بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
لا تنسى ذاكرة الإنجليز الكروية ذلك اللقاء "المارادوني" الذي تمرّد فيه مارادونا عليهم، بعد أن جمعهم مسار كأس العالم في طريق الأرجنتين بمباراة مفصليّة في ربع نهائي مونديال 1986 بالمكسيك، وعلى ملعب أزتيكا الكبير، وقف بيتر شيلتون الحارس الإنجليزي المخضرم مصافحاً العبقري قصير القامة مارادونا كابتن الفريق الأرجنتيني، ليتبادل معه الأعلام قبيل اللعب.
فكانت هذه الصورة الجدارية التي علقت وشاهدتها في بهو ملعب ويمبلي بالعاصمة الإنجليزية، وتحمل نفحات ذاك اللقاء الذي شهد حضوراً لرائحة بارود حرب الفوكلاند، التي صارت فيما بعد واحدة من أكثر المباريات في تاريخ كأس العالم إثارة وغرابة وشهرة، لكن قبل نهاية اللقاء سجل لينكر هدف إنجلترا الوحيد، الذي توّجه كهداف لتلك البطولة كأول وآخر إنجليزي يفعل ذلك، وحين انطلقت صافرة نهايتها بعد هذا التبادل "البريستيجي" بـ 90 دقيقة، حفرت في ذاكرة المونديال هدفاً أسطورياً استطاع فيه نجم الأرجنتين الأوحد أن يراوغ كل لاعبي إنجلترا وصولاً للمرمى، لتصنفه وسائل المراقبة كهدف لا يمكن تكراره أبداً، ولايزال يُدرّس وتعاد مشاهدته، بعد أن أجمع عليه الجميع من نقاد وصحفيين بأنه الهدف المنفرد كأعظم كرة هزت الشباك في تاريخ كرة القدم، وقبلها بدقائق كان مارادونا ينثر سحراً من نوع آخر، حينما أعمى الحكم التونسي علي بن ناصر عن "يدويّته" التي أسكنت في الشبكة هدفه الأول، ليصرح بعد المباراة بأنها ليست يدي إنما هي "يد اللـه" التي انتصرت لبلده ضد غطرسة بريطانيا العظمى، وكان يرمي بهذا إلى حرب جزر (الفوكلاند) الشهيرة بين البلدين، التي دارت رحاها قبل ذلك المشهد بأربع سنوات.
وقفت السنون عند هذا العام 2016 بعد 30 سنة ليبحث مارادونا عن الحكم التونسي العربي في سوسة، ويرتحل إليه ليهديه شيئاً من الاعتذار الجميل، وقميصا شهد تلك الموقعة بتوقيعه.
13-04-2016 11:09 AM
أحمد مبارك البريكي
إما أن نبقى معا أو ننتهي معا
إما أن نبقى معا أو ننتهي معا
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
في غمرة العواصف والاضطرابات الإقليمية، والتهديدات المحدقة بوطننا الصغير، نسمع أصواتا نشازا صارخة الأذى لنا ولمصلحة بلدنا، تخرج من بيننا ومن بني جلدتنا، تتكسب سياسيا في غير وقتها، وتقتات على خبز الفرقة، تضرب لتسجّل سبقا طائفيا وبطولة مزيفة واهية، على حساب الوحدة والصف الخليجي الواحد، وسيلتها وسلاحها اللسان الذي يرمي بكل قدح ونار دول الخليـج بشعوبها وأنظمتها الحاكمة.
هذه الأفواه التي لا تعرف ما تهرف به، اتخذت سبيلا معاكسا للسياسة الحكيمة التي تنتهجها الكويت في ربط علاقاتها بالجوار بوشائج الصداقة والتعاون والاحترام، وإذ يتساءل الكثير عن كيف تجرؤ هذه الألسنة المسننة على بلدان شقيقة، رمت بأثقالها وبكل ما تملك في أتون حرب حقيقية لا تبقي ولا تذر، ورهنت مستقبلها ومستقبل شعوبها على كف حريق من أجل نصرة الكويت وشعبها وشرعيتها في أحلك أيامها وأقساها؟
المملكة العربية السعودية جارتنا الكبيرة والكريمة، التي كانت على الدوام عونا لنا، يوم جارَ جارُ الشمال وأصبح جيشه في عقر دارنا هبّت لنجدتنا، لا نعرف شقيقة كبرى غيرها بعد أن رأينا فعلها لا قولها، علاقتنا بها وبشعبها علاقة دم ومصير مجردة من مصالح وابتزاز، السعودية التي تضم في صدرها شعبا خليجيا يشبه شعب الكويت بأطيافه ومكوناته هي عمقنا الحقيقي، وهي التي انصهرت دماء أبنائها بدمائنا ليعود الحق وينتصر.
