عن أنس رَضيَ اللهُ عنهُ قال :
قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ :
( مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خير
أم آخره ) أخرجه التِّرمذيُّ ،
وقال عنه : حسن ،
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في
مشكاة المصابيح ( 6277 ) :
صحيح لطرقه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا،
قالوا : يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك ؟
قال : تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ،
وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ )
أخرجه البخاري ( برقم 3603)،
ومسلم ( برقم 4772 / 1843 ).
فلم يقل صلى الله عليه وسلم :
ثوروا عليهم وتظاهروا، وطالبوا بحقوقكم، وامنعوهم حقهم كما منعوكم حقوقكم .
عندما سألوه :
كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك ؟
وإنما أرشدهم إلى :
تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ،
وَتَسْأَلُونَ الله الذي لَكُمْ .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
« ... ولهذا أمر النبى صلى الله عليه و سلم :
بقتال من يقاتل على الدين الفاسد
من أهل البدع ، كالخوارج .
وأمر بالصبر على جور الأئمة .
ونهى عن قتالهم والخروج عليهم .
ولهذا قد يمكن الله كثيرا من الملوك
الظالمين مدة .
وأما المتنبؤن الكذابون : فلا يطيل تمكينهم .
بل لابد أن يهلكهم .
لأن فسادهم عام في الدين و الدينا والآخرة .
قال تعالى : { ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثمّ لقطعنا منه الوتين }
وقال تعالى :
{ أم يقولون افترى على الله كذبا فان يشإ الله يختم على قلبك } .
فأخبر : أنه – بتقدير الافتراء –
لابد أن يعاقب من افترى عليه » .
_ مجموع الفتاوى ( 14 / 269 - 270 ) .
فالمظاهرات تنطوي على مقدمات من إثارة الأحقاد والتهييج على طريقة الخوارج القعدية،
وإشعار الناس بالظلم، وإغار صدورهم بالأحقاد والمثيرات، ثم يندفع النّاس في الشوارع والميادين في هيَجان وفوضى والغالب أن يكون من المتظاهرين تخريب،
لا تحكم عواطفهم عقل ولا شرع .
فتأتي النتائج المرة من الاصطدام بقوات الدولة؛ الأمر الذي يؤدي إلى سفك الدماء وإهدار الأموال ونهبها إلى آخر ذلك من المفاسد التي تحصل .
بعضهم يسأل :
إلى متى نصبر على جور الحكام ؟
قال صلى الله عليه وسلم
للأنصار رضي الله عنهم :
( إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حتى تَلْقَوْنِي على الْحَوْضِ ) ، أخرجه البخاري في صحيحه
( برقم 3792)، ومسلم في صحيحه
( برقم 4779 / 1845 ) .
فهاهو صلى الله عليه وسلم يرشد الصحابة بالصبر .
وإلى متى ؟
حتى تلقوني على الحوض .
فتصبر على ذلك إلى أن يشاء الله حتى نلقى رسولنا صلى الله عليه وسلم على الحوض .
الكم الهائل الذي يترتب على المظاهرات من المفاسد الكبيرة من التخريب والتدمير للممتلكات وإزهاق الأرواح وغرس الشحناء والأحقاد،
وكل فساد وإفساد في الأرض إلى يوم القيامة تتناوله الآيات والأحاديث الناهية عن الفساد في الأرض .
قال الله تعالى :
{ والله لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ }،
[ سورة البقرة 205 ] .
فأصول الإسلام وفروعه كلها تدل على النهي عن الفساد والإفساد في الأرض والمظاهرات وما يترتب عليها
من الشرور وأخطر أنواع الفساد والإفساد،
ولا ينكر ذلك إلاّ جاحد أو معاند .
فالمظاهرات معروفة وهي مشاهدة ، وهي عبارة عن تجمعات غوغائية، يشترك في المطالبات بها المسلم المغرر به والكافر على حد سواء يجوبون فيها الشوارع والميادين، ولهم شعارات وهتافات بأصوات عالية منكرة وحركات بغيضة واختلاط منكر بين الرجال والنساء يحرمه الإسلام ويأباه الشرف والمروءة .
وغالباً ما يكون فيها تخريب وتدمير للممتلكات،
ونهب للمتاجر، وإحراق للسيارات، ويكون فيها سفك للدماء، وقليل جداً أن تكون المظاهرات سلمية، والحكم للغالب وليس للنادر .
فهل يجوز لمسلم يخاف ويرجوه أن يروج
لمثل ذلك .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول في كل خطبه :
( أمَّا بَعْدُ فإن خَيْرَ الحديث كِتَابُ اللَّهِ
وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا
وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )،
أخرجه مسلم في صحيحه
( برقم 2005 / 867 ) .
