيق وجدت بعض ضالتي من ذكريات المدرسة وكتبها العتيقة العبقة التي تعلمت على حروفها معنى الأبجدية، فكان كتاب اللغة العربية والنصوص والقواعد والتفسير والعلوم، فتصفحتها وغمست عقلي في حوض ماء الذكرى وانتشلته وانتشيت.
للحديث مع الصديق أبو شهيّب لطافة ورِفق، أخذ يحدّثني على طاولة شاي بعد شوط ماراثوني مع التراث عن حلمه في أن يجد من يأخذ بيد هوايته لتكون متحفا أو مرجعا تاريخيا يهدى لأجيال غابت عن الماضي، فيحضره لهم عبر رسائل تلك الكتب، اقترحت عليه مناشدة المجلس الوطني للفنون والآداب أو الهيئة العامة للشباب والرياضة، خاصة أن مقتنياته تضم كما هائلا من الأرشيف الرياضي المفقود، أجابني بأنهم على علم لكن لا حركة، فهززت رأسي بخيبة أمل.. وقلت: هكذا تجري (عوايدهم) دائما.. لا حياة لمن (تناشد)..!

أحمد مبارك البريكي
09-11-2012, 01:50 PM
وطني الكبير..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

جهل أحدهم ذات ليلة على منبر قناة فضائية حجم الكويت، فأطلق ساق لسانه للهوى، وأخذ يتراقص طربا على جراح وطني المذبوح، ويرمي بشرره صغر حجمه وقلة حيلته وهوانه على الناس في مصيبته، وراح يتمادى ويتمطّى في التطفّل على خلافاتنا الداخلية ليقتات لسانه على أوضاع (وطني).
هم العرب كانوا ولا زالوا (يشتمون) و(يشمتون) في المصائب ويصفقون في الأتراح، وحين الفرح يسحبون (لغاليغ) جيوبهم لتمتلئ حصّالة النقود، إن الكويت سقيمة وحزينة وفوق ذلك تكالب عليها نباح النابحين..!
تلك الليلة كان الهم يسكن وطني ويسكنني..
فجاءت كلماتي:
..
جعلوا وطني صغيرا.. وقذفوه بحجارة السجيلا..
قالوا: بلد في الريح.. والريح موتٌ للنسيم العليلا..
زعموا حيلةً أنه طُعم سائغ للحريق.. وبأنه تحت رحمة السكينا..
تكالب عليه كل آسٍ وكل ناقم وكل ذليلا..
ويحهم لم يعرفوا وطني..
وطني..
الذي أهدى للورود عبيرا.. وأدمى يوما شوكة الإكليلا..
وطني الذي أشعل في الدجى مُصطلى القنديلا..
قد كان يوما كل الأرض.. وقامت له القياصرة مصفقينا..
وطني الحُر.. الذي راحت سيوفه ملهجة تصقيلا..
ليضحي يوم عزٍ على هامة النصر المبينا..
وطني الذي تكسّرت على مقصلته رقاب الجبابرة الجاهلينا..
وطني الذي أنشد للمجد أنشودة المجد العتيدا..
و كان للسلمِ والعيش الرغيد رمز العارفينا..
وطني الذي سقى جذوره الرجال الراشدينا..
وكان للعلم قصرا ومنهاجا لدنيا ودينا..
راحت تجوب عطاياه المغارب والمشارق..
فطوّقت عوارفه كل عائز وكل فقير ومسكينا..
وطني الضياء والنور والسر الجميلا..
وطني الخلود والبهاء والظل الظليلا..
أَ غرّكم يا أعاربة أن الدهر آن ليبتلينا؟
لكن الواحد القهّار بنا وبدفين حقدكم سيكون كفيلا..

أحمد مبارك البريكي
13-11-2012, 08:53 PM
للبيئة أصدقاء..!

أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

قبل الافتتاح.. مايكروفون ومنصة تنتظران كلمة البدء..
صباح الاثنين الفائت كان صباحا علميا وبيئيا بامتياز بعد أن لبّيت دعوة مشكورة من مؤسسة (جيو) للاستشارات البيئية ممثلة بالأستاذ العزيز الدكتور محمد الصرعاوي، رئيس المؤتمر العلمي والاقتصادي لتقييم ودراسات المردود البيئي للمشاريع التنموية الذي أقيم على مدار ثلاثة أيام تحت رعاية سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح، وتكمن أهمية هذا المؤتمر العلمي في نشر الوعي البيئي وحماية البيئة، وإلقاء الضوء على دور كل من القطاعين العام والخاص في البيئة والتنمية الشاملة والإعمار، وكذلك استعراض أهم مشاريع الدولة الحالية التي ستقبل عليها الكويت مستقبلا، ودراسة الأبعاد البيئية المصاحبة لها.
صاحَب المؤتمر معرض لأحدث التكنولوجيا البيئية التي توصّلت لها البحوث العلمية على المستوى العالمي، واشتمل على أكثر من 120 بحثا علميا ودراسة وبوسترات علمية، كان الملتقى بحق حقلا غناء مُلئ بالباحثين والعلماء والمهتمين بقضايا البيئة من شتى الدول.
شاركت كمتحدث بورقة علمية تهتم بمعالجة الملوثات في التربة عبر المعالجة البيولوجية والكيميائية، وأنا بطبعي توّاق إلى تلك التجمعات والتظاهرات العلمية التي تزيد العقل العاشق مزيدا من المعرفة، كانت النقاشات والمداولات الشيّقة بعد كل محاضرة منبعا لخوافي مجهولة، وكل عابِر سؤال يستفهم تقابله عيون عقلية تصطاد تلك الفرائس اللحظيّة.. ويستمر العلم.
في قاعة دانة وجدت ضالتي في محاضرة عن مفهوم التنمية البيئية المستدامة، كان المحاضر دكتوراً من مصر الشقيقة تشرّب شطرا كبيرا من العلوم والأبحاث والدراسات عن هذا الموضوع، وكانت القاعة التي تضج بالرؤوس اليانعة تشخص أبصارها إلى سيل منهمر من مفاهيم ومعلومات لا تتوقف، خلاصة حديثه كان كنزا، وخاصة أن بعض الحاضرين من طلبة جامعة الكويت الذين شاركوا بفعالية في هذه التظاهرة الجميلة منهم طلبة قسم علوم الأرض والبيئة.
بعد ثلاثة أيام حافلة بالعطاءات، عطاءات للبيئة الكويتية التي تبحث عن صديق أو مساعدة صديق، بعد أن أهملتها أيدي حكومات متعاقبة ولم تمنحها حقها من الاهتمام والحرص، حتى وصلنا إلى مرحلة موت النوارس على شطآن الجزر البيضاء، ونفوق الأسماك في خِضم مد الخليج الأحمر، وتمرّد الغازات القاتلة في سماء الوطن الزرقاء.
وفي ركن هادئ جلست إلى أستاذي الدكتور محمد الصرعاوي أحدّثه، وهو يتنفس هواء نقيا يعشقه، بعد أن أنجز شيئا للكويت.

أحمد مبارك البريكي
18-11-2012, 08:11 PM
صبـاح

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

رجعت بي دواليب اليوتيوب إلى ما قبل 12 سنة لمقابلة مع حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد عندما كان وزيرا للخارجية الكويتية على قناة أوربت مع المذيع المصري عماد الدين أديب، كان اللقاء مفعما بهموم كبيرة في زمن محنة كادت تعصف بهذا البلد الصغير والكبير في قلوب حكامه وشعبه من جراء التهديدات العراقية الانتحارية التي دندنت لسنوات طويلة بإزالة الكويت من الوجود، وإن كانت قد فعلت ذلك فعلا لكن الإخلاص وحده أعادنا هنا وسنبقى وتبقى الكويت.
صاحب السمو في مقابلته القديمة تلك كانت كلماته تقطر حكمة وخوفا كبيرا على الكويت، وهو الذي يعلم أن عدوه في ذلك الزمان كان يملك من الجنون ما يجعله يفجّر كل ما حوله بغية تحقيق مآربه الانتقامية المجرمة، السفينة الكويتية التي قادها قادة حكماء بحكمة منقطعة النظير، بعد أن تلاطمت أمام أعين الشعب الكويتي أمواج الأزمات العظيمة كموجة سنوات الانقلابات العربية التي قلبت مصر الخديوية الأولى لتجعلها في نهاية ركب البلدان الناصريّة، وأشعلت العراق الهاشمية من زاخو إلى جنوبه نيرانا وحرائق لا تنطفئ أبدا حتى اختفت من الدنيا البصرة وخضرتها، تبعه انقلاب القذافي الأخضر الذي أكل اليابس، واليمن السعيد الذي تحوّل تعيسا وبقي، واستمرت سفينة الكويت في الإبحار عابرة نكسة ناصر وحرب القطبين وحرب الجارتين الكبيرتين، وإن كانت (طشّار) الحروب تلفحنا بين فينة وأخرى إلا أن اللـه سلّم، وجرت باسمه تعالى سفينتنا ورسَت.
سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الذي عجنته خبرة تلك السنين الطويلة، وهو الذي كان على سدّة أهم الوزارات على مدار عقود، أجاب خلال تلك المقابلة إجابة ذكية لسؤال ألمعي فقال حفظه اللـه: إن أعظم ما يحزنني ويؤلمني هو رؤية طفل شريد في حرب لم يكن له الخيار في إشعالها..!
حقا إن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، وأنا أنظر إلى الكويت الآن أشفق كثيرا على بعض الشباب الذين تسيّرهم جيوش الأهواء وهم لا يعلمون شيئا عن تراث بناة الوطن الذين اختلطت لياليهم بأيامهم، وعيونهم ساهرة تنظر لمستقبل وطنهم الصغير الذي وضعوا كل أحلامهم في قبضة رخائه واستقراره، بينما كان معظم من يغضبون الآن لمجرد كلمة كرامة مصنوعة يهنؤون بطفولة آمنة ويكبرون.
للمعارضة كل الحق والحرية في ما تقول، وأعرف أن هناك معارضين وطنيين يعشقون البلد بكل جوارحهم، يخافون على تلك السفينة من الخرق والغرق، لكن التهييج وإشعال الهيجاء في عقول وقلوب طريّة غابت عن الماضي وحضرت الحاضر فقط، يجب أن يواكبها تعريفهم بتضحيات الرجال الذين يغضبون عليهم ويعارضونهم..!

أحمد مبارك البريكي
20-11-2012, 08:38 PM
21 نوفمبـر

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

يوم يمرّ كل عام متأنقا حاملا معه شموع ميلاد وباقات مطر وبواكير الغيوم، فيروزي هو أهدى إلى الدنيا صوت (فيروز) وفلسفة (فولتير) وقصائد حالمة لراعي السهول الإيطالية كارلو فروغوني، وعنده تنتهي عقارب الأبراج وتبدأ في منتهاه لعبة القوس، ليقف متفردا عند بوابة الشتاء.. ينظر بوداع لراحلة الخريف..!
مسحة رماد من حزن رومانسي تعتلي وجهه الدافئ بطلتها ليلى بنت الفقراء، وأحداثها سقوط أشبيلية كبرى حواضر الأندلس.. ليبقى يوماً حياً ينتابه فرح وترح وآلام وآمال، يحمل الرقم (325) بين طابور الأيام الجريجوريّة، وبعد مغيب شمسه تؤبّنه السنة أربعين يوما حتى الكمد والرحيل وميلاد عام جديد..!
ضغط عبره (إديسون) مفتاح التسجيل ليظهر للإنسانية اختراعا وليدا سمّاه (الفونوغراف) أو (البشتختة العاقوليّة) ليحتفل العالم بعدها فيه بيوم التلفاز، وفي يوم من أيام سنواته كان بردا وسلاما تنفست به أمّة الهرسك نسائم سلام دايتون لتحتقن دماء الموت وسط شرايين الحياة..!
حينما كنت صغيرا كان يوم مولدي رقما أكسبُه كل سنة.. أضعه فوق خانة الشمعة ليحترق وأفرح، كبر الرقم فصار يحمل معنى للفقدان والأحلام المنهكة، وكلما باعدت السنون بيني وبين ذلك اليوم الذي أبصرت فيه نور الكون، صارت الأحاديث والحكايات كثيرة وتجارب الأسفار واللقاءات تزيّن غلاف الذاكرة، فينبض قلبي الآمل متطلعا بأمل للأفق البعيد المتجدد، بينما حركة دوران الأرض لا تتوقف عن فعلها الأزلي في حصد الزمن والأعمار تمضي بشغف شديد، وخيوط البياض تنسل بغتة من رتابة الأيام فتسكن سواد رأسي، يدق قلبي وحيدا في سباق الشهور، لأكتشف سرا.. فهناك في مرحلة ما من العمر كثيرون هم الأصدقاء حولي، صغارا نلهو ونفشي الأحاديث الصغيرة.. نركض ونشاغب ونعيش فترة القفز معا.. تغيب شموس الأيام المتوالية ونحن غارقون في نشوة المغامرة.. ومع مرورها يتلاشى الجمع الجميل شيئا فشيئا.. فتنقصهم تلك الأيام حتى لا تترك سوى القليل.. هم الصداقة الباقية، أنظرهم فتخبرني صفحات وجوههم بأننا معا سائرون إلى نفس المصير..!
21 نوفمبر.. يعود هذا العام وبيده كتاب ومعرض يحمل الرقم (37) ويحط في أرض مشرف.. يعود ذلك الشقي السعيد ليولد معه أول إصداراتي الأدبية كتاب (فضاءات لا ضفاف لها).. يعود ويفتح أولى صفحاته منتظرا إمضاءة قلمي..!

أحمد مبارك البريكي
23-11-2012, 12:50 AM
من أجواء معرض الكتاب

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• أجوب أركان المكتبات وأروقتها.. يستوقفني كتاب هنا ورواية هناك، ويطل من رف جانبي معجم يتأبط ديوان شعر، كتب السيرة والسياسة والتاريخ وأدب الرحلات تحتفل بصمت فوق طاولة ورق، والتراجم تستلقي بعيدا فوق الرفوف، تحدثني بأن الفكر لا تعيقه لغة.
• يوم افتتاح معرض الكتاب يعد يوما ثريا بكل الحروف.. تمشية صباحية مع إشراقة اليوم الأول وإشراقة المجلدات، ولقاءات عابرة وجميلة مع أساتذة أدب.
• لقاءات وصُدف المعرض لها رونق، وخصوصا مع أساتذة يصنعون من الفكرة نبراسا للتأمل والرقي.. التقيت الشاعر الجميل علي المسعودي، اقتنصت من وقته حديثا، ونهلت من معرفته معرفة، وأبوباسل من يقترب من هالته لا ينفك إلا وينجذب إليه، وعبرت أجوائي الأستاذة خلود عبدالله الخميس التي لقبتها يوما بأميرة حُسن الحديث، بنت الكويت بنت عبدالله تثير العقل للبحث في ما وراء الصورة البهية حين تتكلم وحين تكتب، وفي المقهى الثقافي حضرت فعالية كان بطلها الأديب البطل سعود السنعوسي ومحاضرة بعنوان «سنة أولى أدب».. سعود سجين المرايا ولغز «ساق البامبو» رائع في أدبه وخلقه وابتسامته.
• مُنعت بعض الكتب، كعادتها كل عام، فكان مقص الرقيب أعتى من مقاومة الأغلفة اللينة!
• مكتبة الجيولوجيا تخبرني.. أن الأرض هذه الزرقاء الجميلة ومهد «الحياة»، قد مرت بحقبة طويلة حزينة قضمت نصف عمرها، تسمى «أَبَدَ اللاحياة»!
دعوة:..
سيقام هذه الليلة (الجمعة) في معرض الكويت للكتاب في الساعة السابعة حفل توقيع كتابي الوليد « فضاءات لا ضفاف لها» في جناح مكتبة آفاق، وهذه دعوة أتشرف بها وتسعدني لقراء الأفكار.

أحمد مبارك البريكي
25-11-2012, 09:22 PM
أيتها العائدة.. لي

أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

عُدتِ بعد سنين..
يا قبطانة العِشق ويا فارعة الشعور
عُدتِ..
وفي جيدكِ الظمآن عِقدٌ من حنين..
عُدتِ تجرّين أذيال الشوق.. وخُفّ الانكسار
قديسة أنتِ..
لا تليقين برجل تسكّع في ملاهي الهوى..
فالطُّهر لا يحيا في وحل الفجور..
ولا يلوذ النور..
في بهتان الظلام
لِمَ عُدتِ؟..
أَ رجعتِ لتلعبي شوطاً آخر للهيام.. ومأساة الصبر؟..
هل عاودكِ سقم السُهد.. وأنّات الرحيل؟..
ليتك لم تعودي وانتهيتِ للعدم..
وفرغتِ للسكون.. وتَكفيـن الألم
حزينة أنتِ..
كقطرة ماءٍ قتلها كأس الفراغ
كلوحةٍ لم تجد على صدرها غير لون الرماد..
كمدينة ساحلية تبحث عن زائرين..
كشمعةٍ مكسورة تضحك لشعلة الحريق..
حائرة أنتِ..
تسعين بحزنٍ تحت جُنح الظلام..
تحملين سِفر الأسى..
تجوبين مدن الغرام باحثة.. عن (حاطِب ليل)..
أيتها القديسة.. الحائرة..الحزينة.. العائدة من رُكام السنين..
لا تظنّي أن بستاني خاوٍ..
وأن أنهاري لا تسقي إلا زهرتكِ اليتيمة..
فجداولي الصغيرة في البقاع..
وأشجاري اليانعة.. وزنابقي وعنّابي وتيني..
أعرضها بضاعة كل يوم..
للتاجرات.. وعابرات السبيل
أيتها العائدة.. لي..
قد وضعتِ قدماً بعد الغياب
في أرضِ أموالي..
فأدرجت حبكِ أخيراً.. في (سوق) العاشقات..!

أحمد مبارك البريكي
28-11-2012, 11:22 AM
الآذان الأخير..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

على الطرف الشمالي الشرقي من العاصمة السورية دمشق تقع مدينة (داريا) العريقة، وفي قلب تلك المدينة الطرفية يوجد جامع أبو مسلم الخولاني الذي تقع بالقرب منه مقبرة الباب الصغير، التي يستلقي فيها ضريح صحابي جليل اسمه (بلال بن رباح)، أو كما اشتهر في التاريخ بلقب (مؤذن الرسول) بعد أن ارتبطت به العبارة المحمدية الخالدة (أرحنا بها يا بلال).
بلال أدمي البشرة الذي أدمت قصة إسلامه قلوب من أسلم بعده، فحفر في جدار التاريخ تعريفا جديدا ومثالا رائعا للتحرر من زنزانة عبودية الإنسان للإنسان إلى فسحة عبودية الإنسان لرب الإنسان، عاش امتحانا شاقا تحت سطوة أيد كافرة لا تعرف غير السطوة سبيلا، هذا لأنه صدح بكل قوته بكلمة حق (أحد.. أحد) مختزلا بتلك العبارة عقيدة عظيمة سامية آمن بها فوقعت في قلبه الناصع موقعا صادقا ونبيلا.
بلال الحبشي الذي عُتقت رقبته من ضير لهيب أيدي المتسلطين، مقابل ثلاث أواق من ذهب دفعها الصديق أبو بكر رضي اللـه تعالى عنه، ليصير فيما بعد حرا وسيدا وشاهدا على فتح مكّة حينما اعتلاها محررا من عبادة الأوثان وصادحا بذكر اللـه وأذان الحق المبين.
كان- رضي اللـه عنه- أحد أعمدة الصحابة الأجلاء السبّاقين للإسلام فبشره الرسول الكريم ببشرى عظيمة بعد أن سمع ليلة صوت (خشف) نعليه في الجنة، فقال- عليه أفضل الصلاة والتسليم- عنه: «نعم المرء بلال، هو سيد المؤذنين، ولا يتبعه إلا مؤذن، والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة».
لم يكن- رضي اللـه عنه- يسمع كلمة مدح أو ثناء إلا ويحني رأسه وعبراته تغرق وجنتيه ليقول: إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا، تواضعه الجم ذاك كان سلما أوصله إلى الرفعة والخلود، بلغه يوما أن أناسا يقولون إنه أفضل من أبي بكر فغضب وقال: كيف تفضّلونني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته.. (في إشارة كريمة لفضله في عتق رقبته من الاستعباد).
أذّن لآخر مرة في يوم وفاة الرسول عليه السلام، وحزن حزنا شديدا عليه فهاجر إلى الشام مبتغيا الجهاد والمرابطة في سبيل اللـه، وعندما فتح عمر- رضي اللـه عنه- بيت المقدس طلب من بلال أن يؤذن للصلاة تلبية لرغبة جموع من المسلمين، فلبى رجاء أمير المؤمنين فصعد وأذن فبكى الجمع الذين أثارهم صوته بعد أن أعاد الذاكرة لأيام الرسول الكريم، حينما أتى بلالا الموت في بقعة ما من الشام، بكت زوجته حزنا على فراقه وهو يصارع سكرات الفراق فقال لها: لا تحزني، فغدا سألقى الأحبة محمدا وصحبه.

أحمد مبارك البريكي
29-11-2012, 10:46 PM
بريكيات (31)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• بعض الصباحات لها طعم المعازف الفريدة.. ترانيم (المونامور) ترافقني.. وكتاب شقيّ.. حلم مؤجل وأمان عريضة..!
• علّ طريقا سلكناه يوما.. يمنحنا صدفة اللقاء..!
• (ديكتاتورة) هي في اتخاذ المواعيد.. ترسم اللقاءات على هوى رياح سفينتها.. سارقة الوعود لا تستكين..!
• البدايات في كل شيء هي نصف المغامرة.. والجرأة هي كل المغامرة..!
• كم هو مغرٍ.. إحساس التحليق نحو الأفق..!
• لكل منّا حياة خاصة صغيرة.. هي مساحته الكبيرة للحياة بلا آخرين..!
• بعض كلام الحناجر.. خناجر..!
• صغيرتي.. في عينيها أغنيات كثيرة.. وتعابير لوحة وأشواق ميلاد..!
• أمقُت الخِلاف.. وأعشق الاختلاف..!
• رغم أن الشمس هي أسطع شيء في الوجود.. إلا أن أبصارنا تنكسر حينما تشخصها مباشرة..!
• نقف عند مفترقات طرق.. نتسمّر برهة في المنتصف نتخذ قراراتنا إلى أي وجهة نمضي.. ثم نكمل المسير.. هي الحياة..!
• هل جانبكِ يوما طيف الألوان؟.. وهل اختبرتِ جنونكِ ليلة تحت ظلال المطر..؟!
• في مكان ما على شاطئ عزلة.. عدتُ لأمارِس هواية قراءة الليمون والنخل.. وصفحة الماء..!
• وماذا يفيد الانتظار؟.. غير توسعة رقعة الصبر..!

أحمد مبارك البريكي
02-12-2012, 11:17 PM
صباح.. الاستقبال الملكي

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

تابعت بشيء من الإبهار ذلك الاستقبال الملكي البهيج الذي شغل شاشات التلفاز وأقامته الملكة إليزابيث الثانية احتفاء بحضور حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حفظه اللـه، ليتلألأ بزيارته قصرا ويندسور وباكنغهام بشموع الحفل، وتُسرج جياد الملكة لتجر عربتها التي تسيّدها ضيفها الكريم، لتكون الزيارة مقدمة لإشعال شمعة علاقة عمرها 114 سنة من الاحترام المتبادل والعمل المشترك لمصلحة البلدين، وما وثيقة الحماية التي وقعها أسد الجزيرة الشيخ مبارك الكبير -طيب اللـه ثراه- إلا ورقة تشهد بإثبات تلك العلاقة المتوطدة على مرّ السنين، حينما كانت الأخطار تتهدد هذا البلد الصغير فلا نجد دوما بعد اللـه عونا غير هذه المملكة الكبيرة، وشريط الذكرى خير من يروي غطرسة قاسم، وجنون صدام..!
وتعتبر هذه المراسيم الاحتفائية المهيبة هي الخامسة على ما أظن لأمير أو ملك عربي يزور الملكة إليزابيث الثانية، وهي الاحتفالية التي لا تقيمها الملكة عادة إلا للحكام الذين ينسلون من أسر ملكيّة تاريخية وعريقة، ويعد «الفيصلان» هما أول من قصّت لهما سليلة فيكتوريا شريط تلك المراسم الملكية، وهما الملك العراقي فيصل الثاني الهاشمي العام 1957م، والملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود العام 1967م، تبعهما الشيخ جابر رحمه اللـه (أمير القلوب) في العام 1979م، والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان بعد ذلك.
ساحة القصر الخضراء المكسوة بأطياف الزهور مسرح ذلك الحفل الضخم الذي يصطف فيه جيش ملكي منظّم من أصحاب القلنسوات الطويلة سوداء الفراء، وهو قصر الحكم لملكة بريطانيا وإيرلندا الشمالية والكومنولث، وعاشت فيه إليزابيث ستة عقود حاكمة، ليكون أكبر قلعة مأهولة في العالم في وقتنا الحاضر، ويروى عن الملكة أنها قالت: إن ملكات بريطانيا اللاتي سكنّ هذا القصر الرائع أسعد حظا من ملوكها، وقلعة وندسور لها من العمر 1000 سنة، وهي القلعة ذاتها التي بناها ويليام الفاتح من خشب على هضبة لندنيّة ليتخذها حصنا لمعاركه، والقلعة صارت قصرا بتقادم الأيام والقرون.
ومائدة الملكة البروتوكوليّة الفخمة جلس عليها يوما بخلاف الملوك ورؤساء الدول، الأديب السعودي غازي القصيبي، بعد أن انتظر تسع سنوات دعوتها، فروى وحدّث عنها طويلا وكتب خاطرة عنوانها «على مائدة الملكة أخيرا!»، وغازي رجل لبق وذكي خدمه زمان تلك الدعوة ومكان جلوسه على يسار الملكة ليبدأ حديثه، فيسحبها إلى حوار تاريخي أدبي فكتوري جميل، لينتهي بقوله: ربّما كانت مائدة الملكة، إذن تستحق الانتظار.
في الحديقة الخارجية لقصري باكنغهام ووندسور وخلال إحدى زياراتي اللندنية، عشت لحظات النظر لشموخ صرح أقدم العوائل الملكيّة في القارة العجوز، وفي مسير عودتي بعد يوم آذاري ماطر، شاهدت آثار أقدام على الإسفلت، اتضح لي فيما بعد أنها لدوقة ويلز الراحلة ديانا، وهي خطوات مرسومة بالرصاص، وخلّدتها بلدية مدينة لندن لذكرى الأميرة المفقودة ..المحبوبة.

أحمد مبارك البريكي
04-12-2012, 08:18 PM
غداء قرقشوني..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

في الطريق من باريس إلى برشلونة توقفنا بعد رحلة تسع ساعات بريّة مزدحمة بالشجر في قرية (كاركاسون) جنوب فرنسا لاستراحة غداء، بعد أن لقينا في سفرنا هذا نَصَبا من طول الطريق الأخضر، البلدة الصغيرة الحدودية الفرنسية التي تشرف عليها من قريب جبال البرينيه أو (البرانس) هادئة جدا وأنيقة، يزيدها إشراقة انهمار مجرى نهر الأود القريب الذي تتساقط مياهه من شواهق سلسلة جبلية متوّجة بثلوج لا تذوب أبدا.. وعبرها المسلمون يوما فاتحين.
القرية عرفت على لسان العرب يوم أن عمروا تلك الديار باسم (قرقشونة) وقد فتحها القائد العربي المسلم بن سحيم الكلباني العام 722 ميلادي، بعد أن وهب عمره وجنوده للجهاد في سبيل نشر الإسلام في أقصى العالم القديم، ومات في النهاية مجروحا في معركة فاصلة.
وتشتهر البلدة حاليا بصناعة الأثاث وإنتاج البلاستيك وخياطة الملبوسات الصوفية، وتقع على أطرافها باتجاه الشرق قلعة تاريخية وفيها قصر كومتال التي شيّدتها أيدي الجنود الرومان في القرن الأول قبل الميلاد، وأدرجت في العام 1997 ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، و(كاركاسون) اسم مشتق من تلك القلعة الأثرية وتعني (الكاسيل) بالإنجليزية أو (الكاستيللو) بالإيطالية، والغريب أن سكانها يتكاثرون بزحف بطيء جدا عبر السنين، بحيث لم يتجاوزوا 40 ألف نسمة خلال ثلاثة قرون.
على رصيف الرحلة كان ذلك المطعم الريفي الصغير الذي يقدّم مأكولاته الإسبانية عوضا عن الفرنسية، فكانت (الباييلا) هي الاختيار الأفضل لنا، وتلك الأكلة بالذات لها جذور عربية صرفة، فهي خليط لذيذ من الأرز والخضار وقطع الدجاج والسمك، وقد ذكر بعض المؤرخين بأن أصل التسمية جاءت من الطبق (الباهي)، لتتحوّل مع تقادم العقود وفرق اللغة إلى (الباييلا)، وقت مستقطع بعد فترة الظهيرة واستراحة قصيرة جبنا فيها أنحاء تلك المدينة القابعة في درك التاريخ، ومع زوال ذلك النهار وبداية رحلة الشمس نحو نهاية اليوم الجديد، كانت التمشية والمعرفة والاستكشاف قد ارتوت منها العقول، فعالجنا محرّك قيادة مركبتنا ورحلنا نسرق الطريق نحو الجنوب وإلى الشمال الكاتالوني البهي..!

أحمد مبارك البريكي
06-12-2012, 09:11 PM
بريكيات (32)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• سيعود الغائبون يوما ليعتنقوا أكاليل الزهور..!
• حتى تلك الومضة الخاطِفة تقدر أن تعيث في مدى لامنته من.. ظُلمات..!
• عاشِق (فيروز).. حَبسها (برّات) النوم وتركها في سهر الليل الطويل.. فصدَحت.. ألماً وحباً وعذوبة..!
• قمر يواجه شمسا.. عتمة تقف في النور..!
• القهوة دواء الأمزجة..!
• للآمال مقابض وعرى.. يتشبث بها من كانت روحه تتوق إلى الـ (لا منتهى)..!
• في عالم التويتر.. هناك أقوام يحسبون كل تغريدة عليهم..!
• من يستمر في إهداء الورود.. يملك روحاً منمّقة وقلباً ندياً وعقلا نبيلاً.. فالورود تبقى ألسنة الشعور..!
• في حياتكِ عشت حياتي.. كنتِ كفراشة ترنو بعشقٍ إلى الفرح.. كنتِ رائعة في كل يوم.. كنتِ كالحرية في صدر السجين..!
• أدرك الآن أن كل من يطالب (باسترجاع) الكرامة.. لم يفقدها من الأساس..!
• همستُ بها والفجر يولد مودعاً.. فقامت تعاتبني لما قطعت حبل حلم أنت سيّده؟.. أتهوى هدم ذاتك داخلي؟.. وهل يضيرك أنك كنت حلمي لتوقظني..!
• على رصيف المقهى الأنيق.. أصمت فأغرق في قراءة مراكب الورق.. و(أسجّ) في إرث العابرين.. فقراءة الظهيرة لها سحر قدسي..!
• للأحلام أوزان.. وأحجام..!
• في المجالس تجتمع العقول.. تتنافر ثم تتجاذب وتتقاذف عليك الآراء المتعاكسة.. وتطفو كل المتضادات أمامك على سطح الاختلاف.. تستمع وتستمتع وتلوذ بصمت..!
• قادمٌ.. ومعي هدايا الصبر.. وبضاعات الفرح.. قادم..!
• عصفورة الخاطر.. هل أدماكِ الأنين؟.. هل سبحتِ يوم عيدٍ بين أبراج الصور؟.. هل همستِ للكون ونّات الحنين.. أم نشرتِ في السماء شذرات العطور..؟!

أحمد مبارك البريكي
09-12-2012, 08:36 PM
للجغرافيين فقط..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

مع أول نسمات يوم (ديسمبري) بارد ونشِط، جاءني اتصال من سكرتير الجمعية الجغرافية الكويتية يزف لي خبر الانتساب رسميا إلى الجمعية كعضو فاعل في جميع الدورات والأنشطة التي سيقيمها المركز مستقبلا.
ولعلم الجغرافيا في قلبي وقع جميل، فأنا مولع منذ صغري في التطلّع واستقراء خريطة سطح الأرض من على الورق وفي أعماق (الأطالس)، وحتى على الملصقات وأجهزة (النفيغيتور)، ولمن يتشعب في ذلك الفن الذي يسمى علما يجد الكثير من أبواب المعارف التي تتجمّل للفاتحين.
فالجغرافيا حجر واحد يضرب فيه الباحث أسرابا من العصافير، وهي علم متفرع ومتعدد المباحث، من فروعه الجغرافيا الطبيعية والطوبوغرافية التي تهتم بشكل الأرض وتضاريسها وظواهرها الطبيعية وظواهر الجو كالطقس والتنبؤ به، وهناك مجال الجغرافيا البشرية التي تأخذ على عاتقها دراسة التنوع السكاني والاقتصادي ومشكلاتها، وتبحث أيضا في أقطار الأرض وحدودها السياسية.
من الأشياء التي استوقفتني الحدود السياسية للبلدان، حيث إنها حكاية لا خاتمة لها منذ أن تبدأ، فبعد أن وضع الإدريسي وابن الوردي أساسيات علم رسم تلك الخرائط في القرن التاسع الميلادي ليتطور مع مرور الوقت ويصير حقلا معرفيا عميقا، وتنقسم الحدود السياسية بين الدول إلى قسمين، فهناك دول ذات حدود مفتوحة، وهي التي تطل على البحار، وأخرى مغلقة الحدود وهي التي لا سواحل لها، والأمثلة كثيرة لكن الأغرب في غرائب الحدود هي البلدان التي تعتبر مغلقة مرتين أو مزدوجة الانغلاق (Duble Blocked) ويعني أن تحدها من كل الجهات بلدان لا منافذ بحرية لها أيضا، وهي طامة كبرى يعلمها العارفون في مجال النقل الاقتصادي، ومن تلك الدول طاجكستان وسلوفاكيا وتشاد، وهناك بلدان تحيطها بكامل استدارة حدودها بلد واحد فقط أي أنها (صاكين عليها صكّة) كدولة ليسوتو الأفريقية التي تقع في قلب جنوب أفريقيا وسان مارينو التي تبتلع كل جهاتها إيطاليا، وإن توسعنا قليلا نجد العكس، بأن هناك أوطانا تحيطها المحيطات من كل جوانبها كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وجرينلاند الجزيرة العظيمة التي تتبع مملكة الدانمارك الصغيرة ليكون التابع أكبر بخمسين ضعفا من المتبوع.
وكل بلد في العالم يملك نقطة (صفر) جيوديسية تقع داخل أراضيها، والخريطة الجيوديسية هي خريطة بإحداثيات وخطوط طولية ودوائر عرضية تساعد الدولة على رسم خططها المستقبلية في البناء والعمران وتحديد المواقع العسكرية، وإن اتجهنا ناحية الجغرافية الكويتية فإن نقطة الصفر الجيوديسية تقع خارج الكويت (وهي حالة استثنائية لا مثيل لها بين الدول الأخرى)، ويقع الصفر الإحداثي الكويتي في (طفّة عين العبد) وهي أرض سبخة تقع غربي (جو الزرقاني)، وفي المنطقة التي كانت تعرف سابقا بالمنطقة المقسومة بين الكويت والمملكة العربية السعودية.
وبالنسبة للمسافات بين خريطة الدول الأطلسية، فإن جزر مايكرونيسيا الفرنسية في المحيط الهادئ البعيد تعتبر أبعد الدول على الإطلاق بالنسبة للكويت، حيث تبعد عنها ما يقارب الـ(20) ألف كيلومتر، ولو كان هناك طريق بريّ ممهد يعبر الجبال والبحار بيننا وبين تلك الجزر لقصدناها على سيارة بسرعة 100 كيلومتر في الساعة وسنصل إليها بعد أسبوعين وشوية..!

أحمد مبارك البريكي
11-12-2012, 08:16 PM
متفرقات..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

بعض شكاوى تلقيتها.. وطلب أصحابها نشرها وأفعل:

مجموعة من العسكريين الجامعيين (حديثي التخرج) في وزارة الداخلية يصل عددهم إلى حوالي (60) عسكريا يناشدون وزيرهم النظر في موضوع تمديد فترة التسجيل وقبولهم في دورة الترقية للجامعيين التي انتهى التسجيل بها قبل شهر تقريبا، وسبب تأخرهم في التسجيل كان خارجا عن إرادتهم، وذلك لتأخر وصول شهاداتهم إما من جهة الجامعات التي أكملوا دراستهم فيها، وإما بسبب روتين وإجراءات المعادلة في أروقة التعليم العالي، التي تصل في أغلب الأحيان لعدة شهور، وبعد أن اقتطعوا من أعمارهم خمس سنوات دراسية، صار كل أملهم أن يخط الوزير ببلسم قلمه (استثناء) ليلتحقوا بدورتهم مع إخوانهم الذين سبقوهم.

* * *

مواطنة كويتية أبا عن جد تقف على سلّم انتظار الوظيفة منذ عشر سنوات (ميلادية) نهشها الانتظار نهشا، وضاق منها بيت (البطالة)، كل مرّة تذهب لمراجعة ديوان الخدمة المدنية طلبا لحلمها بوظيفة تُعينها -بعد اللـه- على سعير الحياة وغلائها، تجد جوابا واحدا لا يتغير مع تغير السنين العشر: (انطري دورج!).. إي لي متى تنطر؟ ومنا إلى الديوان لعل وعسى..!

* * *

ضاحية فهد الأحمد التي حملت شرف اسم الشهيد، تئن أنين الإهمال القهري، فهي منطقة مقسومة من منتصفها إلى شطرين متباعدين لا يربطهما رابط سوى العنوان، ضفة شرقية تبحث عن غربية فلا تلتقيها بعد أن فصلهما طريق عريض مزدحم بمرور السيارات صباحا ومساء، ولا يعبره جسر للمشاة العابرين، حطّوا لهم جسرا يا (هيه) وقرّبوا مربط أقدامهم منهم..!

* * *

في أغلب بلدان العالم هناك اهتمام خاص بخطوط مرور سيارات الخدمات الطارئة (الإسعاف، المطافئ.. وغيرها)، لذا نجد أن في كل طريق حارات خاصة للطوارئ تأخذ عادة اللون الأصفر، وتكون في جهة معينة من الشارع، طبّقوا هذه الفكرة يا (أشغال) ويا (مرور) وفكّونا من (فلشراتكم)، و (وخّر ياراعي الوانيت وخّر)..!

أحمد مبارك البريكي
14-12-2012, 09:10 AM
بريكيات (33)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• عيناكِ التي برَقَت يوم الملتقى.. حيّاها الرعدُ مجلجلاً.. ورذاذ المطر احتفل بها.. وزنابق أشرقت في صبح غيمة تغني قبلة العاشِقَين..!
• سينجلي.. الغبار الدميم وينتهي جرح الوطن ونهزج.. ترانيم العائدين وستعتلي ألوان الكويت عمود السارية، وتعود نوارس الحب تجوب شطآن
الكويت ونبتسم.
• الخط المستقيم.. أقرب الطُرُق إلى (النهاية)..!
• لانتظار (عزيز) عند سور.. المدرسة.. شعور رائع سيحكي لي حكاياته الرطبة مرة أخرى، وأزف له بشرى خبر عطلة نهاية الأسبوع.. ونضع خطة لمغامرات جديدة قادمة..!
• عرفتني هذه الطرقات.. عابِـراً..!
• يوبيل ذهبي وعيون دامعة.. والكويت منقسمة إلى (لونين).. لون حار ولون بارد..!
• جُنح ظلام.. وساعٍ حزين يحملُ.. سِفرَ الأسى يجوب مُدن الغرام.. باحثاً عن (حاطبة ليل)..!
• لتمخضات.. الشتاء نشـوة.
• في مرحلة ما من العمر كثيرون هم الأصدقاء حولنا، يتلاشى الجمع شيئا فشيئا مع السنين تُنقصهم الأيام حتى لا تترك سوى القليل هم صداقتنا الباقية..!
• جميل أن ترميك الصُدف في طريق أديب.. تقتطع من كومة أوراقه.. ورقة.. ومن غزير لُجّه تحصد
مرجاناً وياقوتاً..
• نغمات (انريكه).. تسحبني إلى سُحُب إسبانيا اللؤلؤية.. وأنا العاشق.. الذي يرنو بروح قرطبيّة إلى واحات الجمال..!
• (الوفرة).. ريڤـيرا كويتية..!
• أنتِ مجموعة من جمال لا منته من نجوم ومجرات.. أقمار وشموس جامحة.. لكنّي سماءكِ الأولى..!
• شاي أخضر بمعيّة الليل.. وسيلٌ منهمر من أفكار محلّقة.. وقلبٌ يتعلم تحت سطوة البحث..!

أحمد مبارك البريكي
16-12-2012, 09:21 PM
رائحة البرتقال..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

مع نهاية كل رحلة لنهار الكويت، تباغتنا الفتن كقِطع الليل المظلم، وينسكب (إعصار) البرتقال على جوانب الطرق ليهدر غضبا على حناجر من يتوجسون خيفة من الضياع على وطن النهار، تقابل جموع الزاحفين كاشفات أضواء المدرعات وأصوات (فلشرات) الأمن الزرقاء الغاضبة التي جعلت (قتل الفوضى) معركتها، في بلد الدستور ومواده اعتدنا على الدوام سماع مفردة خذوا بـ (روح القانون) وطبّقوا القانون، ثم لا نرى سوى تعسف في طعن جسد القانون و(قلبه)، هناك خلل بالتأكيد وجموع حاملي أغصان (النارنج) لم تصرخ عبثا ولا تخريبا لكنها قصدت التعبير عن خوف وهاجس يتملّكها على مستقبل وطن ذاقوا يوما مرارة خسارته، فالكويتيون لا يختلفون أبدا على تماسكهم وتمسكهم ببلدهم، وعشقهم لرموزه مهما جال وصال (الشكّاكون) في ميادين التشكيك، فـ (الصباحية) و(صباح) الناصر تكفيهما (الاسم) فقط ليدرك الشكّاكون معنى (الولاء).
يعلم أهل الوطن تماما بأنه في وحل (الغِل) المقيت تغيب أشياء العقل وينزوي التعقّل جانبا، وتتضخم حماسة الانتقام لتترك صوت الحكمة رمادا بعد نار، والتاريخ الذي عايشناه سبيل عظيم يهدينا (العِبَر) بالمجان، فسكين غدر (صدام) لاتزال تقطر دماؤنا منه بحرارة، ولعبة (الجواسيس) التي يمارسها شياطين ضفة الخليج الأخرى لاتزال تأتينا مع مطلع كل شمس ترسلُ أعواد الثقاب لبلدان (النفط) وتنتظر الاحتكاك، وخطر الأفاعي مستمر مادامت نار كسرى لم تنطفئ..!
من يتبصّر أحوال البلد يعجب كيف صار الشد والجذب منهاجا؟ والآراء تتشتت، وتتبعثر الجهود والهمم، وبدلا من أن نبني (أفعالا) صرنا نهدم (أقوالا)، والشعب الذي لايزال حياً رغم آلام الخلاف المستمر، يعي جيدا أن محرقته هي إذكاء أتون (بيزنطية الاختلاف) المنهكة، فلا نجاة له إلا أن يتجنب (رصاصة الحطام)، ويتعلّق بقشة صوت الحكمة، وكل نبتة شِقاق يزرعها (تجار مصائر الشعوب) وتنبت بجنونيتها على جسد البلد لا بد أن توأد في مهدها، وبالتأكيد لا تخلو الكويت من العاقلين.
الكويت بلد وديع تحوم عليه (العِقبان) من كل اتجاه، وشباب الوطن المخلص مندفع بأقصى سرعته يريد تحقيق آماله، بعد أن أوجعته آلام الكويت، والنوايا بيضاء خالصة لوجه الوطن، لكن عليه أن يدرك جيدا أن الكويت هنا تسكن، والاندفاع لا بد أن يصاحبه معرفة باستخدام (الكوابح)، حتى لا نبكي جميعا يوما كالنساء على (وطن جميل) لم نحافظ عليه كالرجال..!

أحمد مبارك البريكي
18-12-2012, 10:04 PM
(41) سنـة.. بحرين

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

على نهج فرانسيس مايز عندما خطّ رائعته (تحت شمس توسكانا)، رحلت في ليلة شتاء دافئة طويلة (تحت ليل خط أبو حدرية) في اتجاهي للجنوب، حيث شقيقة الكويت الصغرى (البحرين) عبورا بشقيقة الكويت الكبرى (السعودية)، وترنيمة الجوهر عبادي تخفف حمل السكة الطويلة..
سكة طويلة.. والبراري قفار.. والدار تشكي من جفا الزوّار.. والليل عتمة والأماني قصار.. يا معين اللي عينه ما تنام.. سكة طويلة..
السيارة تطوي (القار) المظلم والدرب تساوى بعده مع قربه، ساعاتي تسعى خارج الزمن وإنارات الطريق صارت في عيني المنهكة كطيور (السنونو) الراغبة باختراق نافذة رؤيتي، وحرس النوم يبدأ المسير نحو الجفون.. وقافلة عجلات مركبتي تسير، لكن لاحقا هزمني النعاس الثقيل فقررت استئناف الرحلة في (الغد)، وكان (المبيت) ليلتها في مدينة الثقبة السعودية الحدودية التي تنام على أطراف جسر الوصل.
سلطان النوم أرغمني على أقرب شقة فندقية (طحت) عليها، العمارة (جَطل) لكنها لا تخلو من (الواي فاي)، وهذا ما أسكتني وأسكنني فيها (ساعات استراحة على الطريق).
صباح يوم (16 ديسمبر) يوم البحرين، وهذا التاريخ سيزفّها عروسا ناضجة لها من العمر (41) سنة والعمر لقدام بعون القدير، (جامة الموتر) تستقبل قطرات الصبح المطريّة المحتفلة، والحياة مطر.. جسر الملك فهد بناء إسمنتي ضخم ممتد على الماء يربط عرشين لمملكتين جميلتين، وعند قمّة الجسر يبدو الخليج الأزرق منتشرا في كل جهة، وهناك في أفق البحر.. بحرَين..!
على أطراف الجزيرة الهادئة الحالمة حطّت قدماي حيث منتجع بديع يقيم فيه عبق دلمون القديمة، وطعم الحلوى الشويطريّة وأغاني الشاطئ التي ترسلها البحرين منذ القدم للكويت وخليجها، وقصر يأخذ شكل قِلاع اسكتلندا، ممراته قدّت بشكل متسلسل ومنتظم بشعلات دومريّة غاية في الأناقة، وفي نهاية مطاف طويل من قناديل الشموع كانت (الفيلا) التي تنتظرني منذ أن كبست زر (محجوز) عبر فضاء (البوكنغ دوت كوم).. من قال إن الخيال لا يُسكَن؟! فعلى ساحل أوّال هناك مدن خيال.. يا كالفينو..!
مساء المملكة الخليفيّة ذلك المساء صار روزا أبيض وجوريا أحمر، غادرت كل الألوان في ليل استقلال البحرين، وبقي العلم الذي امتدت مثلثاته الخمسة لتتشابك بمثلثات قطر العنابية، ويستمر العقد ليرتبط بخنجر عمان وصقر الإمارات وسيف السعودية وسفينة الكويت، ولتطمئن الكويت فالبحرين بألف خير.. هذا ما شهدته عيناي وأنا بين الشعب الطيب المضياف، فهذه الجزيرة الصغيرة الرائعة هي خليجٌ حقيقي مصغّر، ونموذج يجمع في قالبه وقلبه رائحة البلدان الستة، ومحّارة محبة في جوفها لؤلؤة التعاون الخليجي.
صباحاتي جنّة كانونيّة مفقودة.. وإفطار (كونتاننتالي) يليق به أريكة بيضاء مع قراءة أحلام مستغانمي.. إنه قصر ملكي صُنع فوق بحر ورمال العرب، فلا يستحقه إلا ملك عربي اسمه حمد..!

أحمد مبارك البريكي
24-12-2012, 09:06 PM
ديسمبر ..آخر العنقود!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

قبل (5125) سنة وقفت عقارب ساعة تقويم حضارة المايا في وسط أميركا عند اليوم 21 من شهر ديسمبر لعام 2012 مفترضة أن تحولات وأحداثا عنيفة ستحدث فجأة تنهي الحياة كلية على وجه الأرض، وهو ما يطلق عليه (ظاهرة 2012)، مستندة في ذلك إلى أساطير الأولين وخليط من معتقدات كهنوتية وتنجيم غيبي لا دليل له، ومع حلول نهاية العام (العالم) عند الشعوب التي تعتقد وتؤمن بتلك الديانة المنتشرة على أطراف المحيطين الهادي والهندي استشاط الناس استعدادا وترقبا لهذا الحدث العظيم الذي دعمته استقراءات علمية لوكالة ناسا الأميركية الفضائية التي روّجت لحدوث تأثيرات كبيرة لعاصفة شمسية جيومغناطيسية تحدث أعاصير مدمرة فوق سطح الكوكب وتبلغ ذروة تدميرها في نهاية عام 2012..!
مرت أيام الروزنامة سريعا ووقفنا على مرمى حجر لعام جديد سيفتح مصراعيه لأحداث كونيّة جديدة وتقلبات بشرية لا تقف وتستمر الحياة بإرادة إلهية، وتستمر معها كذلك صناعة الخُرافات ويعود المرعوبون ليصدقوا المخرّفين مرة جديدة..!
السنوات حبلى بشهورها التي تتمخّض لتلد لنا الأيام وأحداثها، وكل سنة واحدة هي بمثابة سبحة كهرميّة لها اثنتا عشرة حبة من خرز ممتدة بين (كانونين) مختلفين، كانون أول وكانون أخير، هما موسمان متباعدان لشتاءين لا يربطهما سوى حرارة صيف، وكل مستديرة من تلك الحبّات تحمل في قلبها المليء حكايات وحكايات تزخر بفرح وحزن وأشياء من مشاعر وصور تقف بين البينين، ويعتبر شهر (ديسمبر) هو آخر عناقيد عنب السنة، وهو الشهر الذي فاز بمعنى جميل هو (الاستقرار والثبوت) بشهادة بابليّة.
ديسمبر الذي أسر بصقيعه وغزارة أمطاره قلوب الروائيين فراحوا يلوّنون تحفهم الأدبية الخياليّة ببياضه ورائحة ألوان حطب مدفأته، صار يوما لـ (ترنيمة عيد الميلاد) حين ظهرت على سطحه رواية ديكنز إلى نور الأدب العالمي الخالد، وهو كذلك شهر للأحداث الحقيقية التي دوّنها تاريخ إنسان وكتبتها صفحات أمّة، ففي يوم من أيامه كان للكويت حضور حينما رسّمت حدودها الشمالية والجنوبية عبر اتفاقية العقير الشهيرة، وفيه أيضا تعرّضت الكويت لهطول أمطار غزيرة وعنيفة تسببت بتدمير هائل للمنازل فوصمها التاريخ الكويتي باسم سنة الهدامة، لكنه كان باليد الأخرى شهر علم ومدرسة افتتحت فيه المباركية أبوابها كأول مدرسة نظامية في الكويت، وهو شهر صدور مجلة (العربي) الوجه الثقافي المشرق للكويت في الوسط العربي، وفيه كذلك امتدت مساحات العِلم فتأسست مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وفيه انطلقت أول انتخابات برلمانية حرّة بعد مولد الدستور، وزفّت الأقمار الصناعية ليلة من لياليه فرحة خبر إلقاء القبض على من دنّست يداه ثرى الكويت الطاهر وانتهى به المطاف في ذات الشهر من سنة أخرى على حبال المشنقة، وهو شهر استقلال ثلاثة بلدان خليجية، وهو الشهر الذي اجتمعت فيه أقطار التعاون الست في سنة الأزمة اجتماعا طارئا ناصرت فيه الكويت ضد العدوان الهمجي، فكانت قمة الدوحة 90 قمة الإخاء والمصير المشترك، ليطلق عبر أيامه فيما بعد فرحة فوز قطر بتنظيم أكبر تظاهرة كروية عالمية هي كأس العالم 2022، بعد أن سرقت عصابة محترفة الكأس القديمة من عاصمة القدم ريودي جانيرو، وفيه كذلك حدثت حادثة لوكيربي التي كانت مسمارا ضربه القذافي بيده ليوديه النعش الأخير، وسجّل أحد أيامه وقوف المناضل الجنوب أميركي (غيفارا) متحدثا من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك، كما أحرق فيه التونسي بو عزيزي جسده في قريته الصغيرة ليحرق بعدها بلدانا أخرى، وهو شهر ذوبان قوة حمراء عظمى ذات نجمة شيوعية صفراء حكمت نصف الأرض بحديدها ونارها عقودا من الزمن فكان أفول الاتحاد السوفييتي، وهو الشهر الذي وقف فيه الرئيس الاميركي هاري ترومان معلنا نهاية الحرب العالمية الثانية التي أكلت أتونها مشرق الأرض ومغربها، لكن كانت هناك تباشير جميلة لحضوره على عالم العِلم ففي سنة من السنين اخترع جاليليو تلسكوبه الذي فتح العين البشرية على أفلاك مظلمة، وبدأ ماركوني بثه (الراديوي) عبر المحيط، ليبدأ بعده عصر الـ (BBC)، ومن بعدها عصر الشبكة العنكبوتية التي طوّقت العالم بخيوط المعرفة، وفي بداية قرن مضى نجح الأخوان رايت بالتحليق في أول طائرة ذات محرك، ليكون شهرا احتفاليا لجوائز نوبل للعلم وعلمائه بعد وفاة ألفرد نوبل ووصيته.

أحمد مبارك البريكي
26-12-2012, 08:38 PM
بريكيات (34)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• قطار النهار.. تبدأ رحلته عند آخر محطات الليل..!
• رِواق مهجور.. تتدلى من جدرانه لوحة زيت إطارها يحوي مسحة عذابات لنهرٍ عذب وشجرة يانعة تحت سطوة مطَر وطريق بعيد ينتهي بمحطةٍ منسيّة..!
• عائلة إسكيموفيّة.. أشعلت نار دفء في قلب بيتٍ بنته من جليد..!
• لم أعد ذاك الغِرّ الذي أغوته بداية القصة، ولم أعد ذاك الصغير الذي أعمته عيناكِ فسرى في طريق الحطام، ها قد كبرت وتركت بين يديك خاتمة القصة ومضيت..!
• بعض الأحقاد.. لا يُخمدها سوى (الموت)..!
• علّقت في صدر الفصل.. صورة خيال علمي في العام 2099.. تصوّر صحراء مريخيّة جافة.. غزاها إنسان وحيد سَكَن في أعلى قمة جبل قديم.. وطريقا ضيّقا زرعت جوانبه بباقات مضيئة من مصابيح..!
• حبات مطر صغيرة مهاجرة عن طريق الجو باتجاه الهاوية وصلت خاتمتها أخيراً.. لتنتحر في (خبرة) على الطريق لتحدث دوامة حزن على سطح مقبرة من صنع بنات مائها..!
• جميل أن ترى.. الحياة وأشياءها بتقنية الـ (HD) .. دائمـاً..!
• ورقة قيقب نامت على حلم ندي ووقع الخريف.. طلّ فجر شتوي تقاطرت حبات المطر بكرم قاومت عجلة المواسم فهُزمت وسقطت على رصيف عابر لتسحقها الأقدام..!
• الأمور المتطرفة.. تصنع حلولاً مستحيلة..!
• الاختباء خلف وَهم الأسماء.. في عالم يتفجّر بالاتصال نوع من مغامرة خاسرة..!
• أدرك أن الحياة.. مهما قَسَت وشحّت بصداقات طاهرة.. تحوي بين حناياها نفوساً توزن بالنفيس.. علينا فقط.. أن نبحث عنها..!
• لا ترحل الأشواق أبداً.. لكنها تبقى عالقة في الصدور..!
• تصعدُ بِنا الليالي مهرولة.. إلى قمّة (السنة).

أحمد مبارك البريكي
31-12-2012, 10:11 AM
حوار مع الكبار

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

احتفاء بليالي كأس الخليج العربي القادمة، التي ستطل مساءاتها قريبا على أهل الكرة في الخليج بعد غياب عامين ونيّف، استضاف المذيع الإماراتي المتألق يعقوب السعدي مذيع قناة أبو ظبي الرياضية في برنامج «حوار مع الكبار» الشيخ أحمد الفهد رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي ونائب رئيس اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية الدولية (انوك)، وقد حضرتُ اللقاء كاملا في ليلة غاب فيها بريق عين التفاؤل الرياضي والسياسي من عين أبو فهد.
الشيخ أحمد الفهد بدا شاحبا يخزن في صدره جبلا من هواجس وأشجان لا تخفيها ملامحه أبدا، وهو الذي عُرِف عنه حمله لكل هم كويتي صغر شأنه أم كبر، تحدث بحرارة قلق جعلتنا نتلمس من خلالها جمرات صداع وطن وأزمة شعب وصراع فوضى، ففي محطة من محطات اللقاء أطلق الفهد حقيقة يعلمها الجميع، لكن لا يريد أن يتعلّمها جميع من تسوقهم أطواق المصلحة إلى أهداف لا روح رياضية فيها ولا حتى روح إنسانية، فقال: إننا في الكويت نحتكم إلى دستور بيّن توافق عليه الحاكم والمحكوم، سلطته يستمدها من الأمة بتناسق وتعاون مع الحكم، ولا يمكن لطرف أن يلغي طرفا آخر حتى لا يختل توازن الميزان، وهي ما اعتادته الكويت وسارت سفينتها في بحر حياتها رغم ملوحة الصراعات، وكل ما (غلى) الشجن المستوطن في صدر المواطن الشيخ أحمد راح يطفئ الحزن بدبلوماسيته المعهودة المرحة وبصدره الكبير ليغيّر اتجاه الحديث لمواقع فرائحية متفائلة بعيدا عن جنازة اللطم، لكن المذيع المشاكس يعقوب السعدي لا ينفك إلا ويعود بالشيخ ابن الشيخ ابن الشيخ ابن الشهيد فهد الأحمد لمناطق منزوعة الفرح، أجبر في إحداها أحمد أن يتحدث على بساط أحمدي بكل ألم عن ضحالة بعض «السياضيين» وهو مصطلح أطلقته أنا على من جرّ الرياضة من «رقبتها» دون رغبتها وأدخلها معترك السياسة، وهو لا يعي دهاليزها، ولا يريد أن يعي، فحوّلها من تنافس بالكُرَة فوق المستطيلات الخضراء وتحت ساعات الاستاد إلى تقاذف بـ «الكُره» والأحقاد تحت قبّة البرلمان وفوق مطرقة الرئيس..!
أبو فهد (راعي الحرشا) أطلق سهما شجاعا أصاب فيه الجبناء، فبيّن أن أهل الكويت يعرفون من حمل سلاحا يدافع به عن الوطن ومن انزوى تحت سراديب (النحشه) يوم أن اعتاز الوطن، فأكد في أحد محاور حديثه أنه لن يسكت اليوم بعد أن زاد الضرب فيه لحد اتهامه بهتانا وجوراً بأنه وراء كل عثرة تتعثرها الكويت رياضيا أو سياسيا أو حتى اقتصاديا..!
للكويت رجالها المخلصون رغم كل الأوجاع والألم، وبالرغم أيضا من ظهور المتكسبين على فاتورة البلد المتضخمة، ومعادن هؤلاء الرجال لا تلمع ولا يسطع بريقها إلا حينما تدمع عين الوطن، لكن في نهاية مطاف الحوار الصريح عاد أحمد الفهد ذلك الفهد الذي نعرفه رغم كل الجِراح، ورمى بقفّاز التحدي الرياضي الجميل بلهجته المحبوبة لأحبابنا في الخليج فأعلن: أن أزرق الكويت سينشّف ريق من يرغبون خطف الذهب منه على منصة التتويج في كأس الخليج العربي..!

أحمد مبارك البريكي
04-01-2013, 01:01 AM
خليجنا واحد.. وعشرون!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

دارت عجلة الأيام سريعا لتقف بنا على مشارف بوابة البحرين مرّة جديدة ليلتئم شمل الخليج حول كأسه الذهبيّة التي سلبت ألباب الأجيال الخليجية جيلا بعد جيل، ولتنطلق جياد المنافسة الشريفة بكل طاقاتها بعد أن صارت حرب السلام الكروية ثقافة خاصة بنا التصقت بطولتها بملوحة بحرنا الجميل الذي ارتوى من روايات دموع فرحة وبهجة نفوس ونشوة لقاء.
فعلى سواحل المنامة ظهرت للوجود البطولة التي حملت الرقم الأول وها هي تعود بعد أن أطلق السهم في أعوام الستينيات أمير شاعري لقبته الحروف بديمومة سيفها، وهو الذي رسم يوماً فكرة هذا الملتقى الحلم فوق جبين سحابة من على قمة طائف، ليتسلم الشعلة بعدها من يد خالد الفيصل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البحرين الراحل في يوم ربيع خليجي آذاري الهوى، معلنا افتتاح البطولة عام 1970، وليهزّ اللاعب البحريني أحمد سالمين شباك الخصم معلنا أول هدف للخليج في المرمى الخليجي ولتكرّ بعدها سبحة الأهداف حتى وصل قطار الخليج إلى محطة الـ 43 سنة.
البحرين التي تستضيف الدورة للمرة الرابعة كانت على الدوام فأل خير للأزرق، فلم تخرج أي بطولة أقيمت على الأرض المناميّة منذ ذلك التاريخ من يد المنتخب الكويتي المرعب، لتمطر بوارق ليالي البحرين أمطارا فرائحية على استاد صداقة الكويت وسلامها، وللتاريخ فإن المنتخب الكويتي البطل الذي حاز على نصف ذهب البطولات، فيما توزّع النصف الآخر على باقي الخليج، هو الفريق الوحيد الذي فاز بالكأس في كل أرض خليجية امتدادا من مسقط وحتى الكويت ليصنع مسك ختامها أخيرا في صنعاء..!
وبرغم الرياح التي عصفت على مدار سنوات الخليج بغية إطفاء شمعة بطولته، وعلى الرغم من ألغام السياسة وهزات الاقتصاد ومواقف كثيرة صعبة حملتها الأيام، إلا أنها بقيت البطولة العربية والإقليمية الوحيدة التي كُتب لها الاستمرارية، ولم تتعد أطول فترة غياب غابت فيها أربع سنوات، ليتم تكريمها على المستوى العالمي كبطولة متميزة واحتفالية زفّت مواكبها منتخبات الخليج للوصول لأكبر البطولات بما فيها كأس العالم والوقوف على منصات التتويج القاري والفوز بكأس آسيا وأسيادها، لتصفها جريدة رياضية إيطالية متخصصة اهتمت بتغطيتها بأنها بطولة خاصة بالعرب تفوح منها رائحة المونديال..!
تنطلق غدا الدورة الخليجية بنسختها الـ (21) وهو رقم عُمر الرُشد ومنتخبات العنابي والابيض والاحمرين والاخضرين وأزرقنا تجاوزت سن الرشد الكروي بمحطات بعيدة.. بعد أن شهدت نور البدايات من محطة كأس الخليج العربي..!