البحرين مملكة الإخاء التي عاشت على الدوام خليجية خليفية، تقف مع شقيقاتها في سرّائهم وضرائهم، لا نعرف عن أهلها إلا التواد والتراحم وطيبة النفس، فالبحريني هو البحريني المسلم الصادق النقي، وليس للطائفية القادمة من أفواه الخارجين من أرضنا على أرضها حياة.
إن كان بيننا قلّة ممن لا يحفظون الجميل وينكرون المعروف، ويسلّطون ألسنتهم سبا وذما على أوطان أهلنا في الخليج، فلا يضير أهل الكويت حافظي الدّين، ما فعل السفهاء، فمواقف الشرفاء محفوظة بسطور الوفاء، وكلمات الملك فهد -رحمه اللـه- لا تنساها الكويت وشعبها، وهو يقول: "لا حياة للسعودية بعد الكويت.. إما أن نبقى معا أو ننتهي معا".
13-04-2016 11:08 AM
أحمد مبارك البريكي
هنا كويت
هنا كويت
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
سوق المباركية، قلب الكويت التراثي النابض، والممزوج بالعبق وسقوف (الجندل)، ورائحة جدران الطين والسمك والمتاجر ذات الأبواب "الشينكو".. أخذ مسماه من مؤسس الكويت الفعلي الشيخ مبارك الكبير، الذي نص الدستور بعده بتوارث الإمارة في ذريته، ويتوسطه الكشك الشهير باسمه الذي كان في حياته مجلساً للشورى والحكم والمفاصلات القضائية، وديواناً أميرياً بالمفهوم الحالي.
ويتفرع من السوق عديد من الأروقة والأسواق الصغيرة التي تعرف كل منها بالبضائع المبيعة فيها، كسوق البشوت واللحم والتمر والجت والفرضة، أما أشهرها فسوق الحريم، الذي أخذ صفته من النساء اللاتي كن يدرن تجارتهن فوق البسطات المرتفعة عادة على "عرازيل" خشب لبيع بضائعهن ومصنوعاتهن والهدايا، وخصوصا المستلزمات المحاكة يدوياً كـ "القحافي".. و"الشيال".. و"الخرايط".. والإزار والأثواب النسائية وغيرها.. كما يمتد سوق الغربللي القديم في أحد معابر السوق الكبير، ويضم محال العطارة والذهب والصرافة، وباعة الحلويات والمقاهي.. ويميز السوق وجود ما يعرفه الكويتيون بـ "الحمالية"، وهي مهنة يتخذها رجال يحملون في الماضي "الزبيل" المصنوع من الخصف على ظهورهم، يستأجرهم المتبضعون لحمل مشترياتهم، وقد انقرضت فيما انقرض هذه المهنة القديمة التي خلّدها عبدالحسين عبدالرضا في أحد (اسكتشاته)، حينما راح يغني وسط السوق مناديا: "ياحمّالي شيل أغراضي ولك إميه وخمسين".
تم ترميم السوق بشكل حداثي ممزوج بروح الماضي في العقد الأخير، مع المحافظة على كل المواقع التاريخية فيه، فكانت زيارتي هذه مخصصة لتكون تصويرية لهذا المكان الذي يزفرُ الماضي الجميل.. لأرصد ما استطعت، فأريكم ما قد رأيت.
***
في هالجو السيبيري الحلو.. كان طيف السبت اللطيف يزورنا بعطلته، ولهفة في عيون الصغار لمعاودة نزهة الأسبوع التي توارت في أيام الإجازة، وكان الخيار سينما وفيلما عائليا جديدا اتسم بروح مرعبة، وحكاية مدهشة، فكانت مشاهد فيلم جميل تنزُّ أضواؤها من شاشة كبيرة لتتلقفها عيون صغيرة مترقبة.