ولا يشك عاقل أن هذه المظاهرات من محدثات الأمور وهي تندرج تحت البدع .
قال صلى الله عليه وسلم :
( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ من كان قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشبر وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ
قُلْنَا : يا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟
قال : فَمَنْ ) ، أخرجه البخاري في صحيحه ( برقم 3456 )، ومسلم في صحيحه
( برقم 6781 /2669 ).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينقصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ) ،
أخرجه مسلم في صحيحه ( برقم 2351 / 1017 )
ولا شك أن المظاهرات من سنن اليهود والنصارى، وهي من السنن السيئة التي نهينا عنها ،
ولا يأخذ بها ويتبعهم فيها إلاّ من خذله الله فيخالف المنهج الإسلامي والنصوص الشرعية ،
ثم تجده متعلقا بكل شبهة لتحريف تلك النصوص القرآنية والنبوية وضربها عرض الحائط ،
فيزداد فتنة على فتنته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد وأن من خالف ذلك متعمدا أو مخطئا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد
ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله :
( إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )
ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة .
وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة
في الصحيح كلها تدل على هذا " .
_منهاج السنة النبوية ( 4 / 531 ).
وقال رحمه الله أيضا كما في
منهاج السنة النبوية ( 4 / 540 ) :
" وكذلك ثبت عنه في الصحيح أنه قال على المرء المسلم السمع والطاعة في يسره وعسره
ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم عن عبادة قال :
بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم .
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين
بأن يصبروا على الاستئثار عليهم وأن يطيعوا ولاة أمورهم وإن استأثروا عليهم
وأن لا ينازعوهم الأمر " .
قال ابن القيم رحمه الله :
" إنّ النبي صلى الله عليه وسلم شَرَعَ لِأُمَّتِهِ إيجَابَ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِيَحْصُلَ بِإِنْكَارِهِ من الْمَعْرُوفِ
ما يُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ
فإذا كان إنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ ما هو أَنْكَرُ منه وَأَبْغَضُ إلَى الله وَرَسُولِهِ فإنه لَا يَسُوغُ إنْكَارُهُ وان كان الله يُبْغِضُهُ وَيَمْقُتُ أَهْلَهُ وَهَذَا كَالْإِنْكَارِ على الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عليهم فإنه أَسَاسُ كل شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ وقد اسْتَأْذَنَ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في قِتَالِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عن وَقْتِهَا وَقَالُوا : أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ ؟
فقال : لَا ما أَقَامُوا الصَّلَاةَ .
وقال :
( من رَأَى من أَمِيرِهِ ما يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ وَلَا ينـزعن يَدًا من طَاعَتِهِ )
وَمَنْ تَأَمَّلَ ما جَرَى على الْإِسْلَامِ في الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا من إضَاعَةِ هذا الْأَصْلِ وَعَدَمِ الصَّبْرِ على مُنْكَرٍ فَطَلَبَ إزَالَتَهُ فَتَوَلَّدَ منه ما هو أكبر منه فَقَدْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَرَى بِمَكَّةَ أَكْبَرَ الْمُنْكَرَاتِ وَلَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهَا بَلْ لَمَّا فَتَحَ الله مَكَّةَ وَصَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ عَزَمَ على تَغْيِيرِ الْبَيْتِ وَرَدِّهِ على قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَمَنَعَهُ من ذلك مع قُدْرَتِهِ عليه خَشْيَةُ وُقُوعِ ما هو أَعْظَمُ منه من عَدَمِ احْتِمَالِ قُرَيْشٍ لِذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَكَوْنِهِمْ حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ وَلِهَذَا لم يَأْذَنْ في الْإِنْكَارِ على الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عليه من وُقُوعِ ما هو أَعْظَمُ منه كما وُجِدَ سَوَاءٌ " .
إعلام الموقعين ( 3 / 15 ) .
فالمظاهرات يحصل منها أضرار وفساد عريض ؛
لأنهم إذا خاضوا في المظاهرات سهل على كثير منهم أن يروي ظمأه ويشفي غليله فهذا يدمر
وهذا يضرب وهذا يقتل وهذا ينهب...الخ،
فلا يتصور أن المتظاهرين معصومون بل غالب ما تكون سلمية في بدايتها لاستدراج الدهماء والغوغاء ثم يدس في وسطهم من يقوم بما فيه استفزاز لهم
فإذا أجزت للنّاس المظاهرات السلمية المزعومة، فقد فتحت أمامهم أبواب الفتن الخطيرة المدمرة التي تتولد عنها وذلك أن شياطين الإنس والجن يتخللونها ثم يحققون ما يطمحون إليه من الفساد والإفساد وسفك الدماء ونهب الممتلكات وتدميرها .