أحمد مبارك البريكي
06-01-2013, 08:10 PM
أنف صدام.. وكأس الخليج!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

بالرغم من حبيّتها ووديّتها، لم تخلُ بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم على طول تاريخها من المناوشات السياسية والتوجهات المفروضة /المرفوضة، والشواهد الكثيرة المؤلمة التي نفخت لتعكّر صفو ماء البطولة ونقاء الملتقى السعيد، لعل أحد أبطال ذلك التعكير كان «المشكلجي» المقبور طاغية الرافدين.
في الدورة الخامسة التي أقيمت في بغداد العام 1979، وهي البطولة التي خطفتها بغداد تنظيميا من أحضان أبوظبي أيام الحماس القومي والتصويت الجماعي الذي طغى كثيرا على حماس الملاعب الرياضية وروحها، تلك الدورة التي وقعت في فترة استثنائية بعد توقيع مصر السادات لمعاهدة كامب ديفيد المشهورة متزامنة مع صعود «بعث صدام» للسلطة في العراق، ومع تلك التداخلات السياسية البعيدة عن مستطيل اللعب النظيف، استغل رأس النظام العراقي البائد فرصة الذهب الترويجية لأجندته التفريقية، فجرّ حبل قارب البطولة الكرويّة التي أسسها المؤسسون الأوائل بغية التقريب إلى مرسى بطولته وتسجيل أهدافه ومآربه الأخرى، يتحدث
أبوجراح نعيم سعد ظهير منتخب الكويت الطائر الذي جرح يوما مرمى العراق بهدف لا يوصف، لكنه يُشاهد بأعجوبة فيقول: إنه في تلك الدورة تغيرت أجواء المنافسة إلى شيء شبيه بالاجتماعات السياسية والإملاءات العسكرية حينما اجتمع معهم فجأة وفي أحد أيام البطولة الرئيس العراقي لمدة ساعتين ونصف الساعة بحديث طويل سياسي على شكل مرسل، وختمها بأمر خارج حدود اللباقة والاحترام حينما أمرهم برسالة عنجهية يخاطبون فيها رؤساء دولهم ليقاطعوا مصر سياسيا وبإجبارهم أثناء إقامة البطولة بالخروج في مظاهرة ضد السادات وإسرائيل..!
صدام دسّ أنفه المتضخم مرّة جديدة بعد تلك البطولة بثلاث سنوات، والتي عادت فيها الدورة لأبوظبي أيام أتون ناره ضد جارته إيران، فافتعل انسحابا غريبا لا يمتّ للروح الرياضية بِصلة، لكنه تفوح منه رائحة (بَصلة) التعالي والاستخفاف بتجمّع رياضي أخوي ينتظره الجمهور بشوق، فهدم جهود لاعبي العراق الذين جاهدوا كثيرا بغية الصعود على منصة ذهب مونديال الخليج.
عاد نظام البعث ورئيسه بعد ذلك ليسحب منتخبه مرة أخرى من كأس الخليج العاشرة 1990 التي أقيمت فوق أرض الكويت وعلى استاد الصداقة والسلام وقبل الغزو المشؤوم بشهور قليلة، بغية إدخال الكويت في دوامة الإحراج وإلغاء بطولة عزيزة اجتمع فيها شمل الأعزاء، لكن البطولة سارت بحنكة الشهيد فهد الأحمد وحكمة قيادة جابر وسعد رحمهم اللـه جميعا، قبل أن تنتهي حقبة الصِدام الصدامية ويستمر اللقاء بطابعه الترابطي بين أهل وأخوة جمعهم الخليج وبطولة الخليج.

أحمد مبارك البريكي
18-01-2013, 11:39 AM
تراث..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

الصبح عصير لليمونة الشمس.. هدوء ودفء يغمران أجواء الوطن، يوم (أوف) قصير والحنين يشدّني لمشاهدة عبق ماضي الكويت، يأخذني إلى حيث منابع التراث، فيهديني تفكيري إلى خطّة صباحيّة من صنع فكري، أجوب بها مواقع أثرية خدشتها أظافر الزمن وأهملناها نحن.
أولى خطواتي في رحلتي عكس تيار التاريخ كان بيت الموروث الكويتي أو بيت العثمان الذي يتوسط أقدم شوارع منطقة حولي، والذي جسّد خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي تاريخ العمارة الكويتية بوصفه بناءً متميزا ظل لعقود رمزا هندسيا لطراز منازل أهل الكويت قديما، يوم أن كان السقف خشب (جندل)، والحيطان «طين» وديوانية الكرم عامرة، وهذا المسكن يعود إلى عائلة عبدالله العثمان الكريمة، التي تسمّي الشارع باسمه، وتبنى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المحافظة عليه ليكون مزارا يحكي لأجيال (البترول) قصة بلدنا.
تأخذني عربة التاريخ إلى بوصلة الشمال فأتوقف في منتصف المباركية، حيث (كشك مبارك الكبير) في قلب العاصمة، وهو أحد المعالم التاريخية للكويت، بناء صغير يأخذ شكلا مربعا قُسم قسمين، مكان شرقي وآخر غربي، وهو مقر للحكم المباركي في أول أيام حكمه، وقد تم تشييده بأيادي البناة الكويتيين في عام 1897 أي بعد سنة واحدة من تولي الشيخ مبارك الحكم، لذا سمّيت تلك المنطقة الحيوية والمركز الاقتصادي للكويت بالمباركية، والكشك لم يتغيّر كثيرا سوى بعض الرتوش الترميمية التي طرأت عليه بسبب عبور الأيام.
على (حذفة عصا) من الكشك كانت المدرسة المباركية التي تعتبر أول مدرسة نظامية في الكويت، والتي قامت على تبرعات أهل الكويت التواقين للعلم في ذلك الوقت من عام 1911، وقد ولدت الفكرة من عقول رعيل العلم الأول، فأثارها السيد ياسين الطبطبائي في كلمة له بديوان يوسف بن عيسى في احتفالية المولد النبوي حينما قال: (لابد من سراج يضيء طريقنا المظلم، ولا سراج كالعلم، ولا علم دون مدارس).
الجولات المكوكيّة عبر راحلتي تسرق من وقتي الحاضر وقتا لزيارة الماضي، وعجلتي تدور حيث بيت ديكسون أو هارولد ريتشارد ديكسون، وهو أول مقر لمعتمد بريطاني في الكويت عام 1929، وظل مسكونا بعد وفاته مدة طويلة من قبل زوجته فيوليت ديكسون (أم سعود) إلى أن فارقت الحياة مع قدوم غزو العراق عام 1990 قبل أن يضمه المجلس الوطني إلى موروثاته الخالدة، القصر الأحمر الذي استمد اسمه من لون الطين الذي بني به، والذي يقف شامخا حتى اليوم في جنوب الجهراء يحكي قطرات الدم الأحمر التي نزفت فداء للكويت، له زيارة وساعة تأمّل بين أروقته وممراته الطويلة وسياجه العالي، بيت البدر الذي سبق حقبة النفط ومركب الهاشمي الذي ركب أوراق مجلد غينيس القياسي بوصفه أطول مركب خشبي في العالم، والذي يستند على أحد شواطئ (انجفه)، والمستشفى الأميركي القديم أو كما يسميه أهل الكويت (الأميركاني)، والذي يعد أول بناء خرساني في الكويت، بنته الإرسالية الأميركية عام 1914 بناء على طلب الشيخ مبارك رحمه اللـه، وجنوبا أتجه في ختام ذلك اليوم التراثي الحافل إلى حيث متحف النفط في الأحمدي الذي شرح لي بشكل واف وكاف حكاية شركة نفط الكويت التي تسعى لتكمل هذه السنة عمرها الثمانين.

أحمد مبارك البريكي
21-01-2013, 11:24 AM
1984..!

أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

مع تقاطر نفحات الكانون الباردة، يعيش الزمهرير أيام فتوّته وعنفوانه، فتتجمّل صفحات الكتب الدافئة في حفلة مكتبتي تحت أستار مدينة الليل وشموعها.. لذا، لا بد أن أنتقي من يجالسني من تلك الحفلة الحافلة بالروايات بترو وإحسان.
مؤشر الحنين للأدب الإنجليزي القديم يتجه بي إلى إمبراطورية الشمس والنور، والعقل غاو لأخبار رواة هؤلاء (الإنجلو)، فأسقط بين كفيّ رواية (1984) لجورج أوريول الأديب العظيم الذي رسم خطا نادرا لا يشابهه فيه أحد في حقل الأدب، ليصنع بذلك خيطا رفيعا فصل فيه الوضوح عن الغموض في أغلب كتاباته، وتبنّى التنبؤ المبني على علم وثقافة عميقة ونظرة بعيدة لأحداث حدثت في وقته، فأسقطها على مستقبل لم يره لأجيال ما بعده بكثير، امتد العمر بقرائه ليصلوا لحقائق وأمور أزال عنها استفهامات ماضية فتجلّت وانكشفت.
إريك آرثر بلير، وهو الاسم الحقيقي لأورويل، الذي وُلد الذكاء معه في يوم من أيام حزيران من عام 1903، واستوحِي لقبه من نهر أورويل، الذي يمر غرب العاصمة البريطانية (لندن)، واشتهر في أوساط الصحافة بجنوحه إلى العدالة الاجتماعية المطلقة التي رأى الكثيرون أنها تصادمت مع المنطق في أغلب كتاباته بذلك الزمن، لكنها قضيته التي ناضل لها وبها إلى أن فارق حياته في منتصف القرن، وعُرف عنه أيضا معارضته للحكم الشمولي في البلاد الشيوعية التي بدأ نجمها بالصعود الصاروخي بعد الحرب العالمية الثانية، ليكتب رواية «نبوئيّة» أحيتها سينمائيات هوليوود في عالم الحركة على شاشاتها، وأنتجتها أكثر من مرّة على شكل أفلام اسمها «مزرعة الحيوان»، التي تطرّقت بشكل صارخ لسلطويّة الحكم السوفييتي في عهد جوزيف ستالين، والطمع الأزلي بالسيطرة على كرسي الرئاسة، عبر قنوات بيع الشعارات وتسويق الوهم للشعوب الثائرة. وتعد الرواية بوصلة تحذيرية من الحركات التي بدأت بالظهور في حقبة معينة، مستغلة تهاوي الأنظمة التي تنعتها شعوبها بالفاسدة والقاهرة والقمعية، وفي مرحلة لاحقة اعتبرها هو نفسه بأن تلك الرواية مناهضة لطغيانية ستالين بالأخص، لتصنّفها مجلة تايم الأميركية في عام 2005 كواحدة من أفضل مائة رواية كتبت باللغة الإنجليزية.
أعود إلى روايتي (1984) التي جالستها ليلة شتويّة طويلة، والتي كتبها في عام 1949 عن عام 1984، لأكتشف أن للحب وزارة وللحقيقة هيئة وبأن غرف التعذيب تحمل ثلاثة أرقام، وللعنصرية حزام سكارليت وللبقية بقية، أخذني أورويل (الجدلي) المتسائل دائما إلى مساحات عقله الشاسعة الغريبة، التي جعلت للفكر شرطة وجرائم وازدواجية تفكير..!

أحمد مبارك البريكي
27-01-2013, 10:53 AM
بريكيات (35)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• الليلُ همزة وصل بين نهارين..!
• أجمل ما في التواريخ.. أنّ العالم كله يحسبها وأنت تعيشها..!
• في نهاية مطاف كل عام يزورنا الشتاء على هيئة كهلٍ حكيم.. ملامحه البَياض، يشعّ ألوان الحَطَب وجِمار المدفأة..!
• لا تفسير لديّ على وحشية البعض في السطو على فكرة صغيرة اسمها (تغريدة)..!
• فراشة حقل جريئة.. جنّحت بعيدا تبحث عن أحلامها الشغوفة التي لا تؤجّل ولا تنتظر..!
• يُتمة لفظٍ بريئة.. وَلَجَت صدر غانية تحمل على جيدها عقد المساءات..!
• لن تجد أجمل منظرا من ثُرية تتهادى على الثرى..!
• مرّ ذلك العام سريعاً.. اقتطع من أعمارنا سنة..!
• أرض جدباء تُعارك السماء من أجل حفنة مطر.. نهاراتها عبور لنفحات الحريق ولياليها حفلة للرمق الأخير..!
• جفّ قلمه.. فانقطع فِكره..!
• في بلاد الغضب.. يحيا هادمو صوامع الفرح.. ويرزقون..!
• في طابور شركة اتصالات.. أرى الناس تتدافع كي تدفع ضريبة كلامها..!
• هناك من يبحثون عن أوطان للإيجار.. تقدم لهم وجبات الكرامة..!
• شقائقُ نعمانٍ سكنت قاع البحر.. تلعب كلّ نهارٍ (لعبة النارِ)..!

أحمد مبارك البريكي
29-01-2013, 08:48 PM
رجل جاء.. و رحل!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

نغمة مسِج خفيفة ممهورة في نهايتها بـ «إنا لله وإنا إليه راجعون» فتحت عليّ أبواب الذكرى، وعادت بي دواليب الأيام، إلى ذاكرتي عندما كنت يافعا أقصد المسجد القريب من بيتنا وأعبر في طريقي على ديوانية ذاك الشيخ الضرير الذي يتأهب دوما للصلاة عندما يسمع صدوح صوت الحق، أميل على داره فأجده ينتظرني ليردد عبارته الراجية:
«ودّني للمسجد يا أبوك».
أمسك يمناه بيميني، يده التي عجنتها قسوة الليالي ونهارات الصبر، يحدّثني حديث طريق قصير ويسألني عن أحوالي وكيف كان يومي مع المدرسة، أتذكر جيدا كيف كان يرطّب لسانه على طول المسافة بذكر الرحمن، ويتمتم في نفسه أن يحرّمه الله على النار، ويسأل العزيز القدير عن كل ما هو جميل.
أغيب أياماً، ثم أعود لأمسك يده مرّة أخرى فيرافقني للصلاة ويسألني عن أيام الانقطاع وما إن أشرح له أعذاري حتى يتنفس الاطمئنان ويدعو لي بالخير ويوصيني بالصبر والصلاة مادمت حيا.
كبرت وكبر هو أكثر.. لكن الثابت الوحيد ظلّ بيننا خطوات المسجد القريب، بانت خيوط الكهولة على محيّاه مع مرور الدهر وعبرت به سنين العمر إلى محطّات بعيدة من الرجاء الذي لا ينقطع مع اللطيف الخبير، كبرت أنا أكثر وكبر.. تركت بيتي مغادرا منطقتي إلى البيت الجديد، وظلّ هو في داره القديمة، انقطعت عنه سنين عديدة ثم عدت.. فرأيته ذات زيارة عابرة ممسكا بيد صبي يقوده إلى المسجد القريب عبر طريقه الأزلي الذي استوطنته خطوات قدميه.
أعلم جيدا أن من فقد البصر عوّضه الله بنور البصيرة، وشواهد الذين عاشوا وماتوا شاهدة، وأعرف أننا لا نبكي على الأموات لمجرد موتهم، لكننا نفعل ذلك لأننا عشنا معهم حياتهم فرأيناها تستحق التألم على فقدها، وحياتنا تعجّ بالذين غادروا وتركوا بصمات بيضاء، وأنفاسهم لا تنقطع عن زيارتنا بشكل عابر كل حين.
رحمك الله يا «أبوحمود» فلاح القريني، وجعل مثواك الجنة، فإننا على فراقك لمحزونون، وكم سأفتقد كثيرا عبارتك الراجية: «ودّني للمسجد يا أبوك».

أحمد مبارك البريكي
03-02-2013, 08:33 PM
هدية الملكة.. مملكة!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

خبر تنازل ملكة هولندا عن العرش لمصلحة ابنها، رآه الكثيرون انه سخاء ملكي باذخ وعطاء ارستقراطي ثمين وكرم لاحدود له، وأنا أشاطرهم هذا الرأي.. فثقافة التنازل عن العروش ليست سهلة في قاموس الملوك والملكات، فالتاج في كثير من أحيان التاريخ صار أعز وأغلى من الابن والأم والأب وكل العشيرة الملكية، وفي فصول مأساوية أخرى سحب معه الفواجع حتى أريق على جوانبه الدم، لكن مملكة هولندا الأورانجيّة لها ملكات تقاليدهن غير وأساليبهن في نثر الإيثار يحرّك الكفّين على أن يتصافقا إعجابا وتقديرا، فمن وهب جزءا من وقته ليتتبع صفحات ماضي هذه العائلة الهابسبورغيّة العريقة سيجد حتما ما يقوله ويدهش له.
الملكة بياتريكس التي بلغت من العمر عتيا، وقف بها العمر هذا العام عند الرقم 75 سنة وقد حكمت مملكة الأراضي المنخفضة بعمر جيل كامل 33 سنة لتتنازل بالنهاية لابنها ويليام، وهي إشارة ذكيّة لتجديد الدماء في هذه المملكة التي تستلقي على المحيط الأطلسي الكبير، ليحمل ابنها ويليام من بعدها لقب الرابع بعد جده ويليام الثالث الذي توفي ولم يكن له وريث للملك غير ابنة في سن العاشرة من العمر لكن الهولنديين نصّبوها ملكة فعاشت لستين سنة حاكمة تحصد حب الشعب والشعب يحصد الرخاء.
بياتريكس الملكة المتنازلة هي ايضا اعتلت الحكم في عام 1980 بعد ان تنازلت لها والدتها (الملكة جوليانا) عن العرش، وسلسلة التنازل المأثورة كذلك وصلت للجدة الكبرى (الملكة فولهامينا) التي تنازلت للأم وهكذا تتناسل الملكات جيلا يصطف خلف جيل.
وللملكات في هولندا يوم كرنفال برتقالي فخيم يمر كل سنة عند أواخر نيسان مع تفتح الزهور ويسمى بيوم الملكة، ويحتفل فيه الهولنديون المعروفون بارتباطهم التام بعائلتهم الحاكمة تلك التي ألهمتهم ليلتهموا أراضي بلدان العالم خلف البحار الستة، ولترتفع رايتهم ذات الألوان الثلاثة في كل الاتجاهات، بدءا بإندونيسيا التي كانت تعرف بالجزر الغربية الهولندية وانتهاء بجزرالانتيل الهولندية التي تسبح على حواف الكاريبي، وقائمة طويلة من الدول التي رزحت تحت التاج الهولندي الى أن اقتنصت بعضا منها الاستقلال والتحرر، والشاهد أن تلك الخرقة الرمز لمملكة نيذرلاند كما تعرف، لم تصل الى تلك الأقاصي لولا إخلاص الهولنديين لمملكتهم ورموزها.
وكل ملكة هولندية لها عُرف جميل تعرف به وهو القيام بالتجوال بعربتها الملكية المكشوفة الجوانب في كل حفلة وطنية لمقابلة الناس مباشرة (وجها لوجه) وليس من وراء الحُجُب تتلقى رسائلهم وتعيش طبيعتها مع طبيعتهم وترى بعينيها أفراح أعينهم.

أحمد مبارك البريكي
11-02-2013, 01:49 PM
أشياء وأشياء..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

بلدنا الذي كان في ما مضى ينمو يوم أن كان يصنف من ضمن قائمة الدول النامية، أصابه دوار البحر مع تراكم السنين الضائعة فضاعت معها بوصلة نموه وتغيرت وجهته إلى أسفل حيث التقلّص والانكماش والتدهور والسقوط، لقد تخطينا بهذا البلد الوديع كل حواجز الألفة وحدود الأدب والاتزان حتى وصلنا به إلى مدافن الفرقة وقبور التنكيل ومساحات الشتات.. لم يعد هذا الوطن الجميل يحتملنا ويحتمل أوزارنا وطعنات (أزوارنا) ولم يعد يمكنه الصمود أمام فوّهات بنادق أفواهنا.. وقطار اللسان (المؤذي) يبعثر الكلمات المزعجة ليلوّث آذاننا وبيئة مجلس أمتنا الذي وضعنا كل آمالنا في قاعته منذ انطلاق الدستور وحتى سنوات (الحل) المتكررة، ليخرج من عقره أخيرا (صوت واحد) من نوابه مرجفا مشوّها أسماعنا بتهديداته الطلّابية (من الطلايب) مزبدا ليقول:
(..راح أسلخ الوزير سلخ..!).
هكذا بكل بساطة وسهولة ويسر تحوّل برلماننا العتيد إلى (مسلخ) للأحقاد والمبارزة العنتريّة، إن هذه المفردات (النابيّة) النيابية لا تليق بمن نراهم في المقاعد المتقدمة لتمثيل شعب محترم عُرف بطبعه الراقي ومعدنه الأصيل وترفعه عن الإسفاف، لقد تعبت الكويت كثيرا وتعبنا نحن من خنقها وخناقاتنا، وتعب كل من يحبنا ويرأف بحالنا من مشاهدة تقطيع أوصالنا بأسناننا ولساناتنا..!
***
تحريض الشباب الكويتي المتحمّس لإصلاح خلل ما بالاعتداء على قوات الأمن الكويتية و(لعن السنسفيل).. أمر مرفوض تماما حتى وإن جاء من جهة نقدّر غضبها الوطني على نشدان التصحيح.
***
في (ضيعة) البلد صرخت الفوضى صرختها الأرخميديسيّة:
أوريكا.. أوريكا.. أوريكا (وجدتها.. وجدتها.. وجدتها..)!
***
أتقدم بوافر العزاء للأخ الكريم مشعل جمعان الحبيليص لوفاة ابنه (أحمد)، راجيا من المولى العزيز القدير أن يتقبله بواسع رحمته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، إنا للـه وإنا إليه راجعون.
***
كما أسأل اللـه العلي القدير أن يشفي ابن العم العزيز (حمد براك البريكي) الذي تعرض لوعكة صحية مفاجئة ألمت به، وأن يمن اللـه عليه بإكليل الصحة وموفور العافية ويجعل ما أصابه كفارة له ورفعة في الدرجات.. اللهم آمين.

أحمد مبارك البريكي
18-02-2013, 08:56 AM
طلاء «القان»..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

شمس عصر الثورة اللينينيّة تهبط منذ سنين في لُج الشرق الشيوعي وتموت، ثم تبعث من جديد عقب حقبة الاختباء لتحيا وترتفع راياتها القانية الحمراء عند ناصية الخليج العربي وفي بلد صغير يسبح على آبار الوقود!
وتلك الآبار السائلة السائبة السلسبيليّة تعلّم الطمع والسباحة في نهر العسل والدسم واللبن الأبيض، فكم من عليل عاش فيها حينا من الدهر، وكم من صحيحٍ مات كمدا وحسرة من أفعال و«خماشير» تويجر.. (تصغير تاجر)..!
وهذا الـ «تويجر» يعد مثالا رائعا على ذاك الجشع والشرب من «قار» البئر السوداء، حينما صار ماردا متمردا يطاول أعناق القانون بقوة المال، وهو الذي افترش الأرض صغيرا يوم صوم، ليفطر على هلال رائحة الأسمنت الخفيف وعصائر الزيت الثقيل، ثم ليمسك بعدها طلاءً أحمر قانيا بيد وعود ثقاب سريع الاشتعال بيد أخرى، وراح يصبغ ويحرق على «كيف كيفه» ويرتكب الكبائر والصغائر وصولا لهدف المال و«خضار» البنكنوت فوق انعدام جاذبية الضمير وشرف مهنة التجارة المروم، وغياب تام لمفهوم نُبل المواطنة، ولا عجب ففي أروقة نواميس بلد الزيت المطحون يتطاحن «التويجرات» بعضهم مع بعض صراعا طويلا مقيتا من أجل البقاء، والبقاء طبعا هنا لقوة النقود والنفوذ و«تبليق» العيون الحمر التي لا يملؤها غير التراب..!
تجوري التويجر ليس له «قيش» ولا مقياس، ويرغب دائما بالالتهام و «بلع» كل شيء، وحافلة حمراء قانية تطرق وتحرق كل الخطوط الحمر والزرق، وتنسف في سعيها كل ناقل أزرق لتتركه رماداً بعد شعلة النشاط، تلتهم عجلاتها الطريق تكسر كل إشارة حمراء، وصولا إلى منبع الأسود اللامع قبل النضوب، حتى طارت من نوافذها الطيور المهابيل وجراثيم الأسنان إلى فوضى شوارع الفضاء ومنابر الكلمة والرأي، لتنفث في كل عقدة لتنعقد، و«تويجر» متأهب لكل ذلك، ممسكا طلاءه القاني يصبغ الكلام بدم التجارة ويتوعّد «الرُكَب» بالدم الأحمر لمن يقترب من حمى إمبراطورية الـ «تجوري» العظيم والتجارة الرائجة، حتى وصلنا إلى ذلك اليوم الذي لا ينسى بشهادة الشهود.. وقت ظهوره من القمقم ناطقا بعظمة اللسان بأن بلد البترول لا يساوي فتيلاً عنده، سوى أنه أنبوب عريض «يشفط» منه ما يملأ بطن «التجوري»، ليستمر بالاتساع والانتفاخ والتمدد..!
في زمن مردة الزيت والنفوس الشرهة لجملة الـ «هل من مزيد»، سُرق الهواء، وصار لون البحر و«البر» «قانيا»، وفتنة اشتعال حقل «برقان» البركاني على رأس عود ثقاب تنتظر شرارة النفخ،
و«البوق» جاهز.
يطلق البدو على الصحراء اللامتناهية الأفق والمتلاشية في البعد اسم «الخلاء» وتعني في اللغة «اللاشيء».. ويستخدمون كلمة «الخلاء» عادة ويكررونها لطرد من يشمئزون منه ويتضايقون من وجوده بينهم.. هنا في الكويت نحتاج إلى «حلق» كبير يعلن بدويّ صارخ طرد «المارد» الـ «شبيكي اللبيكي» الثقيل، وينفخ فيه وفي «تجوريه»
قائلا: «الخلاء»..!

أحمد مبارك البريكي
03-03-2013, 11:02 PM
بريكيات (36)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• تجرفنا سفائن الليالي إلى مرافئ البقاء.. ونحن على صهوتها نصارع الموج لعين الخلود..!
• ازرع جميلاً..
• مدينة الليل ملجأ.. المصابيح..!
• هناك روايات تسرقك إلى خارج حدود الوقت.. تدخلك مساحات فكريّة.. وتعبر بك جبال السؤال والتبصّر في حقيقة الأشياء.. وليس من السهل أن تعتق رقبة عقلك من جاذبية فتنتها..!
• الكون بلا حدود.. لكنه مغلق!- هوكينغ-
• لذلك.. بعض الصداقات يصيبها الصدأ..!
• واحة اليأس مَجمع البائسين..!
• لولا مدائن الثلج ما كانت مداخِن الحريق..!
• نحن لا نبكي على الأموات لمجرد موتهم.. لكننا نبكي على حياتهم التي عشناها معهم..!
• تاه المركب عندما كثُر (الربابنة)..!
• شجرة الزيتون طويلة عُمر..!
• البيداء تتغنّج في موسم الرحلات.. وكثيب الرمال ثوب الصحراء..!
• هكذا الصُبح دائماً.. يفتح باب الفجر بمفتاح الأبصار..!
• تنتهي كل الأحاديث في حديقة شعبها جيش الأزهار.. وصوت معركتها نغمات (شتراوس).. ونافذتها (دلّة) ومطر..!

أحمد مبارك البريكي
11-03-2013, 03:58 AM
الطائف بلد الورد والرمان وعصير العلّيق..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

همّ مساء الطريق المنهِك الطويل بالرحيل، وأزفت تقاطيعه المظلمة على الاختباء ومشارف الطائف ومناراتها تضوي أفق الواصلين، أنا الراحل إلى عكس اتجاه التاريخ ألتمس مأوى ليل، وأنشد صباحات للفرجة والانطلاق.
قرية خضراء.. واسم على مسمى في بقعة منزوية من فناء المدينة الكبير كانت منزلي، وهي قرية ذات «فلل» متناثرة تربطها حدائق غنّاء ومزروعات وشجيرات للورد، فلا تعجب هنا لمرأى الوردة، فكلما عطفت ناظريك في كل اتجاه فإنك ستجد كرنفالات لألوان الوردات والأزهار، فالطائف - بحق - هي بلد الورد والزنابق المتلألئة.
وهي كذلك موطن التاريخ والحصون وثقافة البناء بالنمط العربي المزخرف العتيق وخط متعرّج يستوي فوق كل حضارة مرّت من هنا، إنها بلد الحائط الذي بنته ثقيف في سالف العصر، لتحمي به ظهر الكعبة من جيوش الغزاة، ليقول أبوطالب (عم الرسول الكريم) بيته الشهير:
حمينا بيتنا من كل شرٍ
كما احتمت بطائفها ثقيف
...
فتح الصباح نافذته لي فظهرت كل الأشياء، وسوق عكاظ التاريخي القديم يأخذ مكانه القريب مني، وهو المنتدى الأدبي العظيم الذي فاح عطر شهرته منذ عصور الجاهلية الأولى إلى وقتنا الحالي، ولقد كان أحد أعمدة الأسواق الثلاثة في حقبة ما قبل الإسلام ومحطة لتبادل البضاعة الأدبية والشعرية وحتى التجارية، وأخذ لقبه من «التعاكظ» أي التفاخر والإنشاد، وبين جنبات تلاله وقعت أيام الفجار تلك الحرب الضروس التي وقعت واقعتها بين قريش وعيلان، وهي المعركة الوحيدة التي شارك بها الرسول، عليه الصلاة والسلام، في الجاهلية قبل بعثته.
فترة الظهيرة وصوت الحق يوشك على الصدوح، أخطف قدماي سريعا إلى مسجد حليمة السعدية مرضعة الرسول، عليه أفضل التسليم، بالقرب من قرن المنازل، والذي تسمّى في وقتنا الحاضر بالسيل الكبير، وهو موقع ميقات المعتمرين وحجاج البيت الحرام المنطلقين من الجنوب، وهي كذلك بقعة مضارب بني سعد التي شهدت باحاتها ملاعب لطفولة سيدنا محمد رسول الإسلام والسلام، والمسجد تسمّى حديثا باسم حاضنة النبي، كتكريم وتخليد لذكرها الطيب.
نهاري بعد جولة الطواف بطائف التاريخ كان «شفاء»، فعلى ظهر أعالي قرية «الشفا» القريبة، حيث السحاب وعصير التوت البري (العلّيق) ومزارع الرمان ومرتفعات السراوات، هنا للانتعاش بيوت وللنفس فسحة راحة وللطمأنينة كلمة، افترشت سطح أحد التلال قبل المغيب برفقة القهوة وشيء من السكينة والتأمل، وعلى شفير قمم حجازيّة سطعت على حجارتها الناريّة أشعة الأصيل، فاكتست لون النحاس.. منظر جميل، زاد جماله عبور شيخ حجازي جليل حسن المنطق بليغ القول، بادرته بعزيمة على «دلّة» القهوة، فأجابها وعرّفني به وبتاريخ قرية الشفا وبسكانها الذين ينقسمون إلى ثلاث قبائل عربية أصيلة، هي ثقيف وهذيل وبني سفيان، وقد كانت ولاتزال من أهم المصايف التي يرتادها كل ملك يتربّع على عرش المملكة، لتصبح بذلك العاصمة الصيفية الرسمية للبلاد.
وفي نهاية حديثه اللطيف، نصحني بارتياد جبل دكا القريب أعلى جبال محافظة الطائف، الذي يبلغ ارتفاعه قريبا من 2500 متر عن سطح الماء، ففعلت وارتقيت.. ومن أعلى العلو انقشعت كل الغطاءات الخافية، فتعرّت المدينة الجاسرة بجمالها تحت مرمى بصري.

أحمد مبارك البريكي
17-03-2013, 08:09 PM
يومان في الرياض..!

أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

يحلّ موسم تظاهرة الكتاب السنوية في العاصمة السعودية الرياض، فأشدّ الرحال في جولة معرفيّة صوب الجنوب إلى روضة الكُتب ودور العِلم وحبور الصفائح، وبين عاصمتي الشمال والجنوب الخليجيتين بيدٌ دونها بيدُ، ودروب تضُج بالمسافرين، ومحطات بعيدة تَهبُّ للرُّحَّل والتقاط الأنفاس.
يومي الأوّل شطرتُه إلى قسمين متساويين، في الصباح منحته للمتحف الوطني السعودي ودارة الملك عبد العزيز، والمساء تركته للزيارة الأولى لمعرض الكتاب، في مركز الملك عبد العزيز التاريخي أجدني أجول بين الأروقة المتناسقة التنظيم وبمعيّة أستاذ فاضل، وهو السيد الكريم عبدالله الهدلق (أبو سليمان) مدير إدارة المتحف، الذي غمرني بعلمه الوافر وصحبته الطيبة، أخذتني (الستيكرات) اللاصقة على أرضية المتحف العريض خطوة بخطوة في رحلة مجانية إلى عُمر الكون والأرض، بداية من زمن الانفجار العظيم (The Big Ban) مرورا بنشأة الأرض وحضاراتها، وكل قفزة قدم كانت محسوبة بحساب وقتي دقيق، فمن حضارة الآشوريين إلى أحجار الفراعنة عبورا بأنبياء الله وحكايات أقوامهم، كل ذلك احتواه (كتالوج) المتحف الفخم.
أتوقف قليلا في حقبة الجاهلية ومعلقات شعرائها العِظام كطرفة وامرئ القيس وعنترة، لأجدني على أبواب فجر الإسلام وبعثة النبي عليه السلام، والممر لا ينتهي حتى يخبرني بهجرته الشريفة، وعروض سينمائية تنفرج أوتوماتيكيا تدعوني لفرجة وإطلالة على نافذة التاريخ، وعصور الإسلام تتوالى محطاتها على سكة السير الجميلة، ليتوقف المتحف بي في نهاية الطواف عند شرح تاريخ الدولة السعودية، وقبل الخروج النهائي تنزوي قاعة بهيّة ترفل جوانبها بحكايات الحرمين الشريفين وتراث تطورهما.
أختم زيارة النهار بالتجوّل في دارة الملك عبد العزيز بين مواريثه من مخطوطات وموجودات قصره بما فيه أول سيارة دخلت شبه الجزيرة العربية وكذلك علم التوحيد الأخضر الذي وحّد فيه مملكة مترامية الأبعاد.
جاء المساء وجاء موعد الكتاب، ودور عرض المنتجات الفكرية تفتتح أوراقها على مصراعيها، وجناح مدارك الدخيل تكتظ بسائحي الكتب ودار الثلوثية وصاحبها الرحالة العلامة محمد ناصر العبودي تعطي العقول بلا حدود، فلا عجب فصاحبها هو المبعوث الرسمي لخادم الحرمين الشريفين إلى كل مسلم في العالم وهو أديب من طراز فذ ونادر.
تحلّ الصلاة لينتشر المنظر الجميل بين أجنحة الرفوف المعبأة بالدفاتر لأناس حضرتهم الصلاة فصلّوا.. وفي جناح مكتبة آفاق أجد بعضاً مني نفذ إلى ملتقى الكُتب فتبوّأ مقعده بين رياض المعرفة، وكل دار تنادي العابرين بزيارة بنات أفكارها.
ومن محاسن صُدف المعرض الأدبي أن التقيت بنخبة من المفكرين والأدباء الذين يُكيلون اللقاءات الوامضة بالذهب، لألتقط صورة وأستقي لحظات سعيدة مع الراوي السعودي الشعبي محمد الشرهان الذي اكتسب شهرة واسعة عبر برنامجه الرمضاني (الروّاي) الذي حقق أرقاما عالية في المشاهدة والذي يروي ما يروي عطش الباحثين في تراثهم القديم، وصورة أخرى تجمعني بالدكتور محمد آل زلفة، العضو السابق في مجلس الشورى السعودي والكاتب الليبرالي ذي الشخصية المثيرة للجدل، كونه من الداعين لإعطاء المرأة حقوقا أكثر بما فيها حقها في قيادة السيارة ما أثار عليه موجة هجوم شرسة من التيارات الاجتماعية والدينية في السعودية.
نهار اليوم التالي أبدؤه بإطلالة من الوثب العالي داخل برج الفيصلية، أحد أبرز معالم العاصمة السعودية، الذي دُشّن في بداية الألفية الثانية، وإفطار (قارّي) في قمة البلورة وعلى ارتفاع بعيد عن سطح اليابسة، مذاق قهوتي كان (دكتور كيف) وهي سلسلة محلات شهيرة في الرياض، وإن كانت كلمة (كيف) تعكس معنيين متوازيين في لغتين مختلفتين، فهي بالعربية تعني (المزاج الرائق) وبالإنجليزية تعطي اسم (القهوة)، وقد أخذت مكانها بين المقاهي الأنيقة بعد قصة نجاح صاحبها الشاب الطموح يوسف الراجحي الذي ارتحل يجوب الأرض بحثا عن مذاق قهوة زكي يقدمه لزبائنه على طبق من بُن.
استاد الملك فهد الدولي، أمُرُّ عليه مرّ سحابة في قيلولة صيف، ويذكّرني جيدا تاريخ افتتاحه بعمري الفتيّ وقتما كنت شغوفا بكل بطولة لكرة القدم، وبالتحديد في أحد أيام شهر مارس من عام 1988 ومع انطلاقة كأس الخليج التاسعة بالرياض حينما اصطفت جموع الأشبال الصغار بملابس بيضاء ممسكين حَمامات سلام ليصنعوا من أجسادهم كلمة (فهد).

أحمد مبارك البريكي
22-03-2013, 10:11 AM
ينبع مدينة البحر والنخيل..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

الدرب المعبّد الوديع يحني جسده الفارع الطويل ويمتد أمامي ليمهّد لي رحلة الذهاب، والبحر الأحمر الواسع يشتبك في الأفق مع مشهد انتهاء الشمس، ومغيب مألوف يداهمني، لوحة إرشادية وضّاءة تشير إلى قرب حلول مدينة ينبع، وعجلات مركبتي تسابق الأمتار الأخيرة للوصول إلى منبع البحر حيث منتجع (أراك) الذي انتقيته بعناية بعد أن جُلت في شعاب (الإنترنت) لأجد مسكنا لائقا بهذه المدينة التي اختارت الشاطئ مسكنا لها.
من على شرفة إقامتي هدوء وسكينة وحديقة منمّقة تستوطن تحتي وأمامي بحر ينام ملتحفا رداء الليل ينتظر صباحه ليشعّ زرقته للكون ويزهو للزائرين.
نهاري يباغتني.. فأتجهّز له بكل عتادي و(كاميرتي) الكانونيّة بندقيتي لقنص مشاهد اللحظات الاستطلاعية.. يوم أثري آثرت فيه كشف حجاب مدائن ينبع النخيل وهي قرى متناثرة كحبات البلور في صحراء تهامة الشاسعة التي تحجز الحجاز عن بحر القلزم القديم، وتقع على مرمى حجارة من ينبع البحر، وقد تشكّلت من مبانٍ من الحجارة والطين تتحلّق حول ينابيع العيون الموزعة لفيض جوف الأرض.. إنها الوجه الآخر لمدينة ينبع التي سميت نسبة لهذه الينابيع التي يقدّر عددها بـ (370) بئرا.. وتبعد هذه القرى الريفيّة مسافة نصف ساعة عن مركز المدينة وتنتشر بها علامات نهضة غابرة كالقصور الطينية وأعجاز البساتين الخاوية التي توحي بمرور حضارة هناك قوامها العمارة والزراعة والماء الوفير.
جبل رضوى بجماله وارتفاعه يستقبلني عند باب ينبع مرة جديدة وأنا في رحلة العودة، لأجد ضالتي في رحلة صيد قيلوليّة على مسطّح البحر الأحمر النائي البعيد والمحاذي للـ (فيلا) الينبعيّة الفاخرة، لأظهر بها بعض مهاراتي المخفيّة في سحب السمك الكثير من قيعان حياتها إلى قمم مائدتي..!
ينبع المدينة التاريخية لا تزال تخبئ لي شيئا لأعرفه، بعد أن أخَذَت من عمر الدهر 25 قرنا ها هي تصنع لي حكاياتها الجميلة، فهي مركز لعبور قوافل البهارات والتجارة بين اليمن ومصر في عصور الإسلام الأولى، كذلك سجّل لها التاريخ الحديث نقطة نضاليّة للجيوش العربية في معركتهم ضد العثمانيين إبان الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى حينما كانت ميناءً للتزوّد بالإسناد العسكري وقاعدة لانطلاق الهجمات القتالية.
قبل نهاية النهار المليء وقفت في القرية التراثية المقابلة للميناء البحري الكبير الذي يورّد الحجاج من كل الفجاج، فأقف أمام منزل حضرمي قديم متجدّد الأصباغ، واكتشف بأنه ذات المنزل الذي كُتب تحت سقفه لقاء لملكين عربيين قبل سبعة عقود من الزمن وهما الملك عبد العزيز آل سعود أول ملوك المملكة العربية السعودية والملك فاروق آخر الملوك العلويّة في مصر عند زيارة الأخير التاريخية الشهيرة لينبع التي تمخّضت مباحثاتها عن ولادة جامعة الدول العربية.
مع قدوم الليل كنت قد قُدتُ سيارتي باتجاه مهرجان الزهور والحدائق الذي تقيمه الهيئة الملكية في ينبع كل سنة مع مغادرة موسم الربيع، لأجد أن جِنان الورود وأريج الزهرات لها حضور فوّاح وبهي بين سجّادتي النخل والبحر..!

أحمد مبارك البريكي
27-03-2013, 12:18 AM
على طريق (العُلا)..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

طريق «العُلا» الممهد الجديد الذي يخيط القرى المجاورة للمدينة المنورة، فيجمعها في خيط (خط) واحد، متجها بها إلى الشمال إلى بواقي وجهتي، على ذلك الطريق وفي مكان ما من تيه صحراء يعبرها مرتحل، بهرني منظر لمدائن ملحيّة عريضة وفراغ متلاش يستوطنه بياض، إنه الجفاف، حينما يسكن الجفاف منظرا لا تقوى على مقاومته عدسة (كاميرتي) الساطعة، فراحت تعالج المشهد لتأخذ مهمتها التصويرية.
جهاز (GPS) صديق طريق صدوق، و«دليله» لا يشق له غبار، فهو لا يكل ولا يمل من شرح تفاصيل الدروب، يشير لي إلى موقع مدائن صالح أو مدينة «الحجر»، كما عُرفت في فجر التاريخ، وكما تسمّت بها إحدى سور القرآن الكريم، وهي مكان قوم ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفيها أيضا محطة لسكة الحجاز العثمانية، وتبعد هذه الكنوز الأثرية عن مدينة «العُلا»، مسافة 25 كيلومترا إلى الشمال.
زيارتي كانت فاحشة الغِنى بنقود التاريخ، أقف أمام القصور العظيمة المنحوتة في بطون الجبال الشاهقة، التي صنعها قوم أشدّاء وصفتهم آيات الله بشدّة ودقّة، وهم قوم سيدنا صالح عليه السلام، الذي بُعث حاملا بيد رسالة النور وبلسان قول التوحيد: «يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره».. وبرغم المعجزة الربّانية التي فلقت الحجر لتظهر للوجود ناقة الله الخارقة.. فإن قصة العذاب الإلهيّة تكررت مرة جديدة مع القوم الجاحدين، والمستوطنة الثموديّة تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد وفق المؤرخين، وقد عُثر في نفس المنطقة على آثار ودلائل تشير إلى وقوع المنطقة تحت الاحتلال الروماني وكذلك النبطي في ما بعد وعلى فترات وعصور متفاوتة، ومن الأمثال التي توارثها العرب ولايزال أهل البادية «يتقاولونها» مثل يضرب لقدم الزمان والأزل البعيد، وقد سمعته من عدد من كبار السن وهو «ثمدا وثمود وبنيت العمود»، والقصد بائن من سياق المقولة.
في العام 2008 أعلنت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونسكو) أن مدائن صالح موقع تراث عالمي وإنساني تحت مظلتها، ليصبح بذلك أول موقع في منطقة الجزيرة العربية ينضم لإرث تلك المنظمة، وقد تزيّن مدخل الموقع بالعلم الأممي الأزرق، لذا كانت الصورة (الأنستغراميّة) تأخذ مجراها لتُظهر وقوفي في حلق أبواب تلك القصور المنحوتة بشكل شديد البروز، وقد علتها الشرفات المعلّقة وأعمدة التيجان النبطيّة.
في طريقي للخروج بعد ساعات التجوال في وادي تلك الحجارة الحضارة، شدت انتباهي لوحة في ركن بعيد كتب عليها بئر الناقة، وهي مكان البئر التي كانت موضع سقاية الدابة الكريمة.. وقد كان مدفونا لمئات من السنين، إلى أن تم التنقيب عنه قبل عدة سنوات فزال نقاب الردم، لتظهر البئر مرة جديدة على سطح الوجود رغم الدهر الطويل.
عند حافة «الحجر» وجدت بقايا باقية من سكة حديد الحجاز الشهيرة التي رمّمتها أياد سعوديّة أخيرا، بعد أن شيّدتها أيادي سلطنة بني عثمان أرطغل في عهد عبدالحميد الثاني بالعام 1900 قبل أن تدشّنها السواعد الشاميّة في العام 1908 منطلقة من دمشق إلى مكة المكرمة، حاملة معها حجاج البيت المعمور، مرورا بمدينة الرسول الكريم، وقفت هناك مقتربا من قضبان الحديد الضيّقة التي لا يتعدى عرضها 1000 ميلليمتر، لكن طولها يتجاوز الـ 1350 كيلومترا، لتحيي قاطراتها المنطلقة إيلاف رحلة الصيف القديمة، والذي استمر تشغيله 8 سنوات حتى قيام الثورة العربية الكبرى في العام 1916، حينما تعرضت السكة للتخريب والتدمير على أيدي القوات العربية بتحريض من بريطانيا العظمى، وقد صوّر الفيلم الهوليوودي التاريخي «لورانس العرب» الذي أنتج في العام 1962 مشاهد تصويرية تبيّن ذلك الحدث.
اندثرت معظم قاطرات ذلك الخط الحديدي مع اندثار خلافة الباب العالي في إسطنبول، ولم يتبقّ منها إلا الحُطام وتلك الخُردة التي توقّف بها الزمن في صحراء العُلا السعودية، لتكون شاهدة على تاريخ «يُحكى أنّ»..!

أحمد مبارك البريكي
29-03-2013, 12:02 AM
حائل جارة الجبل..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

فتحت حائل دراويزها لمقدمي وبانت شُعلاتها الوضّاءة من بعيد تستدرجني للولوج، اقتربت.. فتطايرت أمامي مكامن حُسنها، كان أوّل بناء يشدّ ناظري تلك الليلة هو مسجد ضخم اتخذ من المدينة مكانا غربياً، وللوهلة الأولى خيّل لي بأن نسخة جديدة من (آيا صوفيا) سكنت قلب صحراء العرب!
لم أنتظر طويلا.. فَمَع ترتيب أمور سكني وإناخة أمتعتي قررت سبر ذاك البناء العظيم لأقترب منه أكثر وأعرف عنه أكثر، إنه مسجد الراجحي الذي بني على المعمار الإسلامي التقليدي بقبابه التي يصل عددها إلى 56 قبّة والمرتفعة جدا عن استواء الأرض بحوالي 70 مترا، ومآذنه الأربع التي يفوق ارتفاعها 85 مترا، لتعانق بذلك العلو مستوى قبة السماء ولتلهب العيون بمنظرها الشامخ البهي، ويضم المسجد بالقرب من محراب الجمعة غرفة خاصة للترجمة الفورية للخطبة، وهي فكرة مبتكرة ورائعة لخدمة المصلين بمختلف لغاتهم، وقد تم تدشين ذلك الجامع قبل عامين وفي يوم جمعة مباركة.
صباح (حائلي) لطيف زفّ إليّ مع طلوع تباشير نوره مفاجأة من العيار الجميل، فقد التقيت عند مدخل الفندق الذي أقمت فيه ليلتي الأولى الباحث في التاريخ الأستاذ العزيز عبدالعزيز العويّد، فغنمت منه وقتا ثمينا شرح لي فيه تاريخ جبلي (أجا وسلمى)، وقصة العشق الأسطورية التي سطرتها بيوت الشعراء الأولين، ومنهم لبيد بن ربيعة الذي قال:
كأركان سلمى إذ بدت أو كأنها ذرى أجأ إذ لاح فيه مواسل
وكسبت من الأستاذ العويّد أيضا نبذة عميقة عن تاريخ حائل قبل أن أودعه ويودعني، لأبدأ مشوار رحلتي إلى منازل الكرم والسخاء إلى مسقط رأس وقرية حاتم الطائي، الذي غطّت حكايات جوده مشارق التاريخ ومغاربها، حيث لامَسَت أطرافي مواقدَ الكرم وأطلال قصوره الطينية العتيقة وتربة قبره الذي يقيم فيه إقامة أبدية تحت سفح جبل طيء بالقرب من قرية توارن الأثرية.
وحاتم الذي اقترن اسمه بالعطاء اللامحدود فصار مضربا خالدا للكرم هو شاعر فارس قضى نحبه قبل بعثة النبي الكريم بأربعة عقود، لكن ابنته (سفن) التي توقفّت في قرية قريبة سميت باسمها وابنه عدي قد أدركا الإسلام فركبا مركب الرسالة السمحاء.. أتجه إلى خارج الوادي ومعي جهازي أقلّب به صوري التي أجدني فيها بين حلقات السنين البعيدة والفتات المتبقية من سيرة رجل صنع للإنسانية قيمة نبيلة عنوانها (السخاء).
اقتطعت من يومي وقتا قصيرا لزيارة قصر القشلة التاريخي الذي يتمركز في قلب حائل ويشرف على سوق حرفي قديم ويتميز بأسواره الضخمة التي تتخللها أبراج شاهقة على الطراز الهندسي للبناء النجدي وهو مبني من اللبن والطين بمساحة كبيرة تتجاوز الـ 20 ألف متر مربع، والقشلة كلمة تركية الأصل وتعني المعسكر الشتوي للجنود، وقد بنيت بأمر من الملك عبدالعزيز في العام 1940 قبل أن يؤول مصيرها إلى يد الهيئة العامة للآثار السعودية لتصبح مزارا ثقافيا، وإن كان البعض يرى أن ذلك القصر كان لآخر حكام بني رشيد قبل الفتح السعودي لحائل إلا أنها تبقى أقاويل مرسلة لا دليل على صحتها.
بعد قيادة الراحلة نهاراً كاملاً في رحلة التجوال التي حملت لي مع كل خطوة علبة مفاجأة، أجد مكانا جميلا قبل الغروب بقرب الجبال الحائلية التي تتساقط جداول صغيرة، لأقتنص وقتا للراحة بجانب قرية العُقدى الجميلة وصخور ملساء كانت مقعدا طبيعيا لمن يتوق لمنظر تدفق ماء السماء بنعومة وهو ينتحر ناحية القاع حيث أودية الجفاف..!

أحمد مبارك البريكي
18-04-2013, 08:50 PM
بريكيات (37)

أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki

• لطافة الربيع تحيي نبتة.. وغلظة الحريق تهدم البستان.. وليل الزمهرير الطويل يقتل غصنا.. وخريف الحدائق سقوط الأوراق.. هي الحياة ومواسمها..!
• بعض الوجوه الماضية تدحرجت في ممرات النسيان..!
• أسرفت في نشر جمالها لأولئك الرجال الشبقين.. أنفقته بلا هوادة حتى توقف بها العطاء.. عند ميراث الحُسن.. فلم تجد وقتها عرفانا لتلك الثمار القديمة..!
• سيرحل.. ويترك بقايا أنفاسه في أجيالٍ تخلفه..!
• الأيام تقود الربيع بمكر.. لتودي به إلى جفاء الخريف..!
• للحماقة.. مدافن وقبور..!
• يحل الغد.. بأسرع مما نعتقد، فنؤجل تطلعاتنا إلى (غدوات) جديدة.. ونستمر ويستمر..!
• رصيفٌ طويل يلتقي في خاصرته بسطوع الإنارة.. كمبدأ الفكرة يصادفها العقل في طريقه وكيفما تأتِ.. تأتي..!
• عيناكِ الوضاءتان تأخذ عينيّ إلى حيث مناطق لم تلمسها عيون البشر..!
• كانت.. قُم للمعلم، صارت.. قُم على المعلم..!
• شجيرة عارية.. حملت على غصنها (جوارب) طفل سرقته ألعاب الشطآن..!
• وفي نهاية المطاف لا يهم عدد السنوات التي عشتها في حياتك.. بل الأهم هي حياتك التي عشتها في تلك السنوات. (لينكولن)

أحمد مبارك البريكي
21-04-2013, 08:42 PM
عند حافة جبل البياض..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

في صالات انتظار السفر هناك نعيم مقيم، والقلوب المرتحلة لا تستهويها حياة الأسن، لذا هي في طور الحركة المستمرة لكشف حاجب كل حاجز، كالأنهار الراكضة التي لا تعوقها صخور التلال ولا ضيق الوديان ولا حتى تغيّر الفصول، تجري بلا توقف حتى تواجه مصيرها الأخير في محطة البحر الكبير فتلتقي مروجه وتختفي فيه.
طائرة الإمارات صديقتي المقرّبة في كل رحلة، أتخذها رسولا يمضي بي إلى نطاق بلاد (اليورو) لأحلّ على مائدتها ضيفا إلى حين، ولأغزو سهولها مراكبا وخيولا، و لطالما اعتبرت (الطائرة) بريدا سريعا رسائلها البشر.
شريط افتتاح يقصّه الـ(مون بلان) أو جبل البياض كما يترجمه القاموس العربي عن لغة أحفاد لويس، وهو الجبل الذي يفصل ثلاثة أوطان أوروبية (فرنسا، إيطاليا وسويسرا)، وظاهرة جيولوجية لها زوايا فاصلة من كل الجهات، أخذ وصفه من نصوع الجليد الأبدي الذي لا يتزحزح ويبقى قابعا على الدوام فوق قبته، وله من الارتفاع 4810 أمتار، وهو رقم ينتشر بصورة لافتة على كل لافتة في قرية (شامونيه) الصغيرة التي تستظل ببرودته طوال السنة، وهي التي اختيرت لاستضافة أول ألعاب أولمبية شتوية في العهد الأولمبي الحديث عام 1924، وتستقطب هواة التزلج بلا توقف على مدار الفصول، فالثلج هو حصاد تلك الأرض الجبليّة الذي لا ينتهي موسمه.
وتتسمى باسم الجبل ماركة (Mont Blanc) العالمية الشهيرة، وعند سفحه البعيد يتقاطع خط الطول الشرقي رقم 5 مع خط العرض الشمالي رقم 45، وقمته وطأتها أقدام الإنسان لأول مرّة في عام 1786 عبر المتسلقين السويسري بالما والفرنسي ميشيل غابرييال باكارد، الذي وجدت له نُصبا تذكاريا من البرونز وسط المدينة تخليدا لإنجازه المشهود فأخذت لي وله صورة، تسيل الثلوج الذائبة من على جوانب المنحدرات الجليدية لتشق طريقها إلى أسفل الوادي، فتحط رحالها أنهارا وخطوطا مائية على أراضي قرية من قرى الريفيرا الريفيّة التي تسكن تحت النقاء.
بحيرة آنسي الأنيقة بحيرة أخرى تستلقي على رصيف الألب، محطة جديدة في محطاتي، هي ملتقى الإوز وطيور الكناري وقوارب الصيد الوفيرة، ومن على مركب جائل أشق درب فسحة فأجدها مجتمعا للماء يستحق العناء له والتوقف إليه، وتقع على الضفة الشمالية للبحيرة مدينة آنيسي الهادئة المؤنسة بمنتزهاتها الفسيحة وإطلالتها البراقة، وتحتضن في قلبها مبنى (الكاليه دي لييل) الذي أسس على النهر القاطع للمدينة، ويتقدم ذلك البناء برج على شكل قرن قائم ليعطي من بعيد «بوهة» كخيال حيوان وحيد القرن.
ساعة الغداء تؤذن في اليوم محرّك مركبتي يقف بي عند (ايفيان) مدينة الينبوع السقيط الذي أنتج للعالم علامة جودة اسمها قارورة مياه إيفيان النقية، التي لا يكاد يخلو منها مقهى عبر القارات الخمس، وقد تأسس مصنع الماء في عام 1789 في ذات المدينة الليمانيّة الجميلة، ولايزال ينبض بالماء ورذاذ العطاء إلى كل البقاع، و(إيفيان) مدينة فرنسية تطل على بحيرة ليمان أو كما تسمى عرفا بحيرة جنيف، ولها تاريخ وحكايات مريعة خلال حقبة هتلر النازية وحكومة فيشي، وتمثال يقف في إحدى ساحاتها بين البحر والينبوع يتحدث عن آلام تلك المدينة وضحايا حروبها.
عائدٌ بعد تجوال النهار وطريقي منقوش بالجليد ركنتُ (الموتر) واخترت مكانا قصياً لألتقط لبلورات الثلج المتناثرة صورا تحفظها الكاميرا الكانونية لذكرى سأكتبها.

أحمد مبارك البريكي
25-04-2013, 04:02 PM
أسود وأبيض..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

تعزية.. ولو أنها تأتي متأخرة قليلا لكنها مستحقة وواجبة على الكويت وأهلها للشعب البريطاني العظيم بوفاة سيدته الحديدية (ذاتشر)، التي قالت يوما في وجه طاغية تكريت الذي تجرّأ على الكويت: يجب أن نكون أقوياء.. في وجه هذا الـ (هتلر) الجديد، وبهذه العبارة التاريخية شديدة القوة والحماس، قطعت تلك البارونة الخالدة شريان العبث البعثي الذي أراد نشر شرّه خارج نطاق تغطيته.
المرأة التي اكتست لقب الحديد لشجاعتها وشدّة بأسها ذات الـ 87 خريفـا اعتلت عرش وزراء بريطانيا في العام 1979 لثلاث دورات متتالية، لتعتبر أول امرأة تعتلي هذا المنصب الرفيع في بريطانيا، ومدة حكمها هي الأطول منذ عهد روبرت جنكسون عام 1827، وهي بالمناسبة امرأة كيميائية (أي أن تخصصها الأكاديمي في الكيمياء ولا دخل لدراستها في السياسة).
وفي صيف العام 1982 تجرأت حكومة الأرجنتين العسكرية وحاولت اختبار قدرة هذه السيدة العنيدة مارغريت روبرتس، وهو اسمها الرسمي، عندما أعلنت احتلالها لجزر الفوكلاند المتنازع عليها مع بريطانيا العظمى، يومها قامت ذاتشر فقامت معها جيوش بريطانيا التي لا تنام، والمنتشرة بطول الأرض وعرضها حتى أعالي البحار، فسقطت الأرجنتين وعسكرها في الاختبار وبالضربة القاضية المميتة.
ضربة قبضة الحديد التاتشريّة، ردهـا بعد أربعة أعوام قصير القامة، الأعجوبة الكروي مارادونا بقبضة أخرى لكن داخل ساحات اللعب فقط. عن موقفها البطولي في وجه الطغيان ومساندة الكويت قال الصحافي الأميركي بيتر آرنيت (لولا ذاتشر لفاز صدام بالكويت).
ذاتشر السياسية المحنكة غابت شمسها عن عالم السياسة قبل غيابها عن الحياة حينما كرّمتها ملكة بريطانيا فأسبغت عليها لقب (بارونة)، لتكون عضوا في مجلس اللوردات وتخرج من ساحة السياسة إلى مدرجات الجماهير، ومن بعدها إلى صفحات الشرف الخالدة، هي أحد أبطال الكويت الذين لن ننساهم ما حييـنا، وسنتذكر مقولتها البطولية يوم أن هرب العرب: يجب أن نكون.. أقوياء.
> > >
تهنئة.. للأديب الكويتي الأستاذ سعود السنعوسي، لفوزه بجائزة البوكر للرواية العربية هذا العام، التي أعلنت نتيجتها مساء يوم الثلاثاء الماضي في أبو ظبي، وهي المرة الأولى التي تؤول فيها الجائزة للكويت، منذ أن انطلقت في عام 2007، ليتناوب على لقبها أدباء ورواة كبار من مصر والمغرب ولبنان والسعودية، وأسماء جليلة حفرت اسمها أعلى منصة التتويج من أمثال المصري يوسف زيدان عن روايته (عزازيل)، والسعودي عبده خال عن رائعته (ترمي بشرر)، وكانت رواية (دروز بلغراد) للأديب اللبناني ربيع جابر هي الفائزة بالنسخة الأخيرة من الجائزة العام الماضي، ثم لتحصدها الكويت في الأخير عبر ساق البامبو السنعوسية، ولتكون الفرحة (مدبولة)، فشكرا سعود مرتين، ومبروك ثلاث مرات للكويت ولنا ولك.

أحمد مبارك البريكي
30-04-2013, 12:57 AM
نهار سويسري..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

الصُبح يتنفّس.. وقطع ثلج هشّة ترسلها السماء إلى الموتيل الخشبي عند أقصى وادي نهر اللوار، وكأنها بطاقة موادعة لي وأنا أرتحل من بلاد العم ديغول موجها شطري إلى الشمال.
جنيف.. نجمة سماء بقاع سويسرا قاطبة، ونافورتها تعدني بزيارة ضحويّة، وهي التي غدت معلما أوروبيا متميزا وأيقونة خامسة لأرض السويزرلاند، بعد البنوك وساعات روليكس ومصانع الشوكولاته وأجراس البقر، ومضختها العتيقة التي بنيت عام 1886 ترسل رذاذ مائها إلى طول فارع يماثل بارتفاعه تمثال حرية نيويورك، وتدفعه بعلوّ إلى نقطة ما.. بين السماء والبحيرة حتى ينتحر ثانية في عمق الماء ثم يعاود الصعود مرة جديدة، ويُحكى بأن الملك فهد -رحمه اللـه- كان معجبا بها فأمر بإنشاء أخرى تماثلها في جدة.
أمُرُّ على «لوزان» وأنا المهاجر إلى شمال «هلفيسيا» الساحرة فيستوقفني تاريخ الأولمبياد ومتحفه الذي يفترش حديقة أخّاذة تطل مباشرة على بحيرة ليمان، وله من العمر 20 سنة، وافتتحه في ذاك العام التسعيني رئيس اللجنة الأولمبية الدولية خوان انطونيو سامارانش ليُسجي سجادته للعابرين، ولينثر كنوز جواهر ميراث «دي كوبرتان» الأب الروحي للألعاب الأولمبية لكل عشاق الرياضة وألعابها، وليُقص حكايات تاريخ الرياضات النبيلة لأجيال وأجيال آتية، وكيف تحوّلت صراعات الدم بين الشعوب والأمم إلى منافسات شريفة على منصات التتويج والظفر بميداليات معدنية، وشعلة أولمبياد لندن 2012 التي رأتها عيناي من على شاشة التلفاز هاهي تمسكها قبضة يدي في إحدى قاعات المتحف المونق، والتمثال السيريالي الشهير لصفحة الوجه المبتورة الذي يرمز لنقاء الرياضة وتسامحها يتأهب لصورة معي، وهو النُصب الذي أبدعه الفنان الإيطالي ميتوراج، واعتمدته اللجنة الأولمبية الدولية لينتصب في واجهة مقرها الرسمي، تاريخ طويل يعبرني وأنا أعبر ممرات التذكارات الطويلة ليروي لي بطولات الأبطال وإنجازاتهم، وملصق فخر يزيّن صالة العرض للعداءة نوال المتوكل صاحبة ميدالية الذهب للمغرب والعرب في أولمبياد لوس أنجليس 1984.
«جارمن» الرحلة ينطلق بي إلى إقليم «تُن» قلب سويسرا ومدائن خيالها ومسقط شلالاتها المنهمرة، و»بيرينز» البلدة التي تتسمّر على نهر الآر الذي أهداها مجتمعا للمياه وأشجارا للدولب والصنوبر وكثيرا من حدائق الرمان وبساتين التين، بشوارعها الضيقة الفسيحة الجمال التي صارت ملتقى السائحين من شتى الأنحاء، وعقارب الساعة تلسع الأوقات المليئة لتعبر أجواء يومي سريعا، والشمس تسقط في إحدى مسطحات المياه الآسرة، أُسند نفسي إلى كرسي مستسلما لمنظر بحيرة جميلة قُدّت من خيوط التركواز.