حديقة الحيوان كانت محطتنا التالية، حيث راحت القلوب ترقب استعراض الإوز في بحيرته، ولعبة الظباء، وغضب الدب، وزئير الأسود، وغرور الطاووس في محميته، وزركشة ألوان الطيور في قفصها الأخضر الفسيح، والزرافة التي قال لها نزار ذات شعر: فمن الذي سيوزع الأقداح أيتها الزرافة؟.. ومن الذي نقل الفرات لبيتنا.. وورود دجلة والرصافة.. حتى توقفنا عند ضخامة الفيل وبيته.. لتقفز في بالي "نملة مطر".. وهي تلقن الفيل درسها فتقول: يا أيها الفيل.. أكبر منك بلاد العرب.. وأصغر مني إسرائيل.
13-04-2016 11:07 AM
أحمد مبارك البريكي
اسكوبار.. تاجر السم
اسكوبار.. تاجر السم
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
جزء من ليل آذار، أمتهنُ الإبحار فيه بطيفِ الشاشة ونطاق الهدوء مع جنة مفقودة في عالم (بابلو اسكوبار جافيريا)، أعظم زعيم عصابات عرفته أمريكا اللاتينية في القرن العشرين، وعرّاب الهيروين وتاجر السم الأبيض رقم واحد في العالم، الذي جمع من طحين الزعاف ثروة لا تُحسب، تضاهي بضخامتها ميزانية بلاده كولومبيا.
عرف اسكوبار بتنظيمه للجريمة ومنهجتها بشكل مؤسسي، ليترك لمن بعده إرثا ونمطا من الإجرام سارت على خطواته مجموعات المافيا في ما بعد، واعتمد في كل ذلك على القوة واستخدام السلاح والتهديد والرعب والابتزاز، حتى وصل إلى مراكز قانونية، وسلطة مغطاة بورقة الاقتراع الشعبي ففاز بعضوية البرلمان الكولومبي.
قالت عنه تقارير جهاز المخابرات المركزية الأميركية (CIA): "كان بابلو اسكوبار زعيما للمافيا، هو مهرب لا يعرف الرحمة، ربما قتل عددا أكبر من الناس بالمقارنة مع أي مهرب آخر في تاريخ كولومبيا، أي أنه قاتل لا يرحم، وقد تحالف مع مجموعات إرهابية، وضعت المتفجرات في الطائرات المدنية إنه مجرم جماعي، لم يكن بابلو اسكوبار مجرد مهرب عادي، بل سيبقى في تاريخ كولومبيا لأكثر من مئة عام".
لكن برغم كل ذلك التعطش الكبير للعنف والقتل الذي استنّه في القضاء على كل خصم يحاول وضع متراس القضاء في دولاب جريمته المنظمة بلا رحمة ولا تهادن.. فإنه يملك في نفسه وجهاً آخر معاكساً لكل تلكم البشاعة، فقد مارس وظيفة "روبن هود" الشهيرة، فصار بطلاً قومياً عند فقراء قومه الذين راح يوفِّر لهم من نقودهم المطليّة بدمائهم بيوت الطبابة والتعليم والسكن، فهو يرى بأن نبتة المخدرات ليست إلا منتجاً وطنياً تقليدياً يقدمه بشرف لكل الدنيا.
فطلبته الولايات المتحدة وأوروبا بعد أن أغرق شبابها في وحل الأبيض القاتل، فلم تنل منه عبر مطاردتها له لعدة سنين، لكن رصاصة شرطي كولومبي كتبت خاتمة القصة التي أرهقت فصولها جمهورية كولومبيا لعقود، وأدخلتها حرباً أهلية مجنونة طوال فترة الثمانينيات، راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، والمئات من رجال الشرطة وقضاة العدل والوزراء ومرشحي الرئاسة، وأقصيت البلد بذلك من تنظيم أكبر تظاهرة رياضية وهي كأس العالم لكرة القدم عام 1986، التي رُحّلت منافساتها إلى مكسيكو.
13-04-2016 11:06 AM
أحمد مبارك البريكي
بانوراما الأسفار..
بانوراما الأسفار..
