التوكل هو انطراح القلب بين يدي الله، واعتماد القلب على الموكل مع قوة اليقين.
قال ابن عباس: "التوكل هو الثقة بالله، وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك".
قال الإمام أحمد: "التوكل هو عمل القلب".
قال ابن القيم - رحمه الله -: "التوكل نصف الدين، والنصف الآخر الإنابة".
كما قال - سبحانه وتعالى -: (...عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: من الآية 88].
قال الحسن - رضي الله عنه -: "إن توكل العبد على ربه أن يعلم أن الله هو ثقته".
قال وهب بن منبه: "الغاية القصوى التوكل".
وقال سهل: "التوكل هو الاسترسال مع الله مع ما يريد".
قال القرطبي: "التوكل هو تفويض الأمور بالكلية إلى الله - تعالى - والاعتماد في كل الأحوال على الله".
قال بعض السلف: "من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن توكل على الله وأعتمد عليه وأحسن الصلة بالله - حفظه الله ورعاه-، فإن لم يكن في الدنيا كان في الآخرة، والآخرة خير وأبقى".
ومنهم من يفسر التوكل بالرضا فيقول: "هو الرضا بالمقدور، وهو يعني إظهار العجز لله والاعتماد عليه مع الأخذ بالأسباب في الأرض".
وقيل التوكل يجمع بين العمل والأمل مع هدوء قلب وطمأنينة نفس.
حقا التوكل عبادة من العبادات القلبية المحضة العظيمة فهو عبادة بالقلب، والقلب فيها منقطع عن الأسباب، أما الجوارح فتأخذ بالأسباب، وهنا ينقطع أمل الإنسان العادي إذا انقطعت الأسباب، ويزيد أمل المؤمن مع انقطاعها.
فالتوكل على الله هو تفويض الأمر إليه - سبحانه وتعالى -، والاعتراف له بأن ناصيته بيده يصرفه كيف يشاء، وأنه ماضٍ في حكمه عدل في قضائه، وذلك مع الأخذ بالأسباب والسعي لطلب الرزق والعلم وسواهما، والله منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يشاء، والتوكل على الله توكل على قدرة القادر، وقوة القهار الفعال لما يريد، البالغ ما يشاء، وكل شيء مقدر بمقداره وزمانه ومكانه ونتائجه وأسبابه.
والمتوكل على الله حقا يعلم أن الله كافل رزقه وجميع شؤون حياته فيركن له وحده - سبحانه وتعالى - ولا يتوكل على سواه، ويثق أنه لا معطي ولا مانع، ولا ضار ولا نافع، ولا قابض ولا باسط، ولا رافع ولا خافض ولا معز ولا مذل إلا هو تبارك وتعالى.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا))[1] [خماصا: ضامرة البطون من الجوع، بطانا: ممتلئة البطون].
ورغم ذلك فكثير من الناس يعتقد أن روحه.. وحياته.. ورزقه خاصة في يد عبد ضعيف مثله في استطاعته أن يعطيه ويمنع عنه، بل لا يتوانى عن جميع الموبقات والمحرمات من ربا ورشوة وخلافه معتقدا بذلك أنه أكثر ذكاء ودهاء من غيره من البشر.
قال الإمام عبد الله بن المبارك: من أكل فلسا من حرام فليس بمتوكل.
وجميع أمور المسلم إذا لم يتوكل فيها على الله وخاصة قضية الرزق قضية خطيرة إذا لم يتوكل فيها الإنسان على الله حق التوكل فقد ضاع دنيا وآخرة.. ففي الدنيا يمحق الله البركة، وفي الآخرة العذاب الشديد.
ونحن نجد الناس تتكالب على الدنيا وكلُُُ ُ ينظر إلى ما في يدي أخيه، فالكل يجري ويلهث كالوحوش وإن كانت الوحوش تهدأ بعد الشبع وتأنف من الاقتراب من الفريسة.. فأين نحن من التوكل الحق؟
درجات التوكل [2]
- الأولى: معرفة الرب وصفاته من قدرته وكفايته وقيوميته وانتهاء الأمور إلى علمه وصدورها عن مشيئته وقدرته واليقين بكفاية وكيله وأنَّ غيره لا يقوم مقامه في ذلك.
- الثانية: إثبات الأسباب ورعايتها والأخذ بها.
- الثالثة: رسوخ القلب في مقام التوحيد.
- الرابعة: اعتماد القلب على الله واستناده إليه وسكونه إليه بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأسباب ولا سكون إليها، وطمأنينته بالله والثقة بتدبيره.
- الخامسة: حسن الظن بالله - عز وجل -.
- السادسة: استسلام القلب لله وانجذاب دواعيه كلها إليه وقطع منازعته.