أحمد مبارك البريكي
05-05-2013, 08:26 PM
خواطر من (الألب)..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

نستطيع أن نخلق الضوء لكننا أبدًا لا نقدر أن نصنع الظلام..
-مقولة فيزيائية-
صباحٌ لذيذ اختلط فيه الحليب النقي بدكونة الشوكولاتة، كانت تلك زيارتي للتذوق مع إطلالة خيوط اليوم الأولى لمصنع نستله- كليير الشهير، الذي دخلت «كاكاوياته» كل بيت، لتغدو صحنا بعد مائدة، ومتحف سكاكر يضج بشغوفي التذوق والمعرفة عن تاريخ صيدلي سويسري اسمه هنري نستله، أهدى للناس طعما آخر للسكر، بعد أن أسس مصنعه على الصر والقهوة قبل 150 سنة، لينطلق قطار منتوجاته إلى كل العالم.
خرجت من عالم الحلويات محملا بما خف وزنه وثقل طعمه، وساعات اليوم تتجمل وتتكرم بالمزيد، وطريق سهلي محمل بالصفاء، وبقايا ثلوج لا تريد مغادرة موسمها، يهديني تجربة أولى لتغريزة «ثلجية»، وأنا في عبوري لبحيرة «أوشنسي» الزرقاء المتجلدة، عدت هذه «الطبعة» بسلام وبجمود أطرافي، في الطريق كانت قرية «الغريند الويلد» تواعدني على غداء بعد صباح يوم كبير، وهذه القرية الحالمة المحفوفة على الدوام بجبال مهيبة يخترقها نهر فيروزي قادم من القمم، ليسقط إلى أغوار سفلى والمنظر أخاذ.
«لويكرباد» مدينة ألبية ذات نهر وينابيع متدفقة ساخنة من عمق جبال الثلج تستدعيني للوصول، وهي أجمل بلدة في إقليم الفاليس أو الوديان، قال فيها الطيب صالح ما لم يقله مالك وقد صدق، وهي بلا مبالغة بقعة من جنان الأرض، ومن أحشاء أوديتها، ينبثق الماء ويهرق دمه في كل جهة، ودرب يتسع ليضيق، وسهول تؤدي إلى سهول، وسيارتي تترك الأودية، لتضرب صعودا في الجبال، وأنهار في سقوطها المستمر المتسارع تصنع شلالات نشطة أدنى المنحدر، وقطار ينتظر على حافة الطريق ينقل السيارات ومعها مركبتي إلى ما بعد النفق المحفور.. وفي سويسرا عموما، تنتشر الأنفاق بشكل واسع، فهم كما قال الطيب: يستسهلون حفر الجبال على حفر بئر.
نهر الرون الطويل يجاري صولة القطار، وهو نهر ممتد لـ 800 كيلومتر مصدره جبال سويسرا ومصبه في البحر المتوسط- قرب ليون في فرنسا، وطريق ضيق يحاذي حواف الجبال يأخذني إلى البلدة البعيدة بين شواهق الصخور، وهي بلدة لا وصول لها إلا من جانب وحيد متعرج وشديد الخطورة، وغابات الأشجار الصنوبرية المخروطية المعبأة بقباب الثلج تحف المكان.. قدماي تسيران بي بعد أن ركنت سيارتي في مكان للوقوف إلى منبع المياه الساخنة والمكشوفة على طقس يفوق الصفر السيليزي نزولا، وفي غمرة المياه الحارة صار جسدي حدا فاصلا بين أبيضين، أبيض بخار الماء وأبيض الصقيع، والهواء هنا شديد النقاء ورائحة العشب تلامس شبكية الأنوف بعنفوان جميل. لايزال في النهار بقية، وخطوط السفر تأخذني إلى أقصى الجنوب، إلى حيث تختلط هضاب سويسرا بهضاب إيطاليا، «زيرمات» وجبل الماترهورن القصي المعزول في أفق السماء، والذي يصعب على بني المتسلقين الصعود إليه، رغم أن هناك من سار ووصل بشق الأنفس، ومنهم الإنجليزي ويمبر في عام 1865، وقمته هي النهاية الهرمية عنيفة الانحدار وتسمى «التوبليرون»، وتظهر رسمتها على غلاف شوكولاتة التوبليرون المشهورة، وهي من منتوجات هذه البلدة، وقد التهمت أسطورة لذتها في عقر دارها، سماء البلدة اللطيفة تنفض فوقي زخات «Snow» خفيفة قبل الغروب والعودة إلى «سبيز»، موطن إقامتي.

أحمد مبارك البريكي
10-05-2013, 08:10 AM
بريكيات (38)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


• لا تزرع أحلامك خارج أرضك.. فممالِك السُكر وأوطان الدسم ووِلايات اللبن.. بلدان لا وجود لها..!
• الهمزة قبّعة الألف..!
• شعور قاتل أن تعيش ألمعياً في مجتمع الغباء..!
• كل كبوة تنتظر جوادها..!
• وللأحداث أعمار.. تبدأ بصرخة طفل ثم تشب فتشيب وتكهل حتى تموت..!
• سنة عبَرت مع أسراب السنين.. وركن مقهى اللقاء ينشُد الموعد القديم..!
• هناك أسرى مكبلون بقيود السهر..!
• الكُل يتحرك لهدف..!
• ينتصر الشرق على الغرب دائما.. في موعد حضور الشمس..!
• الحياة أقصر بكثير من أن نبذر حقولها بالصداقات العقيمة..!
• فتاة هازجة.. أنفقت عُمرها في نقل البشارات..!
• على وقع الغروب.. هناك للسماء (سينما)..!
• وهل تُثقل الفراشة كاهل.. الوردة..؟!
• أجبَرت كؤوس نفحات (جبران) الأثيريّة المُسكرة.. صوت فيروز على الجلوس عصرا بين جَفنات العِنب، والعناقيد تدلّت كثريات الذهب..!

أحمد مبارك البريكي
13-05-2013, 02:14 PM
زوايا المثلث الأنيق..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

وداعية إلى لقاء لإقليم (بيرن) نبض سويسرا الحي، والنُزُل الجميل القابع فوق ربوة تطلّ على الماء التيفاني المحيط، الذي قضيت فيه أياما جميلة أتركه خلفي لأكمل ما بدأته، قبل الرحيل هناك قهوة عربية صباحيّة عند حافة بحيرة قرية (لانغيرن)، وغَبَش الصبح يطوّق المكان الذي صحا على رائحة هيل فوّاحة ساقها كويتي من الكويت ليستقي منها كيفه، و(فذّة) تمر خلاص تخاويها دلّة بجانب قِطع من حطب شجر السرو الذي أشعلته بعود ثقاب في أوراق قيقب صفراء، تخشّبت منذ سقوطها الأيلولي لتنتظرني حتى تكون موقدا لناري.
الجو رغم برودته في منتهى الأدب والسكون، أرتحلُ بعد وجبة القهوة الزكيّة إلى أرض هايدي وكوخها ومراعيها وقطيع أغنامها وذكرى طفولتها وطفولتنا التي ملأتها هي بحكاياتها ونحن متحلّقون حول تلفازها، وهايدي اللطيفة التي عاشت حياتها بين حقول بلدة (مينفيلد) عند أقصى الطرف الشرقي لسهول سويسرا، وبجانب خط الحدود الفاصل بينها وبين ليختنشتاين والنمسا، وقصتها مأخوذة من أحداث حقيقية لفتاة ريفيّة بسيطة تعجّ يومياتها بأخبار المغامرة والتفاصيل الإنسانية الصغيرة، لتترجمها الروائية السويسرية يوهانا شبيري في حكاية تُروى إلى كل لغة، ولتصبح فيما بعد قصة من قصص التراث العالمي، وفي أرض هايدي الجميلة كان المزار لكرسي كلير وقبعة بيتر والجد، ومنضدة تقطيع أخشابه العتيقة بعد أن حوّلتها أيادي ذكيّة إلى متحف يدير عجلة اقتصادية وقودها السائحون، ليغدو شاهدا على وقت قديم يشاهده القاصد في حاضره.
وتستمر الرحلة.. بوابة دوقية ليختنشتاين الصغيرة تفتح ذراعيها بكل ترحاب لزائر من الشرق الأوسط جاءها عن طريق الغرب، وهذا الوطن يقع على مسافة بسيطة جدا من الهايديلاند، وهو البلد الوحيد في أوروبا الذي يقع بأكمله فوق جبال الألب، وليختنشتاين إمارة غنية جدا رغم صغر حجمها وقلّة وهوان مواردها، لكنها تمتلك قطاعا ماليا قويا قوامه الجنة الضرائبية التي يمتّعها بنظام صارم، يحافظ على سرية حساب المودعين الأجانب، ويحصنها من سهام النشاب الضريبي، وساعدها ذلك القانون على تدفّق مليارات الدولارات المهاجرة عبر الاستثمار وأموال الأثرياء من كل الدول إليها، لكن رغم ذلك ليست لها عملة وطنية خاصة بها، وهذه مفارقة عجيبة فوجئت بها، حيث إن العملة المتداولة في أراضيها هي العملة السويسرية (الفرنك)، كونها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، ويبلغ تعداد سكان هذه الدوقيّة المدينة قرابة 36 ألف نسمة وجميعهم من الطبقة الغنيّة، ذلك أن دخل الفرد هنا مرتفع جداً، والعاصمة (فادوز) وجدت في طرقاتها نظافة عالية وتنسيقا شديدا للحدائق والساحات العامة لم أرها من قبل في أي مدينة زرتها، ويخنق هذا البلد المترف حدود بلدين مرفّهين هما سويسرا والنمسا ليكتمل بذلك مثلث الرخاء، ولو كان لقارة أوروبا العجوز قلب لكانت ليختنشتاين هي قلبها، كان يوم سبت والعاصمة في هذا اليوم بالذات تفتح كل متاحفها ومواقف السيارات ومزاراتها الرسمية للناس بالمجان، وهذه بادرة حسنة احتسبتها عطفاً احتفاء بمقدمي وعبوري إلى حيث ضفتها الأخرى بلاد الآر النمساوية.
يشدّ الليل على جوانب النهار سترته، وأنا في خِضم جمال العاصمة الساكنة، فيأزف رحيلي منها لأجدني سريعا عند حدود أوستريا أو النمسا في النطق العثماني، وإقليم أنسبروك الدسم بمناظر السحر يفرش أطياب الطبيعة فوق مائدة ناظري لينقلني لقصة مغامرة جديدة.

أحمد مبارك البريكي
22-05-2013, 04:11 PM
مدائن موسيقيّة..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

من على قمة «كيتزشنهورن» الشاهقة التي ترتفع 3029 مترا عن سطح قرية كابرون، كان الصفاء هو سيّد المكان بلا نزعة، ومتاهة تاندرائية غاية في اللاشيء تطوّق الفراغ، وبرغم الجليد الشرس هنا كافيه ثلجي ساخن يعتلي منصة التزحلق يقدم أكوابا دافئة للصاعدين.
تساقطت ذرّات الثلج على الهضبة المتشبعة بالثلوج، وهذه الذرّات هي نجمات تساقطت لبثور متجمّدة مجهرية الحجم لها ستة أجنحة تكوّن، وهي تستوي على الثياب الصوفيّة، شكلا سداسياً صغيرا من رذاذ القِمم، الدنيا فوق بياضٌ يغشاه بياض من فوقه سحاب، ويدي صاحبت «جفيرة» القفاز.
بعد الهبوط كانت بلدة «سالفيلدن» في سهل الوادي المندلق تنتظر عبوري بحقولها المنتثرة بِكرم، فاغتنمت جولة ظهيرة بين أكواخها ودروبها السكينيّة التي تشقّ العُشب بدماثة ولين، وجبل بعيد يقصّه غيم كثيف، ووسط السماء هناك شمس تائهة بين الطلوع والاختباء، وبالقرب من فندق «جراند» المتربّع على عرش بحيرة «تزيل آم تسي» القرية الأشهر في وجهة كل خليجي، هناك كرسي وراحة تجوال بعد نهار اختلطت فيه كل الألوان.
يوم آخر دفيء يطلّ على غير العادة، أشد رحالي إلى سالزبورغ وطن موتزارت وموسيقى الحياة وجارة الألب الصالحة، والنقطة التي تتقاطع فيها خطوط بحيرات النمسا الذهبية الثلاث (وولفغانغ، سانكت، قيلقن)، وتُلقبها أطالس بلاد الغال بـِ «بحيرة القمر»، ويعبرها نهر سالزاك الهادر البهي صيفا والشاحب المخيف في فصل البرد، وهي مدينة للموسيقى تتسرب الألحان في كل أجوائها، حالمة حتى النخاع، اختارتها جولي أندورز لتكون مسرحا لفيلمها الهوليودي العاطفي (The sound of music) عام 1965 الذي لَقَطَت فيها مشاهد أخّاذة وسط حدائق الميرابل الشهيرة التي غنِمتُ لي وقتا للمرور بين أزهارها، لألتقط صورة للمكان الذي منح الدنيا نغما وموسيقارا.. وهذه الحدائق هي قبلة عشاق التصوير ومحترفيه.
على مسافة بسيطة تسنح لي زيارة قصر «هونن-سالزبورغ» التاريخي الذي بُني في العهد الهابسبورغي قبل ما يقارب ألف عام، بهندسة غاية في الضخامة والجمال حتى يكون واجهة ورمزا مهيبا للإمبراطورية التي حكمت في زمن ما ثلثي قارة أوروبا، قبل أن تقضي عليها أتون الحرب العالمية الأولى وتقصيها عن الوجود، وهو نفسه القصر الذي اتخذه الفوهرر النازي أدولف هتلر ليكون منتجعا صيفيا خاصا له، ومن على سطح حديقته العالية ظهر ذات ظهيرة مع عشيقته «براون» في فيلم قصير صيف عام 1944، قيل فيما بعد بأنه التسجيل الوحيد الذي صورت فيه براون، ومن على رف متجر صغير حزت على كريات شوكولاتة موزارت الشهيرة والمنتشرة بكثرة هنا، وفي كل المحلات لتكون أمثل تذكار أقتنيه من مدينة سالزبورغ.
تمر الساعات بثوانِ وفي طريق عودتي أقف عند حواف بحيرة قرية هالشتات الصغيرة الرائعة، وشمسٌ ناصعة تهمّ بالخروج من مسرح السماء، ومناظر ساحرة لا تقاومها العين ولا عدسة الكاميرا.

عنااايد
22-05-2013, 09:47 PM
يااااااسلاااام عليك مبدع دووم لاهنت

أحمد مبارك البريكي
27-05-2013, 09:49 AM
حدود بافاريّة..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


بين الفيافي والسهول مُرتحل.. والدروب تفرش لي استواءها، وطريق يسحبني إلى مدينة «لينز» النمساوية العريقة التي في إحدى نواحيها تقع بلدة «ماوتهاوسن»، وفيها يستقر أشرس المعتقلات النازية في الحرب العالمية الثانية، وقد صنّف على أنه الأعتى بين كل السجون، والأكثر دموية خلال القرن العشرين بأكمله، وهو المكان الذي نفذت فيه كثير من الجرائم ضد الإنسانية، ومنها محرقة اليهود أو كما تسميها تل أبيب الهولوكوست، وفي أرجائه تم تصوير الفيلم الأميركي الشهير «شندلر ليست» الذي يُحاكي تلك الحقبة.
دلفت بين دهاليزه العميقة الموحشة فوجدته بقعة من الظلام ومسكنا للاضطهاد والرعب، وفي أحد سراديبه وقفت أمام أفران الغاز التي اكتوى بنارها يهود أوروبا ذلك الزمن، وصُور لأسرى المعتقل تأخذ مكانها على جدران «الباراكسات» الرمادية الخانقة، ومضاجع المأسورين تصطف بالقرب من خزائن السجانين، ورائحة القهر لاتزال تطوّق الممرات الخشبية داخل غرف السجن القاتمة والقادمة من الماضي غير البعيد، وهذه الشعوب التي ارتوت من دماء ودمار الاقتتال فيما بينها، لا تفرط أبدا بشواهد حروبها المقيتة حتى تبقى شاهدة لتؤنبها كلما همّت النفوس بالنسيان، وفي منحدر الوادي الذي ينتصب عليه هذا السجن الكبير هناك «ميموريال» نحته اليهود على شكل شمعدان هيكلهم المزعوم سنة 1976، ركزوه بالقرب من المكان تخليدا لذكرى موتاهم، وقد أقيم خلال تنصيبه حفل كبير حضره بابا الفاتيكان، وجمع من رؤساء الدول وأعيانها، وفي وادي الموت كما سمّته لي إحدى موظفات المتحف-المعتقل وجدت تذكارات لضحايا الرايخ أخذت حيزها في الوادي، وفي نهاية مطافي بين تلك الجدران والأغلال كانت هناك دار عرض سينمائية تستقبلني لتريني من خلالها فيلما قصيرا يحكي مأساة شنيعة عنوانها «جَور البشر على البشر».
صباح يوم جديد.. أحط رحالي في «جارمش» تلك البلدة الألمانية الجميلة التي تقع ضمن نطاق الإقليم البافاري الفاتن، وهي القرية التي صارت مزارا ووجهة أصيلة للسائحين في عالم السفر، كان هذا اليوم يوما لقيادة الدراجة ولم يكن صباحا للسيارة أبدا، بعد أن ركنتها واسترحتُ أنا واستراحت هي من ملفّات المنحنيات ومطبات الطرق وضوئيات المرور.
وبين الحقول الريفيّة العريضة تجمّل تجوال النهار، جارمش، بارتنكيرخن هي أولى مكامن بلاد الدوتشلاند، بعد أن ودّعت أراضي آريّة أخرى هي النمسا بقريتها (سيفيلد)، ومسطحات مياهها المتجلّدة، وفنجان قهوة ساخنة على الطريق، و«البايسكل» صديقي.. ومسافة الكيلومترات التي قطعتها راجلا من فوق دولاب العجلة تزيد الأجواء انتعاشا ومرحا، وأوقاتي خارج نطاق الوقت بعد أن انسحبت من أمامي عدّادات قياس سرعة السيارة، ومرصد خزان الوقود وحلّ محلها مقود القبضتين، لأعبر في رحلة ذات الإطارين قرية هادئة جدا وجميلة تقع على مسافة بسيطة من مركز البلدة اسمها «فارشنت»، وجدتها مغرية لاستراق ساعة تأمل منها وفيها، وكيف لشعوب ذاقت طعم الموت أن تحيا من جديد لتشرب من كأس الحياة؟ افترشت حقلا من أرض القرية الكثيفة العشب، وضربت موعدا مع حليب أبقارها ومذاقها النقي.

أحمد مبارك البريكي
31-05-2013, 12:06 AM
بريكيات (39)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


• عمليات التجميل زادت بعدد الأقمار الصناعية..!
• خيالها شرس إلى درجة الافتراس..!
• عند أقصى الشمال يبدأ الجنوب..!
• أحواض الملح تُلجم نزوات الجليد..!
• أهلُ الهمّة.. أهلُ قمّة..!
• وإني لا أكون في حاجة للبكاء.. إلا حين تكون هي في حاجة للدموع. (الرافعي)
• جرحُ الضمائر.. خيانة..!
• ينبجِسُ الألماس من مناجم الفحم..!
• بعضُ السنوات عمرها قصير..!
• برغم زحام الحياة.. هناك فسحة لسكينة الليل..!
• ضِرامُ نار.. ترتكب مهنة الرقص على مسرح الموقد..!
• من وراء نافذة الرحيل تبدو كل الأشياء غائبة..!
• أحرارٌ نحن كأطفالٍ قريبين من الخلود. (شينكا)
• فكرةٌ عتيقة تتظلل وتنأى شيئا فشيئا.. لتختفي في الزحام، وفكرة وليدة تومضُ بجلاء في قاعة العقل، هكذا هي الأفكار تولد وتموت..!

توفي
31-05-2013, 10:59 PM
مشكور يالبريكي يعطيك العافيه
تقبل مروري

أحمد مبارك البريكي
04-06-2013, 11:19 AM
لألمانيا.. وجه آخر..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

بوصلة الهجرة تشير إلى اتجاه القطب.. وعند مفترق الطرق الطويلة تلتقيني يافطة تتسيدها كلمة مدينة شتوتغارت وهي سادس أكبر مدن ألمانيا وتعني بلغة الـ(دويتش).. مزرعة فحول الخيل، ويُظهر شعار المدينة هذه التسمية بجلاء فهو موسوم بحصان أسود يقف على رجليه الخلفيتين ويفترش مسطحا أصفر، ويتصدر هذا الشعار كذلك علامة شركة سيارات بورش.مدينة شتوتغارت هي مهد الصناعة الألمانية وتحوي في جوفها جُلَّ مكائن ألمانيا ومصانعها، وهذه المدينة (المانشافتيّة) المهمة شهدت أراضيها تصنيع أول سيارة بينز- مرسيدس ذات النجمة الثلاثية التي تعني الأرض والجو والبحرعلى يد صانعها كارل بنز عام 1886، وهي كذلك مسقط رأس صناعة السيارة الجميلة (بورش) ومتحفها يقف مختالا وسط المدينة.
كُتب لي زيارته ومطر ينهمر من أعلى السماء بسخاء كبير، وسيارة بورش التي ابتكرها المهندس النمساوي (فرديناند بورشيه) عام 1931، والذي صدفتُ مجسما لرأسه وُضع في ركن مميز في متجر التذكارات فأخذت صورة بجانبه، هو ذاته الذي صمّم أول سيارة لـ (فولكسواغن) أيضا في سنة 1937 أيام عهد هتلر ليتخذها هذا الفوهرر العنيد بقرار جمهوري رايخي سيارة ترمز للشعب الجرماني تمثله في حربه الشرسة ضد العالم بأكمله، ويبدو أن جمجمة المهندس بورشيه التي اقتربت منها (جينيوسيّة) التكوين ومعقدة الاستشعار والاستكشاف بعد أن صُنفت سيارته الرياضية عام 2001 على أنها أكثر السيارات هيبة بواسطة معهد الرفاهية بنيويورك عبر استطلاع رأي لخمسمائة «هامور» مليونيري من شتى بلدان الأرض.
تنتهي حلقة البورش وتتصل رحلتي إلى الشمال الغربي فأختار مدينة عتيقة هي مدينة ماينز التاريخية التي تقع على مرمى نظر من فرانكفورت أشهر المدن التي تجاور ضفاف نهر الراين وعاصمة ولاية هسن، ومدينة ماينز التي في قلبها تمت طباعة أقدم كتاب في التاريخ بأصابع الآلة الكاتبة عام 1447م على يد النابغة الألماني يوهانس غوتينبيرغ هي مدينة العنب الذي تنتشر أشجاره بوفرة قرب نهر الراين الشهير الذي يعبر المدينة متجها الى الجنوب حاملا معه عِطر ألمانيا وجريان حضارتها.
تركت خطواتي تسيح في أرجاء المدينة الذهبية أقص شريط جادة تؤدي بي إلى جواد وساحات فسيحة تنفذ بي إلى مبان تتسم بمسحة التاريخ، منها متحف دوم وجامعة غوتنبيرغ وشوارع ضيقة لكنها أنيقة تملؤها مقاه تأخذ العلامة اللاتينية المريحة،اخترت إحداها لاحتساء قهوة وتدبّر كتاب وإرسال مقال.

أحمد مبارك البريكي
10-06-2013, 08:23 AM
16 يونيو..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

مع اقتراب حكم المحكمة الدستورية المرتقب لمرسوم الضرورة، الخاص بالصوت الواحد، الذي قسم الشارع الكويتي إلى لونين متباينين، يحبس الشعب أنفاسه، ترقبا لتبيان الخيطين البرتقالي من الأزرق، ولكي يضع بعده ممن يطلب الحكمة والتهدئة والتعقل أوزار التصعيد جانبا، ويبدأ بالتطلع الإيجابي الجاد والفاعل في بناء البلد من جديد، بعيدا عن الجدل المقيت والتجاذبات الجوفاء التي أخذت وقتا أطول من وقتها، ومعها تأتي نقطة آخر السطر.
الرضى بحكم سلطة القضاء، هو مسلم منطقي للشعوب التي تنشد الحياة المؤسسية، في ظل قوانين ونظم تسيّر الخلافات، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم غيرها، وهي ديدن كل بلد نشأ على التربية الديمقراطية، وإن طرحنا الأصوات القليلة التشكيكية، التي تطعن في كل شيء صحي جانبا، فإن الملاذ الآمن لنا كشعب يكمن في إيماننا بذمة رجالات هذه السلطة، وهو مطلب ضروري ومهم ومصيري.
ولقد تحركت السلطة في الآونة الأخيرة، ممثلة بصاحب السمو الأمير، باتجاه الشعب، استباقا لحكم لم يهرق حبره على ورقة الواقع، وهي إشارة جلية تنم عن تقديم صحيفة نوايا بيضاء في الضفة المعاكسة، والعمل بصدق على نفض غبار الاحتقان العالق في الصدور من بعض الممارسات التي قدّرها أهل الحراك بأنها خاطئة، وجنح آخرون بالقول إنها كارثية وفادحة، عدا تلك الأمور الخلافية التي سلمتها الأطراف حكومية كانت أم شعبية ليد القضاء، ليفصل فيها وبقانونيتها، وإن كانت لكل زاوية تقدير ينظر بها للأحداث من منطلق مسطرة واحدة هي مصلحة وطنه لا غير، فهي بلا شك تعكس بأن الكويت بلد حر وحي ومتحرك.
وقد أثمرت هذه الزيارات الشعبية بوضع خط تماس واضح بين الشك واليقين في حرص الكويتيين جميعهم على استقرار الكويت، وعدم رميها في أتون الغيب القاتل، وأظن أن الأغلبية المعارضة - إن جاز لنا تسميتها بهكذا اسم -، من أشد المتمسكين بهذا الاستقرار، وهي التي وجدت نفسها مضطرة في خانة الدفاع عن مبادئها ورؤيتها للمرسوم الذي تعدى على الدستور، ولها الحق خالصا في منظورها للأمر، ما دامت ترى أن سلطة القضاء هي وجهتها في إسقاط ذلك التعدي بالأخير، وفي ميدان الاختلاف لكل مبرراته وأسبابه وقناعته المكفولة.
ربما عاشت الكويت خلال الفترة الماضية نوعا من الحراك بمفاهيم جديدة لم تعهدها من قبل، لكنه تطور منطقي وحيوي للحياة السياسية التي طفت عليها وجوه شبابية لها منظورها الحداثي الخاص بها في توصيل رأيها ومعالجة شؤون البلد بطريقتها التي تراها صحيحة.. وعلى الرغم من الموجات التحريضية التي لمسها الكويتيون من قلة من الدخلاء أوالمحرضين على الاستقرار الوطني أو حتى بعض من يجهل كيف تسير التعاطيات السياسية في الكويت ضد النظام بشكل عام واستغلال ذلك الخصام لتعبئة آراء متطرفة تريد تفجير البلد بأكمله، وهي رؤية تشاؤمية إلى حد بعيد من وجهة نظري، لكن لا بد من قولها، ونقر ناقوس خطرها، لأن الغفلة تكلف كثيرا، ولأننا لا نريد أن نخسر الكويت مرة أخرى.
16 يونيو.. يوم الفصل في مرسوم الصوت الواحد، ويصادف كذلك مناسبة عزيزة هي ذكرى ميلاد صاحب السمو الأمير، الذي مازال الكويتيون ينشدون الخير والإصلاح وتكريس دولة القانون والمحافظة على دستورهم من غير خدش ولا انتقاص منه، تحت ظل حكمه الرشيد.

أحمد مبارك البريكي
13-06-2013, 11:29 PM
بريكيات (40)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

• كثيرٌ من الناس يأتون إلى حياتنا.. يعبرون ويأفلون، لكن قلّة منهم من يترك بصمة رائعة في قلوبنا..!
• شُعلات للحريق تُغالب طغيان الجليد.. تلبس قفطان الثلج لتوقظ ليل المدينة..!
• لم تعد هناك ديارٌ للمرتحل..!
• الطائرة.. بريدٌ سريع رسائلها البشر..!
• نُنفق بعض أعمارنا في مزادات الصبر..!
• كل شيء ناضج وجميل.. كل شيء مهيأ للخراب..!
• صعدت الشمس لأعلى السماء.. فتقاطر الضوء مدرارا..!
• من لم يُخطئ.. لم يجرب شيئا جديدا. -انشتاين-
• الثورات ترسم سكّة التاريخ..!
• عابرةٌ سرجت إلى ديجور المستحيل.. زرعت في خطوها عاشقاً يرصد جنبات الانطفاء..!
• لو كانت أحلامنا تتحقق بعناد النوم.. لصارت حياتنا نهارات أبديّة..!
• تبدّد ضوء الشمعة في زحام النور..!
• غانية العسل.. أصخبت ذاكرتها موشحات النحل..!
• من العدم إلى الخلود.. ترتحل (الكلمة)..!

أحمد مبارك البريكي
12-03-2014, 09:10 AM
شموع التحرير


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


بالقرب من شاطئ الشويخ الجميل أستقطع وقتا مع «عزيزي» الصغير لأزور دارة شيّدت أركانها أيادٍ كويتية متطوّعة، وبالرغم من بساطة المكان وبعض الملاحظات إلا أنه يظل جهدا مشكورا لشباب أرادوا خدمة بلدهم على طريقتهم الخاصة، «متحف الغزو» الذي تختبئ في مكامنه أشياء حزينة تعيد شريط الذكرى لأحلك أيام الوطن، ومعرض صغير يحكي أهوال وأحوال تلك النكراء، وعن كل مصطلح للخيانة وغياب الضمير لتلك العصابة البعثية التي جثمت على الأرض الطاهرة لتعيث في الطهر عهرا وفجورا، ورأس صنم الجائر «الشنيق» مُلقى في هوّة قعر القصاص، إنها نافذة لعزيز وأقران جيله حتى يدركوا ما معنى خسارة الوطن، وليستعيدوا أحداثا لم يعيشوها من قبل.
ككُل حَول تعبر ذكرى تحرير وطننا الصغير من وطأة الغازي الزهوق، ومع تباعد السنين يعتلي الشحوب والانطفاء تلك المناظر الأليمة التي عاشتها الكويت، وشعبها الذي نام في يوم «آبيّ» على مجدٍ عربي أبيّ، صحا من غفوته ذات صباح ليجده كابوساً مريعا ليس له من منتهى.
خَلَف الجيل الذي عايشَ الغزو جيل جديد لم يدرك جيدا ما معنى فقدان الأرض والأمان والوطن، وله العذر في ذلك بعد أن أغفلت الدولة مسؤولية إذكاء وهج الوطنية والاعتزاز بحرب استعادة الأرض من براثن الطامعين والمتربصين على الخط، للانقضاض على بلد يصارع بكل ما يمتلك ليبقى في إقليمه المُتسم بالصراعات والحروب، ولنا في أخبار الأمم العظيمة التي لم تنفك يوما عن أحزانها وتراثها النضالي الأسوة والاقتداء، فبرغم مئات السنين لم تنسَ أميركا معركتها في دحر الجيش البريطاني من مدينة فيلادلفيا، فحُفظ البيت الأخير الذي غادر منه آخر جنود التاج ليكون مزارا للزائرين يدقّ بالقرب منه ناقوس الحرية، ويشهد على تحرير الأمة التي قامت لتتحوّل من قارة وليدة لقوة عتيدة، واليابان التي أحيَت من أتون حريقها النووي المميت إرثا يتذكره العالم في كل مرة يُذكر فيها مفهوم التسلّح المدمر، هي ذاتها اليابان التي أفاقت من كبوتها لتحلّق في مدى النهضة والتعملق الاقتصادي.
لم يتعرّض أي بلد في محيطنا الإقليمي لكارثة مماثلة كالتي حلّت بنا، فالكويت التي مُحيت بين غمضة عين وانتباهتها من خريطة أطلس العالم، لتستقر تحت نظام عنجهيّ وسلطة متغطرسة لا تعرف للمواثيق عهودا ولا صيانة، ولا يعرف قائدها غير لعنة النار كحلٍ لاسترداد سلائبه، هي بحق ذكرى لا يمكن لشعب نسيانها، ولا يجوز لأي حكومة تناسيها مهما تغيرت الظروف.

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 05:44 PM
قطر في قلب الخليج..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

ضباب يلوح في الأفق، صراعات دولية «ثقيلة» الحجم تشتعل في كل أرض، استراتيجيات تتبدّل، وتدافع قوي لاستخدام القوّة يناظرها تحضيرٌ مخيف للتحرك ووعيدٌ يقترب بنانه من زر أسلحة الفتك، وحالة الحرب جاهزة لانطلاق صافراتها في كل القارات.
برودة فصل الشتاء تمخّضت عن حرب باردة جديدة نُفخ فيها الروح بعد موت إكلينيكيّ لربع قرن، حرب حديثة بمفهوم حديث، بعد أن طرأت تغيرات كثيرة في عالم ما بعد «الألفين»، لتستجد مفاهيم جديدة متناهية الصغر في قَدح الشرار وإشعال باكورة الشر، أقلها «الفيروس الإلكتروني»، وأضخمها ضرب «الكيبل الشبكي».
زمجرة الدب الروسي الذي صحا على نار تقترب من ركنه المتجمّد تطغى على المشهد الدولي، وتحرّك «أورو - أميركي»، يعيد إلى الأذهان نفحات الحرب الأمميّة، والإقليم العربيّ المتفجّر الذي خلّفه ربيع الفوضى (الخنّاقة) من حولنا يصفرّ وتتساقط أوراقه، وويلاته تجرّ الويلات، والدمار يلِدُ خرابا، وكل حشد جديد يرفع شعاره يرتطم بحشد آخر له شعار آخر، والنفق الدامس الطويل لا يبدو له من وميض بائن في الأفق.
محيطنا الخليجي الصغير الوحيد الذي كُتب لقاربه الاستمرارية على مرّ الأهوال والأزمات القديمة التي عصَفت بشدّة في مسلكه، بدأت أعاصير التغيّر تعاند أشرعته والرياح الهوجاء تجتاح صاريته، فبدا الوهن والتفكك والاختلاف وانجرف ربابنته إلى النزاع في قيادة الدفّة، وتماطرت عبارات التأنيب
و«شيكات» التشكيك في النوايا، وأخذت مياه «التعاون» الخليجي طريق التباعد والشتات، والجانب المتربّص.. وحشٌ يحسب «قزحيّات» الثيران، ثور أبيض يتبعه أحمر فأسود.. حتى تصل العبارة في نهاية المطاف «لأُكلتُ يوم أُكل».
قطر في قلب الخليج.. هكذا هو التاريخ وهكذا هي الجغرافيا، ولا يمكن للأظفار أن تغرز سكاكينها في أجساد أقدارها، ولا أن «تخرج» من اللّحم، فدول الخليج جسد واحد وبنيان مرصوص، إذا اشتكى عضو فيه فمصير سائر الجسد المرض، و«الغزو البغيض» كان أنصع دليلا وأشد بياضا، والتضحيات القطرية السعودية الإماراتية البحرينية العمانية التي امتزجت فيها الدماء لتتحرّر أرض الكويت الطاهرة، هي دماء زاكية تستعصي على أن يدنسها خلاف عابر يمر كمرّ السُحب الصيفيّة.. ولتستمر قافلة الخليج برغم «النباح»، وبِلا «ثيران» بيضاء.. و«ثورات» العَبث.

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:36 PM
إضاءة..!


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki ​


عجلة موسم الانتخابات البرلمانية تكمل دورتها القصيرة وتزورنا من جديد، والمسكنات السياسية والمضادات الحيوية التي تستخدمها السلطة في علاج الوضع المتوعّك ربما تنفع بالأخير، لكن أعراضها الجانبية المؤذية ستأخذ وقتها الطويل على حساب البلد.


***​

مجلس 2009 مجلس طويل عمر، ليس لأنه بات أطول دور انعقاد لمجلس أمة لم ينعقد في تاريخ الكويت، لكنه أيضا فتحت فيه جيوب أعضائه طويلي العمر للتحصيل من خيرات طوال العمر، وكل قدر وقضاء دستوري ينهي مسألة غير دستورية نجده يطل علينا برأسه من جديد، حتى وصلنا معه إلى طريق وعر ينبئ بفراغ دستوري ربما تكون له انعكاسات مستقبلية، وهو كذلك الغول الذي كثرت حوله علامات الإشكال، وفوّهات الأصابع الغاضبة المصوّبة حتى نشر في البلد ثقافة خطيرة اسمها «اللي تكسبوا إلعبوا»..!


***​

بعد تجربة المقاطعة التي وضعتنا في زنزانة المتفرجين فقط من خلف القضبان على مجلس «التشميخ» المُبطل، لابد لذوي العقول التي تزن البلد في مكيال الربح والخسارة أن تعتمل مكائن تفكيرها جيدا لتشخيص ما ينفع للمصلحة الشعبية، فحكم المحكمة الدستورية الأخير واجب التنفيذ، والكويت مقبلة على مرحلة مهمة جدا، إما أن تستوي الكفة فيها، وإما أن تطغى إحداهما على الأخرى، فيستمر المقاطعون مقاطعين ولا وسيلة لهم غير تأجيج الشارع الذي بات يشكو قلّة المارة، وغيرهم يغنمون بالتفرّد في التشريع، ومن المعيب أن تأتي الفرصة مرتين لسد الصدع القائم، ونفوّتها بالعناد والتشبث بالرأي غير المرن، المشاركة بإيصال صوت واحد على الأقل أفضل من «لا صوت»..!


***​

استقبل هاتفي رسالة (واتساب) وهي صورة لمقال كتبه المحامي السيد محمد عبدالقادر الجاسم معنون بـ «قد بلغ السخف مداه»، ويعود تاريخه لأعوام التسعينيات حينما كان يسبح مع التيار المحافظ، وقد خُط المقال بعبارات شديدة التطرف والإساءة لرئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون، حتى انتهى بمناشدته الاعتزال وهو في قمة عطائه لا في ذروة الانحطاط، مع تقديري وحبي للأستاذ محمد عبدالقادر الجاسم وما يحمله من فكر وعلم قانوني، فإني لا أعيب عليه ذلك التغير الكبير في مواقفه، فالتغير سمة من سمات النفس البشرية، وهو حراك جميل يعطي دلالة على أن الجمود في خانة واحدة يعني الأسن والخمود، لكن مأخذي عليه هو تطرفه في الجرح اللاذع والتعمق والتعمد في الفجور بخصومته، وهذا يرفع أحد أجنحة الميزان، ويلغي الموضوعية وصفة القسطاس في إبداء رأيه العام للعامة..!

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:39 PM
الربيع الخليجي..!​


بقلم: أحمد مبارك البريكي​
Twitter: @ahmad_alburaiki​
Instagram: @ahmad_alburaiki ​


يوم 25 يونيو 1995..
قال حمد: "والله يعلم أنني ما أردت السلطة غاية في ذاتها ولا سعيت اليها من دوافع شخصية بل هي مصلحة الوطن أملت علينا ان نعبر به إلى مرحلة جديدة.."
وفي يوم 25 يونيو 2013..
زاد حمد " ولقد حان الوقت أن نفتح صفحة جديدة أخرى في مسيرة وطننا.. يتولى فيها جيل جديد المسؤولية بطاقاتهم المتوثبة وأفكارهم الخلاقة".
وبين يونيو و يونيو.. وبين حمد وتميم.. قصر الكلام وطالت الأفعال، وتطاولت معها دولة قطر بمساحتها الجغرافية الصغيرة لتلامس أطراف الأرض مغربها ومشرقها، في شتى المجالات سياسيا وإعلاميا واقتصاديا وثقافيا ورياضيا.
الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قائد فذ ورجل دولة من طراز نادر جدا، وهو بحق مؤسس قطر الحديثة بعد أن زرع فيها أول دستور دائم، وانتخب شعبه لأول مرّة ممثليه في مجلسهم البلدي، ورفع حرية التعبير إلى اللون الأحمر، فرفع معها يد الدولة عن الاعلام عندما ألغى وزارتها لينطلق بعدها صوت (الجزيرة) مدويا خارج شبه الجزيرة، يصنع قيمة إعلامية كبيرة لبلد صغير، ونجح في تدعيم الاقتصاد القطري الذي تسلمه وهو على شفا انهيار بعد أن كان مصدر الدخل الوحيد فقط هو البترول، وكانت قطر في آخر جدول مصدريه، فأدخل على الدولة مداخيل جديدة منها إنشاء سوق للأسهم والأوراق المالية وأنشأ معه شركات مساهمة كبرى كناقلات قطر وبنك الريان وغيرها، ووسع الاستثمارات الوطنية في استغلال المعادن الطبيعية في باطن الأرض، حيث أوجد امتلاك قطر لأكبر حقل غاز منفرد ولثاني أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي.
قفزت قطر في عهده وفي أقل من عقدين من الزمن قفزة هائلة في مجال التعليم حينما إستقطب أفضل الجامعات العالمية مثل جامعة كومنولت فرجينيا وكلية كورنيل الطبية فرع قطر وجامعة تكساس وجامعة جورج تاون، وعلى صعيد الشباب فجّرت قطر في عهده كل ما هو غير معقول، حتى استطاعت الفوز بتنظيم مونديال كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، لتكون بذلك أصغر دولة وأول بلد شرق أوسطي يستطيع حيازة هذا الانجاز المشهود، وهو حلم عظيم عجزت عن تحقيقه بلدانا عريقة ذات تعداد سكاني فلكي كالصين والهند واستراليا وغيرها.
قطر التي بات اسمها متصدرا كل الأحداث، هي صنيعة رجال صدقوا القول مع شعوبهم فتحدثت أفعالهم، فعملية التنحي الحقيقية عن السلطة طواعية لحاكم عربي ليس أمرا مألوفا لدى الشارع العربي الذي خدعته يوما تمثيلية هزليّة خرجت فيها الجماهير الغفيرة تطالب الرئيس بالعدول بعد نكسة مأساوية..!

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:40 PM
توليب..!​

بقلم: أحمد مبارك البريكي​
Twitter: @ahmad_alburaiki​
Instagram: @ahmad_alburaiki ​

هولندا بلد الزهور وقنوات الماء وطواحين الهواء ومهرجان الأجبان.. ومحطتي لمسك الختام، وفي مثل هذا البلد شبه الإسكندنافي حتى وإن أغمضت عينيك سترى خضارا وماء ومزارع للبقر.
هناك في أقصى نقطة لمملكة الأراضي المنخفضة بالقرب من بحر الشمال، إخترت كوخا ريفيا صغيرا ذا سطح عشبي للسكن، تجاوره قناة لنهر متهادٍ وحقل واسع في المحيط، وعلى مقربة من مدينة الكمار التي زرتها في أحد صباحات إقامتي، لأحظى برحابة متحفها الذي يروي تاريخ صناعة الخبز والجبن ووطن نهض على فتاتهما، وفي ساحة المدينة صادفت عرضا عسكريا مهيبا استثنائيا، فاكتشفت أنهم يحتفلون / يحتفون بتنصيب ملكهم الجديد (ويليام) أول ملك لهولندا بعد 120 عاما من حكم الملكات، والذي تنازلت له والدته الملكة عن العرش مطلع هذا العام ليتقلّد تاج المُلك نهاية هذا الشهر، و(بياتريكس) الملكة المتنازلة هي كذلك اعتلت الحكم في عام 1980 بعد أن تنازلت لها والدتها (الملكة جوليانا) عن العرش، وسلسلة التنازل المأثورة أيضا وصلت للجدة الكبرى (الملكة فولهامينا) التي تنازلت للأم، وهكذا تتناسل وتتنازل الملكات لجيل يخلف جيلا آخر.
أتجه بعد عرض العسكر الملكي إلى شرق أرض النيدرلاند لأقابل قرية جميلة إسمها (خيتهورن)، وهي قطعة هولندية خيالية لا تدخلها السيارات لأنها صممت بلا شوارع، وهي مكان للقوارب فقط، أخذت على عاتق أحد مراكبها جولة أيقنتُ خلالها بأنني مشروع قبطان ناجح، وجوه السائحين المأخوذة بسحر المكان تشعّ بجلاء في وجه القرية، والهدوء يعم صداه في الأرجاء، وعلى ضفاف القنوات الوقورة يجد ضيف المدينة ضالته في فائدة الترحال.
قبل المغيب كانت امستردام ومتحف فنسنت فان غوخ الرسام الانطباعي الشهير الذي خلّده الهولنديون بإقامة ساحة مساحتها ميل مربع واحد في مركز عاصمتهم وأطلقوا عليها إسم (ميل فان غوخ)، ومن عمق متحفه توزّعت رسماته الزيتية فوق القماش في صالات العرض العريضة بعد أن حاكها باحتراف فنان عظيم، ومنها لوحته الأجمل (حقل القمح تحت غيوم مرعدة) التي صنعها للخلود في عام 1890 قبل أن ينهي رسماته بطلقة مسدس، فيقر بريشة رصاصاته بأن الحزن يدوم إلى الأبد.
حدائق التوليب محطة النهاية وأيقونة هولندا التي تعيش وتزدهر ألوانها الحقيقية غير الكاذبة في أبريل، تدعو العابرين لأراضي المملكة البرتقالية لمزاهر موسمها.

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:42 PM
طلعة (سبت)..!​


بقلم: أحمد مبارك البريكي​
Twitter: @ahmad_alburaiki​
Instagram: @ahmad_alburaiki ​


زارنا يوم السبت من جديد وهو يوم اعتدت أن أجعله قربانا لعيون صغاري، أحيا معهم قصة ارتحال في نواحي الكويت لننهل من ميراث الأرض ونزيح الغبار عن جواهر مختبئة، نفتتحه بزيارة لمنزل القرين ومتحف شهدائه الأبطال الـ (12)، الذين قضوا دفاعا عن الوطن يوم أن كان الشعب الكويتي لا يعرف معنى للتأبين الطائفي، ولا يملك آلة حاسبة لأعداد الرقاب المنحورة.
والمنزل يعود لأحد أفراد مجموعة المسيلة التي أقضّت مضاجع جنود الاحتلال على مدى اشهر الاحتلال، وهو للشهيد بدر العيدان، واعتبرت معركة القرين التي وقعت قبل تحرير الكويت من دنس الغزاة بيومين فقط معركة غير متكافئة كليا بين قوات لجيش نظامي مدرّب يمتلك خبرة حرب وكما وافرا من أسلحة ثقيلة، ومدعوما بالدبابات وقاذفات "الآر بي جي" وبين مجموعة من فتية تملّكهم حب الوطن فافتدوه بدمائهم وأرواحهم وقلوبهم، ولا يملكون بين أيديهم سوى أسلحة خفيفة ضربت بإيمان في قلب الطوفان الهمجي، واستمرت المعركة ليوم دموي كامل، ليسطّر بجلاء في نهاية شمس ذلك النهار ملحمة وطنية أنشدها أبناء الكويت بصوت بنادقهم، وليختلط فيها بذل الأرواح من كل طيوف البلد، وهي محاكاة وتجسيد صادق لمعركة باسلة أخرى حطّت رحالها على أرض (جيوان) لأشاوس الحرس الوطني الكويتي الذين صحوا يوما على فجر غدر، وعلى سماء ترسل (براشوتات) تحمل "كاميكازيّات" ناكثة، فتصدوا لها بأنفس طاهرة تحمل مناياها بأكفها نصرة للكويت.
وقد قام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدوره المطلوب، فحوّل هذا الصرح لمتحف يخلّد ذكرى الشهداء وأيام بكاء الوطن، وفي زيارته للمتحف في سنة 1994 قال قائد القوات المشتركة لتحرير الكويت الجنرال شوارتزكوف الذي توفي قبل عدة أشهر: "إن تواجدي في هذا السكن يجعلني أن أتمنى لو قدّمنا مجيئنا أربعة أيام، ولو فعلنا ذلك فلربما لم يكن لهذه المأساة أن تقع".
تأخذنا خطاوي بقية الرحلة (السبتيّة) إلى عكس اتجاه التاريخ لتحط بنا في بيت العثمان أو بيت الموروث الكويتي الذي يتوسط أقدم شوارع حولي والذي يعود لعائلة عبدالله العثمان الكريمة، وقد تسمي الشارع الواقع فيه باسمه، والمنزل يجسّد تاريخ العمارة الكويتية في فترة ماقبل الخمسينيات وهو بناءا متميز ورمز هندسي لطراز منازل أهل الكويت قديما يوم أن كان السقف (جندل) والحيطان (طين) ودواوين الكرم عامرة، وقد حفظته أيادي القائمين عليه من عبث أيادي الزمن فيه ليكون مزارا يحكي لأجيال البترول قصة بلدنا.
في دهاليزه الموغرة في العتق سحبتنا الأشياء لأيام درب الزلق ودكان بن عاقول ليمتد و"جواتي حسينوه اللي كلهم طبجه وحده".. وعلى مقربة من الدكان كان "باركوت مرعوب" معلقا لشواهد الزوار، وبموازاته يقف "ثوب نهاش" الزهري المشدود والأنيق، وجلسة على "عاير الفريج" تسلطن عليها (فلج) بوصالح و(سبال) صويلح المملح.. وعمارة خليفة الدهان يحلّق فوقها بساط فقر حسين وسعاد اللذان ذهبا به للنجمة والقمر ولم يعودا ثانية بعد أن تاها في مجاهل (بمبي) الهندية وثعابينها السامة.. وبيت شَعَر مبني يأخذ ركنه الجميل و"دلال" عز على أطراف النار منصوبة.. وشجرة أسرة الخير الصباح حكامنا تضيء جدارا نيّرا.. ومجسم طائرة الجابرية المخطوفة بمضيفاتها وذكرى أبطالها أيضا لها حيّز ذكرى.. وصالة مضيئة تروي ظُلمة شهور الغزو وجراحها الأليمة.. وجرايد "الطيبين" وصخلة "أم سعد" تحوم حول "البرجه" القديمة بجانب غرفة بشتختة حسينوه الشري وتجوري التثمين.. و"بلاغ من الرياسة" في حجرة مخفر قريبة.. وفي نهاية مطاف الجولة سرقني المكان لأوقات "مع حمد قلم" الأزليّة الجميلة.

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:44 PM
بريكيات (41)​



بقلم: أحمد مبارك البريكي​
Twitter: @ahmad_alburaiki​
Instagram: @ahmad_alburaiki ​



· يصطف طابور الإنارات.. لقوافل العائدين..!
· (المد) الطائفي.. لا بد له من (جزر)..!
· أحاديثٌ أسطوريّة تقبّلتها.. عقول شرسة، كزوبعةٍ حطّت في معبدٍ للقَنَن..!
· "هي" لا تتجمّل.. هكذا "هي"..!
· كل أولئك الناس من حولنا.. أطفال كبروا مرغمين..!
· شيئان في الدنيا يستحقان المنازعات الكبيرة.. وطنٌ حنون، وإمرأة رائعة..! - حمزتوف –
· لا تنظري لي.. بل إلى كل من حولكِ..!
· البعض يكمن "إيمانه" بوطنِه.. في بطاقة "إئتمانه"..!
· عناقٌ في الأفق.. سماء وبحر والغيمات إكليل..!
· بالطبع.. هناك أماكنٌ نسكنها.. فتسكننا..!
· ثمة علاقة عكسيّة.. تربط العُمر بزهوة الأعمار..!
· ريشةٌ آثمة.. رَسمت مصير الشجرة، نزعتها لون الحياة وكَستها ثوب الحزن.. ثم تركتها في العدم..!
· نافذةٌ تكشفُ.. نهراً ومنازل منتصبة، نوارسٌ وميناء.. قوارب صيد وعمود إنارة ينتظر الليل.. وشخصٌ مشغول بفتنة الدرّاجة..!
· تحيا الأخطاء.. قاتلة..!

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:45 PM
لا بد من كلمة حق..!​



بقلم: أحمد مبارك البريكي​
Twitter: @ahmad_alburaiki​
Instagram: @ahmad_alburaiki​



برغم زيارة ضيف الانتخابات البرلمانية الثقيل على مائدة رمضان، وفي ظروف فرقة وتشتت كالتي نعيشها الآن، إلا أن هناك بصائص للأمل ترسل بريقها أخبارا سارة مع نفحات الشهر الكريم، ومن هذه الأخبار التي أسرّتني كثيرا ترشح الدكتور محمد عبدالرحمن الصرعاوي رئيس قسم علوم الأرض والبيئة بكلية العلوم في جامعة الكويت عن الدائرة الانتخابية الثالثة، أعرف الدكتور محمد معرفة جيدة، وأعلم إخلاصه الشديد وحرصه على الكويت، وأعلم بأنه من تلك القلوب والعقول التي تعطي الكويت بلا حدود، فلا تهدأ ولا تستكين حتى ترى نتائج عملها المخلص ينعكس إشراقا ونظافة في السماء والأرض والبحر، وأنا على يقين بأن الكويت مازالت زاخـرة بالرجال المخلصين، والأيادي التي لا تغفو أعينها عن العمل في الحفاظ على الوطن، لذا كانت فرحتي بخبر ترشح الدكتور محمد الصرعاوي المقرونة بأمانيّ الكبيرة بأن يحصد مقعده داخل قبة البرلمان.
ولو أن للبيئـة في الكويت لســان بشــر، لقالـت شكرا جزيلا للدكتور محمد، فهو صديق البيئـة بصدق، ولا غرابة فقد عمل مديرا لإدارة الهيئة العامة للبيئـة سابقا، وعلى يديـه تم البدء في تأهيل مرادم نفايات القرين السامة، وبجهوده المخلصة وجهود شباب كويتي متحفز قاده لإعادة إعمار تلك المنطقة الموبوءة والمنسيّة منذ عقود، التي كادت أن تكون قنبلة إهمال مدمرة في خاصرة الكويت، لتتحول بعد سنوات العمل إلى حديقة غنّاء تتغنى بالجمال، ومتنفس ترفيهي لأهل المنطقة بعد أن كانوا يتنفسون من ذات المكان السموم والغازات القاتلة، كما حمل على عاتقه أيضا مهمة صعبة أخرى، عمل فيها بصمت بعيدا عن بهرجة الـ (أنا) و(الأنوات) الإعلامية، وهي معالجة مرادم نفايات المصانع السائلة الخطرة بمساحة مليون متر كانت تتهدد حياة ربع مليون مواطن كويتي في جنوب البلاد، وعلى مدى أعوام قليلة من الجد في عمل بيئي مضنِ وشديد الخطورة وبإمكانيات متواضعة، تحولت تلك المساحة البور من أرض الكويت إلى موقع جميل صالح للاستزراع والدراسة البحثية، وإلى مرتع آمن للطيور.
تطلعات ورؤى الدكتور محمد التي رسمها كخارطة طريق في برنامجه الانتخابي المليء بقضايا مهمة، منها القضية التعليمية والبيئية، ومشاكل القطاع النفطي والإسكان والصحة، وهي مسائل غاية في الأهمية، إن حملها رجال يعرفون البوصلة ستودي بالسفينة حتما للاتجاه الصحيح.

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:46 PM
موزاييك​

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki​


في يوم 22 يونيو 1974 وفي ساحة كأس العالم لكرة القدم، ومع انطلاقة نهائياته التي أقيمت آنذاك في ألمانيا الغربية، تواجه في مباراة الافتتاح فريقين لبلدٍ واحد فصل بينهما جدار برلين فشطرهما أرضاً شرقية وأخرى غربية، جمعت المباراة فريقي ألمانيا الشرقية مع ألمانيا الغربية لتكون أرض الآباء (هامبورغ) ميدانا لحرب كروية بين الأبناء، ولحساسية الحرب الباردة وقتذاك فقد خمدت لظى كل الإعتبارات في صدور اللاعبين، حتى بعد نهاية السِجال لم يبادر اللاعبين تبادل القمصان داخل ساحة اللعب، لكن حينما دخلا غرفة الملابس توجه كابتن ألمانيا الغربية ذو الشارب الأكث الشهير (برايتنر) إلى كابتن ألمانيا الشرقية الأشقر النحيل (سبارفاسر) ليتبادلا قميصيهما فقط، وقد ظلّ ذلك سراً إلى أن هُدم الجدار وتوحدت ألمانيا من جديد ففشى السر علناً بعد أن بيع تلكما القميصان في مزاد علني، يُذكر أن اللقاء انتهى بمفاجأة مدويّة عندما تمكن أبناء الشرق من هزيمة أبناء الغرب بهدف يتيم سجله سبارفاسر القائد نفسه، الذي صرّح بعد المباراة بكلمات بسيطة لكنها لاتخلو من عُمق عظيم فقال: "إذا كُتب على قبري يوماً ما عبارة (هامبورغ 74) فسيعرف الجميع من هو موجود داخله".


***​

من على شاشة نافذتي الفضية الصغيرة وعلى مدار (102) دقيقة، عشت لحظات وأوقات بصحبة الفيلم العالمي (الرحلة الكبرى)، الذي سكَبَ ضوءا في قضية التباعد الفكري بين جيلين متفارقين لمسلمي الإغتراب في أوروبا، ليروي قصة مهاجر مغربي اصطحب ابنه الذي نما في بلاد الغرب فتشرّب ثقافتها بعيداً عن تقاليد سلالته، في رحلة شاقة وبعيدة إلى مناسك الحج عابرين معا بلدانا وحدودا وعوالم كثيرة، بدءا من فرنسا موطن الانطلاق ومسقط نشوء الابن، مرورا بايطاليا وبلاد البلقان وتركيا وصولا للسعودية ومكة المكرمة عبر سوريا والاردن، الفيلم الذي ناهزت ميزانية انتاجه المليون يورو والحاصل على احدى جوائز مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، يؤكد تشبّث المهاجرين المغاربة بجذورهم وديانتهم، وإن كانت الهوة بعيدة بين الشاب ووالده في رحلة آلاف الأميال، إلا أن الأحداث التي عالجتها تلك الدروب الطويلة تعطي بعدا مختلفا لفهم كل طرف للحياة، كما لم يفوّت الفيلم التعريف بحروب التطهير العرقي في صربيا والبوسنة والبلدان اليوغسلافية السابقة التي تناحرت في ميدان الهوية الدينية التي أشعلت ناراً أهلية ضارية، كذلك تأخذ مشاهد الفيلم مُشاهدها لتحيطه علماً بالظروف المأساوية التي تعيشها شعوب الشرق الأوسط من فقر وعَوز وتردّ في الأوضاع الأمنية، حقاً إنها رحلة كبرى بكل مقياس، حضرتها ذات مساء شاهداً ومشاهدا.


***​

تهفو قلوب ذلك الزمن الطيب، وطيرُ البشرى الرفيف قادما من الأفق الأزرق.. على وقع نبرة المزمار، حاملا معه الحكايات العالمية وأبواب السمسم المفتوحة وصباحات المغامرات الجميلة، انقضى زمن المحطة الواحدة وجاء زمن الفضاء وقنواته الغزيرة، لكن ظلت أيقونة الطائر الداني رمزا لذكريات لا تنسى، إنها مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي التي بذرتها سبع دول مطلّة على الخليج في عام سبعيني (1976) لتنطلق برامجها المثرية من خلال تلفزيونات الخليج تنشر علما وتوعية وبسمة، ولتتخذ من عاصمة درة الخليج الكويت مقرا لها، معززة الروابط الحضارية والثقافية والتاريخية التي تجمع بين البلدان العربية الواقعة على الخليج، فكان الإنتاج وافرا وسخيا بدأ بفتح باب السمسم وانهمرت منه رحلة العجائب ومدينة المعلومات.. نحول وبومبو.. الرجل الحديدي وفلونة.. عدنان ولينا والكشاف صديق الجميع وقصص عالمية كثيرة و"دمتم سالمين".

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:48 PM
إجازة في المالديف..!​

بقلم: أحمد مبارك البريكي​
Twitter: @ahmad_alburaiki​
Instagram: @ahmad_alburaiki​

عِناقٌ في الأفق.. سماء وبحر والغيمات إكليل..
من وراء نافذة الطائرة تتجلى المالديف أو كما أطلق عليها العرب الفاتحون في سالف العهد (مَهل الذئب)، ويكمن المعنى في بزوغ نجمة تتعلّق في ثوب السماء تبصم ومضة بعيدة فوق البحار الواسعة، أما هذه الجزر المنثورة في الزُرقة التي رسمتها الشعاب المرجانية على شكل حلقات سماوية في وجه المحيط، فتأخذ اسماً ورسماً آخر لا تنطقها الأفواه لكن تتركها للخيال ليقول كلمته الفاصلة.
تهبط عجلات الطائرة في مطار إبراهيم ناصر الدولي الذي سمّي على اسم أول رئيس للجزر بعد الاستقلال عن بريطانيا في عام 1965، ويقع هذا المطار في جزيرة تحد العاصمة ماليه من جهة الشمال الشرقي، وهو ميناء جوي صغير نسبيا ذو إمكانات محدودة لكنه نظيف ومنظم، تأخذني المراكب العابرة إلى ماليه عاصمة المالديف أو الدولة المحلديبية كما ترمز لها خرائط الإدريسي الجغرافية، وهي جزيرة من أصل 1190 جزيرة كورالية تشكّل جميعها جزائر الدولة، وجميع السكان هنا يعتنقون الديانة الإسلامية التي دخلت تباشيرها إليهم في عام 1153م على يد الداعية المغاربي أبو البركات يوسف البربري، وللشيخ أبو البركات مكانة كبيرة عند أهل هذه الجزر، ويتوسط بيته الذي جُعل متحفا أهم شوارع العاصمة، وقد كانت قوافل التجارة العُمانية القديمة تنشر بعضا من كنوز العلم وتعاليم الدين الحنيف الذي رست أساساته بعمق في هذا البلد البعيد، والدكتور سلمان حسن الذي سنحت لي فرصة لقاء معه مالديفي درس علومه الشرعية والطبية في جامعة الأزهر القاهرية، يجيد اللغة العربية بطلاقة، دمث الخُلق ويعمل طبيبا في أكبر المستشفيات الحكومية في العاصمة، يخبرني بأن حكومته قررت شراء أرض ميعاد جديدة ليرحل لها المالديفيون الذين يقدر عددهم بربع مليون نسمة، بعدما أكدت دراسات جيومورفولوجية أن ارتفاع منسوب مياه المحيط بهذا الشكل المتواتر سيؤدي إلى غرق هذه الجزر بعد 87 سنة، يقول بحسرة وحيرة إنهم قاموا بتقديم طلبهم لاقتطاع أرض صغيرة كحجمهم من أستراليا أو سيريلانكا أو منغوليا، ليرحلوا لها ويبدأوا حياة جديدة بعد موت أرض أجدادهم.
وفي المالديف تنظيم للخدمات في غاية الدهشة والغرابة، فجزيرة العاصمة التي تحفها عدة جزر صغيرة يتم استخدام كل واحدة منها لغرض معين، فجزيرة تستخدم كخزان للوقود، وثانية لإيداع المؤن والمياه والكهرباء، وأخرى لتدوير النفايات، وجزيرة تستخدم كسجن مركزي على غرار الكاتراز في سان فرانسيسكو وهكذا.
على متن القارب السريع أنتقل إلى جزيرة (آداران) القابعة فوق الاستواء، وهي جزيرة صغيرة تقطعها الأقدام في بضع دقائق، لكنها قطعة من السماء تطفو فوق الماء، ونُزل حالم وجميل أسكنه فيسكنني، يمتد عميقا في حوض المحيط ليستقر شاخصا على متنه الفسيح، تسبح تحته الأسماك بألوانها الطاووسية الزاهية، يحتويها ذلك الخزان التيفاني الساحر، هنا الدنيا فضاء وأفق وخط للاستواء.
قبل المغادرة.. وفي حديقة السلطان أقف فوق أعلى تلة في المالديف التي ترتفع عن سطح البحر مترين اثنين فقط، وقد غمرتها بالكامل أمواج تسونامي في كارثة جنوب آسيا الشهيرة عام 2004، وتتوسط تلك التلة مدينة ماليه بمساحتها الصغيرة التي لا يتعدى طولها كيلومترين، وعرضها كيلومتر واحد، وعلى جوانبها تكتظ البنايات متوسطة الارتفاع، رأيتها من على متن الطائرة المائية وأنا أهم بالرحيل فخيّل لي بأنها ستسقط في المحيط.