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
في الطريق بين قريتي بونشك وباندنغ بين الجبال الخضراء في جزيرة سومطرة، وعلى مبعدةٍ من جاكرتا بنحو ساعتي زمن، تعطلت سيارة "الفان" التي كانت تقلّنا، فنزلت للتمشية ريثما يصلح السائق سيارته، لأجد في الجوار وبالقرب من غابة مطيرة بيتاً ريفياً مبنيّاً غالباً من أشجار الزان، وذا جوانب شبه مفتوحة، كتب على باب المنزل "نحن نهتم بالفنون والرسم.. تفضل".. طرقتُ الباب ودلفت مستئذناً إلى بهوٍ واسع وجميل يكتنز بمقطوعات فنية ورسومات سوّتها بجمال ريشةٌ بفرشاةٍ بارعة.. فكان المكان وكانت الصورة وكانت هذه الحكاية.
...
البحرُ فضاءٌ أبيض، يغمرُ سواحل الجزيرة بسخائه الكبير، والنهار شمعة هادئة تذوب في صيوان الإيقاع الناعم، وخيوط الشمس المُرسلة تنبعث عناقيد ذهبية لترسم الحياة، و"الأزرقان" يتلامسان عند قوارب ورمال، وشجر محتشد والتظاهرة ملهمة، مشهد يسكن الناظر لبهائه المريح.
في "جزيرة برسلين".. كل صورة نقاء، وكل موضع أفق وكل زمن ومضة.. يدّعي أهل هذه الأرض بأن "روبنسون كروزو" الذي ابتدعه القاص الإنجليزي "دانيل ديفو" قد عاش قصته المثيرة هنا، على هذه الشطآن العريضة، وتحت تلكم الغيمات القطنيّة، وعند غابات النخيل المتكاثفة بين الوادي والمحيط، إنها أرض حلم الانعزال، والعيش في ظل رحمة الطبيعة السخيّ.
...
أنا هنا أدخلُ مسكناً لعائلة ريفيّة، تقطن منزل الخشب الأليف الذي يؤاصرُ البحر والريف، على ربوةٍ تتوطن إحدى جزر المانش، وبدعوة مضيافية من ربة المنزل العجوز التي رحّبت بسائحِ نهار يزورها مستطلعاً ومتبضعا، تبدو أشياء البيت بسيطة لا متكلّفة ولا بذخة، معمولة يدوياً لكنها برغم ذلك تقدحُ أناقةً ورونقا، فتنوعت المعروضات التي تأخذ طابع النُدرة والمحدودية بين الأنتيك ومقاعد الخشب، وفازات الزهور ولوحات الزيت والصور ولُعب الأطفال والتذكارات، وحتى السكاكر المصنوعة في البيت، غير الأواني الخزفية والفخار.. أخذت ما تسنى لي أن أقتني، ودار حديثٌ قصير عند صندوق التحصيل بعد صورة "السيلفي".. عن الأفكار البسيطة التي يطلقها العقل لِتُخلق منها أشياء جميلة وملموسة يشتريها الآخرون.
03-03-2016 01:12 PM
أحمد مبارك البريكي
حدث و حادثة
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
يسألني صديق عن انتمائي الكروي محلياً، فأجيبه بأن ماضي تشجيعي كان ناصعاً للنادي الأبيض نادي الكويت، وكان لاعبي هو العنبري.
كانت حادثة مغامراتية في يوم صيف ارتكبتها يافعاً، أحلم بحضور مباراة من مباريات الدوري الحاسمة التي عنيت لها في أواخر الثمانينيات، وهي أول مباراة أدخلها مشجعاً مباشراً في الملعب ضد غريمنا التقليدي وقتها فريق كاظمة.
خططت لذلك الهروب الشغِف قبل ليلة من موعد المباراة المشهودة، وجمعت لها عدّة النقود، وبعد خروجي ظهيرة النهار القائظ من المدرسة، تجهزت للهدف دون معرفة أبي ودون تناول الغداء.
أقف وحيداً عند محطة المواصلات متلهفاً لأصل لملعب كيفان، حتى أتخذ مكاني قبل الزحمة، ويبدأ اللقاء وتُقرع الطبول ويعترك الميدان ويتبارى الخصوم، وفي لُجّة الجمهور و"لجّة" التصفيق ضاع جُرمي الصغير، فرحتُ أمارس التشجيع ومشاهدة "نجوم" ليلتي المفضلين، متناسياً نجوم القايلة التي قد أراها في عودتي.