- السابعة: التفويض: هو إلقاء العبدِ أمورَه كلها إلى الله، وإنزالها به طلباً واختياراً، لا كرهاً واضطراراً. والتفويض هو روح التوكل ولبّه وحقيقته.
الثامنة: الرضا.
حقيقة التوكل في أعمال المتوكلين
كثيرا من الناس يخلط الأمور ويقع في بئر الإفراط والتفريط، فقد يظن البعض أن التوكل يعني ترك السعي للكسب، وترك التكسب ليس من التوكل في شيء فالتواكل خطير إذا أهمل الإنسان الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله.
قال عمر - رضي الله عنه -: "المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض ويتوكل على الله".
ومن المعلوم أن العمل والسعي كان دأب الرسل؛ فقد قال النبي - صلي الله عليه وسلم -: ((ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده))[3].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن زكريا - عليه السلام - كان نجارًا))[4].
قال ابن عباس - رضي الله عنه -: "كان آدم - عليه السلام - حرَّاثًا، ونوح نجَّارًا، وإدريس خيَّاطًا، وإبراهيم ولوط زراعيين، وصالح تاجرًا، وداود زرَّادًا، وموسى وشعيب ومحمد - صلوات الله عليهم وسلم - رعاة"[5].
عناية القرآن الكريم بالأمر بالتوكل للرسول - عليه الصلاة والسلام -
وقد عُني القرآن الكريم بالتوكل لبيان آثاره فقد أمر - سبحانه وتعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالتوكل في تسع آيات في كتابه الكريم، منها:
فقد جعل الله - عز وجل - التوكل من الصفات الأساسية للمؤمنين.
التوكل خلق الرسل جميعا
فقد جاء على لسان الرسل جميعا في قوله - تعالى -: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم: 12].
قال - تعالى - على لسان سيدنا إبراهيم والذين معه: (... رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [الممتحنة: من الآية 4].
الوكيل من أسماء الله - عز وجل -
الوكيل هو الذي يتولى بإحسانه شؤون عباده كلها فلا يضيعها لكن يأخذ بأيديهم فيما فيه مصلحتهم، فأحيانا تحدث مشاكل في الحياة كنقص في الرزق، فشل في الدراسة، أولاد بعيدين عن الله، أشخاص تعاني في حياتها الزوجية.. أثناء ذلك تحتاج للوكيل وتلجأ إليه.
والله عندما يسد طريقا عن الإنسان يفتح طرق عديدة.. إذا أظلمت الدنيا أمامك في لحظة اعلم أن الوكيل سيفتح لك طرقا أخرى تسعدك. فما منعك إلا ليعطيك وما ابتلاك إلا ليعافيك.
تلجأ للوكيل في شؤونك الدنيوية.. تثق به.. وتُسلم له جميع أمور حياتك وتعطيه مفتاح أسرارك..
مكانة التوكل في السنة
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال - يعني إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هُديت ووُقيت وكُفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟))[6].
وفي الصحيحين في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب من هذه الأمة وُصفوا بأنهم: ((هم الذين لايكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون))[7].
حال السلف في التوكل
حثَّ السلف على التوكل: فالإمام سعيد بن جبير كان يدعوا فيقول: "اللهم أسألك صدق التوكل عليك، وحسن الظن بك".
وكان يقول: "التوكل على الله جماع الإيمان" [نزهة الفضلاء].
وقيل لحاتم الأصم: "على ما بنيت أمرك في التوكل؟ "، قال: "على خصال أربعة: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أُبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستحي منه".
وما أصدق قول الشاعر:
وتوكل على الرحمنِ في الأمر كله *** ولا ترغبن في العجز يومًا عن الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم *** وهزي إليك الجذع يُساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزة *** جنته ولكن كل شيء له سبب
________________
[1] رواه أحمد [1/30-52]، الترمذي [2344]، ابن ماجه [4164]، ابن المبارك في "الزهد" [559]، والبغوي في شرح السنة [4108]، وصححه ابن حبان [730]، والحاكم [4/318]، والطيالسي [139].
[2] مدارج السالكين [ابن القيم].
[3] رواه البخاري [1966]، وأحمد [4/131-132].
[4] رواه مسلم [2379].
[5] فتح الباري ابن حجر كتاب البيوع " باب كسب الرجل وعمله بيده" [306/4].
[6] صحيح الترمذي [3/151].
[7] البخاري، باب الإيمان [6175] صحيح البخاري، كتاب الرقائق[6472]، مسلم [218] في الإيمان.
منقول
التوقيع - أسامة الدخان
يقول العلاّمة محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -
طالب الحق يكفيه دليل ...
... وصاحب الهوى لايكفيه ألف دليل
الجاهل يُعلّم
وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل
--------------------------
حسابي في تويتر