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:50 PM
أحداث حزينة..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

«المشكلة ما هي فلسطين.. لبنان راحت وراها»..
درَجت هذه المقولة على لسان الكويتيين يوم أن كانت قضيتهم وحيدة النواة عنوانها فلسطين المحتلة، ومع بداية ضِرام نار حرب لبنان الأهلية التي تفشّت في هشيم ذلك البلد الصغير، والكويتيون شعب ذو هاجس قومي نبيل يشتعلون غضبا حينما تستعر غضبة الشعوب الشقيقة فيما بينها..!
عبَر الزمان.. وتوقف بنا في حاضرٍ تفجّرت فيه الأوطان العربية من الشام لبغداد إلى مصر فتطوان، فضجّت الرؤوس بصوت صفيق فناجين الدم والحريق، والحروب تُرعد وتُبرق في كل ناحية، ومصادر الأخبار مشغولة بنقل «العاجل» منها في ساحات الاقتتال، حتى غدت شارة المستطيل الأحمر معلّقة على الدوام أمام مذيعي قنوات الأنباء، بعد كل تلك الفوضى وتصفية الآخرين لبعضهم بعضا، ماذا عسى الكويتيون يقولون ليضيفوه لمقولتهم القديمة حتى تشمل كل تلك الأشلاء البريئة المتناثرة التي نفّذها «قابيليون» جدد في «هابيليين» جدد، فوق كل ساحة عربية تحت ذريعة مظاهرات غاضبة وردع للفوضى، حتما سيحتاجون إلى مدوّنة شعريّة مطوّلة تبتدئ بوطن وتنتهي بشعب..!
* * *
في خضم الأحداث المؤسفة وَمضَ الخبر الحزين، وانطفأت شمعة حياة الداعية الدكتور عبدالرحمن السميط (أبو صهيب) أو خادم فقراء أفريقيا رحمه اللـه برحمته الواسعة، هذا الرجل الذي يزن مقدار أمة، الذي على يديه الخيرتين وبفضل من الولي القدير أسلم أكثر من 11 مليون شخص في أفريقيا، بعد أن قضى نصف حياته ينشر الإسلام في تلك القارة، أي بمعدل 1000 مسلم يوميا يخرجهم من ضلال الجهل والشرك إلى نور الهدى والخير، ولم يكتف بزرع نور الفكر والعقل لكنه عكف على زرع النور والبصر في عيون الفقراء الذين أصيبوا بداء العمى ليشفيهم اللـه على يديه أيضا، وكان يجد طعم السعادة حينما يفتتح مدرسة في منطقة لم تعرف طعم التعليم، وبرغم كل الأهوال التي تعرّض لها والمخاطر ومحاولات القتل من المليشيات المسلحة المنتشرة في القارة السمراء التي يغلب عليها فوضى السلاح، وبرغم التنقل في غابات محفوفة بكل شر من أفاع وشح مياه ولسعات البعوض المميتة، ومعاناته مع جنود البعث في فترة الاحتلال العراقي للكويت عام 1990، عندما اعتقلته المخابرات وتم تعذيبه في أحد سجون بغداد حتى انتزعوا اللحم من وجهه ويديه وقدميه، إلا إنه كان دائم العزيمة والتسلح بالإيمان في سبيل اللـه، مرددا بأنه على يقين من أنه لن يموت إلا في اللحظة التي كتبها الله له، رحل أبو صهيب جسدا بعد تلك السنين الزاهرة بالعطاء، وبقي نتاج أعماله الصالحة روحاً حيّة لا تموت.

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:51 PM
بريكيات (42)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

· بين جحيمين تُقيم الأرض.. ظاهرها مطارق للشمس وباطنها رحمٌ للحريق..!
· لريشة الرسام.. زِناد..!
· عاشت حياتها تُحارب في سبيل (فكرة).. فأشغلتها الحرب عن كتابة تلكم الفكرة..!
· في وضح السواد.. سكنت طاولة بيضاء حملت على سطحها شمعا أحمر، تسترجع به ذكريات الشمس..!
· يَرسخ النظر الجامح في الأعالي البعيدة التي لم يصلها الآخرون بعد..!
· نصيبُ «الأسد» غابة..!
· أهازيجُ اليُتم.. قافلة من قياثير ونحيبُ نايات وقصيدة دُف..!
· سليلة السُدُم تخبئ النجوم في مأواها الصغير..!
· الصمت أداة سَمع..!
· شدّة الضياء.. تحجُب الرؤية..!
· يرتحل العقل في مسارب الخيال.. فتولد الأفكار العاقلة..!
· اندفعوا إلى أقصى درجات الإسراف في مدى الانتماءات الواهمة.. وخسروا الحياة بلا قضية..!
· رَسَم هالة من فخامة وهميّة حوله.. نما لمعان الوهم، كبُر.. تضخم وانفجر..!
· من لا يرى الحدود فالكون بأسره تذكرة سفر مفتوحة له..!

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:52 PM
أوقات في (بالي)..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

حينما قررت الكاتبة الأميركية إليزابيث جيلبرت تغيير حياتها وإزاحة الأغبرة الحزينة عن نقاء نفسها، نوت السفر لتتمتع بالأكل في إيطاليا فتأكل، ولتغذي روحها في الهند فتصلي، ثم مضت أخيرا تبحث عن الحب الذي يوازن بين الجسد والروح في جزيرة «بالي»، لتدوّن بعدها رائعتها الأدبية (كُل، صلِّ، أحب) لتتحوّل فيلما سينمائيا جميلا تصدّت له بواقعية الممثلة المتألقة جوليا روبرتس، وحاز على مشاهدة منقطعة النظير من الجمهور الناشد لروائع القصص، كانت تلك الجزيرة المتطرّفة بعيدا في الأرخبيل الإندونيسي الطويل الذي يضم أكثر من 20 ألف جزيرة منتشرة على طول قارتي آسيا وأوقيانوسيا خيارا آخر لي في سكة سفر جديدة.
(بونتشاك) طَودٌ عظيم يعتلي جبال «جاوا» العامرة بالنزلاء في بلد يسع لثلث مليار نسمة جُلّهم يعتنقون الديانة الإسلامية، إنه درب عبور في طريقي إلى الجزيرة المنشودة، ومحل إقامتي لليالٍ معدودة، وهذه القمّة البعيدة ما هي إلا رأس مُطل لبركان أزلي خامد منذ قرون تحدّرت على جوانبه قرى وجنّات استوائية مطيرة، هي جزء من إقليم واسع يقف في طريق الخط الاستوائي للأرض، لتكون مرآة تعكس تشابكا لا حد له من درجات الأخضر، وتنوّعا نباتيا وحيوانيا هائلا، وحِياضاً لمياه مسكوبة بغزارة في كل وقت، ومنه تنطلق الموجات التسوناميّة المُرعبة في كل الأنحاء، فهو مركز لأغلب الزلازل في هذا الجزء من العالم، وهنا أيضا موطن «تنين الكومودو» أضخم أنواع الورل والسحالي على الإطلاق، وأكثرها قسوة وافتراسا، حتى صنفته قناة «أنيمال بلانت» العلمية الشهيرة تحت طائلة المخلوقات خارقة القوة، بسبب تفوّقه على كل ما يحيط به من كائنات، وهو من الحيوانات شبه المنقرضة لأنه لا يقوى على العيش خارج بيئته أبدا، من على بعد سنتيمترات قليلة كانت زيارتي لهذا المفترس الخطر يحجبني عنه صفيحة من زجاج، وحب استطلاع وهيبة فك نائم.
مع الفجر أصل..
يشق النور ستارة السماء وساحل «كوتا» الجميل المتقوّس بتكاسل.. يفرق بعنفوان امتداده الطويل شواطئ (بالي) عن الخِضم الكبير، فيه تُكبح جنون الأمواج الوافدة من الجنوب القصِي وعلى رماله تحيا شمعة الغروب، وبالقرب من حافة صخريّة عنيدة تتكسّر على سطحها ألسنة البحر العملاقة، يغدو المكان أتونا لجيا دخانه الرذاذ، تقع فيه أرض في شرق البحر، وصخرة كبيرة على الشاطئ تشكّلت منذ عهد قديم بفعل حركات المد والجزر، عبرها قبل خمسة قرون كاهنٌ رحّال فأقام على ظهرها معبدا أسماه «تاناه لوت»، ويعد في وقتنا الحاضر واحدا من أكثر الأبنية شديدة الغرابة في العالم، لذا صنفته منظمة اليونسكو كأحد مواقع الأثر الإنساني الخالد.. ليظل هذا التكوين الصخري الممتزج بكهنوت عبادة مقصدا يزوره السائحون والرهبان وهواة التصوير من كل مكان.
وفي أحد حواري العاصمة دينبسار هناك طفلة ضالّة أهديتها ابتسامة وأعطتني عبرَة.. وهنا عموما في جزيرة بالي ينتشر الأطفال مجهولي الوالدين بكثرة مزعجة وحزينة، فتجد حاجتهم للبقاء أقوى من مد يد العطف ليكسبوا قوت استمرار بقائهم، لا عجب هنا فالحياة على هذه الجزيرة غاية في التعقيد والتركيب، فهي تؤوي على سطحها خليطا من عادات وتقاليد وأجناس تفرقت بهم العقائد، وجمّعتهم قطعة أرض وسط المحيط.
بالقرب من فوّهة بركان (كونتاماني) الذي تُلفه السّحب في كل الفصول تقع بحيرة ترونيان الكبريتيّة التي كانت ملمسا لأقدامي وطاولة غداء، وكذلك لشراب فاكهة «الكوكونت» الاستوائية التي تحمل في جوفها ما يُطفئ عطش عابرٍ يقتفي أثر المغامرة.

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:53 PM
بصمتان.. عربيتان


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


«يا أهلا بيكو»..
بهذه العبارة المفتاحيّة التي تُعالج مع نطقها باب الدراية، ويهرق في إثرها سيلٌ من سنا علم وأدب، وأخبار تمتزج في رزمة تحت ظلال الإيمانيات وعظائم المفردات القرآنية، يبسطها على مسامع الملتقطين مجموعة «دكاترة» في نفسٍ واحدة هو د.مصطفى محمود عالم التشريح والطب والفلسفة، الذي قدّم للإنسانية مكتبة واسعة وثريّة قوامها 89 مؤلفاً تنوعت بين الدين والاجتماع والفلسفة والعِلم، وصولا للرواية والمسرحية والشعر، وقد تُرجمت أغلب تلك الأعمال إلى كثير من اللغات، وهي حصيلة عقل رجل بحث في ملكوت الله ومُلكه الذي لا ينفد، وتقلّب بين متاهات الشك وطرق اليقين، حتى قال في ختام صراعه الفكري:
«احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمّل مع النفس وتقليب الفكر على كل وجه، لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين».
اشتُهر بسرده البسيط والعميق لحلقاته (العلم والإيمان)، بعدما أخذ مكانته الجليلة على شاشة تلفزيوناتنا برفقة مقدمة الناي الحزينة عبر 400 حلقة في 18 سنة، قدّمها عطية لنا، وكل واحدة منها يعد مجلّدا معرفيا.
***
(مي شدياق).. ربما نسيها الكثيرون كما نسيها الزمن، لكن بالتأكيد لن ينساها وطنها أبدا، هي مذيعة لبنانية وأستاذة صحافة، قطعت رجلها أقدام الإرهاب، بعد أن شهرت بندقيتها وسوطها إعلاميا في وجه غطرسة المحتل السوري لبلدها الذي استفحل شره أخيرا حتى عاث في دماء أبناء أرضه، وقد عُرفت بالناقدة رقم واحد في لبنان، للتدخل المشين من بلد كبير في شؤون بلدها الصغير، دبّرت لها العقلية التفجيرية عملية اغتيال في العام 2005 لتتركها بساق اصطناعية مدى الحياة، ابتعدت مي عن الأحوال السياسية الصاخبة بعد الانسحاب السوري من لبنان، فكتبت صفحات لسيرتها البطولية تحت عنوان «السماء تنتظرني»، واختفت.. لكنها تركت خلفها حقيقة باقية، وهي أن للأوطان نفوسا تفتديها بأجسادها.

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:54 PM
هناك الصورة..!



بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki



في أوسط الشرق..
يتواصل الدم المسكوب.. وتتناثر قطراته الغزيرة لتطغى فوق وجه الغوطة الشاميّة، وفي زنقات طرابلس ليبيا ولبنان حتى يصل مداه إلى شمال بغداد وجنوب صنعاء، والسيلُ القاني الأليم يأخذ مجراه المهدور في الجندول المستمر فوق الخارطة العربية، ليحجب رابعة شمس مصر ويحول نهار فلسطين إلى ليل طويل، وعلى خشبة المشهد الأحمر أطفال يقتلون بلا ثمن، وأرض تتجرّع الحريق، وقذائف تحمل الموت في سماء الغيظ لتحط أثقالها دمارا في ساحة الخراب.
(هناك الصورة).. دولٌ عظمى مشغولة في النزاع فوق الطاولة المستديرة أحيانا والمستطيلة في أحيان أخرى، تتباحث إثبات وجودها في لعبة تكسير عظم باردة لتزرع مصالحها، ومصائر الشعوب المستهلَكَة تتمسّك بقشّة حريّة مصنوعة من كلام وأمن منزوع من أفعال.
في أواسط الغرب.. والشرق..
يتواصل التنافس المحموم.. بين عمالقة صُناع الهواتف الذكيّة، بين توت كندا الأسود و»نوكيا» فنلندا الأبيض، حتى «جلاكسي» كوريا، والتفاحة الأميركية، وتنهمر على إثر هذا التطاحن سيول الإلكترونيات العابرة للقارات، لتسقط في الأخير على أهدافها بين الأيادي المتلهفة للانفجار الاتصالاتي العظيم، والسؤال المتداول بين الجموع في سوق الألسنة وأسواق الأسهم: من سيفوز؟
(هناك الصورة).. شركات عظمى تتنافس وتتصارع تجارياً، وشعوب المستهلِكين تترقّب النزاع التكنولوجي لتحظى بجهاز ذكي متقن الصُنع.
بين تلك الصورة والصورة.. نفوسٌ ترنو إلى حصد المجهود، وأخرى تقتُل لتطغى، ونفوسٌ ثالثة راحت تحت الأقدام..!

أحمد مبارك البريكي
20-03-2014, 11:56 PM
كلام مليان.. (كلام فاضي)..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

من هواياتي الصغيرة أن أتحدث مع أطفالي الصغار عن أمور كبيرة خارج حدود آفاقهـم، وعلى طريقة الكوميدي أحمد حلمي في برنامجه (لعب عيال) قبل أن يشتهر بشهر، ذات مساء هادئ وبعد عشاء رائق جلست إلى حرير ذات الأعوام الأربعة وعزوز ذي الأعوام الستة أحدثهم حديث جوى السياسة وأطرح عليهم أسئلة ثقيلة تنوء بحملها أسماعهم.
أنصتوا بقلوب طريّة وأفواه فاغرة وعقول فارغة عن أي حديث أتحدث، فسألتهم عن العلاقات العربية العربية ومراحل تطورها وتدهورها تاريخيا منذ إنشاء جامعة الدول العربية في عام 1945، التي صنعتها وصاغتها دول استعمارية كانت على وشك الرحيل من المنطقة العربية بأقل الخسائر فزرعت تلك المنظمة لتنظم أمورها في مرحلة ما بعد الاستعمار، تحدثت لهم عن حروب العرب الثلاث ونكسة الستينيات وظاهرة عبد الناصر وقوميته وحماسته التي دمّرت أكثر مما عمّرت، وسألتهم عن سبب انتصار ذلك الكيان الهلامي الصغير الذي بدأ بعصابة (هرتزليّة) وانتهى بدولة تفرض شوكتها على أعظم الدول، سألتهم عن القضية وعمّن تزوجها بطريقة غير شرعية فورث أموالها ودماء شعبها، و(دَبَكَ) الدبّاكون له ولـ (كضيّته) فعاثوا خرابا وحربا في ديار العرب ، وحرقوا لبنان، وصبغوا أيلول بالسواد، وتآمروا على الكويت، واغتالوا ناجي العلي، وتركوا سارقي أرض العرب يخاطبهم (سلاما)، سألتهم عن كامب ديفيد التي امتطى صهوة بطولتها سيد سادات بعد أن غنِم من دول الخليج بطولتهم وتضحيتهم في قطع إمدادات البترول ليجر على أهل تلك الدول أزمات لا تنتهي، بعد أن وضع العالم كله تلك الدول الصغيرة تحت مجهره الكبير تحسبا لأزمات قادمة، فعملت الدول الصناعية التي لا غنى لها عن نفطنا بكل طاقتها كل ما يجوز وما لا يجوز في عالم المؤامرات حتى يبقى عَصَب حياتها يتدفق، فخسر أهل الخليج السمعة وظهر الساداتي بجبهته الموسومة بالغدر على سطح البطولة..!
سألتهم عن الخميني وثورته التي أشعلت نار كل شيء طائفي وجلبت معها حروبا لا تبرد حتى هذا اليوم، وما علاقة تلك (النفضة) التي تلبس ثوب الإسلام بثورة جهيمان الثوري ونسول التكفيريين من كل حدب وصوب، فكان سؤالي محددا وواضحا وبسيطا.. لِم تزامنت هذه الثورة مع هؤلاء الثوار؟!
انهمرت علامات الاستفهام في طريق حديثي وانأ أقف عند كارثة غزو الكويت وظاهرة صدام (عفريت تكريت) وهل هو من صنع فكرة جمال عبد الناصر وعفلق؟!، أم إنه مجرد (خرطوش) لمهمة قذرة انتهت بالقبض عليه في جحر الذلّة، واختتمت برميه من فوق المقصلة، الأسئلة لا حدود ولا خطوط حمراء لها، عبرت بلساني على الثورات الحاضرة للجماهير العربية وسحل الحكّام واحدا تلو الآخر، وخطر يتربّص بأوطان الخليج وشعوبها التي تعشق السلام وحياة الكرامة، لكنها لن تتردد لحظة في إظهار الليوث القابعة في نفوسها عندما يشاكسها أسـد صنعـه ثـور..!
تلك الأسئلة السرمديّة التي تركت على محيّا البراءة خيوطا من نعاس ودهشـة ملل على أمور أهرف بها بما لا تعرف عقولهم، ختمتها بنهاية المطاف بسؤال ناري عن مصدر حياتنا وحياة جيلهم:
لو تلوّث الخليج بسموم النووي الإيراني من أين سنأتي بماء الشرب؟
أجابني عزوز الصغير بكل ثقة: من (البرّادة)..!

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:17 PM
عاد تشرين..


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


..عادَ تشرين
من رحلة الشهور..
عادَ ومعه جِذعُ النخلة..
وصناديق التمر.. وحكاية العنقود
عادَ.. وفي جعبته هدايا السُحُب..
وشمعدان الشتاء.. وترانيم العُـود
عادَ يُنشد صولَة الأجراس.. في المدارس
ومحفوظات الأطفال.. وغناء ربّات البيوت
يزرع في صدر الصباحات أنّات التين..
وأهازيج الزهرات.. وأريج الليمون
عادَ الشقيُّ.. بعد الغياب
يحملُ على أكتافه أخبار البَـرد..
وأماسي السحر.. وأهاديلُ الأطواق
يضربُ الميعادَ للعشاق عند حقل الفصول..
عادَ ومعه محفل انقضاء العنب..
ينقشُ الدهر بلون القطن.. وأصداف البحر
وزواجل السلام..
رجَعَ في الأخير..
يُكمل دورته حَولاً.. في مِضمار السنة..
ويفرش غروره مطرا فوق قبّة الحياة..
عادَ تشرين..

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:18 PM
بريكيات (43)


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


· الضجيج صوت مسموع بقوة.. لكنه ليس كلاما..!
· في منتصف جادة الصمت.. وقفت عازفة، تنجب الأنغام وتوزع على المارة تذاكر للسماء..!
· حتى في شؤون مصر «دخل» الآخرون بجدالهم آمنين..!
· لست عاشقا لقطع الوصال.. لكن هناك ثمة أربطة لا تستحق الإيثاق..!
· ثورة طائشة.. ولدت ثيرانا هائجة..!
· تعب الصدر الذي كان محطة يركن إليها «الناعين».. قطع تذكرته هو الآخر وسافر باحثا عن محطة للبكاء..!
· داخل لعبة الشطرنج.. رأس الملك يعني نهاية اللعبة..!
· القناعة كنز.. لا «يغني»..!
· لنا عند أبواب الليل.. حكايات..!
· ينهمك معظم الناس في عيش الحياة.. وينشغل القلة منهم في صنع موتها..!
· لكل صواب.. شارع..!
· أزالت إيطاليا العهد الفاشي.. فصار الإيطاليون كلهم «موسوليني»..!
· تفنى الأقدام ويبقى الأثر..!
· ينتهي عمر الدرب الممتد.. في نقطة انعطاف، ليتداركه درب ممتد آخر يكمل مسيرة الطريق..!​

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:19 PM
الحريّة لرأي الوشيحي!


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki


لا تزرعوا الحنق في بساتيننا... لا تزرعوا الحنق
(محمد الوشيحي).
في عصر تيارات بحار الإعلام السريعة، وانتشار وسائل نقل النبأ وتبادل المعلومة في شتى الاتجاهات، كثرت الأفكار وتنوعت الآراء الغث منها والسمين، الثقيل منها والتي لا وزن لها، لكن من المعيب وغير المنطقي في هذا الخضم العظيم هو تتبّع كل متحدّث يبدي حديثا عاما في شؤون عامة، وتقصّده ليس لشيء إنما لشيء في نفس من يهابون كلمة (لا)، وهو ما حدث للأستاذ محمد الوشيحي الذي يختلف معه كثير ويتفق معه كثير، ذلك لأنه وبكل موضوعية جعل لنفسه ولقلمه موضعاً في ساحة الجدل وفرض حضوره ليكون مدويا أينما حلّ وارتحل بين حقول بساتين نشر الرأي، ليترك بصمة مميزة في المجال المكتظ بالأقلام، ما جعل الملاحِقين "للزلاّت" يتقصدونه عند ناصية (آمال).
و الوشيحي ناشر لحرية رأيه عبر مؤسسات إعلامية محترمة ومعترف بها و "مفرّع راسه"، ولم يقفز على سطح الفوضى ليقدح زناد الخطأ ويختفي تحت ستارة الأسماء المستعارة.

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:20 PM
كانت الدنيا "بصرة"..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

حادثة نقل تنظيم دورة كأس الخليج العربي القادمة، من حضن مدينة البصرة إلى السعودية، لتستضيفها إحدى مدنها الجميلة، خبر أثار تبصري في أحوال دائرة الأيام والدول والرجال، فلو أننا أعملنا عقولنا في الخيال، وتصورنا أن السنين قافلة تهم بالرجوع إلى الخلف، لأذهلنا مما قد تأتي فيه من نبأ.
قبل بضعة عقود مضت، وفي وسط جزيرة العرب، وقتئذ همّت هامات الرجال في القبض على معول البناء، لزرع أمة فوق الرمال، وصنع دولة من بقايا إرث منسي قديم، عبرته عربات الحضارة، وأسرعت خطى التمدن في تجاوزه، لتتركه قاعا معدوما، وبيدا من دونه بيد، وبشرا منتشرا في قحولة أرض شاسعة، لا يملكون بين أيديهم أدنى مقومات النهوض، كان الطرف المقابل على ضفة الفرات يعيش الدنيا (بصرة)، وكانت أكاسرة الإمبراطوريات، كالعثمانية والبريطانية، تتصارع من أجل البقاء على ضفة شط المدينة، ذات الأهمية الاقتصادية والمكان المتميز والثروات الطائلة، يومها كانت جموع الباحثين عن الرغد والعيش الهنيء لا يجدون بدا من السير إلى العراق، يتبعون مؤشر التقدم، الذي كان يمد إصبعه شمالا.
جاءت الحكمة جنوبية، فأخذت الأمور زمامها بأيدي العقلاء، لتبدأ عملية انعطاف المسار إلى إثبات الوجود، ولتصير المملكة العربية السعودية في بضع سنين، وبشجاعة أوائلها الذين انتفضوا للسبق، في صدارة كل ترتيب، فيما انتكست دولة الأنهار المسكوبة في البحر هدرا، يوم أن تسلقت الضباع كرسي عرش العراق في ليلة ثورة، ليمنحوا الشعوب السراب، والوعود الواهمة الكثيرة تحت مسمى الحرية والعدل، ثم ليحصدوا نياشين المكر والخديعة.
اليوم..
تتدحرج الكرة بكل إرادتها إلى ملعب جدة السعودية، كواحة أمن وأمان ومنارة للتقدم والرقي، متباعدة عن بصرة العراق التي أعمتها بصيرة الحروب العمياء والأطماع المقيتة، حينما بيعت حمامات السلم بـ «الغراب».​

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:21 PM
بريكيات (44)


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


• وراء كل «تفاحة».. عظيم..!
• الناقوس الأخير.. مرعب..!
• لحنٌ جميل.. انثنت أنغامه سِحرا فوق أهزوجة الطريق..!
• إني أريدُ أن أكون معكِ، إن كنتِ تريدين أن تكوني معي..!
• ساعات الترقب في المحطة.. تُجهد الساعة «البيولوجية»..!
• لا يوجد شيء في العالم، يحمي بحر العين من زحف الدموع.. لذلك، لا مجال لحزن، ما دامت القلوب جحافل للصبر..!
• وما الأمجادُ إلا صواري في لُج التاريخ..!
• في جنة المضمار.. تأهبت رؤوس «البولينغ» الثقيلة، في الطابور الطويل.. تائقةً لحصد القوارير المصفوفة..!
• جوهر الوليمة.. ليست مائدة..!
• لاس فيغاس.. مدينة الخطيئة.. والزواج، وطاولة إباحة خضراء على صحراء مالحة..!
• الكسل ذنبٌ عظيم.. هكذا هي عقيدة حضارة «الأنكا»..!
• بين تلك الصورة والصورة.. نفوسٌ ترنو لحصد المجهود، وأخرى تُدمي لتطغى.. ونفوسٌ ثالثة ذهبت تحت الأقدام..!
• بدلاً من طَهو الرماد.. اصنعوا بخاراً للقاطرة..!
• في بحيرة الأوراق العريضة.. وقف طفلٌ على الضفة يتأزر المظلة، حاملاً على ظهرها كومة المطر.. ينظر لخيال يتراءى على الرصيف المقابل ينقشُ ألوان المكان على لوحة الماء..!

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:22 PM
القيادة.. للمرأة


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


صباح جيّد.. بعد أن غادر جسدي آخر جندي من جيش غزو «نزلة البرد» الغاشم، فحقّ لي .... أنا المحارب الصبور - أن أشرب كأس الليمون، ابتهاجا، وأتخذ مقعدا في دار البخار وحيزا بالقرب من مدفأة الجمر «الساونيّة» أجلس بعدها على منصة «الجاكوزي»، لأقرأ الأخبار الطائرة من أفواه العصافير المغرّدة على مدار الساعة في البرنامج الأزرق.
يعبر سماء «التايم لاين» هاشتاق ثائر طيوره مهاجرة من بلاد نجد والحجاز عنوانه قيادة المرأة السعودية، يتعاكظ القوم فيه الرأي، ويتشرون بين مؤيد ومعارض وثالث يرى في ذلك إعادة للنظر، ومن بين الآراء كانت جُل تغريدات النساء في صف المقود والانطلاق السليم على الطريق المؤدي لكسر القيد.. أما الرجال، فتناصفت وجهات نظرهم بين هذه الضفة وتلك، لكن تغريدة اخترقت التعارك الجدلي صاغتها الكاتبة السعودية سمر المقرن، حملت معها عجينا من أنفاس الإحباط التي تعانيه المرأة من تفرقة عنصرية، بسبب جنسها، فقط لا غير، ومن مشاعر آملة لتطلعات كبيرة تريد لها الولوج في واقع البشر اليوم، بعد أن أشاحت المرأة السعودية غطوتها، لترى العالم يبتعد عنها بسرعة الصاروخ.. هنا تتساءل الكاتبة عن أصعب شيء في الحياة، هل تصوغ سؤالا يستعصي عن الحل، أو أن تخلق أسئلة لم تُخلق إجاباتها بعد، والمرأة والأسئلة أصدقاء؟!
لا أرى مبررا واضحا يدعو مجتمعا بأكمله لأن يمنع ضرورة مباحة لفئة تشكل أغلبيته، فوسيلة النقل في هذا العصر لم تعد من الكماليات، أو شيئا للزينة، كما كانت في السابق، أو حتى حكرا لسلطة الرجل من دون المرأة، ولم تعد تحتمل المرأة الانسياق خلف كرسي مأجور يسمى «سائقا».. تأتي به الحاجة من بلاده البعيدة، فالمرأة اليوم هي امرأة عاملة، برغبة كثير من الرجال، وهي القيادية في عملها، وتمتلك مقعدها الخاص بجانب الرجل في مجلس التشريع والشورى السعودي، حتى أن المجتمع الذي كان يرفض، بشكل قاطع، فكرة عمل المرأة في الماضي، صار الرجل فيه يحدد شرطه قبل الزواج بزوجة ذات مستوى تعليمي متقدم وصاحبة وظيفة، وهذا يعطي مؤشرا لتغير العقلية الذكورية التي كانت تهيمن على مفاصل الحياة الاجتماعية في فترة سابقة، فتغيّر نمط الفكر يجب أن يواكبه تغيّر في السلوك ورؤية الأمور من زوايا جديدة، تقوّم ما كان سائدا فتصححه.
هذه الجدليّة التي بهتت حجتها، بعد أن أخذت وقتها الطويل جدا، بانت ملامح حلّها تظهر مع أول خطوة شجاعة اتخذتها المرأة السعودية بالتظاهر في نوفمبر 1990، يوم أن خرجت بسيارتها مقتحمة حواجز الشرطة، لتضع بذرة المطالبة بحقها في ساحة العدل، وإن كانت تعلم علم اليقين يومها بأن تلك التظاهرة مصيرها الفشل، لكن من زرع سيحصد، والسنوات خير ساقٍ لمزروعات الحقوق.
***
ثورة «تريليونيّة»..
زارَت ميدان السماء،
انبَرَت لِـ منبرها «ثائرةٌ» سوداء..
تجهرُ في سَمع الجائرين:
.. كان أبي، قديسا نورانيا قديما.. سَجدت له ملائكة الرب، وتوعّدته جنود الشيطان في
قعر الجحيم.

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:24 PM
عازفة الأنغام..​


بقلم: أحمد مبارك البريكي​
Twitter: @ahmad_alburaiki​
Instagram: @ahmad_alburaiki​




في منتصف جادة الصمت..​


توقفت «عازفة الأنغام»..​


توزع على المارة تذاكر للسماء..​


ترسو بملامحها البعيدة عند ميناء السُدُم.. ​


ووجوه تعبرها وتبتعد..​


حاملة في آذانها بيت القصيد..​


وزحام المدينة.. إيقاع حشد حزين..​


والعازفة.. عاشقة وحيدة تقف في قلب البريق..​


تدهمها قبائل الوقت..​


ودويّ الوميض.. يتلاشى في الأفق الجميل..​


وبوابة الدار.. نوافذ لمكاتيب «القيثارة» السخية..​


وليل ينصب خيمته.. ليس ببعيد​


وعلى قيد الأمل.. عند منصة الصمت الطويل..​


استمرت «عازفة الأنغام»..​


تعتصم ناقوسها الفياض..​


على امتداد طول الطريق..​


قابضة بعصاة مجهارها.. ​


تمسك غطاء الأرض.. ​


حتى لا يسقط صوت المدينة.. الأخير

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:25 PM
هناك لون واحد.. للكوميديا


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


شمسُ الكتاب تشرق بوضوح جليّ، على أرض الوطن السعيد، بعد أن سُجلت في دفتر الغياب ليومين متتابعين فاضت الأرض ماء لفراقها، إنها إيماءة بليغة لاستقرار كل قارة أفريقيا في الكويت.
مساءات ثقافية وملتقيات فكريّة.. تحتضنها مشرف والعقل لغة تداول، والجليس أضحى كتابا، اغتنمت لي مطرحا ذات ملتقى ساحر على شرف أدب ساخر، تحوّل الميدان فيه ركنا لتعارك الأفكار وميدانا لرماية الابتسامة، وخندقا لضحكة صدريّة، قادت فرسانه جميلة وتسلم الراية فيه ثلة من كُتاب الخليج الساخرين، والقاعة صار فيها دم «الشربات» للرُكب، كان الموقف محتدما ونقاشا لاح سناه في أصقاع المكان عن ماهية الفرق بين السخرية والتهكم في كتابة المقال، أخذ الجدل ركنا من الوقت، لكنه أشعل فتيل تساؤلات كثيرة، ظهرت على وجوه الحاضرين الباحثين في أطياب الاستفهام.
علامة السؤال الكبيرة التي زرعت في عقلي تساؤلا؛ هل لهذا النوع من الكتابة مردود إصلاحي فعلي في المجتمع؟ وهل من يكتب وينقد بطريقة ساخرة ينفث مكنونا يعتمل في داخله؟ أم أنها كتابة مجردة لأجل الكتابة؟ أو هي بالفعل وسيلة لعلاج خلل ما؟
خطَرت في بالي.. رسائل فولتير التي فتحت مصراع باب التنوير بشكل واسع في عصر الانغلاق المدني في أوروبا، التي حرّضت مجتمعا كاملا كان يرزح تحت رهبة الرهبان لتنشر في هشيمه أدبا يتحدّث وشعرا يُقال، ركيزته السخرية الفلسفية الثائرة على الرقابة العقيدية الصارمة التي كان يقبض مقصّها حماة الكنيسة.
غيّر فولتير ولم يتغيّر.. وتحدّث قبله الجاحظ الذي نقَد في الظواهر المجتمعيّة وحوّل زاوية نظر الناس إلى أسهم خارقة لسلبية البخلاء، وفي جاهلية العرب كان الحطيئة.. الذي سخر من كل شيء حتى لم تسلم نفسه نفسها من أذاه، لكن بقي أدبه خالدا يسافر بين الأزمنة يقص لها عن حالة زمن واحد عاش فيه من سخر منه.
ظاهرة السخرية والنقد لأي شيء.. أي شيء، تفشّت بضخامة في مجتمعاتنا الخليجية أخيرا، وإن كانت الغلة تزيد في الكويت نظرا لمساحة حريّة الرأي الوافرة، لكنها مؤشر فعلي لحراك ضمني ينسج خيوطه في الظل، وهو جرس إنذار خطر عندما يتحوّل كل أفراد المجتمع لأفواه ساخرة وناقدة على كل ما حولها، وهي ظاهرة تستحق الالتفاتة والدراسة بمشاركة حكومية - مجتمعية تخدم في النهاية كيفية بناء الثقة في المجتمع نفسه والارتقاء فيه من درك السخرية المجردة.
***

علم غينيا الاستوائية هو أقرب الأعلام الخفاقة في سماء العالم شبها بعلم الكويت، من الناحية الشكلية وليس الضمنيّة بالطبع، وغينيا الاستوائية جمهورية أفريقية تقف على بُعد بضع درجات جيوديسية من التقاء نقطتي (صفر) الاستواء مع (صفر) غرينيتش، عند الحافة الغربية للقارة السوداء بالقرب من خليج غينيا، تتماثل مع الكويت في وجوه عدة ليس أقلها صغر المساحة وقلة عدد السكان، بل لكونها دولة بترولية تصدّر للعالم معدنا أسود كما تفعل الكويت، وقد تعرّض هذا البلد لعجرفة طواغيت بشرية كما حصل لوطننا مع غزاة «آب»، بعد أن تنفّس نسائم الاستقلال أثناء إعصار التحرر الأفرو آسيوي خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، الذي مرّ كذلك من هنا لينسج تاريخ استقلالنا، ويعتبر هذا البلد «المستطيلي» الخارطة جغرافيا بلدا صحراويا - بحريا، له من الجزر المبعثرة في البحر والطامعين الكُثر فيها، كما للكويت تماما.

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:26 PM
"سانتوريني".. قطعة من القمر


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


تحرّك.. وسافِر، اسبر البحر واعبر الأرض وتجاوز السماء، لا تأسَن فتسقَم.. فالماء أيضا يموت إن لم يجر، والحياة طرفة عين وطرفة مشهد و"شهقة" انبهار من شيءٍ جديد.
مطار الدوحة.. موطن الرحلات، برغم بساطته ومساحة بنائه المحدودة، وقدمه النسبي.. إلا أنه يعجّ بديناميكيّة بشريّة لا ترحم ولا تستكين، والأقدام المتسارعة في ممراته تنشد كل منها وصولا إلى بوابة مغادرة، والدائرة تتقلب بنشاطها الكبير في عقارب الساعة التي تحوّلت لخلية مدرج طائرة، والليل يمتزج بالنهار، والمواعيد صارت بوصلة للإقلاع، وفي هذا الخضم الآدمي/الآلي الضخم.. وجدتُ ركنا جميلا ينشر على العابرين إبداعا تصويريا للمعالم البيئية في قطر، فتوقفت في مرمى الصورة الجذابة شاهدا ومشاهدا، حتى ارتحلت إلى وجهتي المقصودة.
بوابة سماء، في حُضن ترتيلة إغريقية قديمة فَتنت ألباب الشعراء، فأنطَقت ألسنتهم لتنثُر تركتهم ترانيم أبديّة يتناقلها الرواة، ومتحف بيزنطيّ يدعوني لمجادلة.. هنا في أقصى الأرخبيل «الهيلينيّ» البعيد تهُب نفحات إرث أفلاطون ودفاتر سقراط، وصواري إسبارطة العريقة، لتُغرق بجمالها جمال قارة، إذا أنا هنا لأتفقد العالم المفقود، والثرى العذريّ البتيل الذي يطل من عمق كحل البحر ليطفو أمامي فوق الأبيض المتوسط.
«سانتوريني» أرض من رحم الماء وهَبها بركان ثائر، وغزلتها حمم تجلّدت بفعل الأيام، والبيوت هنا مكسوّة ببياض الكِلس لها أقبية زرقاء، كل منها تصنع سماء صغيرة لمنزل يشاهد البحر، هذه الجزيرة «الإيجيّة» المتفردة في كل شيء هدوءا وترتيبا.. وأوتارا حالمة، وطرقات تسيل في أروقتها الشمس، وطئتها في «ديسمبرها» فألفتُ متاجرها الصغيرة ومقاهيها التي تتلبّسها أجراس الميلاد.
يقول أحدهم إنها تركة وليدة من جرم سماوي آخر، ويقول «أفلاطون» هي بلاد قوية تقع ما وراء أعمدة «هرقل»، لكن علماء الجيولوجيا يقرّون بأنها صنيعة زلزال هائل ضرب هذا المكان في قرون سبقت المسيح.
يوم شتاء مشمس أسمو فيه إلى حيث ميراث هذه الأرض الثري لأتنفس أطلال قرية «ثيرا» الأثريّة المنسوجة من حجارة البازلت والماربل ورواسب الأمواج، التي طَمَرها الرماد لآلاف السنين.. ويتداول الناس هنا أُحجية شعبية أسطورية عن تلك المدينة القديمة التي عاش أهلها رغد العيش ثم طغوا وعاثوا ظُلما، فعاجلهم عدل الآلهة وغضب البركان.
عند أقصى أطراف الجزيرة الغريرة، أقف على حاضرة «أويا» الدافئة والناظرة دائما إلى منارة السُفن وميناء القدوم لتصير بحق بلدة للنوارس المهاجرة، وفي ساحلها الأخير يستقر جرفٌ بركاني من صهير الحديد، فيبدو ماء البحر غارقا في دم الأكسيد الأحمر، وغداء المدينة سمك من يد قوارب الصيد المبثوثة في الخليج أسفل المنحدر، وفي قلبها وجدت بناء أندلسيا ونخلة كانت هديتي منها ومسك الختام، وعند الرجوع إلى «فيرا» عاصمة الإقليم أسرني مرأى تلك القُرى الأثرية الضاربة في عمق الزمن والمبددة فوق فوّهة عريضة تشتعل اشتياقا لمنظر الانبعاث.

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:27 PM
«أثينا».. مرآة غير موصدة


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


مغامرة محفوفة برهبة، وأنا أغادر مطار الجزيرة الصغيرة، من على متن طائرة ذات طراز قديم ومراوح تقليدية عارية في الهواء، والسماء استوت سقفا والبحر جدارا في كل الجهات.. و«رعشة» اختلاج زحفت إلى «ركبة» راكب أوسطيّ، إنه يوم جديد يلوّن صباح أرض إغريقيّة جديدة.. أجدها أمامي بعد أن حطّت الطائرة في غمد المطار، وشوارع تفيق، على أقدام تمتر الأرصفة، والحياة تدب في المدينة الأنيقة برغم شحوب الفقر، وأشجار البرتقال تنتظم بشكل جميل عند حواف الطرق، التي يحظر بأمر جمهوري قطف ثمارها الحامضة ما يعد جريمة في القانون البلدي.
«أثينا».. صنيعة الحِكمة وصراع الزيتون، وجياد البحار الأربعة، تاجها بيتُ الآلهة «البانثيون» الذي يرتفع عاليا في مدينة الحجارة «أكروبوليس»، التي يُقدسها اليونانيون القدماء كأم لمعابدهم، ويتخذونها هاوية أخيرة يتحصنون فيها ضد الغزاة يقاومونهم حتى نهاية المطاف.. ونهاية صولة المعركة، أتحرّك بين أطلالها وتجول في خاطري آية الأيام التي يداولها الله بين الناس.
هنا منطقة زمنية يتحدث التاريخ فيها بعملة واحدة هي «قبل الميلاد» ولا غير، وتفرض «الميثيولوجيا» سيطرتها في إنسيّة المعتقد، فيبدو «زيوس» مبتلعا أولاده الخمسة، وتخرج من بطن الأرض «جايا»، ليظهر في إثرها من لُب الجحيم «هيراكليس» وذوي مئات الأذرع، هذه الأرض الأسطوريّة لها ذاكرة حرب أيضا.. وقتئذ غدت أخدودا سقط فيه أباطرة الفرس فغلبت الروم من بعد غلبهم
في بضع سنين.
ومن «ماراثونها» المرتفع انطلق سباق الألعاب الأولمبية، ليأخذ الشعلة في ما بعد فتى مقدوني راح يُسقط ثلث الأرض ليزرع فيها «اسكندرانياته» الكثيرة، ثم جاء «هوميروس» ليدمغ جدران ذاكرتها الأدبيّة بملحمتي شعرٍ أبديّة دائمة الإبداع، وفي حوض مائها وجد «أرخميدس» ضالة الطفو، ومن مراصدها بث بطليموس نظرية الفلك، وفي مارستاناتها عالج «أبوقراط» الطب.. يوم أن نسّق «فيثاغورث» زوايا مثلّثه، إنها بلاد أرسطو فجر الحضارة التي حدثني التاريخ يوما عنها وأحدثكم اليوم عنها.

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:28 PM
دق الجرس يا «معلم»!


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


على كرسي فض الفوضى الواقعة على أرض الشام تفاوض الأطراف، بينما جلست لونا «الشبل» مستشارة «الأسد» ضاحكة من شر البلية، التي سقطت بسبب دموية نظامها على رأس الشعب السوري، لتصبح المرأة التي تجلس وراء وليد المعلم، وعلى خطى النهاية التي رسمت كذلك الرجل المصري، الذي كان قد وقف خلف عمر سليمان، لينتهي المشهد بسقوط الرئيس.
تتشابه النهايات كثيرا في وطننا العربي الكبير، فوزير خارجية النظام السوري في المؤتمر السويسري أسهب طويلا في كلمته، حتى تجاوز الوقت المخصص له بخمسة أضعاف، «متغابيا» على صوت ناقوس انتهاء الكلام، وحواديث الأحاديث الطويلة مشهودة في واقعنا الأليم، ليعيدنا هذا «المط» الخطابي لأيام الخطابات الصدامية، التي لا تنساها الأيام، والتي استخدمها رئيس النظام العراقي آنذاك قبل اندلاع حرب تحرير الكويت في عام 1991، بعد أن وجه الرئيس جورج بوش خطابا متلفزا مختصرا مفيدا إلى رأس النظام العراقي، يحذره فيه من مغبة التمادي وتسفيه خطورة الوضع، ليستغرق كلام الرئيس الأميركي نحو ثلاث عشرة دقيقة فقط، ثم ليرد عليه صدام بخطاب «حشو» التهم من الوقت سبعين دقيقة، فما نزلت الحكمة ولا فصل خطاب الطغاة، وكسب الجولة من أدرك بأن خير الكلام ما قل ودل.
***
الكويت مركز إنساني عالمي وأميرها «زعيم للإنسانية» بشهادة قيادة قمّة الأمم، إنها ألقاب ناصعة تضاف لسجل هذا البلد الجميل والمعطاء للخير دائما بشعبه وحكامه، والذي لم يتهاون يوما في نصرة مظلوم، فها هي الكويت تمد يدا للشعب السوري، وترفع أكفا ضارعة لزوال هذه المأساة البشرية التي تحوّلت أتونا مؤلما استمر طويلا ليحرق كل شيء.
***
تهنئة ومباركة للأستاذة الفاضلة فاطمة الكندري، لتقلدها منصب مديرة منطقة الجهراء التعليمية، وهي محصلة طبيعية لسنوات من العمل الجاد والمخلص والتفاني في الحقل التربوي، فالكويت جميلة وتحتاج إلى كل جميل يطوّق أعناق زهورها بالعلم والأخلاق وعُقود الأمل.

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:29 PM
يومٌ في صالون العقّاد


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


«كُن نارا ولا تكن حريقا»..
-عباس العقّاد-
مسافرٌ على متن السماء.. ما إن أحط قدما في بلد إلا ويسرقني الفضول لبلد آخر كان ميتا في ذهني فأحييه بمشاهداتي، والوجهات اللامنتهية.. لا منتهية تأخذني إليها أشواقٌ مبعثرة في كل البقاع، لأجدني قبل أن يجمع عدّاد الشهور شتاته عند ناصية السنة في بلاد القوافل وبوابة جنوب مصر الآمنة، و«سدّ» يقف عنده النيل العظيم، وأودية صارت مقابر للملوك.. أنا هنا في «أسوان».
أسوان هبةُ «كوش» وعروس مملكة النوبة، ومثلث هرمي يسطع من قمته شعاع «إيزيس» ولا ينتهي إلا في محطة من محطات القمر، سخيّة هي الأرض التي سرجت ظهر النيل منذ القدم لتلفظ للدنيا عقادا.
عند قمّة الأصيل أقف عند تمثال الأديب والفيلسوف المصري الكبير عباس محمود العقاد، في مسقط أرضه وأمر على ضريحه القريب بجوار النصب لأدخل مكتبته، وأركن لمكتبه الذي من على سطحه أرسل للدنيا ثمار فلسفته، ذاك مفرشه وهذه كوفيّته ومعطفه، أبحث بين مقتنياته والصور، وفي عقلي يدور صالونه الصغير، وجدالاته الكثيرة وعشقه الزائد لـ «زيادة».. ميّ التي قال عنها شعرا يعيش بعد أن سبقته لفناء الخلود:
أين في المحفل ميّ يا صحاب؟
عوّدتنا ها هنا فصل الخطاب
عرشها المنبر مرفوع الجناب
مستجيبٌ حين يدعى مستجاب
أين في المحفل ميّ يا صحاب؟
شيم غرّ رضيات عذاب
وذكاء ألمعيّ كالشهاب
وجمالٌ قدسيّ لا يعاب
كل هذا في التراب؟
آه من هذا التراب
يقع على الأرض ليل النيل الكحيل، وسهرة تأخذني لحكاية «أنس الوجود» التي نسجت عرشها أسطورة في عالم من ألف ليلة وليلة، كان معبد «فيله» هو المكان، وكانت «إيزيس» هي القمر، ضوءٌ وصوت يحوفان الظلام العتيم، وسلسلة من غزاة خاضوا غمار الكثيب ليستبيحوا منابع الجمال.

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:30 PM
"أسوان" رتاج النيل


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


«السد» العالي تحتي.. أقف على هامة صرح الأرض، بحيرة صناعية خلفي وشلالٌ ينهمر عند قدمي ونهر يخط طريقه زاحفا أمامي، هنا فاصلٌ «كونكريتي» عظيم أحدثته ثورة صيف ليحجز المياه المسافرة من عمق أفريقيا حتى تنتحر في بحر القارات الثلاث، وصدى صوت العندليب يصدح في الوادي يشدو حكاية شعب أنهكه الظمأ وفيضُ نيله يُغرقه.
خيوط شمس جديدة تلامس صفحة النيل، ونافذتي تنزع ثوب العتمة لتبدله برداء الضوء، مؤتمر ينطلق.. واستراحة تأخذني إلى مسارب متحف النوبة الذي أنشأته منظمة اليونسكو للتراث العالمي نجدة لأسرار تلك الحضارة، وحفظا لآثارها الثمينة، التي كاد زحف بحيرة ناصر أن يدثرها وتختفي.
أجول بين أعمدة الذهب وهياكل الحديقة المتحفيّة، وتاريخ يسحب وراءه قاطرة تاريخ، ليستوقفني في إحدى القاعات تمثال رمسيس موسى بضخامته الفارعة، فأستعيد صورته الأولى/الأخيرة، التي انتهى بها تحت طمي البحر، وجثته المحنطة والمحفوظة خلف الزجاج في متحف آخر بالقاهرة، عند باب الخروج من المتحف النوبي، أجد بابا آخر للدخول إلى مقابر الفاطميين، الذين لاتزال أقبية قبورهم الخضراء شاهدة على زمنهم التالد الذي اكتسح ذات عصر أرض مصر.
يوم أسوانيّ آخر أخير.. يحمل معه نسائم ملكيّة ويتركني عند باب قصر فاروقيّ حولته الأيام بفعل تداولها إلى منتجع نيليّ، إنه «الكتراكت» أقدم فنادق أسوان الذي يجاور النهر بعد أن فاقَ القرن عمرا، وعنده يلتقي تيار النيل الأزرق بالحاجز «الغرانيتي» الزهري الذي تشكّل صخوره رصيفا لمسرب النيل في الجنوب المصري، لذا طليت جدران القصر جميعها بلون الورد، والبناء له طابع فيكتوريا الأنيقة، ذلك لأن نشأته كانت في ظل الإنجليز أواخر القرن قبل الماضي، وللمكان تاريخ ضيافة مع أسماء تاريخية، منها «أجاثا كريستي» الكاتبة الإنجليزية الأشهر التي كتبت قصتها البوليسية العبقرية «جريمة على ضفاف النيل»، وهي جالسة في شرفة غرفتها المطلة على فسحة النهر، وتم تصوير الرواية فيلما سينمائيا في المكان ذاته، وفي أفنيته استراح «هاورد كارتر» قبل أن يكشف سر «عنخ آمون».. ومن رواده أيضا الأميرة ديانا وتشرشل ونيكولاي آخر قياصرة روسيا.. تنتهي حفلة القصر الأنيق، لأستقل «الكاريتا» وسيلة نقل تحملني إلى جامع «الطابية» الكبير، أشهر مساجد جنوب الوادي الذي وضع حجر أساسه عبدالناصر منذ نصف قرن.

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:32 PM
بريكيات (45)


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki


· كل ما هو صحيح في ما مضى.. لن يكون بالضرورة كذلك في ما بعد..!
· هناك في القاع تدور رحى معركة قديمة.. سرب موجات أزلية لا تعرف الرجوع، تُجابه جرفا عظيما يهوى الوقوف في وجه الزّبَد، ونعومة الماء الراسية عند ميناء الجلمود تجتزئ الفتات الضئيل.. وعملية النّحت الميكانيكية تدوّن النتيجة، وخط الساحل الأنيق يقفُ حكماً على تلك المنازلة.. بين مَكر "اللين" وغفلة "القوّة"..!
· حديثُ العقل.. ليس مناسبا لفاقديه..!
· زلّة اللسان تُغتفر.. لكن، من يغفر زلّة الأحلام..؟!
· الحكمة ليست ورثاً.. هي فقط تختبئ في خزانة "بنكنوت" الكُتب يحظى بها كل من قرأ..!
· نسائم البرد.. مظاريفٌ جويّة، لُصق عليها طابع الشتاء..!
· المبدأ.. قانون ذاتي..!
· كل العظماء كانوا سقماء في مجتمعاتهم السليمة، ماتت مجتمعاتهم وعاشوا..!
· لم يعد يعنيني شغف انتظار الأمنيات.. بعد أن أدركت أن الأماني ما هي الا خدعة..!
· أمّا الآن.. فأين من يُتقنون الإصغاء؟!
· زُرقة مياه تسبح في أبديّة البحر.. وسادة يفترشها بصري..!
· الأشياء الجميلة تبقى مُعلّقة..!

أحمد مبارك البريكي
22-03-2014, 05:35 PM
عابر.. زمن

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

ذات رحلة «أورلانديّة» عبر سهول فلوريدا الساحرة، وقفت في بهو عملاق صناعة السينما الأميركية «استديو اليونيفيرسال»، وأحد استديوهات الأفلام الأميركية الستة الرئيسية، وبالقرب من السيارة الزمنيّة الأصلية الشهيرة التي كانت بطلة لأحداث سلسلة أفلام الخيال العلمي «العودة إلى المستقبل»، التي أنتجتها شركة «يونيفيرسال بيكجرز» الأميركية، ابتداء من عام 1985م.
والقصة عبارة عن مغامرة خيالية تهدف لإرجاع دائرة الزمن إلى الخلف عبر استعارة لشخصية أبي الفيزياء الحديثة «ألبرت آينشتاين»، وهي تجسيد مطلي بسيناريو علمي عن شغف الإنسان الدائم للسفر من خلال الزمن عبر العصور، والعودة خطوات جبارة إلى عكس سير التاريخ.
إنها فكرة مجنونة بحق، فمن يترك عواهن عقله تشقى في تلك الرحلة الحلم لتضعه أمام اختيار زمن محدد، كما فعلت لأجد نفسي في اختبار حيرة كبير، فالخيار صعب.. ذلك بأن ظُلمات السنين حَملت على ظهرها أحداثا وحكايات لا تستطيع السنين نفسَها نزعها عن نفسِها، لكن تبقى في العقل «غصّة» للرجوع إلى سنوات الميلاد، وانطلاق الوقت من خط الصفر الغريغوري وابتعاث المسيح، وفي محطة أخرى فأنا مغرم جدا بالاستطلاع على زمن الهجرة التي كتبت ميلاد الدين المحمدي العظيم عند بداية سلّم القرن السابع، وإن كان ولابد من الرحلة الطويلة فكل أمنية تلقيني على مقعد يطل بي على مسرح شكسبير نهايات القرن السادس عشر، فسأكون ممتنا لها بلا شك.
وعند بوابة قصر الحمراء الغرناطيّ هناك يوم حزين وأبوعبدالله «أيلخيخو» يُسلم مقاليد قصره لفيرديناند وإيزابيلا، وبجانبه ليس ببعيد عهد لا يفرقه سوى ثلاثة قرون لمنظر مهيب وجيوش «جنكيز خان» تنطلق من أحراش آسيا لنوايا معركة، ويستمر الخيال في عبور الأزمنة إلى ما قبل التاريخ، ليريني من إحدى نوافذه «كونفيشيوس» جائلا حاملا معتقده يوزّعه في كل الأرجاء الصفراء.
نيوتن.. أرسطاليس.. ستالين.. لينكولن.. عمر.. الرشيد.. يوليوس.. مانديلا.. اديسون.. الداخل.. رمسيس.. كولومبوس.. ادولف.. نيرون.. نابليون.. الأيوبي.. ماو.. العباد.. هوغو.. عنترة.. ماركس.. تولستوي.. فيكتوريا.. المهاتما.. ماري.. جميعهم محطات تعبرها الآلة على سكة سلك التاريخ.. لتقف سيارة القصص عند الرقم 1501م، فيبدو «مايكل أنغلو» حاملا الأزميل والمطرقة يقف تحت قبة الأساطير، تقفز بعدها الأعوام قفزة صغيرة عند أمسية شتوية في قصر العقل، لتتقابل موسيقى «باخ» مع غطرسة الملك «فريدريك».. وحرب عالمية تتفجّر وتشتعل هنا، وأمة وليدة ترفع الحرية هناك على الشاطئ الآخر، وامبراطوريات تتعاقب في خلافة الأرض، والزمن يتحرك بلا توقف.

أحمد مبارك البريكي
26-03-2014, 09:47 AM
قطائفُ آذاريّة..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

بناياتُ الأثمار.. مغروسة في جسد الحقل الخضير..
دعائمها السيقان وأجذاع الشجر..
غلّاتها أغلال مقرونة تحنو إلى الأوان القطيف..
عُنق ربطتها الورق.. وحيطان المشاتل سياج صنعتها أجنحة القبّرات..
والأغصان العتيقة.. تتمدّد في فناء الفراغ.. ترغب بانتزاع الريح..
مواسم العيد تأتي بِـ «خُلّة» ثم تمضي حثيثاً..
وفي أفق المشهد الأخير..
هناك شمسٌ تقاوم المغيب.. فتُغلب..
لينتشر الظلام العتيم..
•••
أدرك الآن.. بأن للغياب حضوراً قاسياً..
وبأن هدوءه المفزع.. ركام من ضجيج..
و رحى موقعة تدور أحداثها في جوف الذاكرة..
كل معتركيها «هي»..!

•••
بصمةُ ترياق أبيض..
ولمعان صبح هادئ يذوب في صنو الإيقاع الناعم..
ينبثق النور.. عن طاولة تحمل أزهار «الليلك»..
ومقاعد من أثير تحضر حفلة الصباح..
مظلات وبيوت في الأفق..
وقوارب وشجر يحتشد..
لتظاهرة ملهمة..

أحمد مبارك البريكي
01-04-2014, 01:58 AM
سائرون إلى حضارة جديدة..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

في حفاوة التاريخ والأدب وعلى مدى ساعتين ممتعتين من السباحة عكس التيار الأزلي، أخذنا الأستاذ مهنا المهنا المؤرخ الكويتي والباحث في علوم التاريخ بسيارة تقتفي الأثر في بيدِ التراث الإنساني العريض، وقصة تطاحن الحضارات الرهيب، وطغيان الأمم بعضها فوق بعض، ليبقى الأقوى ثم يعيش حتى يكهل فتبيده جماعة جديدة وتستمر الحياة ويستمر الإنسان ويبقى الكون، وهذه حكمة ربّانية للتوارث منذ نشأة الخليقة، وهو ناقوس عادل ذو فلسفة تأمليّة.
نثَر الأستاذ في مسامعنا خلال فسحة الإصغاء خلاصات بحوثه، وأشعل في أذهاننا الكثير، وجَاب بنا العصور فسار بنا على سجادة حضارات الإنكا والهنود الحمر ونهايتهما المأساويّة تحت بارود الغزاة القادمين من الشرق، عَبر بنا من قارة «كولمبوس» إلى انبلاج الإسلام في حاضنة أم القرى، وكيف انتشر النور في بضع سنين حتى ملأ الأرض عدلاً وتعميرا، مرّ التاريخ بعد ذلك فَخَفَت التوهج حتى أفل ضياؤه الأندلسي في الغرب، وانغمس القدس في شرقه بالظلم والظلمة، حكى كيف ولدت «البروتستانتية اللوثرية» من حضن الكنيسة، ثم عقّت بها اعتراضاً على التسلّط فراحت هي ذاتها تمارس الاضطهاد غرباً على أعراق من «غير جلدتها».. وفي النهاية أسهب المحاضر طويلاً بحسرة عن عوامل سقوط الخلافة العثمانية التي سادت قروناً حتى انطفأ مجدها.
المتبصر في تاريخ إبادة الحضارات بعضها لبعض سيجد حتما ضالته في الأجوبة المفقودة في عصرنا الحاضر، فبالأمس القريب كانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا هي المتعملقة على منصة القوة، والمتحكمة في المجرورات من الأمم الأخرى بما فيها الولايات المتحدة التي كانت أحد الأسنمة التي يتثبت فوقها التاج الإمبراطوري البريطاني، حتى انفجر الصراع العالمي فاختل الميزان، وابتعدت كفتاه شرقا وغربا، فبرزت إلى المقدمة قوتان عظميان جديدتان وحضارتان متنافرتان أشد النفور، قطب اشتراكي تمثّل في الكتلة الماركسية التي رعاها اتحاد الجمهوريات السوفييتية، وأخرى رأسمالية غربية تزعمتها أميركا.
تفكك الشرق فاعتلى الغرب كفة الميزان الذي غدا أوحد لفينة من الزمن، حتى بانت الإرهاصات الآنية التي تجوب الساحة العالمية ونعيشها حاليا، والناقسة في أمر يسير إلى التبدّل لا محالة.

أحمد مبارك البريكي
15-04-2014, 06:45 AM
بين ماربيا و برنابيه..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

ذات صلاة سفر.. توقفت عند حدود سواحل «ماربيّا» حيث السحر والجمال وعبق تاريخ الجذور العربيّة، وفي مسجد الملك عبدالعزيز بن سعود الذي يقع على مسافة بسيطة من قصر الملك فهد -رحمه الله- وتم تشييده عام 1981 على الطراز الإسلامي الأندلسي، وعلى نفقة ولي العهد السعودي سلمان بن عبدالعزيز ليكون فاتحة درب لهذه المدينة الساحلية الجميلة، وماربيا تسمى أيضا «ماربيلّا»، وهي إحدى حاضرات الإسلام في الأندلس، وتنضوي في وقتنا الحاضر تحت ظلال قطاع «مالقة»، تلك المدينة (الدولة) التي عَرفت أبشع المجازر الدمويّة في زمن السقوط على يد «القشتاليين» القادمين بعقيدة تطهير شبه الجزيرة الأيبيريّة من كل عقيدة أخرى، وبعد أن كانت من أوائل المدن التي طَرقها الإسلام في بدايات الفتح الإسلامي بقيادة جيش طارق، لتستقر بعد ذلك تحت ظلال السيوف الأموية حيزاً من الزمن، إلى أن علَت رايات الطوائف فحكمها (ابن تاشفين) في عهد المرابطين، ثم آلت تحت لواء الموحدين 80 سنة إلى أن ضعف مجدهم، وفي نهاياتها سيطر عليها «بنو هود» في عهد مملكتهم، حتى دخلها الإسبان عام 1487.

اِرتفاقٌ وصورة على حاجز في أقصى مدرجات ملعب «السانتياغو برنابيه» بمدريد، المُصنّف ضمن فئة الملاعب الخمسة نجوم على مقياس «اليويفا» الأوروبية لميادين كرة القدم، لينتزع بذلك وبجدارة اسم الملعب الفخري الوحيد في العالم، هو ملعب نادي «ريال» الملكي الذي مَلك النفوس بنشوات الفوز وصَولة الانتصارات الكبيرة، والارتقاء الدائم على منصات التتويج، وأنا مذ فهمت قدمي طعم ركل الكرة يافعاً، كنت ولازلت ملكياً أكثر من الملك، فقد شغفني حب هذا الفريق الصدفيّ بمجراته النجمية وتيجان سلاطينه، وكراته المحلّقة أبداً في الشباك، (عودة) إلى الملعب العشبيّ المتميز وتاريخه المرصّع بالضيافة لأهم الحوادث الكروية التاريخية، فقد استضاف في احتفالية مونديال عام 1982، قطبي المباراة النهائية (إيطاليا وألمانيا الغربية)، ليكون الملعب رقم 12 في العالم الذي يختص بمثل هذا الحدث المهم، وقد جرت على أرضيته أيضا من قبل ذلك منازلة نهائي أمم أوروبا 1964 بين إسبانيا والسوڤييت، عدا المباريات الختامية لدوري أبطال أوروبا أعوام (1957، 1969، 1980، 2010)، وقد تسمّى الاستاد باسم رئيسه الأسطوري الذي قاده لاعبا ومدربا ورئيسا، ليشهد طفرة عظيمة إبّان عهده، وتحولاً مشهودا في حقبة منتصف القرن الماضي، ما جعله يتربّع في عالية الفرق، ليس في إسبانيا فحسب بل في المضمار الأوروبي والعالمي.

أبو ريان المسحمي
15-04-2014, 12:50 PM
شكراً جزيلاً لك .

/
\
/
\
وبارك الله فيك .