كان لقاء لا يُنسى، غنِم نتيجتها فريقي فكانت ليلة نصر ملأتني فرحاً، خرجت متأخراً لأجد أمامي هوجٌ من شغب، وغضب من جماهير راحت (بعضها) تقذف بالحجارة الحافلة التي استقليتها للرجوع ليتبعثر الزجاج، ويتهشّم فوق ظهورنا ونحن نختبئ تحت كراسي الباص، لكن بلطف الله، وبسرعة بديهة السائق الذي أطلق ساق حافلته لعنان الريح، جاءت الأحداث المرعبة سليمة، لكنني اعتبرتها في نفسي المؤنبة دينا وجزاء غير مباشر لخروجي في ذلك "العصر" دون سابِق إذن.
03-03-2016 01:10 PM
أحمد مبارك البريكي
سهرة على.. التلفاز
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
تعيدني روايات أغاثا كريستي إلى يفوعتي وشغفي وقتذاك بقراءة الألغاز الجرائمية، وقصص البحث والتحري والغموض ونهايات المقصلة العادلة، يوم أمس كان لي حيز من الوقت أعملتُ فيه شاشة التلفاز لألتقي مشاهدة بمسلسل "ثم لم يبق أحد".. الذي أخذ قصته من رواية تحمل ذات الاسم للكاتبة البريطانية، وهي من الروايات العالمية الخالدة، وعلى مدى ثلاثة أجزاء وثلاث ساعات رحت أبحر مع الشخصيات العشر إلى الجزيرة الصغيرة التي عليها اختفى كل شيء، وفي القصر الأبيض الكبير والوحيد الذي يعتلي تلة الجزيرة السابحة كانت الغرفة المغلقة التي حوت بين جدرانها لغز الجرائم العشر غير المحلولة.
***
جيرتورد بيل، قليل منا قد سمع بهذا الاسم، بعد أن طغى عليه اسم ضابط المخابرات البريطانية لورانس أثناء فترة الثورة العربية الكبرى، التي تتم هذه السنة مئويتها الأولى، وعودة إلى جيرتورد ملكة الصحراء التي كانت نجمة لسهرة أقمتها أمام تلفازي.. التي لعبت دوراً مهماً وحاسماً في تغيير الخارطة السياسية بمنطقتنا العربية، فجمع الفيلم المنتج عام 2014 الذي غاص في حياتها الشخصية بين الحب والحرب، ونسائم سحر الشرق الذي أسر ألباب الغرب، فكانت أشعار الخيّام وسرمدية الصحراء التي بلا طرق بصمتها ووحدتها التي لا تخترق، كما لو كانت خماراً عظيماً يغطي وجه الأرض، هنا وجدت (جيرتورد) نفسها فانتمى قلبها لهذه الواسعة بعد أن عرفت من تكون، قال لها صديق إن الجنة بلا زمن ولا عمر ولا مكان، أحب شجاعتها أعيان العرب فلقبوها بصانعة الملوك و"أمهم".. ومع ذلك فقد رأت أنها ليست محصنة من الخطأ والغدر، بعد أن غطى وجهها التراب وعينيها الطين، ودموعها غدت فيروزاً سماويا.. وفتاها الذي وجدته في الشرق وأحبته رحل حينما وجد الرحيل سهلاً.. غادر قائد القافلة ليترك لها حجاً كبيراً.