أحمد مبارك البريكي
07-05-2014, 10:16 AM
هونغ كونغ.. مرفأ اللؤلؤ

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

لست شغوفاً بالترحال.. بقدر عشقي للتنائي عن صخب الثبات.. أعيش لحظاتي في أوانٍ جديد لرسم هجرة أخرى.
في عكس تيار الشمس.. يفقد المرتحل بعض ساعاته تلك إذاً حقيقة علميّة جغرافية، تجابهها فلسفياً ضياع فتات زمني من العمر، وهل يتسع العمر القصير لضياعات جديدة؟!.. أمتطي قاطرة السماء والأوقات هباء في ربوة السّحاب، عجلات المكوك تطأ أخيراً باحة الأرض لتتركني في «الوادي العطِر» أو «هونغ كونغ».. البلد الصغير والشعب الكبير الذي كتبت له الأقدار أن يعيش تحت ظلال الجحيم لنظامين عالميين متضادين في كل شيء.. اقتصادياً وسياسياً وحتى اجتماعياً وفكرياً، كان وطناً للإيجار بحق، تقلبت به العقود بين رأسمالية الغرب واشتراكية الشرق، حتى جاءت نهاية الألفية الماضية، ليستقر تحت مركزية الصين العظيمة وحكمها «الماوي» الأوحد، لكن بدرجة استقلالية أفضل، بالرغم من الشعار الشعبي الصيني «بلد واحد، نظامان اثنان»، وجدت هنا مدينة عصرية جداً ذات أبراج وبنايات تناطح التطور والعولمة، وشوارع «نحليّة» لا تتوقف عقارب ساعتها ليلاً ونهاراً، وضجيج عمليّ يصل ضوضاؤه إلى كل القارات، إنه بلد يعيش للحياة.
زهرة «البوهينيا».. شعار هونغ كونغ، التي تتسيّد بلونها العسجديّ خاصرة العلم الأحمر الخفّاق فوق الجزيرة، وهي نبتة وطنية، أكرمت وفادتها الحكومة حتى سنّت لها قوانين تحافظ عليها، وشيّدت لها ميداناً خاصاً عند ضفة الخليج في العاصمة الأنيقة زيّنته بغرسة تمثالية لتلك الزهرة الذهبيّة، ورفعت بجانبها العلمين الأحمرين علم البلاد وعلم أم البلاد (الصين).. فصار ذلك المكان منطلقاً لبدء الاحتفالات الوطنية والمهرجانات الكبرى.
في جادة النجوم عند مرفأ اللؤلؤ وتحت ظل جبل كاولون، وضعت كفي لتصافح بصمة كف «جاكي تشان» صاحب اليد الغاوية لفنون «الكونغ فو» وحركات البهلوان، وعلى مقربة من التلميذ قبع تمثال الأستاذ، هنا يستنشق العابر نسائم القتال ومهارات القبضة الخالية، ومشاكسة «بروس لي»، كانت بصمات النجوم تعبر من تحت أقدامي وأنا في طريقي إلى قمة «بييك» عبر «ترام» الخشب الجميل الذي صنعه الإنجليز سنة (1888)، وقتئذ كانت زمام الأمور كلها لهم في حُكم الجزيرة الصينية المتنائية، وقد كتبت صحيفة «ديلي برس» وقتها كثيراً عن ذلك الإنجاز الصاعد إلى أعلى سطح جبل في المستعمرة، أعود بعد تجربة القاطرة الخشبية، هبوطاً حينما أذِن المساء لأقف عند مطل ساحل ميناء فيكتوريا عاصمة هونغ كونغ المنسوبة إلى الملكة التي حكمت أكثر من نصف قرن امبراطورية الشمس ونصف الأرض.

أحمد مبارك البريكي
13-05-2014, 08:29 AM
مكاو.. وطن «البسكويت»

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

لا تحملُ ذاكرتي عن «مكاو» شيئا غير مخيلة «كرش» مدربها الكروي في مباراتهم الشهيرة ضد الكويت في إحدى التصفيات الآسيوية، التي علّق وقتها ضاحكاً المعلق الكبير خالد الحربان، عند مشاهدته له في لحظة انطلاق المباراة قائلا: «خلاص عرفنا النتيجة يا شباب؟!»، وفعلا ختمها «زُرق الفنايل» يومها بمهرجان وافر من الأهداف قوامه عشرة.
عبر مركب سريع انطلق بي من ميناء فيكتوريا من الساحل الهونغي، عبرت طالبا الجانب الآخر من الصين، وخلال ما يقارب ساعة من الزمن كان المرسى الجمركي في الانتظار.. فهذه مكاو الأرض التي تستلقي على طرف نهر اللؤلؤ الفاصل بين البر الجنوبي للصين الأم، و«لانتاو» أكبر جزر هونغ كونغ، وتأخذ من «مرآة المحارة» لقباً جميلاً لها، هي النسخة الآسيوية لـ«لاس فيغاس»، وُصِم بها طابع الخطأ والمغامرة، ورمية الزّهر ودورة الروليت، وهي أيضاً بلد «البسكويت» التي تنتشر صناعته بصورة كبيرة ومدهشة، ولا عَجب فهي مدينة الكرنفالات الكثيرة التي لا يمر موسم إلا وتكون محطة لاحتفال ما، وطاولة للـ «جاتوه».
لكن بالمقابل فمكاو بلد ناهض يملؤه النظام والنظافة والترتيب، لذا وجدته محطة رئيسية لوجهات السفر لمعظم الأقوام السائحين، مساحة الدولة (المدينة) صغيرة نسبياً تقدر بـ29 كلم مربعاً، أي ما يقرب من خُمس مساحة يابسة البحرين، كانت تا ريخياً رصيفاً للصيد وأرضاً لصائدي السمك، وهي قطعة أخرى من الصين رزحت تحت الاستعمار البرتغالي لما يقرب من 400 سنة، حتى عادت لحضن الأم الصينية عام 1999، لتأخذ حكمها الإداري الخاص ولو بشكل محدود، العملة الرسمية هنا لها اسم عربي وهي «البطاقة».. لا أعرف جذور هذه التسمية لكن للبرتغاليين مع اللغة العربية صولة وجولة ربما كانت هذه إحداها.
عند أسفل عتبات كاتدرائية سان باول رمز مكاو في قلب العاصمة، وقفت شاهدا على تاريخ البلد الآسيو-صيني، وهي بناء كنسي بدأ البرتغاليون في تشييده عام 1582، وأدرجته منظمة اليونسكو من ضمن تراثها العالمي.. وهو نفس المكان الذي يتم تصويره بين الفينة والأخرى ليشاهده جمهور قناة العربية، فينبئهم عن حال طقس هذه البلاد البعيدة من خلال «العالم في هذه اللحظة».

أحمد مبارك البريكي
20-05-2014, 03:28 AM
سنغافورة بلاد الأسد..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

سنغافورة.. خطوة جديدة في طريقي الشرق آسيوي، موطن «لي كوان يو» القائد المخلص لأمته، الذي نهض بوطنه المُهمل في الجنوب المالايو يوم أن كان على هامش الجغرافيا والزمن والتاريخ، ليجعله هامة تناطح البلدان المتقدمة بل وتفوقهم في كثير من المجالات، حتى سمّتها إحدى الشركات المتخصصة في التقييم الإداري والاقتصادي بأنها المدينة الأكثر عولمة بين كل مدن الدنيا، قال (لي كوان) في ذات خطبة برلمانية، بعد أن أنجز المعجزة «أنا قائد الفريق.. وإذا ما أحرزنا نجاحاً مدوّياً، فإنّ الأمر لا يعتمد على القائد وحده، فكلّ عضو من الفريق له دور حاسم يلعبه، ولم يسبق لفريق أن فاز من دون أن يكون لديه تعاون جيّد».
«جزيرة سانتوزا» التي يفصلها عن العاصمة سنغافورة مضيق سيباروك، لها تحت ضوء النهار حكاية مخبأة، على شرفة شاطئها الرملي وجدت رأس الأسد الحجري «سنغا» الذي يرمز للجمهورية الصغيرة، التي شهدت أرضها في سنوات النزاع مداسا لمسيرة كبيرة لجيش اليابان الشرس، والمنتصر على الجحافل الإنجليزية في الحرب العالمية الثانية، بقيادة الجنرال السامورائي «ياماشيتا»، الذي لا يعرف معنى للمعركة سوى أنها نصرٌ للإمبراطور، فأسقط هيبة «الأسد» العجوز قبل أن تبدأ المنازلة في العد لأسبوع آخر، حتى ظهر صوت رئيس وزراء بريطانيا يومها «ونستون تشرشل» عبر المذياع متألماً، يصف هذه الهزيمة بأنها أسوأ كارثة على الإطلاق في تاريخ بريطانيا.
في وسط الجزيرة يقبع متنزهٌ جميل تطير في أرجائه كون من الفراشات، هيّأ لها حُماتها ظروفاً طقسيّة جيدة لتجتمع فيه كل فصائل تلك «الطائِرات الرقيقة» التي حُبست تحت قفص واحد، لتتعدد غرائب ألوانها وتلتقي أعراقها، وتتماوج غدواً ورواحاً بين أزهار السيرك، فَتهبُ لزائرها حفلة الألوان، وعلى ضفاف الجون، هنا فسحة لنافذة الجنان، تاجُها قبّة بلوريّة للزهور تحضن في قلبها 20 ألف وردة، ما جَعلت سنغافورة بلدة تعيش في وسط الحديقة.
فلاشات ذكرى الأيام السنغافوريَة تتوالى في ناظِر المرتحل و«فلاير سنغافورا» العين اللندنية الآسيوية التي يُبصِر راكبها من علوّ جَمال البلد الفتيّ، الذي راح ينازع السّمو حتى وصل إلى المكانة المرموقة، وعند متحف الفنون الجميلة في شارع أورتشيد وسط العاصمة الأنيقة أقف لأتنفس الفن، وهو أكبر نُزل في العالم يحوي داخله أعمالاً فنية معاصرة لثقافة بلاد بحر الصين الجنوبي، وقد افتتح أبوابه للناظرين رسمياً يوم 20 يناير عام 1996، ومن أمام بوابة رحلة السفاري الليلية امتطيتُ ظهر تمثال التمساح البرونز، ومارست هواية الانتصار الوهمي.
تسديدة بصر من بعيد عبر «جام» الحافلة على الاستاد الوطني الرئيسي في سنغافورة، هذا الملعب الذي غرق فيه أزرقنا الوطني لمناسبتين متتاليتين في عام «أورويليّ» واحد هو 1984، فقد سقط بطل القارة بنجومه عندما جاء من غرب المحيط ليحمي عرينه، فالتقى بالصين التي دكّت عظمة سور الدفاعات الكويتية آنذاك في الوقت الإضافي، بعد أن تعثر «سامي» بكرة المهاجم الصيني «لي هوايون»، الذي خطف هدفاً صاعقاً أوصل فيه بلد الألف مليون للنهائي الآسيوي، قبل أن تطيح به الترسانة السعودية الثقيلة التي فازت بالكأس الآسيوي لأول مرة، وقد كان الأزرق قبل ذلك بشهرين وفي نفس الأستاد على موعد لسقوط مدوّ أول في تصفيات لوس أنجليس الأولمبية، تحت مرمى نيران أقدام ماجد عبدالله ورفاقه، الذين زاروا الشباك الكويتية لأربع جولات قاسية، فخرجت الكويت وقتها من البطولتين بخفي حُنين وضياع جيل ذهبيّ.
يومٌ آخر.. صبيحة برق ورعد استوائي ملأت شوارع المدينة بأدمع السحب حتى بانت شمس يافعة، لتضع نقاط قدمي على حروف المسافة، أحمل حقيبة كتفي وأخطّ طريق العشب مقترباً من غابة الغيوم، أقف لأجد فردوساً زجاجياً غزل من خيالات الأوركيد.. أدلف ميناء الدخول، فيحيطني جمع العبير، بمهرجان لكرنڤال أريجيّ يبتهج لموسم التوليب، زهرتي المفضلة.

أحمد مبارك البريكي
29-05-2014, 12:37 PM
سينمائيات..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

ثار جدل كبير حول الفيلم الملحمي «الديني» بين قوسين «نوح» الذي أخذت قصته حصراً عن المصادر التوراتية لمعجزة الطوفان، وسفينة النبي نوح -عليه السلام- في سفر التكوين، وهو يسرد الأحداث منذ بدء الخليقة إلى فترة نهاية حياة سيدنا يوسف، وألغيت من ذلك السيناريو أو أُغفلت القصة القرآنية الحقّة غير المحرّفة التي فصّلتها الآيات البيّنات دليلاً على يوم الغضب الإلهي، وحكمة طود الجودِي العظيم، والفيلم Noah الذي أخرجه أرنوفسكي وتصدى لبطولته راسل كرو، بلغت تكلفة إنتاجه ما يفوق 130 مليون دولار، وبعائدات شُبّاكية تصل إلى سبعة أضعاف هذا الرقم، بالرغم من منعه في أغلب البلاد الإسلامية بسبب الفتوى التي تمنع تجسيد الأنبياء.

حُشد لهذا العمل ضخامة في المؤثرات السمعية والبصرية والإعلانية، لكنه شطّ كثيراً وبعيداً عن جادة الصواب في نقل الأمانة القَصصية، وتحري الدقة في عرض الأحداث، وخاصة أنها رواية لنبي مُرسل من الخالق جلّ وعلا، ومن المشاهد التي استغربتها ولا أدري كيف يسقط بها المخرج الحِرَفي سقوطا ذريعاً ظهور بعض الممثلين والممثلات في لقطات الفيلم باللباس العصري جداً.. كـ بناطيل «الجينز» والـ «تي شيرتات»الماركة.. ما جعل شرخاً لدى المُستقبِل في مضاهاته لمنطقية الإسقاطات الحدثيّة.


• • •

مع إشراقة الشاشة الأميركية، النجمة «ميريل ستريب».. وعلى مدى ثلاث ساعات كانت ظهيرتي يوم جمعة، مع الفيلم الروائي المأخوذ قصته من سيرة شخصية لإحدى البارونات الدانماركيات «الخروج من أفريقيا» أوOut of Africa.. يسكب الفيلم ضوءاً على مرحلة من تاريخ القارة السمراء، التي استباحها الأوربيون واستقروا فيها فينة من الزمن في بدايات القرن الماضي، وأثناء فترة الحرب العالمية الأولى ما بين 1914 و1918.. وقد رافقت مشاهد الفيلم موسيقى «موزارت» التي أضفَت على الحكاية رونقاً باهيا وجميلا.



• • •

وقت مُقتطع أقضيه في مشاهدة شاشة «الفوكس موڤيز».. والفيلم الروائي «تحت شمس توسكانا»، عن قصة كتبتها طاهية الكتابة الأميركية فرانسيس مايز، لتترجم عربياً عن الدار العربية للعلوم، وسينمائياً للمخرجة الأميركية أودري ويلز، هذه الرواية التي كُتبت في الطبيعة لتمزج بين الفن بأنواعه وتاريخ إيطاليا عبر الريف التوسكاني الحالِم، الذي في أحد سهوله يقف «بيزا» البرج مائلاً إلى الغرب، ومشاهد الفيلم تطلعنا عبر نافذة عريضة على عدد من الشخصيات التي نُقشت بطريقة أدبية، تجمع بين الغموض والرومانتيكية والمغامرة، وانعطافات عاطفية تحدّدها المصادفات لتستقر الحكاية في نهايتها عن حقيقة بأن الحياة ليست إلا مجموعة من الصُدَف.

أحمد مبارك البريكي
02-06-2014, 10:47 PM
خواطر المونديال..!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

إن كانت هناك مباراة في كأس العالم تدعو للتعجب والغرابة والدهشة في مجريات أحداثها، وتفاصيل دقائقها على الصعيد المونديالي، فهي بلا منازع تلك المباراة التي جمعت بين منتخبي فرنسا والكويت في نهائيات إسبانيا 1982، وهو اللقاء الوحيد الذي شهد حادثة فريدة لم تتكرر منذ انطلاقة صافرة كأس العالم الأولى في الأوروغواي عام 1930 وحتى الآن، وقتئذ نزل الشهيد فهد الأحمد إلى أرضية ميدان بلد الوليد لاعتراضه على هدف فرنسي جاء بمساعدة صافرة جماهيرية أتت من غيهب المدرجات، فلقّن الحكم السوڤييتي (الأصلع) المتردد «ستوبار».. درساً من كلمة واحدة، جعلته يتخذ القرار السريع الذي دوّنته سجلات كأس العالم كأول وآخر هدف صحيح يُلغى في مباراة ضمن نطاق المنافسة، ما جعل «هيدالغو» المدرب الفرنسي وقتها يموج غضباً وغيظاً ويدمع حزناً على هدف طار مع صافرة فرنسية-روسية.
يومها كان كابتن الفريق الفرنسي المخضرم ميشال بلاتيني يحتفل بإطفاء شمعته الـ27.. بهدف جميل على طريقته في المرمى الطرابلسي، ليجيء الهدف الكويتي في منتصف الشطر الثاني من اللعب بقدم «المدفعچي».. عبدالله بلوشي، وليُصاب بعدها المرعب جاسم إصابته الأخيرة ويخرج محمولاً على نقالة الإسعاف، فيكون آخر عهده مع المنتخب ضربة رأس لم تكتمل في الهدف، وضربة ساق موجعة من الحارس الفرنسي جان لوك إيتوري، قُضيَ ذاك التاريخ وصار سِجلاً.. وذكرى للكويت التي ارتدت يومها رداء أحمر.. فافترسها الديك الباريسيّ بأنياب ذئب..!

• • •

صرخة «تارديللي».. التي أضحت من أعظم لحظات الفرح في تاريخ كأس العالم، بعد تسجيله الهدف الثاني في المرمى الألماني الغربي بموقعة «برنابيه» يوم 11 يوليو 1982 في المونديال الإسباني، أسرع راكضاً بعده إلى منتصف الملعب وكأنه لن يتوقف أبداً، يهز رأسه بعنف لاوياً قبضته على صدره والدموع تنهمر على وجهه، وهو يصرخ مرددا بكل قوته «هدف»، ولتتحول تلك الصورة المعبرة لاحقا إلى ومضة خالدة لا تُمحى من ذاكرة الإيطاليين إطلاقا.
وقد صُنفت هذه اللقطة «الفيديويّة» على قائمة أكثر المناظر البشرية المصوّرة تأثيراً.. حتى منحتها الـ «فيفا» في عام 2010 جائزة أجمل نشوة إنسانية للاعب انتصر بعد أن حقق هدفاً ذهبياً، صعد ببلده فيه إلى هامة الفوز، في أحد اللقاءات المتلفزة أخيرا وبعد مرور ثلاثة عقود على تلك الفرحة، سُئل ماركو تارديللي عن تلك اللحظة، فمكث قليلاً حتى دمعت عيناه، قبل أن يجيب: «لو حاولت أن أعيد تلك الفرحة مرة جديدة لما استطعت أبدا».

أحمد مبارك البريكي
26-06-2014, 06:41 PM
مصر.. بشرة خير

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

بعيداً عن "فسطاطَي" السِيسي و(سِي) مرسي.. وكل كرسي "ماشي" يا عم.. تبقى الأبواب السبعة لمصر المحروسة.. محروسة، ومصر بلاد ما وراء الطور التي وصفتها "الخاطبة" في "حزورتها" بأنها أطعم من "البسبوسة"، ومن سُكّر الجلّاب ويدلّعوها القاهرة.. والقاهرة سُميت في الغالب باسم فرعوني قديم "كاهي رع" أي أرض الشمس.. والشمس التي اختفت في فيلم، فَلَم يعرف "الأدهم" أين يخبئها الأعداء.. والأعداء يأتون على الدوام من الشرق.. وللشرق كوكبٌ وحنجرة ومسرح و"ليالٍ طويلة أحلامها جميلة محال تنعاد"، وللصبر حدود.. وحدود أرض النيل بعيدة ومتقاطعة ورابطة بين لوني البحر الأحمر والأبيض.. والأبيض قطن نضج على ضفة الحقل قبل القِطاف.. والقِطاف ثورة لقائدٍ عظيم تنقله بين عرش وكرسي ومد وجزر، إلى أن وَصَل المزاد الأخير بين دبابة "سيسي" وَرابعة "مرسي".

وبما أن الطقس العام هذه الأيام مصري.. سياسياً وشعبياً.. وإعلامياً، سأعود بذكرى الصورة لأيام النيل لأقف على بوابة مصر الملكيّة في جنوب الوادي، وتحديداً عند مدخل حديقة "فريال" في أسوان النوبة، هذه "الجِنينة" التي تُجاور النهر العظيم وتتصل بعشبها في قصر الكتاراكت الملكي الجميل الذي تحوّل بفعل ثورة ناصر لفندق استثماري يدرّ جنيهات السوّاح، و"فريال" التي تَتسمّى بها الحديقة هي الأميرة فريال بنت فاروق الأول أكبر بنات آخر الملوك العلويين في مصر، وأمها هي صافيناز ذو الفقار التي بدّلت نسَبها بعد القران من الملك إلى "الملكة فريدة"، وعرف عنها تَيمها بالأسماء التي تبدأ بحرف "الفاء" الذي يبدأ به اسم زوجها، فَراحت تَمتهِن مع بناتها فائِيّة الأسماء.. ومن الأحداث التي تُحكى عن الأميرة الصغيرة، الاحتفالية الكبيرة التي أقامتها أسرتها في يوم ميلادها "النوفمبري" الأبيض السعيد من عام 1938، حيث منح الملك كل مولود مصري في ذلك اليوم مكرمة رفيعة ومكافأة سخية، عاشت فريال.. حياة الأمراء وطبقة البرجواز إلى أن حدث انقلاب يوليو، لتكمل بقية حياتها بعيداً في المنفى متغربة عن وطنها وأهله.. تزوجت فيما بعد شاباً سويسرياً وعاشت معه في بلده حتى توفيت في عام 2009، وفي يوم "نوفمبري" آخر لكنه هذه المرة كان شاحباً وحزيناً.
ومن "برندة".. شيراتون المعمورة التي يكشفُ زجاجها على أجمل منظرين في الإسكندرية؛ حدائق المنتزه وساحل البحر الأبيض.. صبحٌ ضبابيّ يُظهرُ لي من بعيد شبحَ قصر السلاملك التاريخي في قلب الحديقة الواسعة، الذي بناه أحد أخدية مصر الملكية في القرن التاسع عشر، ليكون مصيفاً ملكياً وديواناً للاجتماعات والاستقبالات الملكيّة.. وفيما بعد تعددت أغراض استخدامه ليتحول في الحرب العالمية الأولى لمستشفى ميداني مؤقت لقوات الجيش البريطاني.. ومع حُكم الملك فاروق جعله مكتباً خاصاً له، ومكاناً لقضاء آخر ليلة في حكمه لمصر.. قبل أن يغادر المحروسة من على ظهر سفينته المحروسة.. أجمل ما في القصر الذي زرته في ذات النهار الضبابيّ هي تلك الحجرة البلوريّة التي تزيّن ركناً من أركان القصر، وتحوي قطعاً من الكريستال الأزرق والبلور النقي، التي خُصصت كغرفة غريرة لزوجات الملوك واستراحتهن، وفي باحة الحديقة الخارجية تصطف بشكل طابوريّ عدة مدافع حربية ثقيلة موسومة بصناعة القرون الوسطى، لتضفي على المكان رائحة الحُصون والقِلاع الرّصينة.

أحمد مبارك البريكي
02-07-2014, 08:20 AM
حالة سفر إلى الدمام والخبر..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

طريق يُمهّده الليل يسيلُ بي في حالة سفر قصيرة إلى ساحل الدّمام، الذي صار يومَ غزوٍ أليم.. «مستعمرةً» كويتية آمنة.. وقتئذ فتحت هذه المدينة الخليجية صدرها لتدمل جرح الصدور المغدورة، والدمام هي عاصمة المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية، ومركزها التجاري والسكاني، وعلى بحرها يقع أهم ميناء لتصدير النفط السعودي الرئيسي، الذي من فوق أرصفته يتنفّس العالم بأكمله رائحة البترول، وقد أشتُقّ اسم الدمام من معنى «الإطباق على الشيء»، ذاك لأنها بقعة تحيطها أشجار النخيل «القطيفيّة» من كل ناحية، حتى تكاد تُطبق عليها.
وبما أن الهوى جيولوجي فيمكنني أن أرمي في بئر الغواية شيئاً، فللدمام تكوين جيولوجي يمتد من الحواف الصخرية البحرية التي تنتهي عندها الطبقة العربية التكتونية والمحاذية «لزاغروس» فارس، وتنتهي شمالاً تحت قشرة الأرض عند مقوَع الكويت، وعرضها يقارب ثمانين كيلومترا، ويغطي معظم سطحها رسوبيات ملحيّة مكونة عادة من الجبس والرسوبيات الكلسِيّة والطَفل وطبقات «الغتش» الصلدة، وفي باطنها مكامن عملاقة تتجمع في جوفها كميات هائلة تحوي الزيت أو البترول والغاز الطبيعي، اللذان يعدّان من أهم ثروات الخليج المعدنية، ويعود تاريخ نشأة هذه الطبقة الكبيرة الغنيّة إلى العهد الرباعي المتقدم «الأيوسيني» قبل ما يربو على 50 مليون سنة مضت.. في ظل عصرٍ مطير اكتسح الأرض لعدة آلاف من السنين، ما ساعد في تكوين ظاهرة الـ «دمام فورميشن».
أحلّ ضيفا على مائدة إيطالية، وعشاء «خبريّ» (نسبة إلى مدينة الخبر الأنيقة الساحلية).. والمطبخ الإيطالي المتنوّع يستحق العناء بلا شك، بعد أن امتدّ شرقاً حتى طلبته طاولات الصين وكوريا وبلاد الشمس المشرقة.. يوم أن أوصل الطلبيّة لتلك البقاع في سالف التاريخ الرحالة الإيطالي الأشهر «ماركو بولو» خلال إحدى رحلاته الشيّقة.. لتشيع الباستا الشهية في الشرق البعيد، حتى أدمنتها الشعوب الآسيوية فغدت «النودلز» غداء وإفطاراً وولائم للسهرات.. واتجهت ذائقة «البيتزا» واللزانيا كذلك غرباً حتى حطّت رائحتها الزكية في وطن العم سام.. الذي تفنّن «اليانكي» في صياغته لتتّقد الأفران وتنتفخ العجائن، مكونة في كلتا القارتين سلاسل طويلة للمطاعم المتخصصة، لذا وقع خياري على مطعم (كورليوني) الذي أخذ تسميته من الشخصية الخيالية التي ظهرت متسيّدة في رواية.. The Godfather أو «العرّاب»، التي تحولت إلى ثلاثة أجزاء سينمائية لأفلام المغامرات «المافيويّة»، ويعد عميد عائلة «كورليوني» (الذي تظهر صورته معلّقة على جدار المطعم) ذا نفوذ كبير، استطاع بعد أن ارتبط بعلاقاته الأخطبوطية بشخصيات مجتمعية مهمة سياسية كانت أو اقتصادية أو حتى فنيّة، مضافاً إليها طريقته المتقنة في إدارة الجريمة المنظمة، من خلال شبكة مجندة تعمل تحت تصرفه وفي طاعته، ما جعل كثيرا من الناس يلجؤون إليه لحمايتهم ومساعدتهم.

أحمد مبارك البريكي
23-07-2014, 01:48 AM
محاولة لقول شيء..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

جلمودٌ لازورديّ رفيع لامرأة تَكسر قيد الاستبداد، ترفع شعلة وتحتضنُ دستورا، وتلبس تاجاً مسنناً يرمز لبحار الدنيا السبعة، وتقف شاهقة عند عتبة أرض الأحلام.. تنظر إلى مشرق الشمس لتستقبل كل مهاجر ينشد الانعتاق من شراسة العبودية والقهر، تقول جملتها المنقوشة على صدر هيكلها: «أعطوني المنهكين منكم والفقراء وأولئك الذين نالت منهم العواصف».. ليست هذه السيدة إلا كناية «إيڤيليّة» قدمتها على طبقٍ «جرانيتيّ» ثورة تنويريّة قدمت من وراء الأطلسي.. لتعطي في رمزيتها دلالة عميقة لقيمة إنسانية نبيلة، تتعادل فيها أسنان الأعناق تحت مقصلة العَدل وميزان التساوي.
إنه العدل.. أساس الملك، هكذا قالوا، لكنهم قضموا الحكمة فلم يكملوها.. فهو القيمة الأغر في صناعة الحضارة وبنائها، وهو الاستمرارية والمظلة التي يحتمي تحتها كل ذي حق، فإن نخرت شجرته انهدم الصرح، ونعقت الغربان.
في الآونة الأخيرة ظهرت في البلد ثقافة التخوين الدخيلة في كل شيء، في الذمم وفي النوايا وفي الأعمال حتى وصلت في الأخير إلى باحة القضاء، وهذه النقطة بالذات إن كانت بلا أدلة دامغة فهي أقصى درجات الخصومة (إن اعتبرناها ورقة على طاولة سياسية)، ولم تعهدها من قبل كل المعتركات والتجاذبات في ساحة المنافسة السياسية في الكويت، ولم يفطن لخطورتها من يطلقها بسلامة نيّة أو سوئها بغية تحقيق كسب مؤقت ونقطة تفوّق، فهو يبدأ بذلك في سلك طريق لا ينتهي إلا بالخراب في كل شيء، ولا يمكن أن يؤدي إلى الإصلاح على الإطلاق.
هنا لابد من تنحية الشهوات الانتقامية من الخصوم جانبا، وترك الرغبات في تكسير عظام الآخر، والتعقّل قليلا في الطرح بعيدا عن التخبط في زج التهم جزافا، وجرّ الكويت إلى مربع قاتم لا يمكنها الخلاص منه، فالساحة واسعة للتجاذب والرؤى المختلفة، ويبقى للساحة حكم بيده صافرة الفصل، سواء أكان الوصيّ على السلطات الثلاث صاحب السمو، أم مؤسسة القضاء التي نعتقد- بتوفيق من اللـه- بنزاهة أركانها، ولا يعيب إن كانت هناك أخطاء فالخطأ البشري لا ينكره أحد، وإن كان فبوجود رجالات ثقات في ذلك السلك ستمحى أي بقعة خلل.

***

يعيش أهل غزة رمضانهم تحت جحيم آلة عسكرية غاشمة لا ترحم، وسط صمت عربي وإقليمي ودولي مقيت، وحبل الجرّار يحصد الدم، والحسبة في ازدياد.. ومن وراء غزة هناك الشام التي تئن وهي تقطع شريط عامها الدموي الرابع، وحمّالة السلاح كُثُر في أودية حلب وحمص وصحاري حماة، وصولا للعراق واليمن وليبيا.. اللهم ارحم شعوب العرب وهوانهم على العرب.

أحمد مبارك البريكي
28-07-2014, 07:15 PM
ريغن المتحدث الماهر

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

في عام 2005، استفتت قناة ديسكفري الشعب الأميركي عن أعظم شخصية أميركية على الإطلاق، فكانت النتيجة حصول «رونالد ريغن» على اللقب.
هو الرئيس رقم 40 للولايات المتحدة ورئيسها خلال حقبة الثمانينيات من القرن العشرين، ويعتبره الأميركيون بطل الحرب الباردة وعرّاب سقوط ما يسمى باتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، ويُعد رونالد ويلسون ريغن وهو اسمه الكامل أكبر رؤساء أميركا عمراً حينما تم انتخابه عام 1981، وكان عمره سبعين عاماً، وبرغم فضيحة «إيران-كونترا» التي هزّت المجتمع الأميركي في منتصف الثمانينيات، وحادثة مكوك الفضاء تشالنجير الذي تحطم أمام مرأى الجماهير، وتواطئه في لعبة أحداث الرهائن الأميركيين في إيران لإسقاط غريمه «كارتر».. فإنه كان على الدوام يسرق الأبصار ويلهب النفوس من على منابر «المايكروفونات» التي كان يطل بها على الأميركيين، ربما كانت مهنته الأولى كممثل هوليودي ساعدته في ذلك، وربما كان الذكاء والقدرة على استخدام كل ما ينفذ لصدور الناس.. حتى أجمعت أمة الواشنطن على تسمية مطار البلاد الوطني باسمه.
وبالرغم من الصيت الذائع بأنه من أشهر الرؤساء مهارة في الحديث، من خلال إذاعيّاته الموجهة للشعب الأميركي فإنه كثير زلات اللسان، التي كادت تعصف بعلاقات الولايات المتحدة مع كثير من الدول، ولا ينسى الأميركيون وشعوب العالم تلك الحادثة في صيف عام 1984 عندما أعلن «مازحا» وبشكل فجائي بأنه وقّع مرسوما يقضي بمحو الاتحاد السوفييتي من على الخارطة في غضون خمس دقائق!، فطار حديثه عبر الأثير إلى كل قنوات التلفزة، ليحبس العالم أنفاسه ولو لدقائق معدودة قبل أن تتضح الأمور بأنها مجرد مزحة ثقيلة.
لكن في المقابل كان يملك من الكلمات الخطابيّة المؤثرة والشديدة القادرة على تحريك الرأي العام، منها ما قاله عندما تم طرح مشروع الإجهاض في الكونغرس، وهو من أشد المعارضين له، فقال: «لقد لاحظت أن كل من يدعون للإجهاض قد وُلِدُوا بالفعل». بدأت نهايته في عام 1994عندما هاجمه مرض الزهايمر وهو في سن متأخرة فاقت الثمانين عاماً، فألقى للشعب الأميركي خطاباً مفتوحاً بنبرته التي لا تخلو من التفاؤل: «إنني أدرك الآن أنها بداية الرحلة التي ستقود إلى لحظة غروب حياتي، لكنني على يقين أنه بالنسبة للأميركيين فإن هناك فجرا دائما في الأفق».. توفي ريغن في الخامس من يونيو عام 2004 بمزرعته الخاصة في (بلاير) في كاليفورنيا، وهو في الثالثة والتسعين من العمر، ليكون بذلك ثاني أطول الرؤساء الأميركيين حياة.

أحمد مبارك البريكي
26-08-2014, 09:10 AM
في حضرة "بيلار".. و فاسكو ديغاما

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

دائماً ما أزعم أن للجغرافيا سِحرها المتفرد والجميل، فهي في نظري ذلك العِلم الفارق الذي من بعد مُنعطفه يتراتب الخط المستوي ليسنح الفرصة لعربة التاريخ كي ترسم رؤاها وتدوّن الأخبار وتُرسل مجانية الدروس، والسفر حالة حوار هادئ لقلب متعطش لفكرة على طاولة قهوة مع ظرفيّ الزمان والمكان في إطار نزهة، وهو فصلٌ يتجلّى مشهده في نورس محلّق قرب منارة مرفأ وسفينة تهمّ بشحن المؤن بغية الارتحال.. إنه ذلك البحر الذي يكسر الجروف ويخيط الشطآن بسفوح التلال، وهو ما أمارسه الآن كجولة جديدة تجتاحني «تسوناميّها» عواصف من قراءة النفوس وسدى لا ينتهي من تحفة الأنظار.. والعالم رحلة.
لشبونة محطتي البعيدة.. عند ذات النقطة التي انطلق منها «فاسكو ديغاما».. ليكشف رأس الرجاء الصالح، فيتحوّل وجه الأرض بعدها طريقاً محيطياً يصل قارة أوروبا العجوز بأرض الهند بلاد الحرير والبهارات والفلفل الأسود.. عقدت قدماً على قدم وخلفي صومعة «بيليم» التي تفترش طرفاً من ساحل المحيط الأطلسي، وتنطق عربياً باسم «بيت اللحم».. وهي معلم تاريخي هام وإرث «يونيسكويّ» محفوظ.. شُيّد على تراث مرابط الأشرعة التي دفعتها الريح لتبتعد وتبتدع مسالك جديدة للبحر.. و»ديغاما» الذي أقف بجانب تمثاله المرتفع في سماء لشبونة بإحدى ساحاتها العامة، هو من أكثر مستكشفي البرتغال شهرة ونجاحاً في مهنته القبطانية كحامل لواء شقّ الطرق البحرية بأمر الملك خلال عهد الكشوفات الجغرافية في مرحلة العصور الوسطى، التي توّجها بهذا الالتفاف البعيد عام 1497م.

لديّ حلم أن أصبح كاتباً.. -عبقريّ البرتغال خوسيه ساراماغو-
نهار لشبونيّ آخر لطيف حمل لي معه رائحة التفاح وشيئا من أثر «خوسيه ساراماغو».. الروائيّ «النوبليّ» النبيل، صاحب رواية «العمى».. التي تعد من أبرز الروايات العالمية المعاصرة، وأبعدها اختصاراً وتعمقاً في قضايا المجتمع البشري الكثيرة، ولاسيما تعاطيه مع الكوارث الاستثنائية التي تهم بالحدوث فجأة وتنقضي فجأة، وحاز بسببها على سلسلة ذهب نوبل للآداب كأول برتغالي يفعل ذلك.
هنا بيته والمكتبة التي قرأ منها آلاف الكتب طوال عقود حياته، والصورة الأهم والمعلّقة على أحد جدران البيت/ المتحف ليوم نصره في محفل نوبل، وهذه طاولة الكتابة الخاصة به والكرسيّ اللذين من على مدرجهما أرسل إلى العالم ثمار أدبه القطيف، وهذه زوجته «بيلار» التي أتصوّر معها بعد أن تصوّرتها وقرأتها عبر أحاديثه الجميلة، فقد نالت شرف هديته الكبيرة (كلّ رواياته) خلال سطرٍ على صدر لوحة رسمها غزلاً فقال: «إلى بيلار.. التي تأخرت طويلاً في المجيء لكنها أتت».. ثمّ أردف لاحقاً: «بيلار.. هذا إهداء حب عظيم لك».. وقد تزوجها وهو يطفئ شمعة حياته الـ66 وهي في الـ35 ربيعاً.. كتب أحدهم بأنه ربما كان سيموت أبكر لو لم يلتق بها.
من رائعته «العمى».. فكهت هذه الترانيم الحبريّة.. لأرفقها في مسك مقالي هنا، يقول:
(..عندما يبدأ شخص ما بتنازلات صغيرة فإن الحياة تفقد كل معناها في النهاية)..
(..إن أصحاب القلوب القاسية لهم أحزانهم أيضاً)..
(..نقول إننا بخير حتى لو كنا نحتضر.. هذا ما نقوله عندما لا نريد لعب دور الضعف الجسدي، وهذا متعارف عليه بأنه استجماع للشجاعة، وهي ظاهرة لا يعرفها إلا البشر)..
توفّي ساراماغو عام 2010 بمنفاه الاختياري في بيته الريفيّ بإحدى الجزر الصغيرة الواقعة ضمن نطاق جزر الكناري، حيث أقام هناك برفقة زوجته بيلار ما يقارب العشرين حولاً.

أحمد مبارك البريكي
04-09-2014, 02:21 PM
الآزور.. جزائر متشظية على وجه المحيط

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

طائرة الساتا الزرقاء العملاقة تتجه إلى غرب الكون، تحطّ بجناحيها في المدى على أرض صغيرة بارزة من على السطح في مركز المحيط الأطلسي الكبير، أنا على متن الرحلة إلى (أرخبيلية جُزر الآزور).. التي من سمائها يتبدّل الطقس في كل الأرض، وتنطلق الرياح المداريّة في كل الاتجاهات الثمانية، ويتغير عندها مسار الإعصار، ويعرف أهل الأرصاد أهمّيتها المناخيّة جيداً، وتتفرد هذه الجزر التي يغلب على كل شيء فيها اللونان الأزرق الكُحليّ والأخضر العُشبيّ بطبيعة جيولوجية خاصة، فهي تمثّل النهاية الهرميّة الأخيرة لقمم الجبال البركانية البازغة فوق الماء، وجذورها من قعر المحيط العميق الذي في قاعه تتشقق القشرة الأرضية، وتتباعد جنباتها شرقاً وغرباً عند أخدود الحاجز المتصدّع العظيم الذي يشقّ الأطلس من أقصى الشمال القطبي إلى أقصى الجنوب، ما يُعرف جيولوجياً بظاهرة الصفائح التكتونية الامتداديّة أو Divergent Spreading Tectonic، وتنتصف هذه الجزائر المنفوشة في الماء المسافة بين قارتي أوروبا وأميركا الشمالية.
شمس أخرى.. ورحلة في اقتفاء أثر حوت العنبر (Sperm Whale)، أو كما يطلق عليه السكان المحليّون اسم (كاتشالوت).. وتعتبر الآزور من أهم مواطن تجمّعه، يخت يردف على متنه الأبيض خليط من أناس يتدرّعون ثقافات شتى، أجمعوا على رؤية هذا المخلوق العملاق، الذي تشير دراسات مختصة في علم الأحياء البحرية بأنه مهدد بالانقراض خلال العقود القادمة، وذلك بسبب الصيد التجاري الجائر لهذا النوع، وتتميز هذه الحيتان باحتواء جوفها الضخم على مادة شمعيّة سائلة هي مادة العنبر التي يتداولها البشر كعطر ثمين ونادر، واستخدمها القدماء كزيت لإشعال المصابيح.. والعنبر حوت ملهم للروائيين أيضاً.. فقد حمل على عاتقه أسفاراً ورواية للكاتب الأميركي "ملفيل"، الذي ابتدع شخصية الحوت "Moby Dick"، عام 1851 عقب غرق سفينة التحويت الأميركية (إسكز)، التي نسفها حوت عنبريّ عملاق رأساً على عقب.. في عرض المحيط عام 1819.
بعد رحلة صيد مشاهدة الحيتان.. أعود فتصدفني زهرة "الأورتانسيا" البديعة.. وهي زهرة الآزور القومية، وتنتشر في كل الأركان المونقة من الجزيرة، حتى صارت رمزاً أريجياً يزيّن الأجواء بنشوة العطر، ما جعل حاكمية بلدية الإقليم تقوم بتوزيعها في كل جادة وممر وشارع على شكل باقات جميلة كهدية طبيعية تسرّ الرائين والعابرين، والزهرة الحالمة التي تتشكل أوراقها على كل الألوان القزحيّة (أجملها في نظري الزرقاء الممزوجة بالكريمي).. تسمّى عربياً بـ "الزهرة الكوبيّة" نسبة لكوب الماء، وهذه دلالة على حاجتها وتخزينها للكثير من الماء لاستمرار حياتها ونشر عبقها البهي على مدار المواسم.
هنا في "سان ميغيل" أكبر الجزر الآزوريّة التسع والعاصمة الإقليمية "بونتا ديلغادا"، هذه المدينة التي تتجمّل مساء بأضواء المصابيح.. ومقاه من نوع حميم تفسح مفارش النظر على الميناء النابض.. هذا نهاري إذاً.. إلى أن يبدّل الترحال دارا.

أحمد مبارك البريكي
09-09-2014, 12:54 AM
(ساجريس).. نقطة أوروبا الأخيرة

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

ليلة أشبيليّة.. أستأنف المسير بعدها مع تفتّح النور لأطوّف في بلاد البورتوغيز أو البورتوغال، التي يعني اسمها حرفياً بوابة بلاد قبائل الغال، وهي القبائل التي استوطنت هذا الساحل الأقصى في منتهى قارة أوروبا من جهة الغرب.. ولهذا البلد الأوروبي القومي تاريخ ثقيل جداً في ميزان الأمم، لا يخفى على كل متبصِّر وباحث في سلال الشعوب، فبعد أن ترنّح على سلك القرون الكثيرة بين تفاوت الوجود العابر للممالك المتسعة على أرضه، ومنها الحضارة الإسلامية في الأندلس التي حكمت 300 سنة حتى حلّت معركة أوريكي عام 1139م في عهد الاسترداد، التي كانت بداية نهاية الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية، حتى تمددت الامبراطورية البرتغالية شرقا وغربا لتستعمر البرازيل خامس أشسع بلاد العالم، وأنغولا أرض الألماس والنحاس، وموزمبيق ومكاو الصينية، ثم سلطنة عُمان وبحرين الخليج العربي، حتى لامس توسعها إيكاروس جزيرة فيلكا.. قبل أن تطيح بكل تلك الثروة من المستعمرات.. ثورة شعبية عام 1974م عرفت بثورة القرنفل، فانتهت معها شمس البرتغال في ما وراء كل تلك البحار.
أقف على حافة "نقطة ساجريس" التي من علوّها يمتزج مرمى النظر بلقيا مرجَي البحر الأبيض والمحيط الاطلنطي.. وتقع هذه النقطة في آخر بقعة أرض من الجنوب الغربي لقارة أوروبا، بالقرب من رأس القديس فنسنت، وهي هامة مهمة لطرق الملاحة وحركة البوارج والسفن، تتمترس على جرف صخري شديد الانحدار، يجابه تقاذف الأمواج على وجه اليابسة، وتهبّ فوق سطحها رياح غربية شديدة تتجه شرقاً لتشكّل الوحدة البنائية في تكوين طقس إقليم المتوسط المعتدل، ومن النتوء الصخرية الكثيرة في القمة يهجم رذاذ البحر من أسفل بكميات جزيلة تكوّن وهي تعلو هالات ماء سحابية يصاحبها صوت الالتجاج.. وقد بني بالقرب من المنارة حصن كبير يرجح أنه شيّد في عهد "هنري الملاّح"، وقد تأثر هذا البناء بشكل كبير، وهدمت بعض أجزائه من جراء زلزال البرتغال المدمر عام 1755 قبل أن يعاد ترميمها.
إقليم الغارف بلد أشجار الزيتون وثمر البرتقال والتين والفاصوليا، ويتموقع خرائطياً على طول الساحل في الجنوب البرتغالي، يحده من الشمال نهر غواديانا، وهو إحدى قطع الأندلس الزاكية التي سقطت على يد أفونسو الأول في القرن الثاني عشر الميلادي، ليتناوب الفتيل بعده "ورّاث أفونسيون" على العرش، حتى توقف العدّاد عند الثالث الذي اعتمد نظاما لحكم المؤسسات كالقضاء ومجالس الأمانات والتشريع، وهو ما كان في وقتها طفرة غير معتادة في إدارة الممالك، وربما كانت تلك البذرة هي ما ولدت لنا الديمقراطية التي يعرفها عالمنا اليوم.
تتوقف عجلات سيارتي في "فارو" عاصمة الغرب (الغارف) ومركزها الإداري وأكبر مدنها، وقد عرفها المسلمون في عصرهم باسم "شنتمرية الغرب"، وتمتلك شطآنا صيفية ذات سحر أخّاذ، وطرقات مرصوفة بالحجارة تسكب فيها شمس آب أشعتها الذهبية فتتشرّب الدفء، ويتجمّل في نظري بعد نهار المَشي مقعدٌ طرفيّ في مقهى المدينة القديمة، شكّل لي "بلكونة" مُنيفة أتقصّد منها المشاهدة، ونهل كوب الشاي.

أحمد مبارك البريكي
18-09-2014, 08:53 AM
من شاهقة طارق إلى ضريح ابن بطوطة..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

بوابة دخول جبرالتار أو جبل طارق (تصحيفاً) تُفتح أمامي للدخول، هذا البلد شبه الجزيري وشبه المستقل الذي يقع تحت لواء تاج الملكة إليزابيث البريطانية منذ عام 1714، وتعتبر من أهم قواعد مستقر البوارج التي تحمي المصالح الامبراطورية لبريطانيا العظمى في البحر الأبيض وما بعده، وهذا الجبل الصخري البارز تضاريسيا في طرف المتوسط والمتوغل جنوباً الذي تسمّى على قائد مسلم منذ ما يزهو على الـ 1300 سنة يقف شاهقاً مستمراً أمام دائمية حركة المضيق الفاصل بين جبال أطلس في منتهى شمال غرب أفريقيا وأرض الهاسبان.
من أمام ناظر الجبل الطارق للمجد في هذه المقاطعة الإنجليزية، تحملني الصورة في يومٍ غائم إلى حاضرة "الإنستغرام"، هذه الرابِية (الجيمورفولوجية) العريقة والمطلة على بحر البليار، مِن سموّها انبلج الفتح العربيّ لشبه الجزيرة الأيبيرية في بدايات فجر الهجرة، وقبل نهايات الألف الميلاديّ الأول، وطارق هو طارق بن زياد الفاتح الأمازيغي المسلم العظيم (والذي تصادف أن درست جزءاً من بدايات مراحل قراءتي في مدرسة ابتدائية تحمل اسمه، وكنّا نتغنّى أيامها نشيداً لازلت أردده حيناً.. فالمجد والأمجاد بطارق بن زياد..)، وهو قائد عسكري فذ يعتبره خبراء استراتيجيا الحروب بأنه من أنجح قائدي الجيوش في التاريخ، وقد رحل طارق ذات سنة منسيّة بدمشق الأمويّة، وفي غمرة الصعود المجيد للحكم العربي والإسلامي للأندلس، وخلّف إرثاً باهظاً وكبيراً قوامه قطعة ماسيّة من حضارة مشعة بقيت على سلك الزمن زهاء ثمانية قرون، طرق خلالها التطور الثقافي والعمراني والإنساني أعلى صروح الإبداع، ومازالت تتغنى بفضلها وجمالها كل الحضارات.
وفي بارقة سعيدة تمكنت من التوقف عند مسجد الملك فهد -رحمه الله- بالقرب من نقطة أوروبا ومنارتها في الناحية الجنوبية من الدويلة الصغيرة، وهو جامع مشيّد على الطراز المعماري الأندلسي، بنته المملكة على نفقة مليكها كخدمة للمسلمين في هذه البقعة الذين يبلغون 2000 مصلِّ، ما يمثل نسبة 2 بالمئة من السكان أجمع، وتم فتح بابه يوم 8 أغسطس عام 1997.
نهار آخر أرحل فيه على متن الباخرة في الطريق من رأس الطرف الأغر إلى طنجة.. خلفي قارة وأمامي أخرى.
هنا طنجة ملتقى البحر بالمحيط، وملتقى سفينة نوح بالطين كما تقول الأسطورة الإغريقية القديمة، حينما همّت السفينة بالوقوف على اليابسة صاح الركاب "الطين جا.. الطين جا" فسلبت الاسم طنجا.
على جدار الضريح المتقصي في "زنقات" سوق طنجة القديم كُتب هذا النقش.."هذه البناية بسيطة الشكل تخلد ذكرى شخصية ذات صيت عالمي اشتهرت بفضل رحلاتها عبر العالم خلال القرن الرابع عشر الميلادي، إنه أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن إبراهيم اللواتي الطنجيّ المعروف بابن بطوطة، والمزداد بمدينة طنجة يوم 24 فبراير 1304م.. ابتدأت رحلته عندما غادر مسقط رأسه طنجة سنة 1325م ليؤدي مناسك الحج بمكة المكرمة، ولم يعد إلا بعد مرور 29 سنة من المغامرات في 44 بلداً ومنطقة بأسمائها وحدودها الحالية (أفريقيا الشمالية ومصر والعراق وبلاد فارس وشرق الجزيرة العربية واليمن وأفريقيا الشرقية وآسيا الوسطى والقسطنطينية وروسيا الشمالية وآسيا الوسطى والهند الإسلامية وجزر المالديف وجزيرة سيلان وسومطرة والصين)، وبعد استراحة قصيرة بطنجة من سنة 1346 إلى سنة 1349، قام ابن بطوطة برحلة ثانية إلى الأندلس غرناطة والمغرب ومنطقة الصحراء وأفريقيا الغربية.. وقبل وفاته سنة 1368 خلّف وراءه كتابه "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".. والمعروف بِـ"رحلة ابن بطوطة".. الذي أملاه على محمد بن جزي الكلبي بطلب من السلطان المريني أبو عنان، وانتهى من كتابته بِفاس سنة 1355.
وفي النهاية أنا هنا في بقعة ما من هذا الزمن ألتقي طنجة مدينة ابن بطوطة، وهناك أمير الرحّالين في مكان آخر من أرض التاريخ، يطوف البلدان ويكتب لنقرأ من بعده.

أحمد مبارك البريكي
24-09-2014, 01:25 AM
صباحات أصيلة وأساطير هيركوليس..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

هنالك في كل أرض علمٌ رفراف وألوان.. ها أنا من جديد أؤدي حرفة الارتحال، والدروب سلالمٌ نضِرة.. ترفعني لأصبوحات مدينة (أصيلة) في الجانب الغربي من المغرب، وهي مدينة ذات طابع سماويّ تتخذ من مداخل البيوت لون السماء، وجدرانها موشومة برائحة اللؤلؤ، وهي نبعُ لا ينضب للفِكر، وحورية ترقد بجوار المحيط، ضربت موعداً ذلك النهار مع مهرجانها التثقيفي السنوي الذي يتكرر في شهر (أوغست) من كل عام منذ أربعين خريفاً، ليكون محجاً يقصده المتطلعون لآفاق الأدب والشعر والحكمة وزُرقة البحر. هنا على هذه الشواطئ الذهبية التي تغوص فيها الشمس وقت المغيب تكمن حياة من نوع خاص، وميضها الثقافة والفن ومظاهرات الحوار الحضاري بين كل إرث إنسانيّ تتجلّى بصورتها الواضحة في تلك الأماسي، واللقاءات التي تُنهضها المؤسسات التعليمية هنا مثل الجامعة الصيفية، وتشمل الفعاليات بتشكيلتها الاقتصادية والسياسية والفكرية، وأصابيح الشعر والملتقيات القصصية.. ويعتصر كل ذلك الإلهام الأدبي لينضح في جداريات المدينة التي تشكّل معالمها أيادٍ تشكيلية تصُب إبداعاتها زيوتاً صبغية لتُزينها رونقاً باهياً.
وعلى بعد مسافة بسيطة من أصيلة تقع مغارة هرقل، وهي معلم سياحي مهم، وتجويف صخريّ عميق يخرقُ بطن الجبل في منطقة ما تحت أشقار في الجزء الشمالي الغربي من الأرض المغربية، فيها تتكسّر الأمواج الأطلسيّة، وما ينجو من بقايا تلك الكُتل المائية يمتد داخل الكهف لثلاثين كيلو مترا، حتى تخمُد مياهه وتتقهقر إلى الوراء فتأتي تيارات جديدة ناجية تكملُ دورانيّة الهدير.
في هذا المكان الذي تُؤسطره الحكايات الإغريقيّة القديمة على أنه أرض معركة دارت رحاها بين «هرقل» أو هيركوليس الخارق، و«أطلس» الذي اشتهر في ذات الميثولوجيا بحمله لقبة السماء.. كانت نتيجة الصراع بين العمالقة الأشداء غضبة عظيمة من هرقل، وضربة خارقة شقّ بها الجبل فانفصلت بذلك قارة أوروبا عن أفريقيا واختلط المحيطان، وتلاشت قارة ثالثة في الغرَق.
وبعيداً عن الأسطورة فإن للمكان سحره الأخّاذ، تحيطه عتمة تشي بالمغامرة والغموض وغريزة الأسرار، تلفحها الرياح المُحمّلة بوابلٍ من ضباب البحر، لتُضفي على الغار برودة شفوقة.. وعند زمن الغروب تبدو النافذة المواربة على الشمس الذابلة في الأفق من باطن الجبل كأنها مرآة تعكس مدائن الورد الكونيّة، ما يُحفّز الخيال ليغزل روايات الأسطورة فيلماً ذهنياً أمام مشهد زائر متنسكِ.

أحمد مبارك البريكي
29-09-2014, 11:05 PM
رسالة من ٣٠ مواطنا الى رئيس مجلس الوزراء..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

رسالة مذيّلة بتوقيع أكثر من 30 مواطنا كويتيا يقطنون القطعة 2 في ضاحية الشهيد فهد الأحمد، بعد أن أعيتهم طول الطرق الروتينية المتسلسلة والمسوّفة في إيجاد حل لمشكلتهم، وهم يناشدون أولا وأخيرا من بيده القرار سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح، لمنع الإشكالية التي يرونها متعمدة في بناء منشأة لا تنفعهم بقدر ما تضرهم.
والمشكلة التي يعاني منها سكان المنطقة هي مع الهيئة العامة لشؤون الزراعة، وتحديدا قطاع الزراعة التجميلية التي اختارت موقعا غير صالح أبدا لاستقطاع أرض وإقامة أحد مشاريعها، والأرض بتخطيطها الهندسي العجيب الذي يأخذ شكلا مثلثا ومساحة صغيرة جدا ومزدحمة، وتتوسط أكثر من 30 مسكنا خاصا بحيث لا يفصلها عن البيوت إلا بضعة أمتار، وتحاذي في إحدى جهاتها أسوار ثلاث مدارس ورياض للأطفال، وبالقرب من محولين رئيسيين للكهرباء وبرج للاتصالات النقالة، وتسد منافذ الطوارئ المخصصة من قبل الإطفاء، ويصعب فيها نظام الري المائي للحديقة، ما يشكل خطرا حقيقيا على هذه المحولات الكهربائية وأسلاكها الممدودة في المساحة المقترحة.
ورغم عدم صلاحية التربة في المكان، وذلك عبر اختبار أجرته الهيئة بنفسها، وكذلك افتقار المكان لمواقف السيارات بسبب ازدحام القطعة السكنية بالخدمات الكثيرة، فإن الهيئة أصرت بشكل يدعو للغرابة والتعجب على استقدام مشروعها التخضيري في هذا المولد المزدحم.
نعم، إن مناشدة هؤلاء المواطنين لأعلى السلطات التنفيذية في البلد هي صرخة لإنقاذهم من الضرر القادم الذي سيقع من جراء استخدام هذه الفسحة الصغيرة والملاصقة بشكل مباشر لأسوار مساكنهم، وكانت متنفسا لأكثر من 30 عائلة كويتية ومتسعا من الأرض، وإن كانت محدودة لخدمتهم في إيجاد موقف لمركباتهم أو حدائق صغيرة في مجال ارتداداتهم البسيطة والمرخصة.
وقد طالبوا مرارا وتكرارا باستغلال هذه المساحة بدلا من قلبها حديقة تتسكع فيها عمالة المنازل القريبة منها إلى إنشاء مسجد يخدم القطعة التي لا يتوافر فيها مسجد أصلا، وما يزيد الأمر إثارة وتساؤلا هو وجود حديقة عامة كبيرة أخرى لخدمة السكان في ذات المنطقة، وهي في مكان مدروس وبعيد عن إزعاج الأهالي، يقول أحدهم: هذه المنطقة تعتبر من أصغر المناطق السكنية في المحافظة عددا للبيوت، وفي كل المناطق الأخرى هناك حديقة عامة واحدة فقط، فما الداعي إذا لإنشاء حديقة ثانية في ذات المنطقة التي إن خدمت فإنها ستخدم فقط المنتفع من مناقصتها المبهمة.

أحمد مبارك البريكي
07-10-2014, 11:58 PM
عند مغرب الشمس..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

يقول شويعرٌ "صعلوكيّ" عاش حيناً في عشق بلاد تايلاند.. حتى رسى على سِحر كازابلانكا فسلبتهُ تلك الديار (لُبّ عقله) فراح ينشدُ أقطوعته؛
غير (كازا) بلاش ديار.. حتى (بتايا) نسيناها..!
.. هذه الدار البيضاء التي وصلتها ظهراً على جناح (الطاكسي) كما تتسمى بها سيارات الأجرة في المملكة المغربية، و (كازا) هي أكبر المدن المغربية والعاصمة الاقتصادية للبلاد وتقع جنوب العاصمة السياسية الرباط بـ١٠٠كيلومتراً، وتتخذ موضعها على المحيط الأطلسي، ويقع فيها أهم المعالم الدينية الحديثة وأضخم بناءاتها جامع الحسن الثاني الذي تدشّن عام ١٩٩٣م والذي يعتبر سابع أكبر المساجد في العالم بمئذنته التي تأخذ شكل الصوامع المرينية وهي بالمناسبة أطول المآذن على الاطلاق بارتفاع يصل لِـ٢١٠ أمتار. والحديث عن هذه المدينة الأيقونية ممتد وطويل ربما لا يسعفني مقال واحد لسرده.. لكنني سأذكر بأنها كانت عنواناً لأشهر رومنسيات الأفلام الأميركية (كازابلانكا) والذي انتج في خِضم المعركة الكونية الثانية عام ١٩٤٢م ليكون من أجمل الأفلام المُتفردة قصة وأداءاً وتمثيلاً في تاريخ السينما.
هنا في كازا وسائر عموم الولايات المغربية تجد شعباً مضيافاً متفتحا على ثقافات الغير. حتى صارت جملة (بالصحة والراحة).. تتداولها أذناي بشكل شبه لحظي، فأرد بعفويتي الخليجية المتعارف عليها؛(الله يعطيكم العافية).. وهذه الكلمة (العافية) بالذات تشكّل هنا مشكلة يصل فيها الدم للرُكب "على رأي نهاش فتى الجبل" ..فهي تعني (الجحيم)!،..لذا فان أريحيّة البعض هنا تُبدد سوء الفهم وهم يردون؛ تقصد (العافية) بالخليجية؛).. فأجيب بالقبول وهز الرأس؛ بالتأكيد مع شوية ضحكة مُصنّعة.. وهناك كلمة أخرى أيضاً وهي (غادين) و تعني بالمغربي متوجهين إلى مكان ما.. وليس بالمعنى المُتداول في مدينة الكويت ونواحي "كراع المرو" وهو (ضائعين).. و قد رماها السائق في حضن مفرداتي عندما سألته عن الطريق الى مكان الإقامة فقال؛.. بأننا يا أخي أحمد "غادين" إلى هناك!.
في "أرض الله".. وهو المعنى الأمازيغي لمدينة "مُراكش" في صحراء المغرب الكبرى.. هذه المدينة التي ترتمي تحت ظليل عملقة سلسلة الأطلس، و تتميّز بحُمرة بيوتها بِفعل قسوة الشمس المُسلطة و قوة الرياح المُحملة برذاذ الكثيب الأحمر. هنا في عاصمة مُرابطي ابن تاشفين لا بد من المرور بصومعة الكُتُبيّة السامية التي تأخذ موقعها في مركز المدينة لتحكي للزائرين استفاضية تاريخها وعمق إرثها، وهي المنارة التي تعلو سطح المسجد الكبير وتسمّت قديماً على سوق لبيع الكُتب كان قريبا من المكان وتم تشييدها في عهد الموحّدين عام ١١٤٧م.. وفي آخر المعبر الطويل المؤدي للمأذنة المستطيلة تقع ساحة سوق جامع الفنا.. وهي فضاء كبير صار مجمعٌ شعبي وسياحي يرى كل من يدلفه عجائباً في كل بساتين الفنون كالعروض الموسيقية والرقص و رواة الأحاجي والحكايات.. وحتى ألعاب السِحر وخفة اليد، مررت بالقرب من مروّضي الأفاعي ففاجأني أحدهم بتقييد رقبتي بحية تنبض بِحياة.. والتقاطة سريعة لصورة مفزعة.
ساحة الغرائب هذه وُجدت قبل ١٠٠٠سنة ودخلت في عام ٢٠٠١م قاموس اليونيسكو ضمن قائمة التراث اللاماديّ للإنسانية.. و عند نهاية يوم التريّض العريض و بِقلب المدينة القديمة وجدتُ مكاناً في "رياض كنيزة الوارف"، ومائدة عشاء طاجن على أنغام موشحات أندلسيّة و طفور نوافير الماء.

أحمد مبارك البريكي
13-10-2014, 10:54 PM
في ضيافة المعتمد..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

من تخفى عليه قصة المعتمد وحكايا زوجته الرميكيَّة.. عندما مرّ الملكُ يوماً في ذرا الجدول الأشبيليّ عند مرج الفضة، فرأى ذاك الوميض القُدسيّ في وجه لا يُعاب، جارية تغسلُ الملابس في النهر.
أنشد بياناً لحظتها.."صنع الريح من الماء زرد".. فردّت عليه سِحراً.. "أيُّ درعٍ لقتال لو جمد".. تعجّب المعتمد بن عباد من سرعة بديهة الحسناء وجمالها الأخّاذ، وفتنتها التي لا يقاومها قلب، فتلّها إلى عشّ البلاط وبهاء القصور ومنارات العُلو، فصارت زوجة أولى وأمّا لورّاث العرش، أحبها كثيراً وأغدق عليها كل غالٍ ليرضي رغباتها التي لا تقف عند حد.. والتاريخ لا ينسى "يوم الطين" الذي تناسته صاحبة البلاط!، عندما اشتاقت جارية الأمس وعظيمة اليوم المشي حافية على التراب، فأمر المعتمد المتيّم بعشقها بأن يُطحن لها الطيب والكافور والمسك ويُفرش في كل باحات القصر الأشبيليّ وحديقته الفارهة، ويُخلط بماء الورد، ليُعجن بعدها كل ذلك العبير مكوناً شيئاً يشبه الطين، لتمشي عليه اعتماد مع بناتها.. حتى أخذتهن نشوة الترف وطغوة الرفاه، فرُحن يتمرغن في كل ذلك الخليط المُعطر.. والمعتمد ينظر من سموٍّ لصُنعه البهيج.. أخذت الأيام دورتها فسقط المُلك على يد جنود ابن تاشفين، فاقتيد وزوجته أسرى إلى المغرب، واستقروا في ذلك السجن الوضيع في قرية أغمات بالصحراء المغربية، ومما يُروى عن المعتمد في أيام سجنه حادثة "العيد" التي تُدمي الصدور المتعقلة.. حينما حضرت زوجته وبناته اللاتي امتهنّ حرفة غزل الصوف في البيوت.. لتهنئته في سجنه يوم عيد الفطر، وهنّ في ثياب رثّة وبلا أحذية، ومظهرهن ينمّ عن مدى حال يرثى لها بعد العز والترف، فأنشد مكسوراً يقول:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدة فساءك العيد في (أغمات) مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بُعيد العزّ ممتهن يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة عيونهنّ فعاد القلب موتورا
قد أُغمضت بعد أن كانت مفتّرةً أبصارهنّ حسيراتٍ مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية تشكو فراق حذاءٍ كان موفورا
قد لوّثت بيد الأقذاء واتسخت كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
لا خدّ إلا ويشكو الجَدب ظاهره وقبل كان بماء الورد مغمورا
لكنه بسيول الحزن مُخترقٌ وليس إلا مع الأنفاس ممطورا
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مُبتهجٌ فعاد فطرك للأكباد تفطيرا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً لما أمرت وكان الفعل مبرورا
من بات بعدك في ملكٍ يسرّ به أو بات يهنأ باللّذات مسرورا
ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت فإنما بات في الأحلام مغرورا
ذاق الاثنان عقب ذلك ظلف العيش وقد شرِبا قبلها كأس الحياة، وختم الموت الفصل الأخير من حكاية هذين العاشقين، فدُفنا في ضريحين متجاورين في تلك القرية التي تسمّى (أغمات)، التي زرتها هذا النهار، فوجدتُ قبري ذلك الغريبين وأنا أجول كرائح غاد، أنظر هذا الثرى الذي ظفر بأشلاء الرميكية وابن عباد.