03-03-2016 01:10 PM
أحمد مبارك البريكي
حفل.. و (دهب)
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
حضرت حفل تكريم أقامته الأسبوع الماضي رابطة الأدباء الكويتيين، لمجموعة من المشاركين الشباب في دورة كتابة القصة والرواية للأستاذ عبدالوهاب السيد، بحضور الأستاذ طلال الرميضي الأمين العام للرابطة، والأستاذ خلف العصيمي مشرف الدورة التي تندرج تحت سلسلة دورات أكاديمية الأدب، بالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون الشباب، ويقوم عليها نخبة من المتخصصين من الأساتذة الأدباء، وتشرف عليها الرابطة التي باتت في السنوات الأخيرة تستعيد دورها الريادي والثقافي في الحركة الأدبية، وبشكل لافت ورائع يدعو للإشادة والتقدير لهذا النشاط الملحوظ، المنعكس جيداً على الوسط الأدبي والمجتمعي، والمشهد الثقافي بشكل عام في الكويت، من خلال تكثيف الدورات والندوات والملتقيات الأدبية التي تستهدف الشباب، وتشغل أوقاتهم في صقل مواهبهم وإبداعاتهم، فتحية للقائمين على هذا الصرح الأدبي، الذي يستحق أن نفخر ونعتز بجهود إدارته.
***
ماتت "دهب".. تلكم الفتاة المشاكسة القطقوطة الصغيرة التي شغلتنا طرباً واستعراضاً وألماً على حدوتها الحزينة، بعد أن كنا نجلس نتشاطر حكايتها تحت تلفاز "الأريل" النقي، ظهراً مع ختام برنامجنا الأول وانتهاء فترة صباح الخير، لتظهر كروان الفن وبلبله وهي تشدو في شوارع التشرد فرحة بنقدية الريال الفضة: معانا ريال معانا ريال.. حتى تنتهي فقرة الفقر بوصلة الغنى والغناء، وحفلة البلياتشو.. فتتمخطر بنا وتتمايل على خيل، وتطير بعيداً في السماء تناغي عصافير الجنة، ثم تعود إلى الأرض لتركب "البسكلته" وتبتعد.
كانت ياسمين أشهر طفلة سينمائية في الأيام التي لا تعرف إلا الألوان الثلاثة الأسود والأبيض وبينهما رماد، ولم تتكاثر علينا الوجوه الملوّنة وهواة الشهرة "الفالصو"، يومها كان للمسرح فاكهة وفكاهة، لا يحمل على خشبته غير المونولوج الذي أبدعت هي فيه وأبهرت، رحلت فيروز الصغيرة قبل أيام.. وقد كنا تركناها هناك لتكبر بعيداً على سطح "الأريل" النقي.. وكبرنا نحن في ملهى الحياة.. واختفت كثيراً، حتى أفقنا على حقيقة الرحيل.. لكنها ليست سوى الصغيرة التي تركناها ذلك اليوم في خيالنا الكبير.
03-03-2016 01:08 PM
أحمد مبارك البريكي
هناك حيث الطبيعة على طبيعتها..
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
على نهايات المربعانية وولادة فترة البطين، وقفنا في زيارة عند قرية صباح الأحمد للموروث الشعبي.. التي يرعاها الديوان الأميري، وتقع في منطقة شعيب عمارة الدرب بين مركز النمرتين والمسناة في غرب الكويت، وهذه القرية التي أنشئت بشكل تراثي يجمع بين البيئة البرية والقروية الكويتية، تدخل احتفاليتها للعام السادس منذ إطلاق فكرة مشروعها الموروثي، تحت رعاية صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وتقام في موسم "المظهار" وعطلة الربيع تحت سماء يناير.
والقرية التي أحيت على أرضها نباتات الجِرم والعرفج والرمث والحمض والأرطه والثنده والربله والحمبزان، ونباتات أخرى كثيرة بادت لكنها سادت هنا في المكان المنسق بعناية وجمال، وقد عاين كل ذلك الزرع الطبيعي صغاري كرؤيا العين، لتأخذنا طرقات القرية المرصوفة ببيوت الطين إلى متعة أخرى، حيث محمية صغيرة وضعت فيها حيوانات البيئة الصحراوية كالحبارى والطيور المهاجرة والغزلان والإبل وغيرها.. وفي جانب آخر حضر الأنتيك والموروث الورقي الكويتي بأبهى صوره، فكان ركن التاريخ الرياضي وتاريخ الجواز الكويتي والعملة الكويتية، ومكتبة تحوي الإصدارات القديمة من المجلات والجرائد الكويتية.. وممرات عابقة بالفنون الشعبية وتراث "الكارتردج" والكاسيت والبشتخته، وحضور بهي أيضا لموروثات توائمنا في التعاون الخليجي، ولم تخل القرية من متاحف فنية وأعمال رسم وتصاوير، وذكريات سنوات العدوان، التي يشرف عليها المجلس الوطني للثقافة والفنون، كل هذا العبق عشناه نهارا في حميمية فسيحة الأرجاء صحراء الكويت.