أحمد مبارك البريكي
25-10-2014, 01:08 AM
السوريون الأعداء

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

عن دار رياض الريّس للنشر صدرت مطلع الشهر الفائت رواية "السوريون الأعداء" للروائي السوري فواز حداد، عشت في لجّتها أياما قراءة في شخوصها وحياة في أحداثها.
كتاب هو في نظري الأهم في شرح طلائع الجذور الأولى للأزمة السورية الآنية، وخاصة أن الرواية تحرر قائدها من قيود القائد الصنم الذي تصل يده إلى حاملي الفكر أينما لجؤوا إرهابا، فراحت تغرس خيوطها بعيداً في حقل النزاع الدموي الذي ساجت سيجانه سُلطة لا تعرف إلا لغة حمراء ذات اتجاه واحد، يرحل بها كل عاثر بمطب الحرية بحياته من الحياة إلى الموت، فزرعت بذرة الشقاق على أرض النعمان حركة تصحيحية ظاهرها الوحدة والحرية والاشتراكية، وقيعانها الغيظ وسيقان الحديد ومنابت القيود المتسلقة والمتمددة، يسقيها صهير القتل وفضاء الغدر وحرائق التفرد والسطو بذريعة العدالة الممكنة، فوق جماجم مقدرات أمة أدركت بأن الأمل في عرين الأسد ليس إلا خديعة، حتى غدَت أرض الشام رحلة لشتاء الخلود والموت وعودة لصيفِ عالم جديد.
تناول الكاتب ورقات كتابه فذرّ في البداية جملته التعبيرية التي لا تخلو من غيهب عميق فهمز بأن "هذا كتابي عن الضمير وتلك هي المسألة".
وبين دفّات الملحمة أتقن الـ "حداد" صُنعه، فحضرت الحكاية متوشحة رداء الألم وسراديب القهر وسرايا الموت، بينما الأقدار تتمدّد وتتقهقر حتى رسا المزاد فيها على الرقم الأصعب الذي خطف نصيب (الأسد) منها، وقتئذ تعادى السوريون وسال الاختلاف، فكان أعضل الأرقام رقم السجين (٧٧).
ففي هوج المشاهدة تاه الطبيب الراجي في ظلم الظلمات الحالكة والسجن الأليم وعقود الاختفاء التي تغير فيها كل شيء، بمجرد ظهوره وأسرته في مكان خطأ وزمان خطأ، بلا جرم ولا إدانة أو حتى تهمة ممهورة، أزهقت في سبيل أوامر القتل أرواح العائلة البريئة بزناد مهندس الموت خلف غفلة من ظهر العائل الذبيح وسط ساحة المجزرة، فيما استثنت خيوط الأقدار من المأتم القاسي روح الرضيع، الذي شبّ في كنف عمه القاضي، حتى بزغ يوم رقم آخر (١٨)، حمل معه عام الوعي، الذي بلغه حازم الرضيع/الفجيع بأسرته في مقتلة حماه، عند ذلك الصّباح الدامي من أيام شهر شباط ١٩٨٢.
و(حماه) هي (حازم) وإن بوجه مدينة، فحينما بلغ هو سن الرُشد بلغت هي كذلك في ذات السنة التي مات فيها خانقها، لتحيا قتيلة من بعده إلى أن حطّمت الرقم (٣٠) من عمرها، فأقبل معها شبح ما تبقى من الطبيب المنكود من القبو/القبر، في يوم شبيه بذلك اليوم المأساوي لتنفجر بعدها كل سورية معه عولة وغضباً وثأرا ولتوحل أقدامها في مستنقع القصاص والانتقام والدم.. والذهاب نحو المجهول.
تتوقف الرواية وهي تسير من حماه إلى درعا، عند محطات مفصليّة غاية في الدقة والأهمية من تاريخ سورية الأسدية، لتستعرضها بدءاً بالانفلات الإخواني والانقلاب الأخوي، وانتهاز العلويين المقربين واستخدامهم في حرب الرئيس الخالدة إلى الأبد، تتخللها حكايات المجازر والاعتقالات والتعذيب تحت زيف الخراب الوطني، وتعرج في فصولها الأوديسيّة على ظاهرة استشراء الرشى في الدولة، والاستحواذ على الإعلام الذي صار قطبا أوحد في بلد كثير الأقطاب، حتى فسد القضاء ونخر المتنفذون في عظام القانون، فخارت قوى الاقتصاد وهدمت دعامات المجتمع الذي أفقد الآخر ثقة الآخر.
وفي جو الرواية برزت بجلاء فلسفة القاتل ونظرته للقتل والمقتول على نحو بأن القتل هو ضرورة لابد منها، مادام هناك من يتقبله على أنه نعمة إلهية، من طرف ينظف العالم ومن طرف آخر يمنح لأنصار النعمة الإلهية مسوغات للموت السعيد، إذا هذا زمان الأوغاد منقذي العالم من الإيمان.

أحمد مبارك البريكي
30-10-2014, 09:24 PM
بريكيات(46)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

• على ساحِل الخريف.. تيّاراتُ الشتاء وطلائعُ البرد الوافِدة ومَوج، والشجرة المسكونة نزعَت رِداء الأوراق، متأهبة للغَمس في لُجّةِ انقلاب الفصول..
***

• رسَمَ لوحة، في داخلها حديقةُ أزهار وربيع.. وفنانٌ يرسمُ لوحة..!
***

• هبطت الشمس.. فَتناحرت النجوم.
***

• ابتعد كثيرا، سترى كل الأشياء صغيرة..
***

• إنسانٌ نقيّ.. لكنه أسطورة.
***

• بسوسُ ليل.. وآكلة للأكباد، أشعلت حربا في صدره بين شعوب أفكاره وقبيلة عقله.
***

• مدّ المُستفهم جسده، فالتوى كعلامة استفهام..
***

• الخزيُ.. هو عقولٌ شاسعة في مجتمع ضيّق..!
***

• إن غابت الأشياء الصغيرة.. احتَجَب الجمال.
***

• تُولد الأحداث العظيمة.. وتموت.
***

• لقاءٌ نسجته "صدفة".. هو ممتنٌ لها.. و"لها"..
***

• التواصل.. محاولة فهم.

أحمد مبارك البريكي
04-11-2014, 08:14 AM
ليلة برفقة فيلم روائي..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

جولة مع الليل.. أمسية ومسك عيد وفيلم جديد ينساب إلى ذاكرتي، فيلم وشم بـ"العطر".. ومشاهد لرواية فيلميّة تفوح منها روح الوردة.. قصة لقاتل تصوّرها ثم صوّرها الروائي "زوسكند" ليحبكها حكاية من الأدب الألماني، راحت تطوّف نجاحاً في كل ترجمة حتى غدت في متناول ما يزيد على (45) لغة عالمية.
والرواية التي كانت من منتوجات عام 1985، كان محورها حياة (جان جرونوي)، الطفل الذي وجد نفسه يتيماً في سوق سمك وسط رائحة الدم والبحر والطين، ثم يافعاً تنشئه الدنيا متقلباً بين العبودية وشخصيته الغرائبية التي تملّكتها حاسة شم استثنائية، استدركته حتى سلكت به درب الجريمة والقتل والولع الحبيس في تقفّي الشذا، فوصلت به إلى مربع أخير حيث لا حكم إلا الشيطان، ولا وجود للأعباء الإنسانية ولا الأخلاق، هكذا إذاً، وصل به الحال إلى قمة العلو إلى مسافة أبعد عن الجنس البشري، دائماً تجاه القطب المغناطيسي إلى الخلوة العظمى الممكنة، حتى قالت عنه سيّدته التي مكّنته من آلة سحق الورد: "إن المهارة الكاملة لاستخلاص العطور من الأزهار، هو أن تدع الزهور تموت ببطء، في سباتها كما كانت من قبل".
تعتبر قصة القاتل تلك أيقونة أدبية خالدة في الحقل الروائي المعاصر، ليس أقلها تصويرها الدقيق لظروف حياة شعب أوروبي هو الباريسي في فترة الملكية اللويسية في العصور المظلمة، التي تفشى فيها الفقر والجهل والجريمة، لكن بسبب نقلها لتفاصيل حرفة استخلاص العطور بعمق بعيد، وبصورة تدعو للدهشة والتعجب عبر كشفها لأسرار عوالم صناعتها، والكاتب الذي كان يشتهر بالعزلة والابتعاد عن الأضواء، حتى إنه رفض جوائز عالمية كبرى بسبب التواري والاستتار خلف رداء الشهرة، أتقن فيما يبدو تشخيصه وتحليله النفسي لأحد أبعاد النفس البشرية، عبر شخصيته البطلة (جرونوي) المنتقاة في أحداث روايته، بعد أن توحّد مع ذاته وتاه في عالمه الأوحد، حتى كانت النهاية غير المتوقعة التي قادته لا شعوريا إلى مسقط رأسه، سوق السمك القديم وسط رائحة الدم والبحر والطين، ليفرغ قارورة عطره السحري على كامل جسده، فينجذب إليه العابرون بافتراس حتى لا يبقى له أثر بعد ذلك.

أحمد مبارك البريكي
17-11-2014, 09:04 PM
بريكيات(47)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

• بصمة ترياق أبيض، ولمعان صُبحٍ هادئ، يذوب في صنو الإيقاع الناعم لانبثاق خيط النور، والمشهد يسكن الناظر لبهائه المريح.. طاولة تحمل أزهار "الليك"، وجمع غفير من مقاعد تحضر حفلة الصباح.. مظلات وبيوت وفي الأفق قوارب وشجر يحتشد.. لتظاهرة ملهمة..

***

• لم يحي حياة "العوَز".. ولم يدرك ماهية "البذخ"..!

***

• وما أغاني الأحزان، إلا نعيق (أنيق) على خراب شيء جميل..!

***

• كل ما أريد رؤيته هنا.. شتاء وأفق، وتلك الحسناء التي أجادت شوط الأفول..!

***

• أدرك الآن.. بأن للغياب حضورا قاسيا، وبأن هدوئه المفزع.. ركام صراخ، وضوضاء لرحى موقعة تدور في جوف الذاكرة.. كل متعاركيها "هي"..!

***

• قيد (الاقتداء).. أكذوبة منمّقة.

***

• مولودة من رحم البحر.. تشاكس بجمالها زوّار حدائقها..!

***

• لا يمل الشاعر من بيت القصيد..

***

• وليس كل ما يقال.. يعرف.

***

• جمالك الكثيف حجب عني كلّ.. جمال.

***

• إني أرافق كل ليلة "بيانو" ڤانيسا الجميلة التي عبرت آلاف الأميال.. لتجدني، إنها تجعل طريقي.. إلى قلب المدينة سريعاً.. متجاوزاً معها العابرين.. الذين يحدّقون.. بنا ونحن في طريقنا نشق الزحام..

***

• للحماقة فاتورة.. مكلّفة.
***

أحمد مبارك البريكي
18-11-2014, 09:12 PM
كرسيّ على بحيرة "إيرلهوف"

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

يوم الجمعة القادمة بإذنه تعالى سيمنحني تاريخ الحادي والعشرون من نوفمبر مناسبتين؛ ذكرى يوم ميلادي ويوم ميلاد كتابي الوليد في أدب الرحلات، وسأتخذ كرسيّ ليكون حفل توقيع "كرسيّ على بحيرة إيرلهوف" في جناح "دار نوفا بلس" للنشر.
ذات شتاء جلست متوشحا أفكاري على ذلك الكرسي الذي يقطن ناحية من البحيرة بالقرب من قرية "إيرلهوف" الآرية الصغيرة، التي تنتثر أكواخها القليلة كأكوام الثلج على المنحدر العسيب.. كانت دوائر الأثر المتكررة على صفحة الماء تتسع باندفاع يافع حتى تتلاشى في البُعد وتختفي.. وفي لجّة المشهد القارس وهدوئه كان هناك قطيع من الإوز يمارس الحياة بدفء رغم موسم البياض.
هو الماء إذا.. ذلك الكائن الذي نجده في كل صورة، متجلدا يشكّل قبعات الجبال.. سائلا يجري بمراكب السُفن المسافرة ليغرق صواريها في كل الآفاق.. متبخرا يصعد بعموديّته إلى الفضاء ليرسم غيمة.. وهو الحياة.
والأرض الفسيحة بمائها وهوائها ويابستها تمنحنا المسافات وحالات السفر وأجنحة (الفينيق) المحلّقة.. التي منها تنطلق الفكرة وتنبض الكلمة ويسيل حبر القلم على الأوراق، لنغزل المشاهدة حكاية تروى، يكتب الشاعر الصيني (كيو وان) في رحلته الكبرى كل تفاصيل التضاريس شعرا فينشد..
النهر الأصفر يصب في البحر الشرقي‏
والشمس تغرب في المحيط الغربي‏
فَلْتَمْضِ سريعاً دون أي انتظار‏
هذه الأنهار وهذه الأنوار التي تجري..
قال لي صائد السّمك الصينيّ الحكيم وأنا أشاكسهُ في رِزقِه البسيط: إذاً أنتَ تحيا الجنّة الآن كسائحٍ عند رصيف البحر، أما أنا فأعيشُ النار كادحاً كعاملٍ في ذات المكان، نظرتُ لعفويته البعيدة وصفاء نفسه، برغم كهولة الشقاء، فضحكت بابتسامة رضى، وأجبت: يبدو أن الفردوس دائماً هي ضفة العالم المقابلة.
وقال درويش في جواز سفر قصيدته بأنه سائح يعشق جمع الصور، ولا يُلام محمود، إنه السفر.. ذلك الكائن الحي الذي شغف القلوب قبل العقول.. حتى راحت مواكب الشعراء تتغنى بفضله وتتموسقُ بأحاديثه السعيدة، وفي التراث الإنساني عامة اقتصت حكايات الرحلة مكانا باهرا.. ساحرا في حقل الذاكرة لتترك ميراثها الوفير بين دفّات الكتب.
أنا هنا في بقعة ما من هذا الزمن.. وهناك أمير الرحّالين محمد الطنجيّ الملقب بابن بطوطة في مكان آخر من أرض التاريخ، يطوف البلدان ويكتب لنقرأ من بعده، وقبله أُهرقت محابر (ماركو بولو) على صفحات المكتبة، فجاء من بعده جيمس كوك وفاسكو ديغاما وكريستوفر كولمبس الذي كشف عن نصف الأرض المدفون.
قف.. استعد.. اعبر.. فلسفة استقطاب عموديّ تقتصد في عمقها لمحة من أديم الحياة.. وما العيش إلا إشارة ضوء.. يقاسِي جمودها الجامدون، ويطعمُ صبرها المنتظِرون.. ويقطِف ثمارها المُنطلقون، ثلاثة من الألوان.. اعتلاها "الأحمر".. لمن لا يستطيع شيئاً ولا يريد شيئاً.. وانتصفها "الأصفر" لمن لا يستطيع شيئاً لكنه يطمح لشيء.. وأدناها "الأخضر" لمن يرغب ويملك يشغفه كل شيء.
إذا، أنا هنا.. وهناك كنت، مُرتحلا أنفش أزاهير أوراقي.. أجمع شتات أفكاري، وأرسم على الورق مركب الأسفار.. أستظل وارفة الشجر.. وأهيئ الحروف لنسخ المدى، أقلّب صفحات جواز سفري.. لأضعها على كفّ قارئٍ يبحث عن أخبار الرحلة، فأريه ما قد رأيت، وأقتطع أشياء عنّي فأهديها، لعلّ الأريج العابِق يلتقي بِفكره النيّر، فتتحقق المعادلة.

أحمد مبارك البريكي
27-11-2014, 09:36 AM
سيشل جزيرة الألوان الوافرة

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

باكراً مع انتشار نبض النور عند شطر الكوكب السفلي، حطّت بي الطائرة على صفحة البحر، في إقليم جزر سيشل لؤلؤة المحيط الهندي، وأكبر حقل غرانيتيّ طبيعي فوق الماء، يقول علماء المورفولوجيا إنها نتجت من اندلاع بركان ضخم في الأزل القديم، فهبّت قوى الماء تمحو ما دوّنه الحميم.. لتصنع على الأثر قطعاً من اليابسة مغزولة بشكل جميل يقصدها مسافر ينتظره كشف الآفاق.. وأنا الآن أبدأ الرحلة في جزيرة الألوان الوافرة.
فيكتوريا أصغر عاصمة سياسية في العالم من حيث المساحة، وللعلم هي المدينة النموذجية الوحيدة فقط في سيشل، وماعداها فهي قرى مبعثرة هنا وهناك، وهي الميناء والمقر الرئيسي للبرلمان، وفيها يقع المركز الإسلامي الوحيد في جزائر شرق أفريقيا، وتقع في أكبر جزيرة (ماهي) التي تسمّت باسم الحاكم الفرنسي لموريشيوس وقت الاستعمار الفرنسي لها سنة 1756، وفيكتوريا اسم لأعظم ملكات بريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر (حكمت بين عام 1837 و1901)، وهي كذلك اسم لعواصم مستعمرات إنجليزية أخرى، منها مقاطعة هونغ كونغ الصينية، (ساعة بيغ بِن الصغيرة) التي تزيّن سنتر العاصمة وتحفّها أهداب نخيل جوز الهند والشواطئ البيضاء من كل مكان، هذا المجسم اللندني قام بتصميمه المستعمرون الإنجليز وحياً من رمز لندن التاريخي، لكنها هنا صغيرة بحجم البلد، وفي سيشل هنا لا توجد سوى إشارة ضوئية واحدة تقع في قلب العاصمة، ما جعلها معلماً سياحياً يتهافت الزائرون عليها.. وما أصعب أن تكون إشارات العبور مقصداً للبشر.
ليلة في ضيافة (ماري إنطوانيت).. وهو اسم لمطعم محلي بسيط جداً، وغير متكلّف يقدم الأكل (الكريوليّ) وهو ما يلقب به كل شعبي عند أهل سيشل، المائدة جيدة إلى حد ما، وطبق سلطة المانجو أشهر أشجار الجزيرة وأكثرها انتشاراً تحضر الطاولة، وقبلها كان صحن فيه سيقان صغيرة من الموز المطبوخ، اعتقدت للوهلة الأولى بأنها "بطاط عيدان قواطي الشهير اللي ما يصلح لأهل السانكيست إلا مع بو ديچ"، وسمك البورچوا المشوي أكثر الأسماك شعبية، كذلك التونة وتسمى هنا بأسماك (الواهو)، وتعمل مع الخضار وخليط فواكه البحر، في معترك العشاء وضعت صاحبة المطعم الفرنسية الأصل بجانبي فنجاناً من الفلفل المطحون شبيه بـ"معبوچنا اللي نعرفه".. وطلبت أن أنتبه جيداً لأنه حارق، ضحكت لها ضحكة واثق فاهم في ألاعيب الفلفل الشقي، ولأني أعرفه جيداً في بلدي وجربته آلاف المرات.. لكن ظني سرعان ما أصبح إثماً، وأدركت "بأنه من النوع اللي ما يغشمر".. وسلاح من أسلحة الدمار الشامل التي لم يستطع مجلس الأمن الدولي ولا حتى "كولن باول".. العثور عليه، ولم يحتو لهيبه كذلك صحن السويت "الكوكونتي" المثلّج في الأخير.
مع انبلاج السُحب عن محجة يوم جديد أبدأ زيارة لمنزل "الآرتست" البريطاني مايكل آدم، الذي استوطن القارة السمراء عوضاً عن أرضه الأم وذلك قبل 43 سنة، ليمارس رسوماته مأخوذاً بجمال الجزيرة الأفريقية التي وهبها حياته واستقراره وفنّه، ويقول مستر آدم: إنه زوجٌ لامرأتين جميلتين (زوجته الطبيعية وطبيعة سيشيل)، ينتصف النهار لأودّع متحف لوحات آدم، وأدلف عبر بوابة محميّة حديقة النباتات الوطنية في طرف من أطراف الجزيرة لأعيش مشاهدة لـ"ماكنتوشيّات" نباتيّة لا حصر لها من الأزهار والأشجار والثمار كـ.. شجرة الكوكونت الفارعة أو كوكو دي ماي، وهي أضخم ثمرة فاكهة على وجه البسيطة، حيث يتعدى وزنها 15 كيلوغراما، وسيقان الفانيليا وثمر جوز الطيب والقرفة وكذلك زهرة محلية مشهورة تسمى زهرة أحمر الشفاه، أو باللاتينية (Lipstick flower)، التي لاتزال تستخدمها السيدات القرويات للزينة و"الميك آب"، وتستخدم كذلك في صبغ واجهات البيوت وأرضياتها الخارجية، أجد في الأرجاء حظيرة سلحفاة آلدابرا العملاقة، وهي الحيوان الوطني في سيشل، لكونها موطنا أصلياً لها، ولهذه المُعمِّرة قدسيّة شعبيّة في البلاد تُسنّ لها القوانين الأهلية للحث على المحافظة على حياتها، لأنها من أنواع السلحفيّات المهددة بالانقراض رغم حياتها الطويلة جداً التي تصل أحياناً إلى (350) سنة عمراً.
البحر فضاء أبيض، يغمر سواحل الجزيرة بسخائه الكبير، والنهار شمعة هادئة تذوب في صيوان الإيقاع الناعم، وخيوط الشمس المرسلة تنبعث عناقيد ذهبية لترسم الحياة، و"الأزرقان" يتلامسان عند قوارب ورمال وشجر محتشد والتظاهرة ملهمة، مشهد يسكن الناظر لبهائه المريح، في"جزيرة برسلين".. كل صورة نقاء، وكل موضع أفق وكل زمن ومضة.. يدّعي أهل هذه الأرض بأن "روبنسون كروزو" الذي ابتدعه القاص الإنجليزي "دانيل ديفو" قد عاش قصته المثيرة هنا، على هذه الشطآن العريضة، وتحت تلكم الغيمات القطنيّة وعند غابات النخيل المتكاثفة بين الوادي والمحيط، إنها أرض حلم الانعزال والعيش في ظل رحمة الطبيعة السخيّ.
خليج "لازار"، وهو المكان الذي وصل إليه أول مرة المستكشف الفرنسي "لازار بيكو" سنة 1742، لتضع إمبراطورية فرنسا الاستعمارية يدها على الجزر العذراء، قبل أن تقع الجزر بعددها الـ 115 جزيرة بعد ذلك في قبضة البريطانيين، ويقع هذا الخليج في الجزء الجنوب الغربي من الجزيرة الأم "ماهي" أكبر جزر جمهورية سيشل التي لا تحدها أرض من جهة الجنوب إلا القطب المتجمد الجنوبي "انتاركتيكا".
على السواحل هنا تنتشر تكوينات صخرية لا تمل العين من مشاهدتها لغرابتها وتكوينها الطبيعي المتقن، وغالبيتها من صخور الغرانيت التي توجد بصورة كبيرة وهي صخور نارية المنشأ، نتجت عن تبرّد صهير الماجما البركانية التي انفجرت في المحيط خلال أزمنة جيولوجية سحيقة.. وبالقرب من المكان يقع شاطئ القناديل، أو قناديل البحر وفي أعماقه جنان لا توصف من عالم الشعاب المرجانية، والأسماك ذات الألوان الخلابة.. وأنا أجول ممتطياً "البايسكل".. عند شارع مجاور للبحر وقفت إلى بائع الفاكهة الاستوائية الذي يعرض بضاعته للمارّين، غنمت من عربته الريفيّة تجربة لذيذة فكانت البابايا والمانجا وجوز الهند، وليمة رائعة لنهار سعيد.

أحمد مبارك البريكي
02-12-2014, 12:59 AM
كان أزرق من خيال.. فهوى

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

الساحة ملعب الملك فهد، يوم حالك.. وعُمان آخر سلطنة.. ولاعبو "الأزيرق" تاهوا في المسطح العشيب، والأحمر أكل الأخضر و"الأزرق" اليابس، والحصيلة خمسة أهداف تاريخية، أدخلت الكويت ضمن لائحة الهزائم القياسية في سجل بطولات كأس الخليج، كأقسى خسارة يُمنى بها المنتخب على مر تاريخه.
جاسم.. فتحي.. الحوطي.. بلوشي.. الدخيل.. العنبري.. وليد.. محبوب.. نعيم.. الطرابلسي.. جمال.. حمد.. معيوف.. فليطح.. الغانم.. سويد.. الحشاش.. مؤيد.. بهمن.. كرم.. نجوم لامعة شكّل عقدها منتخباً ذهبياً لا ينسى، هو الفريق الذي حمل الراية الوطنية بأمانة وإخلاص، ليصول ويجول ويعتلي القمم، ولينجز في بضع سنين ما لم ينجزه أي منتخب خليجي آسيوي على الإطلاق، بداية من حصد كأس آسيا كأول فريق عربي ينال هذه المنصة العالية، ثم التأهل بعدها إلى نهائيات الألعاب الأولمبية في موسكو في ذات السنة عابراً موقعة بغداد الشهيرة، قبل أن يسجل في المرمى الأولمبي انتصاراً لافتاً بتخطيه إلى دور الثمانية، ويخرج بشرف على يد الدب السوفييتي الذي جرحه الأزرق بهدف مُرعب، وبعدها بعام حاز المنتخب كأس بطولة العالم العسكرية في الدوحة، بعد أن تجاوز عمالقة الكرة فرنسا وتركيا وبلجيكا وغيرهم.. ليعلو الصوت صادحاً: "واروهم.. الكرة واروهم".. ولِيمدد فتحي جسده لكرة جاسم العرضية فيتناولها برأسه منهيها في شباك الكرة القطرية "قول".. وليظفر بعدها بجيل شاب استطاع أن يحصد كأس الخليج في عشر مناسبات متفرقة، منها الموقعة التي أرغمت طاغية البعث على سحب فريقه هرباً من منازلة وشيكة عام 1982 بأبوظبي، التي خشي أن يخسرها بشرف، بعدها سجّلت الكويت بهذا الجيل الماسي الجميل الإنجاز الأكبر بتأهلها لنهائيات كأس العالم بإسبانيا على رأس القارة الآسيوية، وهو الفريق الآسيوي الوحيد الذي استطاع الصعود بين كبار العالم في تلك النهائيات، بعد أن قفل كل فريق عائداً لبلده والكويت في مطار مدريد الدولي، يومها اغتاظ رئيس الاتحاد الصيني لكرة القدم الذي صرّح مندهشاً: كيف لبلد لا يتعدى سكانه تعداد شارع من شوارع بكين، أن يتفوّق على بلد الألف مليون صيني ويهدم سوره العظيم؟!
مشهد أخير..
حينما ارتقى جاسم لكرة حرّة أرسلها من على بعد الكابتن الكبير سعد الحوطي ليسقطها المرعب برأسه في مكان بينيّ لم تستطعه يد الحارس الكوري، ولكن قنصته بلكزتها الخارقة قدم الساحر ناصر الغانم، الذي سافرَت معه الكرة راغبة إلى سقف السماء، لتهز الشبكة العلوية للهدف الكوري معلنة على "مايك" الحربان بأن كوريا تروح كوريا.. والكويت تروح إسبانيا خلاص، كان ذلك البون منتخباً شجاعاً لا يعرف الهوان، وكان رجال الساحة الخضراء رجالاً، وكانت كل آسيا الصفراء تنحني بإعجاب للفانيلة الزرقاء التي لم يدنسها يوما كَدر السياسة ولا أدران المصلحة.. حتى تبدّت ذكرى فرحة العمالقة المعبّرة عن مجدٍ أطفأه لعب الصغار.

أحمد مبارك البريكي
09-12-2014, 04:54 PM
بريكيات (48)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

• قزمٌ يرتقي على كتف كبير، يطاول التلال ويمشي في السُحب ويسبق العاصفة.. يقف علواً لا يستطيع الوصول إليه بلا (كتف)..!
***

• لم أدرك يوما زيفَ نورانيّة أطواق آثامكِ، ولم أكن أجني من تنزيه توبتكِ الفاجرة.. سوى جفاف الكبرياء..!
***

• تكون المساءات وضّاءة.. برفقة من يجيدون نسج الفرح..!
***

• في فُرن الغزو الحضاري، صارت هواية الشعوب حرق الهوية..!
***

• المجتمع الخاطئ.. يُعلّم الخطأ بطريقة خاطئة..!
***

• يقول فولتير: احكم على الشخص من أسئلته لا من أجوبته..!
***

• وما نحن إلا دماء تُنفخ فيها قُدسية الأرواح..!
***

• تعلمتُ.. بأنّ الأحصنة الجامحة لا تدوم لها قوة، وبأن الاندفاع الشديد ينتهي عند أقرب محطة قَطع، لكن النفس الطويل وإن كان خجولا لا يقوّضه كساد..!
***

• للأبجديّة ماضِ.. وأشكالٌ وصور، وورقة تستعد..!
***

• امرأةٌ براغماتية قاسية الألفة، تحسب الحُب بِدقّة تاجر.. مواعيدها الغياب وحضورها مقرونٌ بآلة العَد..!
***

• عندما تهبّ الرياح ينقسم الناس إلى قسمين؛ قسمٌ يختبئ في الأقبية وقسمٌ ينصب الطواحين. -مثل صينيّ
***

• لوحةٌ بيزنطيّة، تدعوني لمجادلة..!
***

• تعب القلب الذي كان محطة يقصدها (البكاؤون).. قطَع تذكرته هو الآخر وسافر باحثا عن محطة بكاء..!
***

• في كلّ أرض.. ازرع عيناً وذاكرة جديدة..!

أحمد مبارك البريكي
17-12-2014, 04:01 PM
وتلك الأيام..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

عام 1918 ليس عاماً عادياً على الإطلاق، هو تاريخ استثنائي له وجه الانهيار والنهايات الجماعية، وتغيير الملامح الجيوبوليتيكية للأرض بشكل مطلق.
ففي ذلك الوقت كانت الحرب الأولى ترسو مزادها على جُملة القتل في الساعة الحادية عشرة صباحا، من اليوم الحادي عشر في الشهر الحادي عشر من ذات العام، وتضع أوزارها بعد سقوط آخر ضحاياها الجندي الكندي الذي زُفّ إلى الحتف قبيل الوقت الفعلي لإيقاف الحرب بدقائق قليلة، وليُسدل الستار بذلك على مأساة عظيمة قدحها مزارع صربيّ أهوج في قلب سراييڤو، لتتدافع بعدها حطب الجيوش والشعوب في أتونٍ طاحنة، انجلى دخانها عن مغيب شمس أبدية لأربع إمبراطوريات، وزوال مجد سلسلة من أباطرة سيطروا على العروش لقرون طويلة.
فكانت نهاية الخلافة العثمانية في أوراسيا وأفريقيا، وتبدّد ممتلكاتها المنبسطة شرقاً وغرباً، وانقطاع الامتداد الإرثي والتاريخي للحضارة الإسلامية التي لم ينفصم عقدها منذ انبلاج الفجر في بعثة المصطفى عليه السلام، حتى مرضَ رجل أوروبا ومات إثر هزيمة، فكانت النتيجة تشريح الجثة بمشرط سايكس وبيكو.
آل رومانوف قياصرة روسيا لم يكونوا أسعد حظا من غريمهم "المجيدي"، فقد حلّ في تلك العائلة كارثة الاجتثاث الكلّي في ليلة لينينيّة ذات منجلٍ وفأس، وفي غياهب الصقيع الأبيض وجيش سيبيريا الأحمر، وكذا كان حال الإمبراطورية النمساوية المجرية التي وُجدت على الموعد مع الزوال، وهي التي من على جثة قربانها العظيم كانت هشيماً لنار المعركة التي ختمت فصولها على تشظًّ لتلك المملكة، التي تفرّقت إلى أربع عشرة دولة قامت على أنقاضها المعدومة.
وفي النهاية كانت امبراطورية فيلهلم الألمانية، التي جَذرها الحديدي بسمارك ليَهب حكمها للرايخ الثاني الذي قبع على عرش الاتحاد مئة عام، حتى سقطت في هاوية الحرب العالمية الأولى، وقام على أشلائها نظام الجمهورية لفايمر، ليمهّد الطريق لهتلر ورايخه الثالث حتى ينقس جرس الانتقام ويدمّر العالم من جديد.. إنها دُوَل الأيام التي تلدُ دولاً وتبيد دوَلا.

أحمد مبارك البريكي
24-12-2014, 12:51 AM
من خواطر الكانون..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

عادت نفحات جليد ديسمبر من جديد، وعادت مساءات الكستناء ونزهة السينما السانحة التي أقضيها بعزلة عن عالمي الواقعي، وخارج مجالي هناك ليل ونجوم وبرد، وأنا أكمل السهرة مع فيلم "أوركستراليّ" يتّسم بطابع الغرب الأميركي وفتيان البقر، للممثل الأكاديمي تومي لي جونز، والممثلة الأوسكاريّة هيلاري سوانك، اللذان أخذاني من مشهد الشتاء إلى دفء القصة الجميلة، عبر دراما تاريخية حدثت في منتصف القرن الثامن عشر بمقاطعة نبراسكا، لشابة صارمة عنيدة وشديدة البأس في التعامل الحياتيّ مع الآخرين، لكنها تملك روحاً شفافة لدرجة عزف "الميلوديان" أو البيانو، وتحلم بمملكة أُسرة وأطفال من نسلها، وحقول ذرة وقطيع.. اسمها "كودي" تضطرها الظروف إلى التصدي بشجاعة لمهمة إنسانية بنقل ثلاث نساء يعانين من أزمات عقليّة، عبر البلاد والبراري العريضة والأخطار الأكيدة من قرية حدودية معزولة إلى مصحّة كنسيّة في ولاية ايوا، وفي الطريق الطويل تنقذ حياة أحد الخارجين على القانون، فتغامر بالرهان على نبله وصدقه، لتعتق رقبته من حبل الموت، وترغمه على لفّ حبل سداد المعروف، آملة بأن يعينها في مهمتها تلك، ومع الوقت نسج الترحال الطويل بين الشتيتين علاقة ورابطة قوية ربما تُدعى "حراك العاطفة".

*****

جرس التمنيّات.. عُلّق في مدخل بإطار من الزهور عند سفح الربوة الثريّة بطيف المروج، كتب أحدهم على حافته: هذا صندوق جواهر وناقوس سعادة، وله حكاية جميلة فهو عطاء من عطاء.. كانت سفينة التدريب النرويجية التي بنيت عام 1909.. كهدية من ملك بروسيا فريدرك إلى زوجته صوفيا شارلوت دوقة أولدنبيرغ، إحدى ولايات ألمانيا التي حكمها الإسكندناڤ، تحمل على سطحها هذا الجرس ليكون شاهدا على مشاركة السفينة في نقل جرحى الحربين العالميتين كمساعدة إنسانية، ولتعبر البحار فيما بعد حاملة على ظهرها رغبات السلام وقرع رنين الأمل، فتعبر مضيق بنما وتسبر البحار محيطة بدائرية القارات، لترسو في الأخير على ساحل غدينيا لوحة للمشاهدة والتأمل في متحف السفن القديمة، ثم لتعطي ناقوسها إلى جزيرة آسيوية في أدنى الأرض كإيماءةٍ للرجاء..

*****

هناك لحظة فارقة لا ندركها، يتركنا الزمن بعدها في متاهة الفقد، كتلك الغفلة التي يترك فيها طفل لعبته ومربع طفولته، ليركب قطار الرحيل المستمر إلى تصاعد السنين، أو تلكم البرهة التي توادع فيها عاشقان في قمة سفح لهفة ليختما الحكاية، أو ربما هي العابرة التي لا يلقي صديقان لها بالا فلا يلتقيان بعدها، وقد كانا يظنّان مع كثرة السنين بأن لا فراق.. ربما كانت هذه الفاصلة الوامضة والهفوة القصيرة هي أعظم محرّك يعتمل فيه مكوك الذاكرة..

أحمد مبارك البريكي
01-01-2015, 04:23 PM
في رحاب النور.. و عروس البحر

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

كل هذا الطُهر.. كل هذا الزحام، وهذا الخِضم، وهذا الأديم، أشتاق أن أسمو إليكَ ربّي.. وتُهمي إليّ نوراً، فأنشدكَ يا قدوس وأبتهل.
كان يراودني حلم منذ زمن، بأن أرتقي هذه البقعة الشريفة التي اتخذها محمد، صلى الله عليه وسلم، مكان عزلة، يعتكف فيها كل عام قبل البعثة، لتكون فسحة تأمل له في ملكوت الله وآياته، ومتفكراً وباحثاً عن الحق. وها أنذا ألامس الأمنية، وأصعد بعد ظهرية يوم نُسُك هذا الطود الشامخ، لأبلغ منصة البريق.
نفخ الله كلمة "اقرأ" في ليلة خلوة على النبي الكريم، ليهبط بها القرآن من السماء إلى الأرض، ولتكون أول الكلم من الوحي العظيم، فكان المكان حراء، والزمان بداية الدعوة والنذر، وغار حراء فجوة في جبل النور انبثق منه السنا ليُغرق الدنيا ضياءً.
ويقع هذا الكهف، الذي يعتلي جبل الإسلام أو النور، في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد الحرام، وعلى ارتفاع ما يربو على 650 متراً.. وقد لاحظت أن المسير صعوداً إلى السفح فيه مشقة، والطريق غير معبَّد بشكل جيد، ولكن بطريقة بدائية جداً على أيدي متطوعين من أقطار آسيوية يستعطون صدقات الصاعدين.. لكن رغم كل ذلك، فإن الهدف الجليل في الأخير يمحو كل تعب.
قبل الإياب إلى الديار.. اِلتقاطة نفَس في عروس البحر الأحمر، جدة، وفي وسط جدة البلد، أو جدة التاريخية، كانت تمشية آخر النهار، وهي مدينة أثرية تعود جذورها إلى عهود ما قبل الإسلام، حتى عبرتها النهضة الراشدة في عصر الخليفة عثمان بن عفان، الذي اِتخذها كأول ميناء إسلامي، وذلك في السنة الهجرية السادسة والعشرين - 647م، وقد أُدرج هذا الحي القديم في هذا العام ضمن لواء منظمة يونسكو كموقع تراث عالمي، وبين الزنقات المكسوة ببلكونات الشبابيك الخشبية والأبواب العتيقة والدكاكين والمحال الشعبية، وجدت متجراً صغيراً يبيع اللباس التقليدي لأهل جدة، فابتعت منه "العِمَّة" الحجازية المشهورة، ذات الألوان الزاهية، والتي يعتمرها عادة الرجال في المناسبات الدينية والأعياد، وفي ركن من الشارع جلس ثلة من أهل الكرم على دكّة، دعوني إلى مجلسهم، فكان قدح الشاي الحجازي اللطيف، وكانت خاتمة جميلة لعبق نهار جميل.
نافورة جدَة التي تأخذ طرفاً من كورنيش الحمراء بالقرب من المرفأ، والتي أمر ببنائها الملك فهد، بعد أن فُتنَ برذاذ نافورة جنيف السويسرية هناك على ضفاف الألب، لينقل فكرتها عند غروب الشاطئ السعودي، قنصتُ لها وقتاً للزيارة عند وداع الشمس والصورة السماويّة تلوّن سقف البحر الأحمر.

أحمد مبارك البريكي
08-01-2015, 08:35 AM
في وداع سنة..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

يقول إبراهام لينكولن: "..وفي نهاية المطاف لا يهم عدد السنوات التي عشتها في حياتك.. بل الأهم هي حياتك التي عشتها في تلك السنوات".
كانت ليلة.. في ضيافة الشاشة الكبيرة كان بطلها "سانتا كلوز" معشوق الصغار.. وصغاري، لتخطر في سقفنا قطيع غزلان الرنّة الطائرة في السماء، تجرُّ العربة الصاعدة التي يمتطي دفّتها الأشيب "نويل" ذو القفطان المخملي الأحمر وغطاء الصوف المخروطي والفرو الأبيض، وسط ضوء الذرور السحري للشّفَق، وجرس القطب الذهبي وقمر مستدير، حاملاً على ظهره تلك الحاوية القانية الهائلة المليئة بالهدايا والأمنيات، معيداً مشهد "راعي الخام" الأوليّ في سكيك الكويت، مذيعاً بزوغ الميلاد وموسم الثلج.. وفرحة ديسمبر آخر عنقود الأحلام.
وتصعد بنا الليالي مهرولة إلى قمة السنة، وعند أقصى الشمال يبدأ الجنوب، ويولد عام، وعند نهاية الشوط الأخير.. تُضيء سماء الليل بألعاب النار وتنطلق الصافرة.. ويصفق الجمع الحشيد.. فيُقطَع شريط الختام.. وترخي الشهور جفونها بانتظار دورة ثانية.. ونحن ننهض بعد لَهث السباق الطويل، لنواصل العدو الجديد، عند (صفرٍ) آخر.. ويبدأ عدّاد السنة.
وها نحن نقاوم سرعة امتداد الزمن الهائلة إلى الأمام، نحاول أن نُبقي على ثبات أوقاتنا أطول قدر، لكن هذه اللحظة الصغيرة العنيدة، تطوي آفاق الأشياء بعجلةٍ لا نقدرها، تسير بنا إلى صمت الساعات التي زرعناها قافية ومحابر وصوراً متحركة وقياثير.. حتى يمضي كل شيء، وهذه سنة جديدة أخرى تنزع عنها ثوب الحياة لتستقر في رتل السنين تلبس الثوب لِسنة جديدة قابلة والعمر عدّاد يكثر.
فَوداعاً (2014).. قد كنت عاماً للابتسامة والدمعة والأمنيات المنتظرة.

أحمد مبارك البريكي
14-01-2015, 07:49 AM
بريكيات (49)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

• وجوه الغرباء.. صارخة..!

• من يملك القوة.. لا يكون "معارضا"..!

• تهبط الشمس.. فتتناحر النجوم..!

• سِراجان يتيمان، في جولة الليل.. ومدفأة تنفخ في كفوف البرد، وخيوط للفراق بدأت تُحاك تحت مطرف الشتاء..!

• ابتعد كثيرا.. ستبدو كل الأشياء صغيرة..!

• كانا قريبين لأبعد حدود الاِقتران، وفصلتهما مسافة..!

• ثمن الموت.. حياة..!

• أدمةٌ.. أدمتها سياط الشمس.. تفطرت حنينا في غياب المطر..!

• إن كثر العمالقة.. فأنت قزم..!

• (الموهوبون).. إيقاع جماعي على رصيف مجد..!

• كان المكان شجرةً عارية، وكان الزمان خريفا أجرد.. وكانا عاشقين..!

• تبرٌ أسود، حنقٌ أسود.. (معادلة)..!

• وتينٌ ينزف طوفان الحروف، والكلمات جفاف..!

• لكل منا حياة خاصة صغيرة.. هي مساحته الكبيرة للعيش بلا آخرين..!

• قال كُليب في يوم غدر: دون (عليان) خرط القتاد..!

أحمد مبارك البريكي
21-01-2015, 10:40 PM
رثائيات..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

«أكره غيابك وأنت تدري اذا غبت
أشتاق لك شوق الكويتي لـ(جابر)»
«صدق الشاعر ورحم اللـه جابر». مرت على الكويت الذكرى التاسعة لرحيل أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح طيب اللـه ثراه، والذي اعتلى حبا عرش قلوب أهل الكويت فصار رمزا وضميرا لهم. أتذكر جيدا يوم عودته من رحلة العلاج في يوم من أيام الشتاء، فاحتشد وقتها الشعب بكل أطيافه مصطحبين صغارهم على أرصفة الطرقات الممتدة الى قصر دسمان لتحيته ولفرحتهم بعودته رغم البرد القارس، فقال يومها بأبويته العفوية: «أنا بالي ويا الأطفال عسى ما يمرضون من البرد».. الكاتب الصحافي الأستاذ مأمون فندي كتب يوم رحيله مقالة معلم في رثاء الشيخ جابر وعنونها (رحيل رجل غير معنى الدولة)، تحدث فيها عن إسهامات ذلك الجبل الشامخ، وقلبه المملوء بحب الكويت في تغيير وجهها السياسي والاعلامي والاقتصادي، لتتحول من دولة صغيرة على الهامش الى بلد يناطح الغلاف الجوي للأرض، وقال مأمون في مقاله المنشور عن غزو صدام للكويت: «ظن صدام حسين أنه سيطر على الكويت حين سيطر على أرضها ورمالها، لكن الكويت في عهد الشيخ جابر أصبحت مجموعة من «كلمات السر» في الحاسبات الآلية في عالم المال، الكويت في عهده لم تعد هي الأرض فقط، أصبحت الدولة أكبر من الأرض، فرغم أهمية الأرض، الا أن دولة الكويت تحولت الى شيء أشبه بالطائرة، أقلعت عن الأرض وحلقت في الفضاء لمدة سبعة شهور، ثم عادت بعد التحرير سالمة، وعاد الشيخ جابر أميرا لها، وجود الكويت، ككيان دولي وعالمي، لم يعد فقط مرتبطا بالأرض، وانما تخطت كدولة الحدود الجيو سياسية الى حدود مالية واعلامية، تمددت الدولة وخلقت أمنها خارج حدودها، هذا ما جعل الكويت محل اهتمام الدول العظمى التي حركت جيوشها من أجل تحريرها، سياسة الشيخ جابر كانت أساسية في إنقاذ الكويت، كانت هي التي هزمت عقلية صدام التقليدية التي ترى أن السيطرة على الأرض تعني السيطرة على الاقتصاد، وعلى الحكم، وعلى الشرعية، احتلال 90 وكذلك تحرير الكويت، أثبتا تفوق عقلية الشيخ جابر على عقلية صدام القادمة من عالم غزو الأراضي»..
واليوم ونحن في العام 2015 ميلادي، يرى الشعب الكويتي الذي جبل على حب حكامه الأحياء منهم والأموات، كيف تعبث حكومتنا باسم (جابر)، وتجرح مشاعر الكويتيين بلا مبالاة ولا شعور، جسر جابر ظل طي أدراج الاهمال، وكل يوم هو في مناقصة ومزايدة وشأن، مستشفى «جابر» سوته الحكومة الموقرة حفرة في الأرض وأدارت ظهرها عن تلكم الحفرة، بنك جابر كان صرحا فهوى، مطار جابر طار قبل أن يبنى.واستاد جابر الرياضي انتهى بهذا الكم التراشقي البغيض الذي هوى برياضتنا الى السحق، فلم يعد مكانا صالحا للعبة كرة القدم فتحول الى ميدان معركة للعبة كرة السياسة.
***
رحلت آمنة «الكروان».. والأستاذة فاطمة. وضمير أبلة حكمت، رحلت من تغنت على هاتف السماعة.. «ألو ألو احنا هنا ونجحنا أهو في المدرسة.. بارك لنا وهات لنا وياك هدية كويسة، ألو ألو ألو إحنا هنا».. وبنت الناس ذات وجه القمر. رحلت من اكتست معها أيامنا الحلوة رداء حكاية العمر كله.. انطفأت شمس نوال فتاة القطار وقاضية الغرام التي وقعت في حبال «حلو وكداب».. صدفة. رحلت فاتن.

أحمد مبارك البريكي
29-01-2015, 10:46 AM
سياحة في صروح كويتية..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

شاشة وصور وذكريات وفيلم تَعنون بـ"نبني وإياهم جسورا من المحبة".. يرمز للصداقة الكويتية الأميركية منذ القِدم، وأوقاتي أقضيها متنقلاً بين غرف وممرات البناء الذي عرفه الكويتيون فيما قبل باسم "الأمريكاني"، وهو أول بناء يُبنى من الإسمنت المسلح بالحديد خلف سور الكويت الثاني، كذلك يُعد أول مشفى في الكويت، أنشأته الإرسالية الأميركية التبشيرية سنة 1912، ويملك مكانةً ومكاناً متميزا منذ قرن وقليل، بالقرب من كنيسة الوطيَة، وعلى مد بصر بسيط من قصر السيف عند خليج الكويت، واستمر العمل التطبيبي فيه من ذاك الوقت حتى تسلمت وزارة الصحة مهام الرعاية الصحية في الكويت بعد الاستقلال، ليغلق أبوابه بشكل نهائي سنة 1967.
في إحدى القاعات المزدانة بنوادر التصاوير، التقطتُ صورة مع صورة أول طبيبة نسائية مارسَت مهمتها النبيلة في الخليج، وهي الدكتورة "اليانور كالفرلي".. وعرفها الكويتيون باسم "خاتون حليمة"، وعند تسلم أول مهمة لها جاءتها جارية سوداء مصابة بقرح في ركبتها تقصد العلاج. فسألتها عن اسمها واسم والدها لتسجيله في سجل الدخول الجديد كأول سيدة يتم علاجها بشكل رسمي فأجابت المرأة بان اسمها "مبروكة"، ولا تعرف اسم والدها، لأنها كما قالت اختطفت من سواحل أفريقيا وهي طفلة وأحضرت إلى الكويت، (كان ذلك أمراً معتاداً آنذاك نظراً لغياب القانون الناهي عن العبودية وتصدير البشر).
وقد كانت الدكتورة اليانور محبوبة جداً في أوساط المجتمع الكويتي، ولها قبول وشهرة لإخلاصها في عملها الإنساني، أنجبت خلال حياتها ثلاث بنات أطلقت عليهن أسماء كويتية خالصة (قماشة، نعيمة ونورة).. والابنة الأخيرة زارت الكويت سنة 1985 بعد أن غادرتها قبل ذلك بخمسة عقود مع والدتها، وكانت في الرابعة عشرة من العمر، وأجرى التلفزيون الكويتي يومها لقاء معها (موجود في اليوتيوب)، اليوم قام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب برعاية هذا الصرح المهم في تاريخ الكويت، عاملاً على تحويله إلى مركز ومنارة للفن والثقافة والتراث.
ليس ببعيد عن المستشفى الأمريكاني يقع باتجاه الشرق في منطقة شرق متحف الفن الحديث، الذي تم افتتاحه عام 2003 ليكون شاهدا على أعمال كويتية مبدعة، ومن مشاهداتي في باطِن المتحف الفني الجميل، لوحة للفنان الكويتي عبدالله القصّار، رسمها أثناء دراسته في مصر عام 1970، وتُمثل مشروعاً عن القَمح في الأقصر، وهي معلقة زيتية عريضة تستحق الاهتمام، وفي قاعة مفتوحة على "حوش" البيت التراثي كان البشت الكويتي الأنيق المعلّق على الكرسي الأعرج، وهي تشكيلة سوريالية غائمة الرمزية، أظن أن لها دلالة عن وجاهة اجتماعية زائفة، ومنحوتة برونزية لاستراحة "الكويتي الفاضي"، أبدعها النحات الكويتي خزعل القفاص سنة 1979، وهي مطبوخة فنية تقليدية تُظهر جمال الزي الكويتي الذي تستّرت أصالته مع هجوم جيل الحاضر، ليتحول إلى صورة ظليّة وماضِ، وفي نهاية الجولة كانت خزفية "الهبّان".. أو "الصميل".. للفنان عيسى صقر، وهو عمل ذو علامة مزدوجة للامتداد الإرثي في المجتمع الكويتي بشقيه البدوي والحضري.

عبدالله الشدقم
26-02-2015, 07:25 AM
ججججججججججج

مهند علي العازمي
12-03-2015, 12:27 PM
وادي من الكلمات الجميلة

أحمد مبارك البريكي
06-05-2015, 02:45 PM
قَبو وينستون..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

أدّعي بأنني من المبهورين بأخبار بطل الحرب والسلم البريطاني الزعيم وينستون تشرشل، الذي يلقبه شعبه بـ الأسد العجوز، واختاره الإنجليز عبر استطلاع أجري في مطلع الألفينيات كأعظم بريطاني على مرّ العصور، ليس لأن دولاً عديدة في وقتنا الحاضر تعتبره محارباً قومياً له فضل كبير في استمراريتها وبقائها على قيد كبريات الأمم كـ فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا، لتغدو صورته وسيرته تتسيّدان كل ميدان، ولا أدلّ على ذلك من نُصُب البرونز الذي يأخذ مكانه الأغر قبالة "بيغ بين"، والمنحوت الحجري عند ملتقى الكونكورد بالشامبزإليزيه، وكذا في عاصمة الدنيا واشنطن دي سي هناك له رسمٌ وتمثال.
لكن أيضاً هو يمتلك وجهاً آخر لا يعرفه الكثير من الناس، ولم يجهدوا أنفسهم لينبشوه، فتشرشل الذي صادفت قبل أيام ذكرى وفاته الخمسين، هو أديب من طراز رفيع له إسهاماته المرموقة في حقول الأدب والتاريخ، التي أوصلته لأعلى جائزة منصة نوبل الاستكهولميّة عام 1953، وهو خبير في مجال العلوم العسكرية وفنان.. وخطيب ماكر ساهم في صمود شعبه ضد النيران الألمانية، فكان أول من رفع شارة النصر "ڤي".. لتُتخذ من بعده سُنّة وعلامة لعدم الاستسلام، وكان أخطبوطاً دبلوماسياً وصلت ذراعيه لتصافحا ستالين الشرق وروزفلت الغرب في آن، لينشئ تحالفاً هدم كل أحلام هتلر.
قصدت صبيحة يوم لندنيّ غرف الحرب الخاصة به، وهو متحف تحت رعاية ملكيّة يطل مباشرة على حدائق سانت جيمس في قلب مدينة الضباب، التي يتخذ قصر حكم إليزابيث (باكنغهام) مكانه بين بحيراتها وأشجارها، وهي الغُرف التي من على مكاتبها وبين ممراتها وقاعاتها أدار رئيس وزراء بريطانيا العظمى رحى الحرب العالمية الثانية.. حتى توقفت بتغيّر كبير في خارطة دول الأطلس، اقتربت جداً من تفاصيل القبو السري ورحت اطّلع على كيفية إدارته للمعركة التي غيرت وجه الكون، وبين دهاليز المتحف السفليّة وجدت قبعته الشهيرة فاعتمرتها، وبذلته السوداء المعروفة وساعته المعلقة على الدوام في صدره، وقلمه وأوراقا رسمية حملت إمضاء حبره، حتى علبة أعواد الثقاب التي كان يشعل بها سيجارته ليتفكّر في إشعال ميادين حرب ينتصر فيها، وكذا الصور المعلّقة والكثير من الأشياء الأخرى المحفوظة بعناية لتخليد كل ما يمسّ ذكراه.
أما كلماته التي تتّسم بالعمق والاختزال فقد اتّكأت مكتوبة على جدران المعابر في باطن الأرض، اقتبست بعضا منها لأدرجها في مسك الحديث:
-إن الإجابة الوحيدة على الهزيمة هي الانتصار.
-الذكي من لا يرتكب كل الأخطاء بنفسه، بل يترك الفرصة لغيره.
-لو بدأنا معركة بين الماضي والحاضر فسوف نجد أننا خسرنا المستقبل.
-المسؤولية ثمن العظمة.
-سنظهر الرحمة، ولكننا لن نطلبها.

أحمد مبارك البريكي
11-05-2015, 09:47 AM
تسكّع في يوم لندنيّ..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

متجرُ الأنتيك والعملات القديمة، وجدته مصادفة في سبيلي بلا تخطيط مني، فاغتنمت الصدفة لأضرب ميعاداً مع هوايتي الصغيرة المتجددة، ولأنغمس برهة في سَبر عالم الأثريات السِحري، وتاريخ النقود وأوراق البنكنوت والإصدارات البنكيّة الخاصة، وسبائك النحاس ونوادر القطع النقدية وأوسمة البرونز والتذكارات الفضية.
إن هذه المشغولات التي تشغلني والتي حَفرتها أيدي البشر ليكون لها ذرور مدهش وعابِق، هي في الأصل تركةٌ موشومة على جسدِ الزمن المعدنيّ، يُخلّد حدثاً أو حقبة زمنية معينة أو ميراثاً لأمة بادَت وبَقيت هذه المنحوتة تحكي بقاياها، ساعة من يوم آذاريّ تسرّب مني بجماله قضيته مستمتعاً في دفء متجر الأنتيك والعملات القديمة.
على بعد حجر.. كان المتحف البريطاني؛ بنكُ التاريخ.. هذا ما استشفيته وأنا في بلومزبيري تحت قبة البلور الواسعة التي تكوّن سماء فضيّة فوق بلاط الرُخام المصقول، وفي الغرف الفسيحة وجدتُ كلّ أسطورة مسطورة، وكل إرث دالٍ على أثر بشر، ولاسيما أنّ أهم كشف إنسانيّ يوجد هنا في واجهة القاعة الرئيسية للمتحف الثري، الذي فُتحت أبوابه للناس بلا رسم دخول منذ عام 1759، وهو "حجر رشيد".. أو Rosetta stone.
هذه الصخرة لها قيمتها الضخمة، فقد نُقش عليها سر حضاري من أسرار اللغات المنعدمة، مثل الهيروغليفية والأبجدية المصرية القديمة، فكانت مفتاحاً فكّ لغز حضارات مندثرة كالإغريقية والفرعونية، فَكشف رموزها التي استعصت عن الفك قروناً طويلة، وقد عُثر عليه في منطقة رشيد أسفل دلتا النيل من قبل ضابط فرنسي من ضباط حملة نابليون سنة 1799، قبل أن يستولي عليه الإنجليز عقب انتصارهم في معركة أبوقير البحرية على الجيش النابليوني، فغنموه كنزا حجريا ليركزوه وسط حافظة زجاجية في هذا المكان المرموق في قلب المتحف المهم، الذي يفوق عدد زائريه سبعة ملايين سنوياً.

أحمد مبارك البريكي
19-05-2015, 01:49 PM
مزارات لندنيّة..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

على مسافة بسيطة من حدائق ريجنت الملكية يقع المركز الثقافي الإسلامي، الذي يضم بداخله المسجد الرئيسي، وقبلة المسلمين في المملكة المتحدة جامع لندن الذي أُنشئ سنة 1977، بواسطة المهندس المعماري الإنجليزي فردريك إرنيست، وبتكلفة وصلت لـسبعة ملايين جنيه إسترليني، والمسجد بقبته الذهبية البارزة وتصميمه الفريد يعتبر من أكبر مساجد أوروبا وأعلاها كلفة، وللمركز الثقافي في بريطانيا تاريخه البعيد الذي يعود لما قبل منتصف القرن الماضي، حين تبرع بأرضه الملك جورج السادس والد الملكة الحالية إليزابيث الثانية في نهايات فترة الحرب العالمية الثانية للمسلمين في إنجلترا، وذلك عبر اتفاق تقاربي لتبادل الشأن الديني بين الملك البريطاني والملك المصري فاروق الأول، الذي قام هو الآخر بإنشاء الكاتدرائية الإنجليكانية في القاهرة.
خَطفت قدماً في يوم جمعة لزيارة الصرح الصادح في كل صلاة موقوتة بعبارة التوحيد "الله أكبر. الله أكبر".. وجُلت بعد الصلاة في مكتبته المكتنزة بالكتب وأمهاتها وطاولات القراءة، وشهدت الإقبال الكبير للجاليات المسلمة في عمران هذا المكان الذي ينتمي إليهم روحاً وعقيدة.. وفي باحته الكبيرة كانت تقام الأنشطة الاجتماعية والدعَوية والخُطب، واستضافة المرشدين الدينيين الزائرين كل حين، وعلمت بأن هناك جناحاً خاصاً لدراسة القرآن وحفظه وتجويده، وتعلم علومه الشرعية تبرع بإنشائه الملك فهد بن عبدالعزيز عام 1994.

***

أوليڤر.. ديڤيد وكارول هنا في هذا المنزل البسيط الذي يتوطنُ ركناً من أحياء لندن عاش صانِعكم. قمت بعد ظهيرة يوم جمعة ماطِرة بزيارة لمنزل تشارلز ديكنز أعظم الرواة الإنجليز في العصر الفكتوري، الذي شكّل بكتبه وشخصيات أقاصيصه معظم أساطير طفولتنا، حتى صوّر لنا كل تفاصيل هذه العاصمة الضبابية وشوارعها، وحياة الناس فيها ونشرها للملأ.. ومن أهم تلك الأعمال كانت قصص "ديڤيد كوبرفيلد".. و"قصة مدينتين"، "ثيمة عيد الميلاد" و"متجر الفضول القديم".. "المسافرون الفقراء السبعة".. وكذلك رائعته "مغامرات أوليڤر تويست".. التي يعرفها أطفالي عزّ المعرفة، ولا يمكنهم نسيان اللحظة التي ظهَر فيها أوليڤر راجياً من متعهد ملجأ الأيتام بأن يزيد له الطعام في طبقه قائلاً: .. Please, Sir, I want some more
فاستشاط الرجل المتعجرف من طلبه الذي رأى فيه خروجاً عن الطاعة، وتمرداً غير معتاد لا يمكن أن يمر مروراً بلا عاقبة.
توفي ديكنز على هذا السرير الذي أخذت صورة سلفيّة بالقرب منه في عام 1870 عن ٥٨ عاماً، مخلفاً وراءه كماً هائلاً من كنوز الأدب والأعمال الخالدة التي تصنف ضمن الصف الأمامي لأرستقراطيات الفكر الإنساني.
من أجمل مأثوراته اقتبست هذه الإضاءات القوليّة:
-حتى أضخم الأبواب مفاتيحها صغيرة..
-القلب المُحب أصدق درجات الحكمة..
-تتكون الحياة من لحظات رحيل كثيرة واحدة تلو الأخرى..
-الندم هو الإرث الطبيعي لكبر السن.

أحمد مبارك البريكي
27-05-2015, 08:32 AM
بريكيات(50)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

• تحتاج الخبرة غالبا لتجربة، بينما لا تحتاج التجربة دائما إلى الخبرة.
• كثير من الحقوق تهضمها (بعض) الحلوق.
• وسيؤكل الثور الأسود في أثر الثورة البيضاء.
• الأفق.. فمٌ عملاق يلتهم الصواري.
• لبعض الأشياء الصغيرة تأثير كبير.
• الحبُ عمرٌ خضير.. ليس مجرّد ليلة حمراء.
• في المتحف.. رتلُ جحفل كبير من الحجارة، اِنتظم في بيت من زجاج.
• للوطن.. جاذبية أرضية.
• والحروف الجارفة نهر لا يعترف بالهدنة، جريانه أشرعة كلمات مسافرة من ميلٍ إلى ميل.
• لا أعرف لماذا لم تجتهد يوما؟ فتسكبُ زهرها في دورق النور، هل أرعبتها فكرة الشِعر؟ ريما فعلت أشعارها فعلتها أو ربما فعلت.
• مساءٌ يضرب أثقاله، في غرق الليل العميق ومحيطٌ تغشاه عتمة، إزميل يطرق السماء، نار تلتهم كل شيء، ضوءٌ وصوت حزين وطفلة في محفلِ حرب.. وَتيه.
• سيرياليّة الصمت.. هي مرآة مواربة خلف مشكاة ونافذة.

أحمد مبارك البريكي
03-06-2015, 02:17 PM
معالم بريطانية


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

في ذلك الحِوار التاريخي الذي حدثت فصوله في أروقة لوبي الفندق اللندني الثمين "بلاك آند وايت"، الذي تغيّر اسمه بفعل مالكه الجديد إلى "سعادة بالاس" بعد أن اشتراه من بعد "الجِمس"، وبالقرب من البار الفسيفسائي كان الاجتماع الأشهر بين نهاش "اللي صار له خمستعشر سنة مقيم في هالفندق"، وتاجر الأخشاب الكويتي مستر فرايدي، فجاء طاري (مجلس العموم البريطاني) حينما أكد فتى البراري "أننا لو عدّينا العرب (في بريطانيا)، وعدّينا الإنجليز تلاقينا حنّا العرب الأكثريّة، والواحد منّا لو رشّح نفسه لمجلس العموم البريطاني بينجح إميه بالإميه، من كثرنا يا أخوك".
هذا اليوم وضعتُ قدمي في المكان الوحيد الذي يَحرُم على ملكة بريطانيا العظمى وضع قدمها فيه، وهو بيت البرلمان أحد فرعي مجلس الشعب، ذو الكنبات الخضراء العريضة التي تشبه مجازاً كشنات صالون (الأمبالا) في مطلع الثمانينيات، ومن قاعته الصغيرة نسبياً وقف أكبر الساسة الإنجليز أمثال المسز ثاتشر والسير تشيرشل وغلادستون وبلير وغيرهم تحت أنظار اللوردات وممثلي الشعب ليشرحوا قراراتهم، ويرسموا سياساتهم التي مسّت مصير كثيراً من الأمم.
التصوير "الآيفوني" هنا ممنوع بشكل بات بناء على أوامر المرشدة الشمطاء، التي تبدو عليها صرامة العصور الوسطى، التي خمّنت ميلادها أيضا من تلكم العصور.
أنهي جولة مجلس العموم، وفي نهاية النهار أنا على أعتاب فتح إنجليزيّ جديد عند الجمعية الجيولوجية البريطانية، التي تعتبر من أقدم الدور في العالم المهتمة بعلوم الأرض والخرائط الجيولوجية، وتضم في مبناها العتيق ما يفوق 300 ألف من المطبوعات النادرة، والكتب والمخطوطات التاريخية والخرائط.
بعد إنشائها على يد ثلة من أبرز علماء الجيولوجيا في العصر الجورجي الرابع عام 1807، وتعتبر المملكة المتحدة بعلمائها وعِلمها مهد هذا العلم، ففيها تم رسم أول خارطة جيولوجية لتضاريس البلاد بواسطة ويليام سميث، الذي يُكنّى "بأبي الجيولوجيا"، والمتمثّل رأسه الرخامي في رواق رئيسي من الدار المملوءة بعبق المؤسس الفعلي لهذا الفرع النجيل من شجرة العلوم، وهو جيمس هوتن الذي وضع تصوراً جبّ كل المعتقدات الدينية الخاطئة، التي تصوّرت بأن الطوفان التوراتي هو المسؤول الفعلي عن تشكيل قشرة الأرض، فـقدّم مفهوماً يعزي مفعول انصهار الصخور وتشكلها الناري والرسوبي والمتحوّل، وظهور المسطحات والارتفاعات الصخرية والتلال لذلك المصهور الكامن في بطن الكوكب، حتى كتب في نظرية الوتيرة الواحدة التي فسّرت كثيراً من التطورات في التكوين الأرضي، ليثبّت أساساً مفاده بأن الحاضر هو مفتاح الماضي في معرفة كيف حدثت الأشياء.

أحمد مبارك البريكي
14-06-2015, 06:53 PM
ويلز.. أصل الأرض

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

تقول كنوت هامسون في رائعتها (ڤكتوريا): وتمرّ الأيام، أيّام وديعة، مؤثرة، محمولة على إيقاع لحظات توحّد عذبة وثريّة بذكريات الطفولة، عودة للالتحام بالأرض والسماء، بالهواء الطلق والصخور.
رحلة في الريف وأوقات صيد لسمك "الرينبو" القابع في جوف بحيرة مقيمة بالخضار والحصيل وافرٌ ينتظره ميزان الدفع المشروط وشبكة الشواء، وطاولة صغيرة تزدحم بأحباب غائبين.
أكمل المسير بعدها إلى دوقية ويلز أرض الأغاني والنغم والفرق التي لا تسكن معازفها والفلكلور والتنين، تسمى محلياً كمْري وهي إحدى أضلاع المربع الذي يكوّن في مجمله المملكة المتحدة، وأميرها هو ولي عهد بريطانيا العظمى تشارلز حاليا، وأميرتها هي زوجته وقد كانت ديانا أميرتها فيما سبق.
مساحتها الصغيرة مقاربة نوعا ما لمساحة الكويت، وتعداد بشريتها ثلاثة ملايين نسمة، هو وطنٌ امبراطوري يتوقُ لحفظ هويته وتراثه بعيداً عن الإندماج الطبيعي الصحيح في منظومته الكومنولثية.
صباحُ الرحلة إلى أرضها كان زامورا ينزّ مكارم الطبيعة، وأنا متجه إلى الغرب مبتعداً عن عاصمة الغرب والعرب لندن، عبوراً فوق جسر نهر سيڤرن إلى حيث كارديف عاصمة شعب الواليش، والمناخ يتبدّل إلى نسائم الأطلسي والطقس جميل، أتوقف في قلب المدينة النابض بعزف السكسفون والغيتار وآلات النفخ النحاسية، وبالقرب من الصخب الموسيقي تقع قلعة كارديف أقدم بناء وحامية، جذورها تمتد إلى القرن الحادي عشر ميلادي، وبُنيت على يد النورمان سكانها الأصليين، وبالقرب منها يفتح المتحف الوطني أبوابه على مدار السنة للزائرين الباحثين في تاريخ الأرض والفن وميراث ويلز، وبالمناسبة فإن سلسلة جبال الكامبري التي تقع جغرافياً ضمن النطاق الحدودي لويلز تعتبر من أقدم التكوينات التضاريسية والصخرية على وجه الأرض، وقد تسمّت بها أقدم الدهور السحيقة في سلم الزمن الجيولوجي، بما يُعرف بالعصر الكامبري وقبل الكامبري، لذا فإن هذه البلاد التي غزوتها سائحاً في هذا اليوم اللطيف هي أصل الأرض.

أحمد مبارك البريكي
17-06-2015, 08:46 AM
أماكن..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki

ثمَة أماكن تسكنها الأحداث وتستقر، تتكاثر عليها السنون فيزيد بريق الحدث العتيق ألقاً وغلاءً، إن بعض الأماكن كالمعادن لا تعبرها الذكرى مطلقا، إنما تجعلها في ديمومة تجدد أبدية.. أنا في أحد هذه الأمكنة التي يعدّها عشاق الكُرة الإنجليزية "بقاعاً مقدّسة"، فَتحت قوسيّة ملعب استاد ويمبلي الشهير في يومٍ ضبابيّ، كانت رغبتي أقوى في أن تلامس أقدامي الأرضية التي أبلجَت كرة القدم الصغيرة إلى الوجود على سطح الكرة الأرضية الكبيرة، فلو كانت خطوتي هذه لم تتأخر خمسين عاماً إلى الوراء، وتحديداً في ليلة الثلاثين من يونيو عام 1966، لكنت وقتئذٍ في حضرة الإمبراطورة البريطانية، وهي تمُدّ كأس العالم إلى يد بوبي مور ليرفعه عالياً، معلناً بأن إنجلترا مهد القدم سيدة العالم لأول وآخر مرة، وليكون بعدها "مور" ذاته قائداً أيقونياً تلقّبت باسمه بوابة الملعب اللندنيّ، الذي أقام له صرحاً خالداً يستقبل القادمين، في هذه المسطحة الخضراء التي رُكلت عليها الكرة البيضاء لأول مرة في نهائي كأس إنجلترا يوم 28 أبريل عام 1923، ليعدو بعدها عمالقة اللعبة بين جنباته.. كـ تشارلتون وأوزيبيو وبيليه وغارنشيا وبلاتيني وجورج بيست وكرويف وبوشكش وجيف هيرست اللاعب الذي ارتطمت كرته في سقف المرمى الألماني الغربي في ذاك النهائي المشهود، ليعلن الحكم الأذري هدفاً مشكوكاً أشغل العالم بحثاً وجدلاً بعده. والعارضة التي تسببت في تلك المعضلة عُلّقت حتى اليوم في مكان بارز عند مدخل الجمهور، وقد مررت مسرورا تحت ظلها الشاحب الباقي، وهذا الملعب المقوّس استضاف حفلين افتتاحيين للألعاب الأولمبية أعوام 1948 و2012 بحضور جورج السادس وابنته فيما بعد إليزابيث الثانية، وكما حفِل الملعب الاستثنائي بالفرح تلقت مقاعد جمهوره كذلك الدموع، فقد شهد عام 1953 سقوط فريق الأسود تحت فرامة المجر الذهبية فيه بستة أهداف، أسقطت أسطورة الفريق الإنجليزي من عرشه العاجيّ العالي.. الذي لا يُهزم في عقر "ويمبليّه".
***
كُل أحد.. هنا يجتمعُ كُل أحدٍ يرغب بالجهر علانية بفكرةٍ مجنونة أو طرح مبدأ معقول، أو يسجل حضوراً لمجرد المجادلة وعرض عضلات اللسان، و"معاياة" الغير دون هدف.. ليتكدّس حوله المتجمهرون في بقعة ربما كانت هي الوجهة الوحيدة في العالم التي يرغب بزيارتها سائحو الكلام، إنه رُكن الخطباء أو كما يُعرِّفه العجم بـ Speaker's Corner.
في هذه الخانة الطرفية من حديقة الهايد بارك الأشهر في لندن، يضع المتحدثون كرسياً أو صندوقاً أو أيّ متكئٍ يرفعهم عن الأرض البريطانية، ليرى مستمعوهم عجب الكلام، ويعيشوا لحظات الأعاجيب، إنه سوقٌ وباعة وبضائع من حناجر، تنغمرُ طائعا وسط الصخب لتشهد تفاوت العقول وفوارق الألسن وألوان البشر.
إنها مساحة أرض محدودة بمساحة لا محدودة من الاختلاف والتنوّع والجِدال، أقف في خضم هذا البحر اللسانيّ الهائل لعلّي أكون في المكان الذي عادَه كثيراً عبقري الرواية العربية الطيب صالح، الذي ذكر هذه الرقعة بين دفتي خالدته "موسم الهجرة إلى الشمال".. أو ربما كانت خطوات كارل ماركس وجورج أورويل عبقري الرواية الإنجليزية أيضاً أو حتى فلاديمير لينين مرّت هنا قريباً من موقفي وسط الصوت وسوق الضجيج.

أحمد مبارك البريكي
23-06-2015, 01:31 AM
جزيرة الإنسان

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @Qdeem

في قلب البحر الآيرلندي تقع جزيرة الإنسان (Isle Of Man)، التي أنا بصدد ضيافتها الآن. محارةٌ تنتظر مفلقتي لكشف لؤلؤها، وجزيرة منسية تعتبر خرزة أخرى جواهرية يترصّع بها التاج البريطاني، وهي مملكة قديمة تقاسمها الكلت والفايكنغ في سالف الزمن، أرض الأنهار والجداول وأختٌ صغرى لأرياف أسكتلندا وآيرلندا، علمها الأحمر الرفراف يأخذ رمزاً غرائبياً ترتسم في أوسطه ثلاث أرجُل جُند مُدرّعة، تسير مع اتجاه عقارب الساعة، ربما أشارت إلى أن هذه الأمة تسير في المجد بلا هوادة.
وقد وجدتُه مفاجأة في متحف المانكس، وهو المتحف الوطني للبلاد حينما عرفت أن علماً "آيلأوفمانياً".. ظهرت عليه علامات الاهتراء وعلِّق في مكان بارز كُتب تحته هذا العلم، رُفع على أرض الكويت المُحررة عام 1991، كانت بارقة نسائميّة أعادتني للحظات إلى الوطن الجميل.
هنا في دوغلاس العاصمة "المانيّة".. كلّ شيء يوحي بالهدوء والحياة غير المتكلفة، البعيدة عن أجواء العولمة والتعقيد التكنولوجي والكون الاتصالاتي، فالحياة هنا مزارعيّة تملؤها البقر وبساتين اللبن والبدائية البسيطة، وقفت في ساحة مركزية لترتفع أمامي ساعة توأم مصغرة وأنيقة على غرار ساعة بيغ بين التقليدية، كما في مدينة فكتوريا عاصمة جزر سيشل، ومثل ما التقطت لتلك الفكتوريّة الأصلية صورة التقطت مع هذه الساعة تذكاراً، الفنادق في العاصمة تأخذ غالباً صفة النجمات الثلاث، وهي عبارة عن منازل عائلية تحوّلت إلى نُزُل.. والليل يضرب موعده المعتاد بعد تعب، يلقي قفازه فوق الجزيرة الخافتة/الغافية على هدير الموج، وشدو النوارس وأبواق الباخرات، طاولة تتنمّق لي في مقهى المرفأ القريب، كانت محطتي في ختام اليوم الأول قبل أن أطوي نهار القدوم الطويل، وغداً مشوار.
قط المانكس عديم الذيل، حيوان أليف تشتهر به جزيرة مان.. وتعتبر بيئته الوحيدة، وهو من سلالات القطط النادرة والمهددة بالانقراض، وتتميز بالفراء الكثيف وبألوان مختلفة، لها قدمان أقصر من اليدين، ويعود تأريخ وجودها إلى ما قبل 300 سنة، ويقال إنها جلبت على متن باخرة إسبانية توقفت عند مرسى الجزيرة، وكانت الشعوب الويلزيّة قديماً تعتبرها محرّمة على القتل والضرر لغرابتها اعتقاداً بقدسيتها.. هنا في "كاستل تاون" بوابة الجزيرة إلى العالم تمتلئ المتاجر بتذكارات لصور قط المانكس.
يتمتّع الزائر إلى "آيل أوف مان" بتجربة فريدة لكل وسائل النقل القديمة، ابتداء من الأحصنة التي تجرّ عربات الترام، مروراً بقاطرات البخار ذات مذاق السِّحر التي مازالت عالقة في الأذهان من زمن الحكايات العالمية، وكذا قطارات الكهرباء التي تجوب أنحاء الجزيرة الإهليلجية بشكلٍ مكوكيّ، وعلى مدار الوقت، وأنا على إحدى تلك العربات الخشبية أضرب صعودا في جبل "سنايفيل" الذي يُعد معلما هاماً للجزيرة، وهامةً تحاك حولها الأساطير.. ويقال إن من يصل نقطته الأخيرة، وقد فعلت، يستطيع رؤية سبع ممالك هي آيل أوف مان، إنجلترا، ويلز، اسكتلندا، آيرلندا، ومملكتا الجنة والبحر.. والأخيرتان أسطوريتان استقاهما القائلون من الإرث الآيرلندي عن مملكة ماناننان المندثرة.. هبوطاً من هذه القمة البعيدة إلى ساحل الجزيرة أقصى الشمال تأخذني إليها سكك الحديد، وقرية رامسي المعانقة للبحر، وتمشية نهار وسط دفء المنظر الجميل، بعدها أتخذ دربي نزولاً إلى الجنوب على متن القاطرة البخاريّة التي تنزّ رائحة الفحم، ولون الماء البلوريّ المتبخّر حيث مرفآ إيدن وسان ماري المتجاورين اللذين يفصلهما طريق ريفيّ مجدولٌ بالماء والسماء والحقول، والشمسُ تغادر صفحة الأفق مودّعة.. لأعود بعدها إلى طاولتي ليس معي إلا صور وذكرى رائعة، وكلمات أكتبها عن يومٍ سعيد.

أحمد مبارك البريكي
28-06-2015, 10:42 PM
الكويت أولا. الكويت أو (لا)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

مع مغيب شمس الجمعة الماضية، يسدل يوم الكويت على مشهد قانٍ حزين، عنوانه محاولة قتل كل قيمة نقيّة صنعها عبر السنين أهل الكويت الأنقياء.
أهل الكويت الذين تجاوروا وتزاوروا وتآزروا، ووقفوا بكل فئاتهم في وجه المصائب الجِسام لمئات السنين، عبوراً بمعارك الرجال الأولين، ومواقع البر والبحر على حد سواء، ودحر الغزاة الآثمين وإطفاء لهائب الحقد التي أشعلت آبارهم، والوقوف تعاضداً في وجه دسائس العابثين.
فعلمتهم معاناة تلك الأيام الطوال بأن السلام يكمن في حب الآخر ونبذ التفرقة، وكسر نصل سكين التعصّب والخلاف، فصارت بلدهم محطة للقدوم لكل باحث عن رزق كريم وطالب للأمان، ومنارة تضيء في ليل الإقليم الموحش تعلم ماهية الاختلاف، ومعنى حرية الفكر والالتحام عند الملمات، ونخلة خير وحياة لا ينضب ثمرها، هي الأرض الخيّرة التي امتدت أيادي عطائها لتصل لكل يد محتاجة في كل أرض.
نعم.. كان يوم أمس احتراقاً في قلب الوطن، كان يوما حزينا آخر يمر على الكويت التي ناءت أكتافها عن حمل المصائب والأحداث المأساوية التي يحيكها في الظلام أهل الظلام لينشروها سماً زعافا وموتاً مقيتاً في النهار.
..
دمعة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد -حفظه الله- في موقع الحادث الأليم أعادت للأذهان دمعة أخرى كانت صادقة، هي دمعة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد -رحمه الله- في المحفل الأممي عندما فقدنا الوطن الذي نحب، واجتمعنا كلنا في قلب قائد يحب الوطن.
..
لم يزل صدى مكالمة ذلك البعثي الذميم عام 2003، وبعد سقوط عرش زعيمه، تتردد على مسمع شاهد وهو يقول: سنحرق الكويت يوماً، وسنجعلها أرض فتنة وهلاك، وسنغزوها تدميراً تارة أخرى لكن هذه المرة في عمقها..
فهل يخيب نعيق شؤم ذاك الغراب اللعين؟!

أحمد مبارك البريكي
13-07-2015, 09:20 PM
اسكوتلندا أثينا الشمال (1)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

عبر سهول أسكتلندا الخضراء، يقصُّ قطار الشمال كرنفال العشب، مستوياً على سكة حديد، وأنا في جوفه ارتحل في سكة سفر، طريق بعيد أُفقه حديقة لا متناهية، وأزهار ياسمين ونوّار والبرواز مطرّز بشجر، والساعات الأربع متعة نظر.
يصمت بعدها أزيز الاحتكاك، إيذاناً بالوصول، أحمل حقيبتي، قاصداً النزول في محطة ويفرلي العتيقة، التي أخذت اسمها من عنوان القصة الشهيرة للروائي الأسكتلندي السير"والتر سكوت"، لينتابني شذا بلد ويليام والاس وهاري الأعمى والملكة ماري ودالغليش وموسيقى القِرب. أنا في قلب إدينبرة "أثينا الشمال".
يقفُ تمثال الروائي الأسكتلندي والتر سكوت، كمعلمٍ تذكاريّ يحتضنه مبنى "سكوت مونومنت"، في وسط حديقة يقطعها شارع الأمراء قلب مدينة إدينبرة، ليكون تكريماً لمعشر الأدباء في بلد وافر بالشعراء والكُتاب والفلاسفة.
عند قطع تذكرتي، لصعود أعلى النُصب، قال لي بائع الشبّاك إني سأتحصَّل على شهادة تذكارية، تثبت صعودي لدرجات البُرج، الذي تم تشييده في عام 1844، وعددها 287 درجة، وهذا ما حدث في الأخير، بعد أن "انهدّ الحيل".
قلعة إدينبرة التاريخية المشرفة فوق ربوة، وفي قلب فوهة البركان دائمة المشهد في سماء العاصمة الأسكتلندية، تضيئها الألوان في المساء وضوء الصبح في النهارات المشمسة، هذا البناء الواقع في الحي القديم من المدينة صُنّف كجزء من الإرث الإنساني غير القابل للتغير، ويعود تاريخها إلى القرن السادس عشر.
جولة في باص "سيتي سايت سينغ".. الشهير مكشوف الغطاء هذه المرّة على شكل حافلة لندن التقليدية، بعد أن وقع عليه اختياري، لتعارف بيني وبين جادّات المدينة وشوارعها المرصوفة بالحجارة، وحدائقها المنبسطة في كل ناحية، ومناظر الفن المعماري الجورجي، بواجهات الأبنية والنوافذ الأنيقة، عدا عن حاناتها ومتاجرها الصغيرة المليئة بالتذكارات وأقمشة التارتان.
لأسكتلندا تُراثها الخاص، الذي يختلف نوعا ما عن محيطها البريطاني، الذي يتفاخر به الأسكتلنديون، لمحافظتهم عليه، فالزي التقليدي لأهل الأراضي المرتفعة، المكون من الإزار المبكّر "الكاروهات".. ويسمى الكِلت، والمخيوط من قماش الترتان الأحمر، غالباً، ويقارب شبهاً المئزر الصنعاني، أستطيع رؤيته هنا في الشوارع العامة والمقاهي الراقية ومراكز التسوق الكبيرة، وإن كانت الحداثة والعولمة الأزيائية أخذ دولبها يدور فوق كل ما هو تقليدي، كما فعلت "بدشداشتنا" الكويتية، كما يشتهر الفن الموسيقي الأسكتلندي بعزف مزامير القِرب، أو كما نعرّفها في الخليج بـ "الهبّان".. وهي آلة نفخ مصنوعة من جلد الماعز عادة. حضرت جانباً من هذا الفن والمنتشر عازفوه بصورة لافتة في كل ركن من المدينة، ونقلته معي للذكرى عبر عدسة "الآي فون".

أحمد مبارك البريكي
21-07-2015, 09:05 AM
اسكوتلندا أثينا الشمال (2)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

يبدو أن أولاد «بيل» لهم الحضور اللافت هنا في أسكتلندا، وإن كانت الباحثة والمغامرة والعاملة البريطانية في جزيرة العرب غيرتورد «بيل» ولدت غير بعيد من هنا، فإن الشخصية الكارتونية الأسطورية المحببة للأطفال ساندي «بيل» نشأت خيالا باهرا في شوارع إدينبرة، لتشكّل مع أغنيتها اللطيفة، التي لا يزال صدى موسيقاها من القرن الماضي، وهي تقفز في الأرجاء بصوت المحبة ينادي: سأودعكم وقلبي معكم فاذكروني.
وعلى الرغم من أضغاث طفولة ساندي البريئة المجرَّدة، فإن هنا وجودا لحقيقة علمية واختراعاتية غيَّرت وجه العالم بأسره، تجسَّدت في شخص إلكساندر غراهام بيل، الذي أشعل الشرارة الأولى للتواصل والاتصالات، فخاط موجات الصوت، ليقترب الشرق والغرب وأدنى البعيد، ليلغي المسافات الشاسعة بين البشر، حتى غدا الهاتف اليوم من أساسيات الحياة، والعبقرية صنعت سِلكاً عابراً لا ينقطع.
أقف عند أول شارع شارلوت قرب «الداون تاون»، في إدينبرة، وتحديدا على عتبة باب المنزل الذي وُلِد فيه ألكساندر غراهام بيل، وقد وضعت لافتة جرانيتية كُتب عليها»هنا وُلد مخترع التلفون في 3 مارس 1847».
في بلد مهد كرة القدم لابد من العروج على كرة القدم الأسكتلندية، والخوض في الحديث عنها، فالتاريخ يُحسب لهذا البلد، الذي لعب فريقه الوطني أول مباراة رسمية في هذه اللعبة ضد شقيقه العدو، منتخب إنجلترا.. حدث ذلك 30 نوفمبر 1872، حين انطلقت صافرة البداية، وسط حشد من 4 آلاف مناصر، وانتهى اللقاء بالتعادل السلبي العادل.
وقتها اختار الفريق الإنجليزي القميص الأبيض لباساً له، فخالفه الأسكتلنديون بالضد، مفضِّلين اللون الأسود.. إشارة إلى الاختلاف في حالته القصوى، وهو نفس الزي الوطني لكلا المنتخبين حتى يومنا الحاضر.. ومَن ينسى هنا في غلاسغو وإبردين ودندي لاعبين كبارا، أمثال دالغليش، الذي اختير ضمن أفضل 100 لاعب في التاريخ، وفق الاتحاد الدولي لكرة القدم، واستراخان ودينيسلو وناري، الذي أطلق هدفا ناريا في البرازيل ليلة موقعة إشبيلية في كأس العالم 1982، مفتتحا النتيجة، قبل أن تصحو «أسود البرازيل» وتدك مرمى الفريق الأسود بأربعة خرافية.
ولأسكتلندا حكايتها الغريبة والمحبطة مع الدور الأول لنهائيات كأس العالم.. فعلى الرغم من مشاركاتها الثماني على مدار أربعة عقود، ابتداء من كأس السويد 1958، وحتى فرنسا 1998، لم تتخطَ في كل حالاتها الدور الأول، الذي صار عُقدة أسكتلندية، اجتيازها أضحى هدفاً، وإن كانت قد قابت من ذلك الاجتياز قوسين في مناسبتي 1974 و1982، إلا أنها أُقصيت بإحداها بفارق هدف واحد فقط.

أحمد مبارك البريكي
14-08-2015, 05:49 PM
جزيرة (غيورنزي) ملهمة البؤساء..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

قريباً من شبه جزيرة نورماندي، التي كانت أول أرض تدكّها جحافل قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، تنتشر جزر القنال الإنجليزي بين حواف سواحل بريطانيا وفرنسا، وهي جزر أغلبها صخرية، تتبع، دفاعياً، المملكة المتحدة، وليست عضواً فيها، لكنها تتمتع بحكم ذاتي واستقلال محدود وعلَم.
عبر طائرها الوحيد الميمون، الذي يربطها بالعالم وصلت إلى أرضها وراء البحر، هي جزيرة اللبن والمراعي الوفيرة وفطيرة "الجاتشي" والاقتصاد الحُر، "غيورنزي".. بلدٌ منسيُّ من على الخارطة، لا تراه العين المجرَّدة، إلا بعد تسليط عدسة البحث، هذه الجزيرة المرفأ التي هي في استمرارية لإيواء وتصدير أشرعة السُفن من وإلى البحر، عاصمتها سان بيتر بورت، هي الميناء والمدينة معاً.
هنا عاش فيكتور هوغو عمراً، ليلهمه هذا الشاطئ وتلك التلة وهذه الغيوم القطنية، بأن يمارس شاعريته، فيكتب خالدته وأشهر روايات العالم (البؤساء) أو (لاميزريبال).. إذاً، سأطبع أولى خطواتي، متخذاً من هذه السيارة الزرقاء المستأجرة رفيقة طريق ربما تليق بهذه الأرض المُبحرة.
إذاً، في هذا المنزل الكائن على ربوة، تشرف على بحرٍ يشتبكُ في السماء، وبجانبها حديقة مورقة في كل موسم وسط حي هوتفيل على مقربة من ميناء سان بيتر، عاش في منفاه، الذي أطلق عليه "معتقل الحرية" الروائي العالمي فكتور هوغو.. مصمم الروائع التي لا تموت، وصائغ حكاية "البؤساء" و"أحدب نوتردام" و"ملائكة بين اللهب" و"كادحي البحر"، الذي قال بشاعريته العميقة: "هناك في قلبي زهرة.. لا يمكن لأحد أن يقطفها".. المسكن صيَّرته الجمهورية الفرنسية عام 1927، مقراً لقنصلها في المملكة المتحدة، تفاخرا بهذا الرمز، الذي لا تجود السنون كثيراً بمثله، كانت الجزيرة موطناً له لـ 15 سنة من عمره، فيّضت شاعريته شذىً، فكانت كل صخرة فيها هي حرف يكتبه، وكل بحيرة هي عبارة، وكل مدينة قبلها كانت وقفة، وفوق كل مقطع وفوق كل صفحة كان له هناك دائما شيء من ظلال السحب أو زبد البحر.
عَشق هوغو هذه الجزيرة بلا حد، فغَدت بعد منفاه الجبري منفىً اختيارياً له يزورها كل وقت، ألهمه دماثة مناظرها الرغيدة التي تمتزجُ بقسوة المنحدرات الصخرية، بأن يبتدع للإنسانية رائعتي (البؤساء)، ورواية "كادحي البحر"، أو "لاترافيليور دي لامير"، التي استقى شخصياتها من مجتمع غيورنزي، بداية من الصياد جيليه ومالك السفينة لاتييري والمعشوقة داروشيه.

أحمد مبارك البريكي
19-08-2015, 08:51 AM
سارك جزيرة عربات الجياد..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

هل لفظة "الغرينزي"، التي يتداولها أهل الكويت في ما قبل لإطلاقها على كل ما يتصل بأجنبي، جاءت من اسم هذا البلد غورينزي.. لا أعلم؟!.. أترك ذلك للمتخصصين وباحثي اللهجة.. أما أنا، فسأبحر إلى أميرة جزر القنال الإنجليزي "سارك"، القطعة الخضراء الطاغية البهاء، والتي تحفها الخلجان الزرقاء من كل جانب، وتقف على جروف صخرية متلبسة بالعشب.
تقع جزيرة سارك على مسافة 45 دقيقة إبحاراً من الجزيرة الأم غورينزي، وتتبعها إدارياً، لكنها تختص بسلطة ذاتية واستقلالية شكلية، حيث إنها تمتلك علماً بأسدين وصليب جورج الأحمر، ولها برلمان محلّي مكون من عدة أفراد، يجتمعون كل شهرين ويصدرون القوانين المنظمة لحياة سكانها، الذين لا يتجاوز عددهم الـ 450 شخصاً.
وتعد سارك البلد الإقطاعي الوحيد المتبقي في وقتنا الحاضر من العالم الغربي، ومن الأشياء الغريبة التي وجدتها، هي أن هذه الدولة الجزيرية لا تسير فيها السيارات، ولا توجد طرق معبَّدة داخلها، فوسائل النقل، هي الدراجات الهوائية و"التراكتورات الزراعية"، أو المحاريث التي تستخدم أحياناً في الحالات الطارئة، كإسعاف أو مطافئ، وتنتشر كذلك العربات التي تجرّها الأحصنة، وقد استأجرت إحداها مع سيّدة سائسة من سارك اسمها "مسز آينا"، التي أخذتني في جولة جميلة على كل بقاع الجزيرة، وراحت تروي بحماس تاريخ وطنها البعيد.
برفقتها تمر الدقائقُ الحنطوريّة، لنعبر خلالها خانق كابيه الضيق، وهو تكوين طبيعي على شكل ممر تضربه الرياح في كل وقت، ومن كل جوانبه، ويربط بين ضفتي سارك الكبيرة وسارك الصغيرة.
نطوفُ بين الحقول، فنعبر بجانب بيت مأمور الجزيرة، فأجده ممتطياً "الجرّار" الزراعي، وهو ذو سلطة تكليفية، ليس لها ذات شرفيّة.. وللمعلومية، لا يوجد هنا موقع للشرطة، بل شخص وحيد يُدعى "سكيورتي".. هو مَن يقوم بمهام وزارة الداخلية كلها، نظراً لغياب الجريمة بشكل تام.
عند جادة السوق، وهو شارع صغير يمتد لأقل من 100 متر، ويحوي عدة متاجر صغيرة ومقهى، ويعده أهل الجزيرة بمثابة العاصمة عرفاً، نظراً لعدم وجود أي قرية أو مدينة.
وجدت هنا صندوقا لجمع الرسائل البريدية، صُبغ باللون الذهبي، احتفاء ببطل من هذا البلد فاز بميدالية ذهبية في الفروسية ضمن أولمبياد لندن 2012، ليهديها لبريطانيا، واسمه كارل هيستر.
مساءً.. أعود إلى الجزيرة الجميلة، التي على شاطئها أجدُ مقهىً أهلياً يقدم حليب أبقار الغيورنزي المهجّنة، التي يعدها صُنّاع الألبان من أجود المواشي المنتجة للسائل الناصع، لأتخذ طاولة بها كوب الحليب وطبق فطيرة "الجاتشي" المشهورة، كأكلة وطنية هنا، وهي قطعة خبز مملوءة بحبات الفاكهة.
ويخبرني البحر بعدها عن التاريخ، فيذكر أن هذه البيليفية الصغيرة ذات التعداد السكاني الضئيل قد رزحت تحت الاحتلال الألماني أربع سنوات، فذاقت ويلات الدم والقهر ولظى الحرب العالمية.
وللذكر، فهي الأرض البريطانية الوحيدة مع قِطع جزر القنال التي عرفت طَعم الاستعمار، كونَها جزءا من إمبراطورية استعمارية في الأصل، ومنها انطلقت معظم القاذفات والطائرات الحربية الألمانية، لتقصف قلب المملكة المتحدة فتحترق، وسميت تلك العمليات القصفيّة المتوالية بـ "عاصفة لندن".
والجزيرة التي توعّد تشيرشل فيها النازيين بِخطابه الحماسي الشهير قبل الإنزال الأخير للحلفاء، قائلاً: "سندافع عن جزيرتنا، مهما كان الثمن.. سنقاتل على الشواطئ ومناطق الإنزال والحقول والشوارع، وفي التلال أيضا.. لن نستسلم أبدا".. عادت بعد وعد تشيرشل إلى حاضنة الأم البريطانية في 8 مايو 1945، ليتوقف الوقت في الذكرى الـ 70 لتحريرها، ويقف عليها زائر قادم من الكويت غازياً لأخبار تلك المرحلة عند مدخل متحف الاحتلال.

أحمد مبارك البريكي
19-08-2015, 08:53 AM
بين متحفي الامبريالية و الجاسوسية هولمز

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

في متحف الحرب الإمبراطوري أو الإمبريالي، الذي يكنى بالأحرف اللاتينية الثلاثة "آي دبليو إم"، أجد نفسي في هذا النهار سائحا بين حكايا الحرب في هذا المتحف، الذي له خمسة أفرع، ثلاثة منها في لندن، ويقع تحت الرعاية الملكية بشكل مباشر، له تاريخه الخاص منذ نشأته عام 1917، خلال زمن الحرب العالمية الأولى، ومن ثم فُتحت أبوابه للجمهور بعدها بثلاث سنوات.. ويعود الفضل في إنشائه للسير ألفرد موند، الذي كتب لرئيس الوزراء، آنذاك، بتأسيس متحف وطني يخلّد ذكرى الحرب الأولى.
ويحوي أرشيفه كثيرا من الوثائق التاريخية المهمة، وحتى تلك الأوراق السرية التي تكشفها السلطات البريطانية عادة بعد مرور ثلاثة عقود على أي حدث، وفي أروقته تُعرض الصور والأفلام المتلفزة النادرة والمساجلات الصوتية السرية للمسؤولين وأهل القرار، التي تعود حقوقها بشكل حصري للإدارة المتحفية ومكتبتها.. تجوَّلت في المتحف الرئيس الأول والواقع في شارع "لامبث"، عابراً طوابقه الأربعة، التي انطلقت صعودا من ذكرى الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية، وتطور الآلة العسكرية خلال السنين، وأسرار الحرب الباردة، وصولا لفترات السِلم العالمي القصيرة، حتى توقفت في نهاية الهرم المتحفي، وتحديدا عند غُرف البارون الإنجليزي، ورجل الأعمال مايكل آشكروفت، الذي جمع كمَّا هائلا من الوثائق والأفلام والصور عن محرقة اليهود أو الهولوكوست، إبَّان حقبة هتلر النازية، وقد عرضها في آخر عنقود المتحف، تخليداً لذكرى تلك المأساة.. وفيها مشاهدات وأخبار لأناس عاشوا تلك المجازر المريعة، وتوجد قاعة سينمائية تتحرَّك بكراتها بشكل مكوكيّ، عارضة أفلاما تسجيلية تؤرِّخ الحدث.
ومن الأشياء التي أذكرها هنا، هي أن ولوجي لردهات هذا المعرض كان مشروطا من قِبل رجل أمن، اتخذ مكاناً عند المدخل، ليحذر كل زائر من استخدام الكاميرا للتصوير.
أترك المتحف، لأقف على عتبة متحف آخر، هو دار "شارلوك هولمز"، وأقف تحديدا على ذات الباب الذي طرَّزه هذا المُخبر بمسدسه برمز الحرفين "ڤي آر" عند رأس شارع بيكر، وهو مكان سكن هذه الشخصية الخيالية الاستنتاجية الخلابة، التي أدهشت كل مفتون في تقفي الأثر الجرائمي والتفكير المنطقي، الذي وصل ذكاءه الجاسوسيّ إلى مستوى الكمال، ويعد حقيقة رائدة في علم الأدلة الجنائية الحديثة التي صارت تُدرَّس فعلياً استنباطا من سيرته.
ابتكر هذه العبقرية بين ورقات الرواية المحقق الإنجليزي الأصلي السير كونان في نهايات القرن التاسع عشر، ليطلقها لغزا، يحل الألغاز وبوليساً سرياً يتعقب كل سِر، وعقلاً مذهلاً لديه كل حل.. وقد كان طلوعه الأول من خلال رواية "دراسة في سكارليت" عام 1886، حتى وفاته روائياً، من خلال قصة "المشكلة الأخيرة"، بعد ذلك بخمسة أعوام، لكن رفض المجتمع الإنجليزي وغضبه على الكاتب لهذه النهاية السريعة وغير المتوقعة للبطل البوليسي الذي عشقه كل الناس، جعل الكاتب يتراجع عما أقدمت به يداه، ويعد ما حدث في المشكلة الأخيرة مجرَّد خدعة للإطاحة بالمجرمين، وليصدر بعدها سلسلة من الروايات الخالدة، التي تُرجمت سينمائياً، وكان آخرها فيلم موسيقي حضرته منذ سنوات للمخرج غاي ريتشي، وبطولة روبرت داوني، وفاز بعدة جوائز عالمية.
في المتحف الذي بدأت صعوده بسلّمه الإسكوتلانديارديّ المشهور والمكوَّن من 17 درجة، كما في الرواية، استطعت من داخله اعتمار قبعة شارلوك الأرنبيّة، والقبض بيدي على غليونه المقعَّر، والإمساك بعدسته المُكبِّرة، والجلوس على كرسيِّه ذي الظهر الطويل واستخدام جهاز ندائه القديم، لكن أجمل ما وجدت هنا هي تلك المعلّقات الكلامية التي قال هولمز ومنها:
-لا تعتبر المجهول عدواً لك بل اعتبره مغامرة.
-الطريقة الوحيدة للتقدم إلى الأمام هي تدمير الماضي.
-أعرف شيئاً عن كل شيء.
-العقل الكبير لا يتجاهل التفاصيل الصغيرة

أحمد مبارك البريكي
24-08-2015, 12:37 AM
في زيارة إلى المتحف البحري

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

مع طلابي الصّغار العاطلين عن المدرسة، نقتنص نهار صيف بزيارة تعريفية لمتحف الكويت البحري في قلب الديرة، الذي يتخذ من مبنى المدرسة الشرقية المطلة على ساحل شرق موقعاً له، بعد قيام المجلس الوطني بدوره الثقافي في تحويل هذا المكان ليصبح عبقاً لتراث البيئة البحرية القديمة في الكويت، رحت مع تلميذيّ الماجدين نمتر البيت المحدود بمقتنياته الفسيحة، بين نهمات البحارة وغنائم الغاصة والمحار، وفي ممرات السنبوك وأشرعة الجالبوت ورائحة السمك، وخرائط الطرق التي كانت منهاجاً للعيش والبقاء.
والمكان الزاخر بألوان الماضي، وبالصور وأدوات الغوص الملموسة أرجعني لقصائد السندباد التي كان يشدو بها شادي الكويت وشادي الخليج، فرحتُ أرسلها لأفذاذ الكبد كلمات كنت أسمعها منذ الصِغر، أبدعها الشاعر الجميل محمد الفايز، حتى ركبنا سيارتنا، ورحت أطلب من "العم" يوتيوب تلك القصيدة الخالدة ليحضرها لنا، فراحت الأسماع ترنو لأهازيج البحارة وهي تنشد القلوب..
الشمس فوق السور تُشرق مِثل قنديل كبير..
تهدي خُطانا مثلما كنا على ضوء النُجوم..
في الليل نسري عبر هاتيك البحار.
أيام كنت أعيش في الأعماق أبحث عن محار..
لقلادةٍ أسوار حسناء ثرية
في الهند.. في باريس.. في الأرض القصية
أيام كنت بلا مدينة..
وبلا يدٍ تحنو علي ولا خدينة..
إلا حبالي والشراع
ويدي المقرحة الأصابع والضياع..
والريح والأسماك في القاع الرهيب.
غرثى تُطاردني بعالمها الغريب
عن عالمي القاسي العنيف
يابحرُ.. ياقبرا بلا لحدٍ ويا دنيا عجيبة..
أجتاز عالمها المخيفَ بروح البحار كئيبة..
أبدا يغني للسواحل والعيال
يترقبون قدومه بعد المحال
ويعود من رِحلاته كيما يعود
للبحر والأسفار والدنيا كفاح..
ضد المجاعة والرياح
الجوع فوق الأرض والريح الخؤونة في البحار..
وتظل زوجته هناك بلا سوار
وبلا قلادة
في بيتها الطيني حالمةً وحيدة:
سيعود ثانية بلؤلؤة فريدة،
ياجارتي سيعود بحاري المغامر.
سيعود من دنيا المخاطر.
ولسوف تُغرقني هداياه الكثيرة
العطر والأحجارُ والماءُ المعطر والبخور
ولقاؤه لما يعود كأنه بدر البدور
وتظل تحلم والحياة
حلم يجول بلا نهاية
وبلا بداية..

أحمد مبارك البريكي
31-08-2015, 04:40 PM
الكونتز دي نابلوز.. وقبر اليراعات

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

استوقفتني صورة للفنان الكوميديان والملقب بالكونتز دي نابلوز "عبدالسلام النابلسي" وهو بالزي التقليدي الكويتي (الغترة والعقال والبشت)، يتناول المبخر من يد أجير في ديوان الشيخ صباح السالم -رحمه اللـه، وتعود هذه الصورة غير الملونة لوقت احتفالات البلاد بالأعياد الوطنية وتحديداً عام 1966.
كانت الكويت وقتها في بدايات نهضتها تستقطب أعلام الفن العربي ومطربيه لزيارتها كأم كلثوم، التي أهدت للكويت أنشودتها "يادارنا يادار"، وعبدالحليم حافظ الذي تغنّى بـ "يا هلي يا هلي"، و"من الجهراء للسالمية رافعين علم الحرية".. وفيروز التي وهبت صوتها لتروي السنا وتغني الكويت وعُلاها ويومها الوطني.
رجوعاً للنابلسي الفلسطيني الأصل واللبناني الجنسية والمصريّ المربى، فإن حياته الشخصية المثيرة التي لا تقلّ غرابة عن أفلامه وطرافتها.. بدأها شريرا في فيلم "وخز الضمير" عام 1931، وانتشرت شهرته وهو شاب ارستقراطي في فيلم العزيمة 1939، حتى عانى من وجع القلب على ثروته التي ذهبت سدى متبخرة مع إفلاس البنك اللبناني "إنترا"، الذي أسسه ثعلب المال يوسف بيديس، وحمل شهادة قول من ديغول عند وفاته بأنه كان يتمنى بأن يكون لديه وزير مالية بقدراته وطاقاته، وبنك إنترا الذي وضع فيه النابلسي كل ما يملك، أفلس بشكل جدلي عام 1966 ليكون المعول المأساوي الذي هدم قلب حلاق السيدات عبدالسلام النابلسي، الذي قال ضاحكاً قبل أيام قليلة من رحيله، بعد أن سأله صديق وهو يتناول طبق معكرونة بنهم ورغبة شديدة: إنت النهاردة بتاكل على غير عادتك، وده مش كويس لصحتك؟!.. فأجاب "ياسيدي هوّ العمر فيه كم طبق معكرونة..".
***
(..لماذا يجب على اليراعات أن تموت بهذه السرعة وهي صغيرة؟).. بهذا التساؤل البريء على شفاه طفلة يابانية ذات أعوام أربع تعشق إشراقة اليراعات المتطايرة في حلكة الليل، وعاشت قسراً احتراق وطنها في زمن القنبلة الذرية التي أصابت منزلها، فلم تترك منه إلا الأطلال وذاكرة المدى القصير، حتى أحست في داخلها بموت أمها التي حصدتها رصاصات النار، فراحت تبكيها دون أن يخبرها أحد.. أبحرتُ في وقتٍ لا يُنسى مع حميمية هذه القصّة الكرتونية المؤلمة التي أُخذت من حدث حقيقي عاشه كاتبها، فكتب روايته التي احتسبها قربان اعتذار لأخته الصغيرة التي ماتت تحت أتون النيران والجوع دون أن يستطيع حمايتها.. "قبر اليراعات المضيئة" يعدّ حسب النقاد من أقوى الأفلام التي تدعو لمحاربة الحروب، بعد أن أخذ اسمه من حشرة صغيرة مشعّة تحيا عمراً قصيراً، جمعها "سيتا" ليستخدمها في إضاءة المخبأ النائي الذي عاش فيه مع أخته بعد أن ضاق الحال، والقبر هو رمزية لفداحة الدمار التي تحدثها الحروب لتفتك بحياة الصغار فتنهيها، كما تنتهي حياة اليراعات المشعّة في وقت سريع، "إنمي" ياباني كعادته يحمل بعداً إنسانياً وجماليةً ستترك بالتأكيد أثراً عميقاً بعيداً في نفسي ونفس كلّ من شاهده.

أحمد مبارك البريكي
06-09-2015, 08:34 AM
نأسف لا نستطيع أن نستقبلكم فليس عندنا أسرّة!

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

فيما سبق كنت أندهش وأتعجب في مجالسي من حجم وكمية التذمر الشعبي، خصوصا من وزارة خدمية تعنى بحياة وصحة الناس، وتلامس يومياتهم وأمراضهم، ومن خدماتها المزرية ومرافقها المتهالكة، ودكاترة المقاولات الذين يأتون بهم أفواجا من بلدانهم التي نبذتهم إلى عراء بلدنا الموجوع ليشتغلوا في صحة الناس، أستغرب من كل ذلك، وأقول لابد أن هناك خطأ ومبالغة في الأمر، فالكويت ليست بلدا يأكل الموز، ولا جمهورية لقصب السكّر ولا حتى وطنا يبيع البسـ(كويت).
فنحن شعب يعيش فوق محيط عميق من البترول، سلعة العالم الأولى، فتنعم به كل شعوب الأرض من بوركينا فاسو مرورا بسيراليون وسوازيلاند وجزر موريشيوس حتى السنغال ومعابد الدلاي لاما في جبال التبت، ولم يذق حلاوة طعمه نحن.
ونحن شعب انتشر بمرضه يبحث عن الصحة في كل البلاد، إلا بلدا واحدا لم يصله هو بلده، ونحن الشعب الذي قدّرت ميزانية وزارة صحته بخمس مليارات دولار، تعادل ميزانية ثلث جمهوريات قارة سوداء، ولا نجد من ذلك المال الأسود الكثير غير مواعيد العيادات الطويلة التي غالبا ما تنقضي أيام عمر المريض قبل أن تنقضي أيام انتظاره، لنغنّي حسرة نحن الأغنياء، وأموالنا المواعيد.. ورحم الله المتنبي.
ونحن شعب لحكومة توزّع خدماتها الطبية وأهلّتها الحمراء لتبني في كل أرض عيادة، وفي كل عاصمة مستشفى ماعدا عاصمة الكويت، ونحن شعب كان يأمل أن يعيش في ظل حكومة ملهمة فرزح تحت حرور حكومة مهملة.
إني كنت في حلمي أنعم، ذلك لأني من النوع الذي يخدم نفسه بفلوسه، ويتوجه إلى أقرب بنك طبي ليسحب مني التاجر البشري دراهمي المقسومة له وزيادة، بمباركة حكومية، فأتطبب ويمرض جيبي، كل هذا لأتدارك ذلك الويل الذي رأيته في عيون من حدّثوني عن أخبار ازدحام المستشفيات الحكومية، وترددت على مسامعهم عبارة (نأسف لا نستطيع أن نستقبلكم فليس عندنا أسرّة!).
اليوم في ظل صدمة شعبية أيقظني خبر وفاة المواطن الكويتي سعود الجويعد العازمي- رحمه الله- الذي خرج من بيته طلبا للعلاج في مستشفى حكومي ولم يعُد، ذلك بأنه سقط بين يديّ أحد "العليميّة" من بعض عمالة بني "البالطو" الأبيض الرخيصة، الذين أخذتهم وزارة صحّتنا بعقود "مقاولاتيّة" وتنفيعيّة، فغلّتها علينا وربطتنا معهم بأغلال المعاناة والشقاء والمرض، هذا المواطن الذي واجه ربّه، الذي سيُسائل حتما كل مسؤول متراخ قعد على الكرسي طمعا في "الرزّة" و"الفخفخة" والصيت، متناسيا الأمانة والتكليف ومراعاة حرمة دماء البشر.
راح المواطن ضحية إهمال بيّن وخطأ طبي أقر به المعالج الفار نفسه، الذي لبس التهمة لبساً لا غبار فيها عندما هرب في غفلة من جيش الصحة، وبأسرع من لفتة النظر، وأعجل من "الكحّة"، تاركا وراءه أسرة كاملة مكلومة، ورأيا عاما مفجوعا من قتل شبه عمد، ووزارة تغط في سبات موت عميق.

أحمد مبارك البريكي
15-09-2015, 04:41 PM
عُمان سلطنة خضراء..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

مسقط العامرة.. عاصمة سلطنة عُمان ومركزها الإداري والاقتصادي والسياسي، تقع هذه المدينة التي يطلق عليها محلياً اسم "مسكد" على ساحل خليج عمان، وتلفّها جبال الحجر الشرقية الصخرية من كل ناحية، وتسمّت بمسقط ربما لأنها تسقط في وادٍ بين تلك التلال.
هذا الصباح زرتها كمحطة ترانزيت لبضع ساعات في طريقي للكويت، لأشاهد تمازجاً مدهشاً بين قلاع التاريخ والمعمار الحضاري الحديث، كان جامع السلطان قابوس الكبير واجهة عُمان الدينية، تم تدشينه عام 2001، أول قدمٍ لي في المدينة العابقة بالنظافة والرونق الأبيض، التي صنّفت على أنها أنظف مدينة عربية لعدة أعوام.
وبزيارة مفعمة بالأوركسترا ورنّات الألحان كان تجوالي في مبنى دار الأوبرا السلطانية القريب، الذي يأخذ مكانه بين الإنشاءات الفخمة هنا، هذه الدار التي أمر ببنائها السلطان قابوس لشغفه بأماسي الأنغام الأصيلة، وبالقيمة الثقافية والإنسانية الكبيرة التي تمثلها، وقد وجدت ملصقات لعروض أوبرالية موسمية، ومن كل بلد منها أوركسترا "نافورة الدموع" لكالمان، و"توراندوت" الآيرلندية، وتعتبر الدار هي الوحيدة من نوعها في الخليج العربي، ويعرفها متابعو تلفزيون السلطنة الذي يبث في سهراته عادة جزءا من هذه الفعاليات الموسيقية، وتحفّ الدار حدائق مطرزة بطابع أندلسيّ جميل، أغادر المكان إلى حيث سوق مطرح التراثي الذي يتوسط الحارات الضيقة، والدكاكين الصغيرة التي تعطي نموذجاً خيالياً للحياة العربية القديمة، وبعد مرور خاطِف لقصر العلم، وصورة من علٍ لمسقط التاريخية، كان مصنع الحلوى العمانية الشهيرة هو (سُكّر) الختام لجولة ثريّة وماتعة.
في مطار مسقط يقف فتىً وفتاة جميلان في محطة العبور، إلى جانب جداريّة تتزين برقشٍ زيتيّ للسلطان قابوس بن سعيد -أطال الله بعمره وأمده بالصحة والعافية- حفيد سلالة آل بوسعيدي سلاطين عمان وظفار والجنوب العربي وزنجبار وشرق أفريقيا، وهو ثامن السلسلة الممتدة في القِدم، ويعود وجودها لنهايات القرن السابع عشر، تولى سُدة الحكم في سلطنة عُمان بعد أحداث دامية مشهودة عام 1970، لتجنح السلطنة بعدها للنهضة والتقدم والاستقرار السياسي والبناء المستمر، بعد أن اجتازت تلك المرحلة العاصفة التي كادت تودي بالشعب العماني للصراع الأتوني المُهلك، وليكون بذلك صاحب أطول فترة حكم من بين الحكام العرب الذين هم على قيد الحياة، هذا الرمز العربي الذي يشهد له الكثيرون بسياسته الحكيمة التي تبتعد غالباً عن زج بلاده في الصراعات الإقليمية، وتروّيه بكثير من الأمور، وحنكته التي ترى بمنظار عادل بحيث تُحرّم تدخل بلاده في الشؤون الداخلية للجوار، وبناء جسور التواصل ومد يد التعاون بدلاً من مد يد العدوان، حتى كسب الشعب العماني الشقيق احترام واعتزاز كل شعوب المنطقة، انعكاسا من سياسات سلطانه المتزنة.
من الأشعار الجميلة التي يتغنّى بها العمانيون فخراً.. هذه الكلمات المُعبرة التي اقتبستها عن قابوس وضمّنتها هنا:
سأكتب حتى يجف القلم..
نشيد بلادي بأحلى الكلم..
أصوغ له من حروف القوافي..
عقودا بأنفاس در نظم..
ولله فضل علينا جميل..
حبانا به من أجلّ النعم..
فمنّ علينا بك ابن سعيد..
سلالة من عرفوا بالشيم..
كسوت عمان من العز ثوبا..
بمنجز عهد وفيّ الذمم..
لقابوس قبس به نقتدي..
أمد العقول بنور العلم..
تجلى إلينا كبدر الضياء..
ملى الكون نورا فأجلى الظلم..

أحمد مبارك البريكي
20-09-2015, 11:22 AM
إيلاف صيف عائليّ..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

برفقة فرقة آل (أحمد)، آلي (أنا)؛ نُدشِّن إيلافاً لرحلة صيف.
نهار يصاحبه غيم ورذاذ لطيف، وغارة نقوم بها على دنيا ديزني، دنيا بلاد العجائب ودنيا ميكي وساحرة الفتيات ذات الحذاء المفقود، وقصر السليبينغ بيوتي الساكن على الربوة الحالِمة، ومطبخ الراتيتويليت، ومعطف ماري بوبنز ومظلتها.. وباز الطائر، وآنا وآليسا حاكمات مدن الثلج.. وكثير من الوجوه التي خطفت قلوب الكبار في أيامهم، واتصلت أيامها لتُذهل ألباب الصغار.. في ميدان هذا العالم الساحر عشنا التقاء كل تلك الشخصيات في طابور عرضٍ راقص، طربت له أفئدة الحضور، إنه عالم صُنع من مغازل الخيال، عالمٌ مدهش.
ليلة باريسيّة تلبس المطر، وبرج إيفيل اللماع، يودعنا لنهار الطريق الطويل المُفعم بتراث ديغول وأريج ماري وخُطى بونابرت، درب وأودية وسهول يتسلسلها عقد فريدٌ من مدن لها عبقها، نطرق حبّاتها واحدة تلو الأخرى ديڤون.. ليون.. بوردو.. ريميز، حتى يتركنا في نهايته عند طلائع الألب ونفحات الريڤيرا، وقرية شاموني الوادعة الواقعة تحت ظلال المون-بلان، هنا كوخ حالم اخترناه نُزلاً لإقامتنا تحت سفح السّحاب.
يوم في الريف، كان عنواناً لإبحارنا في محيط الخضار عند جبل قصر "أرافيز" الشاهق الذي يُلاصق غرب الألب بديره العتيق، وطرقاته المُشبعة بالحقول، ومنحدراته التي تتدلى منها المراعي العامرة بأجراس المواشي تحت شمس يوليو الساطعة، لتعطي للجالسين على مقاعد الطبيعة مشهداً لوحاتياً غير منقطع الجمال، يتزيّن بأنواع الحياة، والمنشور العشبيّ الطاغي في الأرجاء، ينضحُ عن قزح تشكّلهُ السماء والأفق البسيط.. والأوقات البديعة تتسرّب بلين ولطف، وفي موعد الختام كانت "إيڤيان" رمز الماء ونبع النقاء تنتظرنا عند شاطئ بحيرة ليمان التي شهدنا فيها مسرحاً للغروب.
كان هوى الصغار في ختام تموز ثلجياً. امتطينا فيه "الكيبل كار".. فراح يضرب بنا في الجبال البالغة ارتفاعها خمسة آلاف متر بُعدا في السماء، إلى قمة "أغويل دوميدي".. هنا في هذا المدى الشاهق تبدأ حسبة برما بين الغيوم والثلوج، ومناظر المياه الساقطة في الوادي السحيق، حيث يمتزج تحت مجهر البصر كل ذلك الفيض من البياض.

أحمد مبارك البريكي
28-09-2015, 03:33 AM
سائحون.. من هالشتات إلى اكسبو

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

"لتحصل على أجمل ما في الحياة انظر إليها على أنها مغامرة.."
-وليام فيذر-
يومٌ ثلاثيّ الأبعاد، استهللنا صباحه بتزحلق حُر من جبل قرية سالفلدن الصيفية، وعلى مسافة تزيد على الأربعة كيلومترات فوق عربة تسقط من أعلى نقطة، لتأخذنا في سبيلها بوسط الشريان الأبيض الطويل والمتعرج في الاتجاهات بشكل أفعواني مهيب، يسحبنا إلى المنحدر الخضير وسط هستيريا المغامرة، وتنتهي المحاولة لتنتظر سنارة صيدنا النهريّ غداءنا والنتيجة سمك، وأصداء الأغنية السمسمية "أحبابنا سيروا، سيروا نغدو إلى النهر الجميل.. في نهرنا سمك يشتاقه الصياد.. يصطاده شبك فيفرح الأولاد".. وما أطيب السمك يشوى على النار!.. حتى آخر مطاف النهار الذي كنا قد أخذنا فيه مقاعدنا على "بوت" الإوزة جائلين في بحيرة بلدة هالشتات الرائعة.
يوم آخر.. نقضيه مشاهدة من داخل معرض إكسبو ميلانو 2015 العالمي، الذي يحمل شعاراً مفاده "تغذية الكوكب.. طاقة للحياة".. وزيارتنا لجناح الكويت الفاخر الذي صُمم بشكلٍ أنيق مزج شراع السفينة بشراع الخيمة، وعكس الإرث الحضاري المشرق لدولة الكويت، وهنا أسجل تقديراً وإجلالاً لشباب وشابات الكويت الذين وجدتهم شعلة نشاط، مرتدين الزي التقليدي الغترة والدشداشة للرجال، والبخنق وثوب الزري للنساء، يذكر بأن هذا المعرض العالمي يُقام كل خمسة أعوام ميلادية في مدينة تختارها لجنة أممية خاصة، وقد حازت مدينة دبي العربية على ثقة هذه اللجنة لتنظيم هذا المحفل العلمي العالمي سنة 2020، كثاني مدينة عربية شرق أوسطية يكون لها هذا التشريف بعد القدس 1953، التي كان شعارها فتح الصحراء، ولإكسبو تاريخها الخاص، الذي بدأ مع أول مهرجان دولي تجمعي في لندن سنة 1851 باسم الصناعة، حتى توالت بعدها الدورات لتمر من نيويورك وليون وفيينا وسيدني وباريس التي بُني فيها إيفل، وفي معرض شيكاغو 1893 الذي احتفل المشاركون به في المئوية الرابعة لاكتشاف أميركا، وكذلك برشلونة 1998 في الذكرى الـ500 لمغامرة فاسكوديغاما إلى الهند، تحت عنوان "المحيطات تراث من أجل المستقبل".

أحمد مبارك البريكي
03-10-2015, 11:03 PM
خواطر في سان مارينو و فردان

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

أقدامنا تطأ فوق أقدم جمهورية عرفها الإنسان، جمهورية سان مارينو الصغيرة، وطن الحرية الدائمة ونبض الريفيرا الإيطالية التي يُجاورها شاطئ الأدرياتيك شرقاً، وجبال الأبينيني من باقي الجهات، وتقع مكتنفة بشكل كامل في وسط الأراضي الإيطالية، وتُعرف عند الشعب الإيطالي باسم أرض الصفاء.. وهي البلد الأفقر سكاناً بين جميع الدول الأوروبية، لكنها الأغنى دخلاً للفرد، وهي كذلك صاحبة أقدم دستور معمول به حتى اليوم من بين كل تلك الدول منذ عام 1600م، والشعب السان ماريني ليس له دين وطني، وهي من الحالات النادرة في سلوكيات الشعوب التي تعتمد غالباً طابعاً إثنيّاً خاصاً بها، ولا تملك سان مارينو أي مطار، لكنها تستقبل زائريها براً ومن مطار مدينة ريميني الإيطالية القريبة.. قبل أن نعالج مقود السيارة التي عبرنا فيها هذه الأرض الأوروبية الفريدة، وقفنا لنلتقط صورة من على قمة جبل مونتي تيتانو، الذي ترتكز عليه قلاع سان مارينو الثلاث، وهو من مواقع التراث العالمي.
هذا إقليم البلاك فوريست "موطن أشجار الصنوبر وحديقة الخرافات"، في ألمانيا نقطع مسافاته مرتحلين إلى باريس مدينة النور، مدنٌ كثيرة مزروعة في الطريق الطويل ليس أقلها أهمية مدينة ستراسبورغ التي يرفدها الراين، والتي تداولتها دولتا ألمانيا وفرنسا تعاقباً عبر التاريخ، إلى أن حطّت في آخر المطاف ونهاية الحرب العالمية في حضن بلاد ديغول، والطريق لا ينقطع وصولاً لمدينة رانس مدينة الشمبانيا، والمكان الذي اعتلى فيه كل ملوك فرنسا العرش، والبلد الذي منه ظهرت أسطورة ريمي الصبي الذي يقطع الدروب ليزرع في كل شارعٍ صديقا، نقف عند لافتة تشير بسهم إلى مدينة فردان لننعطف لها، ونمنح أنفسنا ساعات تجول في شوارعها الواسعة، هذه الأرض التي يسير بها نهر ميوز كانت مسرحاً لأشهر المعارك خلال الحرب العالمية الأولى، التي قاوم فيها الفرنسيون جارهم اللدود بكل بسالة، لكن الألمان ظفروا بها بعد تلك الواقعة بـ 20 عاماً، عندما سقطت المدينة في قبضة هتلر، في عملية عرفت بـ "ضربة المنجل" التي كسرت خط ماجينو لتكون مدخلاً للغزو الألماني لباريس، ومن ثم سقوط فرنسا بمجملها.