وعلى أثر فطر "الفقع".. أو الكمأة، اتخذت سيارتنا طريقها عبر "دبّايات القرعة".. نزوحاً من مركز النويصيب، غرباً حيث ضلع عرق، والأحيرش، وجيّان سكرة والعرفان وبئر ركبة، وطياً على هجرة أبرق الچبريت، ثم الاتجاه ربعاً خالياً إلى الشمال الغربي الجغرافي، بمحاذاة ركن الدبدبة على الحدود الكويتية، والأرض تتبدّل تحت أقدام "موترنا" من القفر والدهر شيئاً فشيئاً إلى الخضار والربيع، والخط الرملي يشقّ كل ذلك الأخضر بامتداد لا يتوقف.. حتى بدت طلائع الإبل والحلال وانتثار الظل، فكانت قلمة خالد ورميثان، وفيها كانت نقطة التقاط "بانيات البيت" المتباهية.. وأنفاس الطبيعة الأخاذة.
19-01-2016 08:28 AM
أحمد مبارك البريكي
في منبع النور
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
من منكم يتذكر تلك الأحجية التي شاهدناها صغاراً عبر شاشتنا الصغيرة، وهي من القصص العالمية التي كان تلفزيون الكويت يبثها لنا؛ قصة رحلة إلى باطن الأرض، إنها رواية منسوخة من روايات الكاتب الفرنسي "جول فيرن"، و كانت بالأساس رواية أسطورية عن عالم فلك كان يمشي في صحراء يستكشف النجوم، سقط فجأة في حفرة عميقة فجاءه صوتٌ يقول: "أنت تحاول أن تعرف أسرار السماء، لكنك تغفل عن الأسرار التي تحت قدميك".
إذاً أنا في منتصف جبل ثور أرتقي إلى السماء، أجاهد وصولا إلى نبع النور، أستكشف أسرار المعجزة التي تفجّرت تحت قدم شريفة ذات هجرة ليكتبها التاريخ.
من هذا السفح، وفي هذا الغار الضيق بدأ التقويم الهجري، هنا مرت ذات النطاقين، وهنا كانت المحطة الأولى للهجرة النبوية التي غيّرت وجه البشرية.. اليوم هو جُمعة والبلدة هي طيبة.. والمغامر هو أنا، الذي اتخذت سبيلي ضرباً في الجبل الذي يقع جنوبا من الحرم المكي الطاهر ببضع كيلومترات، وبعلوٍ يقربُ الـ 750 متراً إلى السماء.. الطريق إلى أعلى وعر جداً، يكسوه الجلمود غير المسوّى في أرضٍ بلا استواء، وعكّازي صديقٌ مؤقت، استعنت به سلاحاً أعارك هذه الحجارة الجبلية المبثورة بعشوائية من قمة الرأس حتى القاع.
أصِلُ مع الصلاة للنقطة الأخيرة عند مغيب الشمس.. هنا غار ثور الذي دلفته، ورهبةٌ تعتمر روحي لقدسية الأجواء وصمت الزمن وهدوئه، بعد أن شهد هنا حادثة انبثقت منها جميع الأحداث، إنه ذات المكان الذي تحلّق فيه أكرم البشر وصاحبه ثلاث ليالٍ ليتخفيا عن مطاردة قريش، فيسأل ثاني اثنين إذ هما في الغار رسول الله، بأن لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا.. فكان الجواب "يا أبا بكر.. ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟".. ولينزل الوحي العظيم بآية معجزة فيقول عز وجل.. "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وهذا الغار الذي استودعتهُ العناية الإلهية لمصير رسالة ومستقبل حضارة، الذي وطئته قدمٌ شريفة وتفحصته اليوم بقدميّ هو في حقيقته صخرة مجوفة، قطرها لا يتعدى المتر وربع المتر، لها فتحتان واحدة سفلية من جهة الشرق، وأخرى علوية من الجهة الغربية..
هذا الموضوع لدية أكثر من 10 ردود.
اضغط هنا لعرض الموضوع بأكمله.