أحمد مبارك البريكي
11-10-2015, 01:04 AM
صبيّان صغيران..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

"ليتل بوي".. فيلم اصطحبني معه إلى شذا إيمان غابر، عاد بي إلى زمن الحرب العالمية الثانية، ليعجن بين دفّتي مشاهده الدرامية مجريات أحداث شديدة التناقض، فبين صبيّ ينتظر أباه الذاهب إلى حرائق الحرب وربما لا يعود، وكراهية شديدة تحوّلت صداقة وطيدة، طرفاها عرقان يتناحران في ساحات الاقتتال، تعلّم الولد الصغير كيف أن لحبّة الخردل الضئيلة قوة هائلة تحرّك الجبل، بعد أن قال له الرجل الياباني: "لا تقس نفسك بالمسافة من هنا للأرض، قس نفسك بالمسافة من هنا للسماء، ولسوف تصبح أطول ولد في البلدة".. في إشارة تدل اسماً ورمزاً على تلك القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وغيّرت مجرى التاريخ.
هناك صبيّ غربيّ في فيلم، وهنا صبيّ عربي في فيلم آخر أحضره، ففي مطلع الثورة العربية الكبرى، وعند نهايات الحرب العالمية الأولى، يجد الفتى البدوي "ذيب".. نفسه وحيداً في مواجهة شرسة مع الصحراء الشاسعة وظمئها، وقسوة قطاع الطرق واشتعال صراع أممي كبير بين عالمين متصارعين، يستخدمان كل سلاح فتّاك طلباً للنصر، وفي ذات الوقت تحمل الحكاية وجهاً إنسانياً لطفلٍ يتوق المغامرة غير عابئ بمخاطرها المحفوفة بكل هالة هلاك، بينما يخطو تواً في عالم النمو والتغيّر من مرحلة الصغر إلى المرجلة، سهرة استغرقتُ في أوقاتها الفيّاضة بالمعاني النبيلة، والتداخلات الحدثيّة المهمة التي أظهرت أُطراً جمعت بين حناياها مفاهيم لرمزية التحدي والإصرار، ونبذ الخيانة والثقة وماهية المبادئ التي طالما تميّز بها أهل القبيلة، وإضافة إلى كل هذا كانت الموسيقى التصويرية الحرفيّة التي أُخذت من إيقاع "الدّحة" وبإخراج "جيري لين".. تحيط المشاهد وتخيطها بالمكان والزمان والحدث، حاز الفيلم على تقدير واهتمام عربي وعالمي جديرين، وسجّل نجاحاً باهراً وقت عرضه، وصوّر ملامح الصحراء العربية ومحيطها، وسلوك أهلها بعينٍ عربية.
إن للسينما عينا ولسانا ويدا تدوّن.. وهي كتاب مرئيّ يضيء فترات من تاريخ الحروب التي شهدتها البشرية، وكلما تطوّر الإنسان تطوّرت معه آلة الدمار التي ما تنفك تدمر وتطحن وتحرق كل غصن زيتون، مخلفة وراءها كل قيمة إنسانية للتسامح والتعايش والسلام.

أحمد مبارك البريكي
17-10-2015, 11:26 PM
تايوان وطن شجاع..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

احتفلت تايوان في العاشر من أكتوبر الماضي بيوم تأسيسها الذي بلغ هذه السنة الرقم (104) أعوام. هذه الجزيرة الشرق آسيوية التي تنعم باقتصاد متين ونظام انتخابي وقانوني حر، ومخزون ضخم من احتياطي النقد، هي انفصال (عكسي) عن البر الصيني الكبير الذي كانت وريثة له في الأساس، قبل أن يسيطر الاشتراكيون على جُل أرض البلاد خلال الحرب الأهلية الصينية منتصف القرن الماضي، ويصبغوها بلون ماو الأحمر، ليفصلوا الجسد الأكبر عن الجزء الصغير جزيرة تايوان الواقعة شرقاً، فيكون البحر حاجزاً عن الأم الصين، ولتبقى معلقة بين ناري السياسة الشيوعية غرباً، والجغرافية من جهة الشرق، حيث يقع حزام النار البركاني والزلازل، وعنده يهبط البحر إلى قعر المحيط الباسيفيكي.
ويعرف الخليجيون تايوان جيدا بصناعاتها الخفيفة وعبارة‏ Made in Taiwan، لكن لها من الأسماء الأخرى ما يميزها عن جارتها الشقيقة الصين الشعبية أو الشيوعية، وتعرف عادة بها في المحافل الدولية كاسم تايبيه في اللجنة الأولمبية الدولية، أو بالصين الوطنية كما في المنظمات السياسية والاقتصادية.
حضرت احتفالاً مصغراً صنعته السفارة التايوانية في الكويت بمعية المكتب التجاري للتعريف بهذا البلد، الذي يشبه سياسياً وإلى حد بعيد الكويت، ويتقاطع معها بأمور كثيرة، كالأطماع التي تأتيها على الدوام من جارتها الكبرى، التي لا تعترف بلغة غير لغة الحل العسكري، أو تموضعها كبلدٍ ديمقراطي في إقليم ساخن، عدا عن عدد مواطنيها الضئيل نسبياً، والمكتنف وسط موجٍ ملياريّ من البشر، لكنه يحيا وطناً يقاوم العزلة بكل شجاعته ذلك الإقصاء الذي فُرض عنوة ليطفو على خريطة العالم كوطن مستقل.

***

شدّتني صورة (فيسبوكيّة) للباحثة في الروائع الأستاذة فتحية الحداد، وهي تقف بجانب لوحة الصرخة في متحف النرويج الوطني وتقوم بتجسيدها، هذه الرسمة تعود لإبداعات النرويجي إدفارت مونش، الذي أظهرها للوجود عام 1893، ليعتبرها كثير من مؤرخي الفن أجمل ما شكّلته على الإطلاق ريشة الفنان مونش، نظراً للدراما الحسيّة الطاغية والمعبرة عن كم الكابوسية التي تمزجُ صرخة كونيّة بأخرى من أعماق النفس البشرية، في مشهدٍ يفترش هالة من سماء قانية. ويصنف هذا العمل لأهميته على أنه ورث إنساني لا يُقدر بثمن ماديّ.

أحمد مبارك البريكي
25-10-2015, 08:32 AM
حكايات من كأس العالم..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

سقطت بيدي صورة معدّلة بالألوان الطبيعية، لدخول منتخبي الأوروغواي والأرجنتين إلى ملعب العاصمة الأوروغويانية مونتيفيديو في يوم 30 يوليو1930، إيذاناً بلعب أول مباراة نهائية في بطولة كأس العالم لكرة القدم، وسط حضور جماهيري قدّر بـ93 ألفاً، وهو رقم ضخم في ذلك الزمن، فاز الفريق المستضيف باللقب الأول في تلك البطولة التي خاضت مخاضاً عسيراً وتضحيات، حتى ظهرت للنور درّة منافسات كرة القدم التي تنتظرها قلوب محبيها في شتى الكرة الأرضية، كانت أورغواي تحتفل بعيد استقلالها المئوي عندما أسند إليها الاتحاد الدولي (فيفا) ضيافة هذا الحدث، وشاركت أربعة منتخبات أوروبية فقط في المسابقة، نظراً لبعد المسافة وبدائية وسائل النقل وقتذاك، التي كانت ترغم الفرق على قطع الأطلسي في رحلة عبر البحر تستغرق شهوراً مضنية.
جاءت هذه الفرق (فرنسا، بلجيكا، رومانيا، يوغسلافيا) جماعياً على ظهر باخرة واحدة، وتم المرور في طريقها على "ريو دي جانيرو" كذلك لأخذ الفريق البرازيلي، قبل أن ترسو في نهاية رحلتها بالأورغواي، وقد شهدت البطولة تسجيل سوابق وأوائل في سجلات وأرقام كأس العالم. فنال الفرنسي "لوران" لقب صاحب الهدف رقم واحد في بطولات كأس العالم، وسجل الأميركي "باتينود" اسمه محرزاً أول هاتريك، عقب اعتراف الفيفا بذلك بعد مرور 76 سنة، (في ٢٠٠٦ انتهى الخلاف المشكوك عن أحقية صاحب اللقب بينه وبين الأرجنتيني ستابيلي)، فيما تحصّل لاعب بيرو "غاليندو" على أول حالة طرد.
عودة إلى النهائي الذي اختتمه منتخب أوروغواي بنصر واضح على جاره الفريق الأرجنتيني وبنتيجة 4 - 2، ليقدم لهم الفرنسي "جول ريميه" الكأس الذهبية التي حملت اسمه، نظراً لأن البطولة فكرته بالأساس، يذكر أن آخر من تبقى من لاعبي هذا النهائي هو الأرجنتيني "فارايو" الذي توفي عن مئة عام بعد نهائيات كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، وبذلك دُفن آخر شاهد على ذلك النهائي التاريخي.
***
هنا لا بد أن نعرج للإنجليز الذين لا تنسى ذاكرتهم الكروية ذلك اللقاء "المارادوني" الذي تمرّد فيه مارادونا عليهم، بعد أن جمعهم مسار كأس العالم في طريق الأرجنتين بمباراة مفصليّة في ربع نهائي مونديال 1986 بالمكسيك، وعلى ملعب ازتيكا الكبير، فعلّقوا هذه الجدارية التي تجمع بين قائدي الفريقين مارادونا وشيلتون في بهو ملعب ويمبلي بالعاصمة الإنجليزية، وتحمل نفحات ذاك اللقاء الذي شهد حضوراً لرائحة بارود حرب الفوكلاند، وهدفاً أسطورياً لفتى الأرجنتين الذي لايزال يُدرّس، بعد أن أجمع عليه الجميع بأنه الهدف المنفرد كأعظم كرة هزت الشباك في تاريخ كرة القدم، وسبقه هدف آخر وضعه بقبضة اليد، فخدع شيلتون ودفاعه وحتى قاضي المباراة التونسي علي بن ناصر، ثم ختمها بادعاء تصريحي عقب اللعب بأن تلك لم تكن إلاّ.. "يد الله"، حتى وقفت السنون عند هذا العام 2015 وبعد 29 سنة، ليبحث مارادونا عن الحكم العربي في سوسة، ويرتحل إليه ليهديه شيئاً من الاعتذار الجميل، وقميصا شهد تلك الموقعة بتوقيعه.

أحمد مبارك البريكي
02-11-2015, 04:51 PM
زرتُ شكسبير.. فوجدته

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

قلم الكاتب مقدّس مثل دم الشهيد..
يوما عبرت في رحلة إلى عالم شكسبير، عند مسرحه الذي يستوي جنوبا على نهر التايمز الأسطوري في حي لندن بورو ساوث وارك، لأراه على طاولته ربما كان يحكي أوراقه شيئاً يسيل من حبر ريشته لينير وجه الفكرة.
نظر في ذاته تلك اللحظة.. فاستقرت نفسه على أن البشر مصنوعون من مادة الأحلام نفسها، هو ويليام وهو شكسبير، الذي عاشت الأحلام في حياته وروحه ودفاتره، كذلك وعلى خشبة مسرحه لتغدو هذه الهلامات الأثيرية التي يداعبها، فيدّعي بأنها قد صنعت البشر مجرد ذات وضمير.
نعم.. إنه ويليام الذي كان أحد ثلاث ركائز قامت عليها اللغة الإنجليزية، هو في الحقيقة مكبث وعطيل والملك لير وهاملت وتاجر البندقية وهو ملحمة شِعر.. تتناقلها عشيرة الأشعار.. وفناء رومانسي يرقدُ فيه روميو وترقدُ جولييت.. وهو مفردة من التراث "الرومانسي- تراجيدي" وهو العبقرية ذاتها.
في مشهد.. أجدني واقفا متأملاً صرح شكسبير ومسرحه والبناء اللولبيّ ذا السقف المُعشب الذي من قلبه شعّت هالة الأحلام، وعلى غمرة الشمعة وسطوع العتمة يجلس هو ليُقرّ بأن هناك "أوقاتاً هامة في حيّ كبير، وأن كل الرجال والنساء ما هم إلا لاعبون على هذا المسرح..".
إذا سأزعم أنا بكل ثقة هنا بأن الرواة يحملون أسفارا.. وبأن الروائيين تحملهم الأسفار.

***
بدعوة على مائدة تايوانية، سعدت بلقاء سعادة القنصل التايواني في الكويت السيد ساييد لي، الذي قرأ مقالاً كتبته قبل أيام عن بلده بمناسبة يومه الوطني، فأصر على مقابلتي شخصياً.. فكان مساءً عامراً بثقافة ودفء ضيافة وكرم، بمعية رجل من طراز موسوعيّ ثقيل، أشاح عني غيوماً من الغموض عن ذلك البلد الشرق آسيوي الجميل، شكراً لسعادة القنصل على ضيافته، وعلى دعوته الكريمة لزيارة وطنه، وشكر يتصل للأستاذ الرائع وليد الأجهر لحضوره المثري ذلك اللقاء، وللأستاذ الراقي محمد أبوقاسم من الصومال.

أحمد مبارك البريكي
08-11-2015, 08:51 AM
مشاهد في (بالي)..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

في شوارع جزيرة بالي بإندونيسيا تنتشر الورود الموضوعة في قلوب الأطباق المصنوعة عادة من أوراق الشجر الاستوائي بشكل كبير، ويعتقد أهل هذه الجزيرة التي يغلب على أهلها الديانة الهندوبوذية، بأن الآلهة بوذا وتاناه تفرحُ بصنع زنابقهم، وبأن الرزق مربوط بكثرة تلك القرابين الزهرية..
ركبت مع سائق تكسي اسمه «علي» فاستغربت اسمه المسلم بعد أن قال لي إنه لا ينتمي إلى الإسلام، لكنهم هناك لا يقرنون الأسماء بالديانات، فقط يسمون ما يشاؤون، وقد وضع نبتة لها رائحة لا تطاق، وجعلها في المنضدة الأمامية للسيارة على بعد ملليمترات من حاسة شمّي، لم أستطع تحمل ذلك والطريق بعيد، فاستوقفته عند أقرب محطة ونقدته قراءة عداده ومضيت.. لأجد كل هذه النبتات ملقية بفيض في شارع ما، فانتزعت صورة لشكلها المتلاطم والمبثوث على مرأى النظر.
• • •
في العاصمة دينباسار ينتشر الأطفال مجهولو الهوية بكثرة مزعجة وحزينة في الشوارع، ويمكن للعابر أن يرى هؤلاء الأطفال الضالين بأعمار مختلفة، ابتداءً من سن صغيرة وحتى البلوغ، وهم يتآلفون في مجموعات تنتشر هنا وهناك، تعوضهم حياة الأسرة الحقيقية، اقتربت من مجموعة صغيرة تحوي خمسة أطفال يستجدون السائحين بحذر، أهديتهم شيئاً وابتسامة فاهدوني امتناناً وعَبرة.
• • •
على شاطئ «نوسا دوا» يقف تمثال لبحار يرفع كفّه ليحجب الشمس عن ناظريه، فيستطلع قوافل السفن المُقبلة، صعدتُ إلى جانبه ورفعت كفّي معه مؤدياً حركته ذاتها لأستطلع القادمين، ومهنة البحار هي المهنة الرائجة لرجال هذه الجزيرة، ذلك لأن البحر هو الحياة، ولا حياة هنا من غير البحر.
• • •
وأيضاً من داخل متحف الرسم البالاوي ألتقي بفولكلور موثّق لميراث سكان هذه الجزيرة في قلب اللوحات الفنيّة، والمقطوعات الخشبية المنحوتة بأيدي تنفخ إبداعا في الشجر لأشكال أشهر زاحفات الجزيرة كالتماسيح وتنين الكومودو والثعابين.. أصعد بعدها إلى قمة بركان «كونتاماني» الخامل الذي تُلحّفه السُحب منذ أزل، الذي تكوّنت عند فوهته بحيرة كبريتيّة كانت ملمساً لأقدامي وطاولة للغداء، وبالقرب من كل ذلك العجين الاستوائي أجد سيدة تبيع كعكة بالي التقليدية، وهي عبارة عن بذرة فانيليا مبطّنة بشيء من العسل، ومبشور من بغش جوز الهند، كانت مذاقا قرنتها بفلق فاكهة «الكوكونت» التي تحمل في جوفها ما يُطفئ العطش، لتكون شرابا أمثل لسائح يقتفي أثر المغامرة.

أحمد مبارك البريكي
15-11-2015, 02:17 AM
بالتأكيد "ربما"..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

نعم.. أحتاج ذاك القلب..
وتلك الروح.. وتلكم البلاد
..فقط
لأزرع فيها شتلات النسيان.
-أحمد-
يزورنا حزنٌ كل حين؛ يجسّنا ويبلغ بنا.. مساحة رمادية بين أن نستمر أو أن نعيد حساباتنا مرة أخرى لنستمر، دائماً ما أتوقف عند عبارة سارتر "الجحيم هو الآخرون".. برغم سوداويتها إلا أنها تحمل في حناياها نسبة عظيمة من البياض، ذلك لأن من بيننا نفوساً تحيا فقط لهدم الحياة.
هناك من يرى الدنيا بلا ألوان، بعد أن سدّ الظلام كل زوايا بيت روحه الداخلية، فصارت جدرانه كلها مصبوغة بعتمة السواد، فتحوّل مفهوم البقاء في عقله إلى مجرد حُلم يمسك فيه بمعول التخريب.. والسعادة ضرب من الخيال، ليحل الليل على أرضه المقفرة فيتدفق الضياء بلا إرادته في طريق الحريق.
اتركوا لنا بحر الحياة ما دمتم تحتفون بوحل الموت، فالشفاه الطليقة تغرق السفن.. والإنارات التي تشع ضياءها سيوقفها ليلكم عن وظيفتها كمرشدات للدروب.
إني مؤمن بأن لكُلِّ حيٍ.. عدوا، وبأن النفوس المقيتة لا تبذر الفرح، فإلى أولاء أقول: اِستنشقوا هواءً نقياً.. فحسب، فأنا لستُ خبيراً بعلم الكلام، أنا أكتب.. ولا غير، وقد كان هذا قلمي الذي أهش به على ألمي.

أحمد مبارك البريكي
07-12-2015, 04:53 AM
ماراثون.. ومعرض كتاب

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

بدعوة جميلة من د.مشاعل العبيد، أستاذة مناهج البحث بجامعة جابر، شاركت بمعية نخبة من طلبتها في ماراثون للجري، أقيم بالقرب من سوق شرق مرورا بقصر السيف والمسجد الكبير ومعالم (الديرة)، دخولا إلى سوق المباركية، والرجوع مرة أخرى إلى نقطة البدء.
هذه الحملة الرياضية الخيرية التي اشترك في سباقها عدد كبير من المواطنين والمقيمين، ودعمتها عدة جهات ومؤسسات لتوحيد الجهود في مكافحة مرض السكر، وتثقيف المجتمع بأهمية الرياضة في مجابهة خطر الكسل على صحة الفرد، وهي من الأنشطة التي يتوق إليها المجتمع، نظرا لأهميتها، وللرسالة التي تنطوي عليها، خاصة في مجتمعاتنا الاستهلاكية، التي بات الناس فيها بين مطرقة «المولات» وسندان «افتتاح المطاعم».
لاحظت في هذه التظاهرة الصحية الغياب الإعلامي والتفاعلي من وزارة الصحة، بالرغم من أن هذا الميدان هو لعبتها في نشر الوعي، والاستفادة من تواجد هذا الكم من الحضور.
شكرا للأستاذة د.مشاعل فهي فخر للأسرة الجامعية، ومثال جميل لصورة الأستاذ الحقيقي المتفاعل مع مجتمعه، وقد كنت من متابعي نشاطها الوضّاء على مدى السنوات الماضية.

• • •

غلام يافع في الصف الثالث الابتدائي، يرفع يده بأمل أن يقبله معلمه في مكتبته، بعد أن ألقى المعلم سؤالا عمن يريد الاشتراك في نشاط المكتبة، كنت أنا في ذلك العام الذي ابتعثتنا المدرسة فيه لمعرض الكويت للكتاب، وبمجرد ملامستي لبوابته شرّع لي أغلفة ضخمة من كتب وحكايات لا تغلق أبدا، ومنذ ذلك الحين لم يفتني هذا المعرض الدسم واحتفاليته السنوية، وكأنه غيمة مملوءة بمطر المعرفة، تمر قليلا في سمائي، فتسقي صدري وترحل.
بعد سنتي الأولى في عالم المكتبة، حرصت كثيرا على الاشتراك منذ بداية كل عام في ذلك النشاط، حتى تتسنى لي زيارة المعرض في بداية فصل الشتاء، فأكون ممن يربحون تذكرة رحلة إلى الكتب والمعارف، أذكر جيدا أني في الصف الأول المتوسط، اشتريت كتابين ضخمين جدا، فرآني أستاذ اللغة العربية، فقال بلهجته المصرية الجميلة: (إييه، يابني إنت حمل الكتب التقيلة ديّة؟!).
معرض الكتاب يطل هذا العام للمرة الأربعين، لم يغب إلا مرة واحدة في سنة الغزو الجاهل، فلا تحرموا أنفسكم وأولادكم من استنشاق عبير زهور الكتب، فإن للكتب لغة التواصل بين الأزمان والأماكن والثقافات.

أحمد مبارك البريكي
07-12-2015, 04:58 AM
ملتقى الإبداع.. في الإمارات

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

بدعوة من اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وتزامناً مع مناسبة احتفالات دولة الإمارات العربية المتحدة بعيدها الوطني المجيد، شاركت ممثلا لبلدي الكويت في فعاليات الدورة السادسة لملتقى الإمارات للإبداع الخليجي في الفترة من 23 إلى 27 نوفمبر الفائت، التي عقدت فعالياتها في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية، تحت رعاية وحضور صاحب السمو حاكم الشارقة عضو المجلس الأعلى للاتحاد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، هذا الملتقى الأدبي الذي يجمع كوكبة جميلة من أدباء الخليج، بالإضافة لدول اليمن والعراق ومصر، يقام كل عام في قصر الثقافة في هذه الإمارة المنارة، التي تنزُ على الدوام ثقافة وعلما، كان الملتقى بمثابة محطة تآصُر تلاقت فيها العقول، وبُذرت فيها الفكرة وتجمّلت ندواتها بإطار المعرفة.
يوم الشارقة شمس مشرقة، زادها إشراقاً حضور حاكم الإمارة الجميلة التي تشكّل مع رفيقاتها عقد الإمارات، فكان الشيخ الدكتور سلطان على منصة الترحيب بهذا الجمع الخليجي النخبوي، مطلقاً عبارة "مرحبا الساع".. ومتبعها بصدر مفتوح وعفوية ليتحدث.. ولأجده رجلاً يحمل فكراً وثقافة وهاجساً معرفياً، انعكس روحا ملموسة على أبناء هذا الوطن، وداعيا كل مثقف من بني جلدة العرب بأن يكون بحارا في عالم الفكر الحُر بعيدا عن الإسفاف والسفاهة، ومشددا على احترام العقول ومواصلة الكاتب لرسالته السامية والاعتناء بها، عن طريق الاستزادة في طلب دروب العلم، ليختم حديثه الذي جاء ارتجاليا بلا نفوذ الورقة المكتوبة "أن البطون إذا جاعت فإنها تأكل الجيف، وكذلك العقول إذا جاعت أكلت عفونة الأفكار".
قدمت خلال هذه التظاهرة الأدبية ورقة شهادة عن رحلتي في عالم كتابة المقال، وعن بدايات صداقتي بالقلم، وحاضرت بحثا في الفن السردي في الرواية الخليجية، وربطها بين الهوية والحداثة، وألقيت قصيدة شعر وكلمة لي في حق هذا البلد التوأم للكويت، الذي لن ينسى أهل الكويت ما عاشوا وقفاته الشجاعة على مر التاريخ، وخاصة وقت الغزو الأليم الذي كانت الإمارات العربية بـ"زايدها" وأبنائها وأرضها صدرا كبيرا احتوى حزن الكويت، ويدا قوية ضربت أعداءها.
كانت لي في حق الإمارات هذه العبارات..
"هناك على ضفة الخليج الأزرق الُمحيط.. تعاقَدَت منذ الأزل سبعُ لآلئ مضيئة تشعُ أنوار فخر وعزة عند ميناء التصالُح.. لتنسج فيما بينها عقداً فريداً، حلقاتُه قُدّت من تفانٍ وقوّة واتحاد، وفرسان شجاعة وحكمة دارت بأيديهم مغازل المجد، قائدهم "زائدهم" إلى طوارِق الشموخ ورُبى الهيبة وسُنود الرخاء.. هذا البحر الجميل الذي يمدُ دوماً بوارق التعاون والارتباط، أَنبَت مع تزايد السنين أمواج نهضة ونماء، شاهدة على أفعال شعب يُشيّد بسواعده إعمار وطنه، ليعيش اتحاد إماراته.. ويدوم الأمان ويعيش العلَم.."، ثم تلتها المشاركات من كل بلد خليجي على شكل شهادات وبحوث.. كانت الاستفادة حاضرة والتفاعل رائعا وثريا، وكمٌ من الفرائد والفوائد الذي يستقيها ويتبادلها الحضور ذوو الشأن الأدبي بشكل جميل ومفرح.

أحمد مبارك البريكي
26-12-2015, 09:21 AM
قطر في القلب..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

بدعوة من سعادة السفير القطري السيد حمد بن علي آل حنزاب، حضرت حفل استقبال بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لتولي مؤسس دولة قطر الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني آل ثاني الحكم في البلد الشقيق.
الحفل الذي امتلأ بلفيف جميل وباقات إعلامية ودبلوماسية وفنية ومجتمعية من الكويت وقطر وسائر الأشقاء في الخليج، وبحضور عربي وأجنبي، كان بمثابة ملتقى مصغر التقت فيه كل تلك الأطياف لتجسد معنى ساميا للترابط والتآخي، وحمل مشاعر التهنئة والتبريك لقطر في أعيادها الوطنية.
قطر هي قلب الخليج.. ليس فقط بالمعنى الجغرافي الذي يظهرها في مركز الخليج العربي، ليعكس ذلك الامتداد منها شمالا حيث الكويت والبحرين، وغربا للمملكة العربية السعودية وجنوبا للإمارات العربية وسلطنة عمان، لكن لقطر نبضا آخر يتمثل في العطاء والتقارب والإنجاز في حقل مد التعاون، وتعزيز الأواصر وتوثيق عرى الأخوة مع محيطها الخليجي الذي انتهجته السياسة القطرية منذ القدم، وأكملتها بشكل مؤسسي نشط مع إعلان مجلس التعاون الخليجي مطلع الثمانينيات.
لا يختلف الشعب القطري القريب عن باقي إخوته في الخليج، فقد عاش في شظف العيش مكافحا قبل طفرة الخير النفطية على التجارة والبحر والبحث عن اللؤلؤ، وعمل حكامها على تطويع هذا الخير الذي حباها اللـه بها، ونفضته الأرض في تطور ونهضة البلد عمرانيا واقتصاديا وثقافيا، وكان بناء الإنسان القطري غاية تنشدها حكومته التي شجعت التعليم فجعلته إجباريا، وراحت تهيئ له المؤسسات التعليمية، وتنشئها في مناخ مناسب ومتميز، فانتشرت الجامعات والمدن التعليمية المتكاملة وتوزعت المدارس بكل فئاتها فوق رقعة الخارطة القطرية وفي كل اتجاه.
ولقطر مواقفها الشعبية والرسمية البطولية التي لا يمكن لأهل الكويت أن ينسوها لأشقائهم، ففترة الغزو العراقي الأليمة كانت محكاً أثبت فيه القطريون، وباقي أهل الخليج مدى جسارتهم وتضحياتهم في سبيل نصرة أخوتهم، ومن ينسى ذلك المنشد القطري الذي وقف يومها على خشبة المسرح ماسحاً جراح أشقائه بصوتٍ يقول: لا هنت يا كويتي.. لك عيني لك بيتي.. في قلوبنا لك شان.. وعيني على الجهرة.. وقلبي على خيطان.. وما تفرق الوكرة.. عن هوى الريان".
وقفت قطر وقفتها المشهودة واستضافت في تلك الأيام العصيبة قمة الدوحة الشهيرة عام 1990، وخرجت بقرارات مصيرية صارمة ومهمة ضد العدوان العراقي، ما جعل المجتمع الدولي يحزم أمره أمام هذا الترابط الخليجي الذي أعطى رسالة حقيقية وجليّة للعالم بأن هذا الكيان واحد لا يمكن اقتطاع أي طرف منه، فكانت كلمتهم وفعلتهم واحدة تقاطرت وراءها أفعال وكلمات الدول الصديقة، لترمي كل ثقلها في اتجاه صد أحلام طاغية بغداد بعد ذلك.

أحمد مبارك البريكي
27-12-2015, 10:09 AM
صباح الشارقة.. وليلها

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

"إن أيامنا مثل أوراق الخريف تتساقط وتتبدد أمام وجه الشمس"..
كان صُبحاً ملأه جبران خليل، وكانت الحافلة تمضي بنا في شوارع الشارقة التي بالكاد تصبّ فيها الشمس إشراقاتها الأولى، إنه يوم بائن عنوانه وردي وجميل.. كانت محارة متحف الشارقة للفنون تنتظرنا عند بوابتها، معلنة لوحة فيها صورة هذا الملهم، الذي يعدّه كثير من العشاق صديقا لا يفارقهم في عالم افتراضي، فتخبئ المحارة بين فلقتيها معرضا مؤقتا ومتنقلا يرتحل من بلد إلى بلد عن هذا الأخطل الصغير.. اسمه "البعد الإنساني في رسوم جبرانيّة".. كانت خطواتي في بهو البهاء محسوبة، وحالة اندماج حميمي عشتها على غيمة سابحة في سماء الشعر، وأنا أجول القاعات التي تزيّنت جدرانها بمأثوراته وعمق فلسفته وشعره، فمن تاريخ ميلاده.. فارتحاله إلى أرض جديدة.. حتى علاقاته الشتى في ضفة الإنسان الآخر، ورسائله المنقوشة بمحبرته، والقصاصات البريدية بين أوراقه.. كان صباحاً فارقاً وكانت زيارة ناجعة (ناجحة) لشاعر الفلسفة الوجدانية الذي طالما أرهق القلوب زهراً.
هناك في سرمد الصحراء الواسعة الفسيحة.. رمال حمراء وكثيب سقي من خضاب، وجغرافيا تنحني بنا إلى جنوب الشارقة، حيث بادية المليحة ملتقى ليالي مهرجان المسرح، الذي أخذ خشبته من هذه الرمال المتمددة في بيد دونها بيد، وإبداع دونه إبداع.. مساء ضربت موعداً أجمل من ألف مصادفة مع الأستاذة فتحية الحداد، بعد أن عرفت أنها هنا تتقصى كل فن مونق وبديع، وأنا كنت قد لقبتها من قبل لقباً، فهي السيدة "غوغل" الباحثة في كل جميل، ورحنا بحفاوة المنظمين في جو تراث الإمارات، ورائحة الهيل وشبوب الحطب الذي أضفى دفئاً حميماً للمكان، نتابع العرض وسط جمهور افترش نعومة الكثبان واتكأ على مفارش السدو، والعتمة تحوف المكان والإنارات المسلّطة بألوانها المتبدلة، جعلت من موقع العرض قطعة من الكريستال المتلألئ في قاع بحر من الرمال.
هذه الليلة فصل أخير من عمر المهرجان، والوداع كان أردنياً، وكانت معها حكاية البدوي، والعشق الأزلي الذي أخذ أخباره من العامرية وقيسها، والنضال العذري في سبيل الالتقاء على سفح تلك الرامة، هذا الهيام الكبير الذي كانت الصحراء مسرحه.. ورقصات الدبكة و"الدحة" قصائده.. ومواويل السواقي وآهات الحنين موسيقاه، كل هذا الحدث الفني الجميل أحدث بهاء لا يوصف.. يُرى فحسب، وأنبت عنقوداً ثم شيّد قرية، فـ.. رسم أهازيج ونفحات ستظل على المدى في ذاكرتي.

أحمد مبارك البريكي
04-01-2016, 08:44 PM
أرى الدنيا بعينيك..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

في احتفالية أقامتها مبرة البغلي للابن البار، تحت شعار "أمي وأبوي تاج راسي".. حضرت بصفتي مُحكماً لمسابقة القصة القصيرة على جائزة المبرة التي تقام بشكل سنوي، وتسابق فيها عدد من الكتاب، وقد رعت هذا الحفل وزارة الشؤون الاجتماعية، ممثلة بوزيرتها السيدة هند الصبيح، وحضور رئيس مجلس الإدارة السيد إبراهيم طاهر البغلي "بو رائد".. مع عدد كبير من الشخصيات الفاعلة في المجتمع.
هذه المسابقة الخيرية التي تحمل رسالة أدبية واجتماعية مكملة لمنظومة العمل الإنساني في الكويت كونها مركزاً عالمياً لهذا العمل، واقتداءً بقائد هذه المسيرة المباركة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، فهذه المسابقة تطفئ شمعة سنتها التاسعة، بعد أن انطلقت عام 2007، هادفة إلى ترسيخ الخلق السامي في بِر الوالدين الذي حثنا عليه ديننا الحنيف.. ونشر قيم الآباء والأجداد وإذكائها في النشء والمجتمع.



***

بين مشغولات الكُتُب والانشغال بالبحث عن فرائدها بمعرض الكويت للكتاب.. كانت لي وقفة عند.. "بوث" جمعية المكفوفين الكويتية، التي يقوم على إدارتها ونشاطها ثلة جميلة من المخلصين في هذا المجال من العمل الإنساني النفعي، وعلى رأسهم الأستاذ غانم العودة، الذي اقتطعت منه لقاءً عابراً غامراً بالود، شرح لي فيه أهداف هذه الجمعية التي من أهمها إدماج الكفيف في مجتمعه، وإظهار قدراته ومواهبه وتفاعله مع محيطه المُبصر، وتوثيق أواصر التعاون بين هذه الفئة، وشغل أوقات فراغهم بما يجلب المنفعة والبهجة في نفوسهم، عدا عن نشر الثقافة لهم عبر الكتب الناطقة والمطبوعة بلغة "برايل"، وهنا وقف معي الأستاذ غانم ليشرح لي بشكل مبسط وجميل تاريخ هذا النوع من الطباعة، وكيف أنها سُمّيت على "برايل"، وهو ليس بمخترعها، فهي طريقة قديمة تستخدم في الحروب لكن العالم الفرنسي طوّرها.. لتكون مستخدمة ومفيدة، شدّني في نهاية الحديث مع الأستاذ غانم وهو يمدّ لي "كرته التعريفي"، عبارة طُبعت عليه وهي ذات مغزى عميق وبُعد تواصلي استحسنتها، وتوقفت عندها كثيراً.. هي "أرى الدنيا بعينيك".

أحمد مبارك البريكي
11-01-2016, 09:00 AM
متموسقٌ في شتاء (وسمية) و (شكسبير)..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

في مَقصدِ مسرح جلستُ مساءً.. أترصّدُ الخِضمّ الجميل وترنيمة ميلاد الرّمق، وفي معيّتي ضوء كَليل يَتسلل عبر ثقوب اللوحة، ودارات الياقوت تثمر فاكهة تنويريّة.. هنا في باحة الصّمت المغلقة، نوافذ مشرعة إلى حافلة الخيال المثقلة بصخب الأسطوريّة الملموسة، هنا.. كون عملاق يزخر زخرفه في كل هذا الضجيج.. قد عشت ليلة شتاء دافئة، ليلة جميلة بكل المقاييس، أحيتها فرقة أوركسترا جلورشيه الأوروعربية التي تعزف النغم العالمي ببصمة كويتية، بقيادة مؤسسها الموسيقار الكويتي د.سليمان الديكان ابن الموسيقار المخضرم غنام.
المقطوعة التي أطلق عليها اسم "وسمية".. إخلاصاً لتلك الطبيبة التي اختارت الكويت وطناً بديلاً تمسح جراح أهلها في مستشفى الإرسالية الأميركية (الأمريكاني).. بين أعوام 1934 و1975، واسمها الحقيقي غير الكويتي هو ماري أليسون.. وقالت حينما حطت أرض الكويت أول مرة بأن الأمل يعتمل إلى الأبد في صدر الإنسان، وبأن الحياة في هذا البلد الصغير مستغرقة في الهدوء ومسالمة، حتى الأصوات كانت طبيعية، فكانت هذه الأصوات النغمية التي ردّتها الكويت بموسيقاها وفاءً لهذه الإنسانة التي عاشت هنا.. وكانت هذه السهرة.. العابقة بالخلود.

***

متحلّقون في الأثير، في قلب مجرة النغم، عتمة باهرة وقبس ألحان من حياة ورسائل الأوتار، هكذا كانوا يغنون لقسوة الشتاء.. ويتنادون الزهور ورائحة التفاح، وهكذا كانت بهجتهم في عمق الفصل القاسي في برودته.. انتظاراً لمجيء الربيع، في بحر اللحن وذرور السحر، أنا هناك على أنغام موسيقى العصر الإليزابيثي المفعمة بالحياة والحب ونداء النفير.
ارتحلت مع الصوت في وحي زمن شكسبير، وموسيقى الغليارة وطبول الفالس إلى حيث منتصف طريق التاريخ، هي الأغاني ذاتها التي كان يغنيها الإنجليز العاديون في شتاءاتهم.. في حاناتهم.. مقاهيهم.. والحقول، وكما الإيقاعات التي تدق لتنبيه رجال البلاط بوصول الملكة.. قد عشت أمسية خيالية من ذلك الزمن.

أحمد مبارك البريكي
19-01-2016, 08:28 AM
في منبع النور

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

من منكم يتذكر تلك الأحجية التي شاهدناها صغاراً عبر شاشتنا الصغيرة، وهي من القصص العالمية التي كان تلفزيون الكويت يبثها لنا؛ قصة رحلة إلى باطن الأرض، إنها رواية منسوخة من روايات الكاتب الفرنسي "جول فيرن"، و كانت بالأساس رواية أسطورية عن عالم فلك كان يمشي في صحراء يستكشف النجوم، سقط فجأة في حفرة عميقة فجاءه صوتٌ يقول: "أنت تحاول أن تعرف أسرار السماء، لكنك تغفل عن الأسرار التي تحت قدميك".
إذاً أنا في منتصف جبل ثور أرتقي إلى السماء، أجاهد وصولا إلى نبع النور، أستكشف أسرار المعجزة التي تفجّرت تحت قدم شريفة ذات هجرة ليكتبها التاريخ.
من هذا السفح، وفي هذا الغار الضيق بدأ التقويم الهجري، هنا مرت ذات النطاقين، وهنا كانت المحطة الأولى للهجرة النبوية التي غيّرت وجه البشرية.. اليوم هو جُمعة والبلدة هي طيبة.. والمغامر هو أنا، الذي اتخذت سبيلي ضرباً في الجبل الذي يقع جنوبا من الحرم المكي الطاهر ببضع كيلومترات، وبعلوٍ يقربُ الـ 750 متراً إلى السماء.. الطريق إلى أعلى وعر جداً، يكسوه الجلمود غير المسوّى في أرضٍ بلا استواء، وعكّازي صديقٌ مؤقت، استعنت به سلاحاً أعارك هذه الحجارة الجبلية المبثورة بعشوائية من قمة الرأس حتى القاع.
أصِلُ مع الصلاة للنقطة الأخيرة عند مغيب الشمس.. هنا غار ثور الذي دلفته، ورهبةٌ تعتمر روحي لقدسية الأجواء وصمت الزمن وهدوئه، بعد أن شهد هنا حادثة انبثقت منها جميع الأحداث، إنه ذات المكان الذي تحلّق فيه أكرم البشر وصاحبه ثلاث ليالٍ ليتخفيا عن مطاردة قريش، فيسأل ثاني اثنين إذ هما في الغار رسول الله، بأن لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا.. فكان الجواب "يا أبا بكر.. ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟".. ولينزل الوحي العظيم بآية معجزة فيقول عز وجل.. "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وهذا الغار الذي استودعتهُ العناية الإلهية لمصير رسالة ومستقبل حضارة، الذي وطئته قدمٌ شريفة وتفحصته اليوم بقدميّ هو في حقيقته صخرة مجوفة، قطرها لا يتعدى المتر وربع المتر، لها فتحتان واحدة سفلية من جهة الشرق، وأخرى علوية من الجهة الغربية..

أحمد مبارك البريكي
03-03-2016, 01:08 PM
هناك حيث الطبيعة على طبيعتها..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

على نهايات المربعانية وولادة فترة البطين، وقفنا في زيارة عند قرية صباح الأحمد للموروث الشعبي.. التي يرعاها الديوان الأميري، وتقع في منطقة شعيب عمارة الدرب بين مركز النمرتين والمسناة في غرب الكويت، وهذه القرية التي أنشئت بشكل تراثي يجمع بين البيئة البرية والقروية الكويتية، تدخل احتفاليتها للعام السادس منذ إطلاق فكرة مشروعها الموروثي، تحت رعاية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وتقام في موسم "المظهار" وعطلة الربيع تحت سماء يناير.
والقرية التي أحيت على أرضها نباتات الجِرم والعرفج والرمث والحمض والأرطه والثنده والربله والحمبزان، ونباتات أخرى كثيرة بادت لكنها سادت هنا في المكان المنسق بعناية وجمال، وقد عاين كل ذلك الزرع الطبيعي صغاري كرؤيا العين، لتأخذنا طرقات القرية المرصوفة ببيوت الطين إلى متعة أخرى، حيث محمية صغيرة وضعت فيها حيوانات البيئة الصحراوية كالحبارى والطيور المهاجرة والغزلان والإبل وغيرها.. وفي جانب آخر حضر الأنتيك والموروث الورقي الكويتي بأبهى صوره، فكان ركن التاريخ الرياضي وتاريخ الجواز الكويتي والعملة الكويتية، ومكتبة تحوي الإصدارات القديمة من المجلات والجرائد الكويتية.. وممرات عابقة بالفنون الشعبية وتراث "الكارتردج" والكاسيت والبشتخته، وحضور بهي أيضا لموروثات توائمنا في التعاون الخليجي، ولم تخل القرية من متاحف فنية وأعمال رسم وتصاوير، وذكريات سنوات العدوان، التي يشرف عليها المجلس الوطني للثقافة والفنون، كل هذا العبق عشناه نهارا في حميمية فسيحة الأرجاء صحراء الكويت.
وعلى أثر فطر "الفقع".. أو الكمأة، اتخذت سيارتنا طريقها عبر "دبّايات القرعة".. نزوحاً من مركز النويصيب، غرباً حيث ضلع عرق، والأحيرش، وجيّان سكرة والعرفان وبئر ركبة، وطياً على هجرة أبرق الچبريت، ثم الاتجاه ربعاً خالياً إلى الشمال الغربي الجغرافي، بمحاذاة ركن الدبدبة على الحدود الكويتية، والأرض تتبدّل تحت أقدام "موترنا" من القفر والدهر شيئاً فشيئاً إلى الخضار والربيع، والخط الرملي يشقّ كل ذلك الأخضر بامتداد لا يتوقف.. حتى بدت طلائع الإبل والحلال وانتثار الظل، فكانت قلمة خالد ورميثان، وفيها كانت نقطة التقاط "بانيات البيت" المتباهية.. وأنفاس الطبيعة الأخاذة.

أحمد مبارك البريكي
03-03-2016, 01:10 PM
حفل.. و (دهب)

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

حضرت حفل تكريم أقامته الأسبوع الماضي رابطة الأدباء الكويتيين، لمجموعة من المشاركين الشباب في دورة كتابة القصة والرواية للأستاذ عبدالوهاب السيد، بحضور الأستاذ طلال الرميضي الأمين العام للرابطة، والأستاذ خلف العصيمي مشرف الدورة التي تندرج تحت سلسلة دورات أكاديمية الأدب، بالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون الشباب، ويقوم عليها نخبة من المتخصصين من الأساتذة الأدباء، وتشرف عليها الرابطة التي باتت في السنوات الأخيرة تستعيد دورها الريادي والثقافي في الحركة الأدبية، وبشكل لافت ورائع يدعو للإشادة والتقدير لهذا النشاط الملحوظ، المنعكس جيداً على الوسط الأدبي والمجتمعي، والمشهد الثقافي بشكل عام في الكويت، من خلال تكثيف الدورات والندوات والملتقيات الأدبية التي تستهدف الشباب، وتشغل أوقاتهم في صقل مواهبهم وإبداعاتهم، فتحية للقائمين على هذا الصرح الأدبي، الذي يستحق أن نفخر ونعتز بجهود إدارته.

***

ماتت "دهب".. تلكم الفتاة المشاكسة القطقوطة الصغيرة التي شغلتنا طرباً واستعراضاً وألماً على حدوتها الحزينة، بعد أن كنا نجلس نتشاطر حكايتها تحت تلفاز "الأريل" النقي، ظهراً مع ختام برنامجنا الأول وانتهاء فترة صباح الخير، لتظهر كروان الفن وبلبله وهي تشدو في شوارع التشرد فرحة بنقدية الريال الفضة: معانا ريال معانا ريال.. حتى تنتهي فقرة الفقر بوصلة الغنى والغناء، وحفلة البلياتشو.. فتتمخطر بنا وتتمايل على خيل، وتطير بعيداً في السماء تناغي عصافير الجنة، ثم تعود إلى الأرض لتركب "البسكلته" وتبتعد.
كانت ياسمين أشهر طفلة سينمائية في الأيام التي لا تعرف إلا الألوان الثلاثة الأسود والأبيض وبينهما رماد، ولم تتكاثر علينا الوجوه الملوّنة وهواة الشهرة "الفالصو"، يومها كان للمسرح فاكهة وفكاهة، لا يحمل على خشبته غير المونولوج الذي أبدعت هي فيه وأبهرت، رحلت فيروز الصغيرة قبل أيام.. وقد كنا تركناها هناك لتكبر بعيداً على سطح "الأريل" النقي.. وكبرنا نحن في ملهى الحياة.. واختفت كثيراً، حتى أفقنا على حقيقة الرحيل.. لكنها ليست سوى الصغيرة التي تركناها ذلك اليوم في خيالنا الكبير.

أحمد مبارك البريكي
03-03-2016, 01:10 PM
سهرة على.. التلفاز

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

تعيدني روايات أغاثا كريستي إلى يفوعتي وشغفي وقتذاك بقراءة الألغاز الجرائمية، وقصص البحث والتحري والغموض ونهايات المقصلة العادلة، يوم أمس كان لي حيز من الوقت أعملتُ فيه شاشة التلفاز لألتقي مشاهدة بمسلسل "ثم لم يبق أحد".. الذي أخذ قصته من رواية تحمل ذات الاسم للكاتبة البريطانية، وهي من الروايات العالمية الخالدة، وعلى مدى ثلاثة أجزاء وثلاث ساعات رحت أبحر مع الشخصيات العشر إلى الجزيرة الصغيرة التي عليها اختفى كل شيء، وفي القصر الأبيض الكبير والوحيد الذي يعتلي تلة الجزيرة السابحة كانت الغرفة المغلقة التي حوت بين جدرانها لغز الجرائم العشر غير المحلولة.

***
جيرتورد بيل، قليل منا قد سمع بهذا الاسم، بعد أن طغى عليه اسم ضابط المخابرات البريطانية لورانس أثناء فترة الثورة العربية الكبرى، التي تتم هذه السنة مئويتها الأولى، وعودة إلى جيرتورد ملكة الصحراء التي كانت نجمة لسهرة أقمتها أمام تلفازي.. التي لعبت دوراً مهماً وحاسماً في تغيير الخارطة السياسية بمنطقتنا العربية، فجمع الفيلم المنتج عام 2014 الذي غاص في حياتها الشخصية بين الحب والحرب، ونسائم سحر الشرق الذي أسر ألباب الغرب، فكانت أشعار الخيّام وسرمدية الصحراء التي بلا طرق بصمتها ووحدتها التي لا تخترق، كما لو كانت خماراً عظيماً يغطي وجه الأرض، هنا وجدت (جيرتورد) نفسها فانتمى قلبها لهذه الواسعة بعد أن عرفت من تكون، قال لها صديق إن الجنة بلا زمن ولا عمر ولا مكان، أحب شجاعتها أعيان العرب فلقبوها بصانعة الملوك و"أمهم".. ومع ذلك فقد رأت أنها ليست محصنة من الخطأ والغدر، بعد أن غطى وجهها التراب وعينيها الطين، ودموعها غدت فيروزاً سماويا.. وفتاها الذي وجدته في الشرق وأحبته رحل حينما وجد الرحيل سهلاً.. غادر قائد القافلة ليترك لها حجاً كبيراً.

أحمد مبارك البريكي
03-03-2016, 01:12 PM
حدث و حادثة

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

يسألني صديق عن انتمائي الكروي محلياً، فأجيبه بأن ماضي تشجيعي كان ناصعاً للنادي الأبيض نادي الكويت، وكان لاعبي هو العنبري.
كانت حادثة مغامراتية في يوم صيف ارتكبتها يافعاً، أحلم بحضور مباراة من مباريات الدوري الحاسمة التي عنيت لها في أواخر الثمانينيات، وهي أول مباراة أدخلها مشجعاً مباشراً في الملعب ضد غريمنا التقليدي وقتها فريق كاظمة.
خططت لذلك الهروب الشغِف قبل ليلة من موعد المباراة المشهودة، وجمعت لها عدّة النقود، وبعد خروجي ظهيرة النهار القائظ من المدرسة، تجهزت للهدف دون معرفة أبي ودون تناول الغداء.
أقف وحيداً عند محطة المواصلات متلهفاً لأصل لملعب كيفان، حتى أتخذ مكاني قبل الزحمة، ويبدأ اللقاء وتُقرع الطبول ويعترك الميدان ويتبارى الخصوم، وفي لُجّة الجمهور و"لجّة" التصفيق ضاع جُرمي الصغير، فرحتُ أمارس التشجيع ومشاهدة "نجوم" ليلتي المفضلين، متناسياً نجوم القايلة التي قد أراها في عودتي.
كان لقاء لا يُنسى، غنِم نتيجتها فريقي فكانت ليلة نصر ملأتني فرحاً، خرجت متأخراً لأجد أمامي هوجٌ من شغب، وغضب من جماهير راحت (بعضها) تقذف بالحجارة الحافلة التي استقليتها للرجوع ليتبعثر الزجاج، ويتهشّم فوق ظهورنا ونحن نختبئ تحت كراسي الباص، لكن بلطف الله، وبسرعة بديهة السائق الذي أطلق ساق حافلته لعنان الريح، جاءت الأحداث المرعبة سليمة، لكنني اعتبرتها في نفسي المؤنبة دينا وجزاء غير مباشر لخروجي في ذلك "العصر" دون سابِق إذن.

أحمد مبارك البريكي
13-04-2016, 11:06 AM
بانوراما الأسفار..

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

في الطريق بين قريتي بونشك وباندنغ بين الجبال الخضراء في جزيرة سومطرة، وعلى مبعدةٍ من جاكرتا بنحو ساعتي زمن، تعطلت سيارة "الفان" التي كانت تقلّنا، فنزلت للتمشية ريثما يصلح السائق سيارته، لأجد في الجوار وبالقرب من غابة مطيرة بيتاً ريفياً مبنيّاً غالباً من أشجار الزان، وذا جوانب شبه مفتوحة، كتب على باب المنزل "نحن نهتم بالفنون والرسم.. تفضل".. طرقتُ الباب ودلفت مستئذناً إلى بهوٍ واسع وجميل يكتنز بمقطوعات فنية ورسومات سوّتها بجمال ريشةٌ بفرشاةٍ بارعة.. فكان المكان وكانت الصورة وكانت هذه الحكاية.


...

البحرُ فضاءٌ أبيض، يغمرُ سواحل الجزيرة بسخائه الكبير، والنهار شمعة هادئة تذوب في صيوان الإيقاع الناعم، وخيوط الشمس المُرسلة تنبعث عناقيد ذهبية لترسم الحياة، و"الأزرقان" يتلامسان عند قوارب ورمال، وشجر محتشد والتظاهرة ملهمة، مشهد يسكن الناظر لبهائه المريح.
في "جزيرة برسلين".. كل صورة نقاء، وكل موضع أفق وكل زمن ومضة.. يدّعي أهل هذه الأرض بأن "روبنسون كروزو" الذي ابتدعه القاص الإنجليزي "دانيل ديفو" قد عاش قصته المثيرة هنا، على هذه الشطآن العريضة، وتحت تلكم الغيمات القطنيّة، وعند غابات النخيل المتكاثفة بين الوادي والمحيط، إنها أرض حلم الانعزال، والعيش في ظل رحمة الطبيعة السخيّ.


...


أنا هنا أدخلُ مسكناً لعائلة ريفيّة، تقطن منزل الخشب الأليف الذي يؤاصرُ البحر والريف، على ربوةٍ تتوطن إحدى جزر المانش، وبدعوة مضيافية من ربة المنزل العجوز التي رحّبت بسائحِ نهار يزورها مستطلعاً ومتبضعا، تبدو أشياء البيت بسيطة لا متكلّفة ولا بذخة، معمولة يدوياً لكنها برغم ذلك تقدحُ أناقةً ورونقا، فتنوعت المعروضات التي تأخذ طابع النُدرة والمحدودية بين الأنتيك ومقاعد الخشب، وفازات الزهور ولوحات الزيت والصور ولُعب الأطفال والتذكارات، وحتى السكاكر المصنوعة في البيت، غير الأواني الخزفية والفخار.. أخذت ما تسنى لي أن أقتني، ودار حديثٌ قصير عند صندوق التحصيل بعد صورة "السيلفي".. عن الأفكار البسيطة التي يطلقها العقل لِتُخلق منها أشياء جميلة وملموسة يشتريها الآخرون.

أحمد مبارك البريكي
13-04-2016, 11:07 AM
اسكوبار.. تاجر السم


بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem


جزء من ليل آذار، أمتهنُ الإبحار فيه بطيفِ الشاشة ونطاق الهدوء مع جنة مفقودة في عالم (بابلو اسكوبار جافيريا)، أعظم زعيم عصابات عرفته أمريكا اللاتينية في القرن العشرين، وعرّاب الهيروين وتاجر السم الأبيض رقم واحد في العالم، الذي جمع من طحين الزعاف ثروة لا تُحسب، تضاهي بضخامتها ميزانية بلاده كولومبيا.
عرف اسكوبار بتنظيمه للجريمة ومنهجتها بشكل مؤسسي، ليترك لمن بعده إرثا ونمطا من الإجرام سارت على خطواته مجموعات المافيا في ما بعد، واعتمد في كل ذلك على القوة واستخدام السلاح والتهديد والرعب والابتزاز، حتى وصل إلى مراكز قانونية، وسلطة مغطاة بورقة الاقتراع الشعبي ففاز بعضوية البرلمان الكولومبي.
قالت عنه تقارير جهاز المخابرات المركزية الأميركية (CIA): "كان بابلو اسكوبار زعيما للمافيا، هو مهرب لا يعرف الرحمة، ربما قتل عددا أكبر من الناس بالمقارنة مع أي مهرب آخر في تاريخ كولومبيا، أي أنه قاتل لا يرحم، وقد تحالف مع مجموعات إرهابية، وضعت المتفجرات في الطائرات المدنية إنه مجرم جماعي، لم يكن بابلو اسكوبار مجرد مهرب عادي، بل سيبقى في تاريخ كولومبيا لأكثر من مئة عام".
لكن برغم كل ذلك التعطش الكبير للعنف والقتل الذي استنّه في القضاء على كل خصم يحاول وضع متراس القضاء في دولاب جريمته المنظمة بلا رحمة ولا تهادن.. فإنه يملك في نفسه وجهاً آخر معاكساً لكل تلكم البشاعة، فقد مارس وظيفة "روبن هود" الشهيرة، فصار بطلاً قومياً عند فقراء قومه الذين راح يوفِّر لهم من نقودهم المطليّة بدمائهم بيوت الطبابة والتعليم والسكن، فهو يرى بأن نبتة المخدرات ليست إلا منتجاً وطنياً تقليدياً يقدمه بشرف لكل الدنيا.
فطلبته الولايات المتحدة وأوروبا بعد أن أغرق شبابها في وحل الأبيض القاتل، فلم تنل منه عبر مطاردتها له لعدة سنين، لكن رصاصة شرطي كولومبي كتبت خاتمة القصة التي أرهقت فصولها جمهورية كولومبيا لعقود، وأدخلتها حرباً أهلية مجنونة طوال فترة الثمانينيات، راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، والمئات من رجال الشرطة وقضاة العدل والوزراء ومرشحي الرئاسة، وأقصيت البلد بذلك من تنظيم أكبر تظاهرة رياضية وهي كأس العالم لكرة القدم عام 1986، التي رُحّلت منافساتها إلى مكسيكو.

أحمد مبارك البريكي
13-04-2016, 11:08 AM
هنا كويت

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

سوق المباركية، قلب الكويت التراثي النابض، والممزوج بالعبق وسقوف (الجندل)، ورائحة جدران الطين والسمك والمتاجر ذات الأبواب "الشينكو".. أخذ مسماه من مؤسس الكويت الفعلي الشيخ مبارك الكبير، الذي نص الدستور بعده بتوارث الإمارة في ذريته، ويتوسطه الكشك الشهير باسمه الذي كان في حياته مجلساً للشورى والحكم والمفاصلات القضائية، وديواناً أميرياً بالمفهوم الحالي.
ويتفرع من السوق عديد من الأروقة والأسواق الصغيرة التي تعرف كل منها بالبضائع المبيعة فيها، كسوق البشوت واللحم والتمر والجت والفرضة، أما أشهرها فسوق الحريم، الذي أخذ صفته من النساء اللاتي كن يدرن تجارتهن فوق البسطات المرتفعة عادة على "عرازيل" خشب لبيع بضائعهن ومصنوعاتهن والهدايا، وخصوصا المستلزمات المحاكة يدوياً كـ "القحافي".. و"الشيال".. و"الخرايط".. والإزار والأثواب النسائية وغيرها.. كما يمتد سوق الغربللي القديم في أحد معابر السوق الكبير، ويضم محال العطارة والذهب والصرافة، وباعة الحلويات والمقاهي.. ويميز السوق وجود ما يعرفه الكويتيون بـ "الحمالية"، وهي مهنة يتخذها رجال يحملون في الماضي "الزبيل" المصنوع من الخصف على ظهورهم، يستأجرهم المتبضعون لحمل مشترياتهم، وقد انقرضت فيما انقرض هذه المهنة القديمة التي خلّدها عبدالحسين عبدالرضا في أحد (اسكتشاته)، حينما راح يغني وسط السوق مناديا: "ياحمّالي شيل أغراضي ولك إميه وخمسين".
تم ترميم السوق بشكل حداثي ممزوج بروح الماضي في العقد الأخير، مع المحافظة على كل المواقع التاريخية فيه، فكانت زيارتي هذه مخصصة لتكون تصويرية لهذا المكان الذي يزفرُ الماضي الجميل.. لأرصد ما استطعت، فأريكم ما قد رأيت.

***

في هالجو السيبيري الحلو.. كان طيف السبت اللطيف يزورنا بعطلته، ولهفة في عيون الصغار لمعاودة نزهة الأسبوع التي توارت في أيام الإجازة، وكان الخيار سينما وفيلما عائليا جديدا اتسم بروح مرعبة، وحكاية مدهشة، فكانت مشاهد فيلم جميل تنزُّ أضواؤها من شاشة كبيرة لتتلقفها عيون صغيرة مترقبة.
حديقة الحيوان كانت محطتنا التالية، حيث راحت القلوب ترقب استعراض الإوز في بحيرته، ولعبة الظباء، وغضب الدب، وزئير الأسود، وغرور الطاووس في محميته، وزركشة ألوان الطيور في قفصها الأخضر الفسيح، والزرافة التي قال لها نزار ذات شعر: فمن الذي سيوزع الأقداح أيتها الزرافة؟.. ومن الذي نقل الفرات لبيتنا.. وورود دجلة والرصافة.. حتى توقفنا عند ضخامة الفيل وبيته.. لتقفز في بالي "نملة مطر".. وهي تلقن الفيل درسها فتقول: يا أيها الفيل.. أكبر منك بلاد العرب.. وأصغر مني إسرائيل.

أحمد مبارك البريكي
13-04-2016, 11:09 AM
إما أن نبقى معا أو ننتهي معا

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
في غمرة العواصف والاضطرابات الإقليمية، والتهديدات المحدقة بوطننا الصغير، نسمع أصواتا نشازا صارخة الأذى لنا ولمصلحة بلدنا، تخرج من بيننا ومن بني جلدتنا، تتكسب سياسيا في غير وقتها، وتقتات على خبز الفرقة، تضرب لتسجّل سبقا طائفيا وبطولة مزيفة واهية، على حساب الوحدة والصف الخليجي الواحد، وسيلتها وسلاحها اللسان الذي يرمي بكل قدح ونار دول الخليـج بشعوبها وأنظمتها الحاكمة.
هذه الأفواه التي لا تعرف ما تهرف به، اتخذت سبيلا معاكسا للسياسة الحكيمة التي تنتهجها الكويت في ربط علاقاتها بالجوار بوشائج الصداقة والتعاون والاحترام، وإذ يتساءل الكثير عن كيف تجرؤ هذه الألسنة المسننة على بلدان شقيقة، رمت بأثقالها وبكل ما تملك في أتون حرب حقيقية لا تبقي ولا تذر، ورهنت مستقبلها ومستقبل شعوبها على كف حريق من أجل نصرة الكويت وشعبها وشرعيتها في أحلك أيامها وأقساها؟
المملكة العربية السعودية جارتنا الكبيرة والكريمة، التي كانت على الدوام عونا لنا، يوم جارَ جارُ الشمال وأصبح جيشه في عقر دارنا هبّت لنجدتنا، لا نعرف شقيقة كبرى غيرها بعد أن رأينا فعلها لا قولها، علاقتنا بها وبشعبها علاقة دم ومصير مجردة من مصالح وابتزاز، السعودية التي تضم في صدرها شعبا خليجيا يشبه شعب الكويت بأطيافه ومكوناته هي عمقنا الحقيقي، وهي التي انصهرت دماء أبنائها بدمائنا ليعود الحق وينتصر.
البحرين مملكة الإخاء التي عاشت على الدوام خليجية خليفية، تقف مع شقيقاتها في سرّائهم وضرائهم، لا نعرف عن أهلها إلا التواد والتراحم وطيبة النفس، فالبحريني هو البحريني المسلم الصادق النقي، وليس للطائفية القادمة من أفواه الخارجين من أرضنا على أرضها حياة.
إن كان بيننا قلّة ممن لا يحفظون الجميل وينكرون المعروف، ويسلّطون ألسنتهم سبا وذما على أوطان أهلنا في الخليج، فلا يضير أهل الكويت حافظي الدّين، ما فعل السفهاء، فمواقف الشرفاء محفوظة بسطور الوفاء، وكلمات الملك فهد -رحمه اللـه- لا تنساها الكويت وشعبها، وهو يقول: "لا حياة للسعودية بعد الكويت.. إما أن نبقى معا أو ننتهي معا".

أحمد مبارك البريكي
13-04-2016, 11:10 AM
موقعة أزتيكا

بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem

لا تنسى ذاكرة الإنجليز الكروية ذلك اللقاء "المارادوني" الذي تمرّد فيه مارادونا عليهم، بعد أن جمعهم مسار كأس العالم في طريق الأرجنتين بمباراة مفصليّة في ربع نهائي مونديال 1986 بالمكسيك، وعلى ملعب أزتيكا الكبير، وقف بيتر شيلتون الحارس الإنجليزي المخضرم مصافحاً العبقري قصير القامة مارادونا كابتن الفريق الأرجنتيني، ليتبادل معه الأعلام قبيل اللعب.
فكانت هذه الصورة الجدارية التي علقت وشاهدتها في بهو ملعب ويمبلي بالعاصمة الإنجليزية، وتحمل نفحات ذاك اللقاء الذي شهد حضوراً لرائحة بارود حرب الفوكلاند، التي صارت فيما بعد واحدة من أكثر المباريات في تاريخ كأس العالم إثارة وغرابة وشهرة، لكن قبل نهاية اللقاء سجل لينكر هدف إنجلترا الوحيد، الذي توّجه كهداف لتلك البطولة كأول وآخر إنجليزي يفعل ذلك، وحين انطلقت صافرة نهايتها بعد هذا التبادل "البريستيجي" بـ 90 دقيقة، حفرت في ذاكرة المونديال هدفاً أسطورياً استطاع فيه نجم الأرجنتين الأوحد أن يراوغ كل لاعبي إنجلترا وصولاً للمرمى، لتصنفه وسائل المراقبة كهدف لا يمكن تكراره أبداً، ولايزال يُدرّس وتعاد مشاهدته، بعد أن أجمع عليه الجميع من نقاد وصحفيين بأنه الهدف المنفرد كأعظم كرة هزت الشباك في تاريخ كرة القدم، وقبلها بدقائق كان مارادونا ينثر سحراً من نوع آخر، حينما أعمى الحكم التونسي علي بن ناصر عن "يدويّته" التي أسكنت في الشبكة هدفه الأول، ليصرح بعد المباراة بأنها ليست يدي إنما هي "يد اللـه" التي انتصرت لبلده ضد غطرسة بريطانيا العظمى، وكان يرمي بهذا إلى حرب جزر (الفوكلاند) الشهيرة بين البلدين، التي دارت رحاها قبل ذلك المشهد بأربع سنوات.
وقفت السنون عند هذا العام 2016 بعد 30 سنة ليبحث مارادونا عن الحكم التونسي العربي في سوسة، ويرتحل إليه ليهديه شيئاً من الاعتذار الجميل، وقميصا شهد تلك الموقعة بتوقيعه.