إن الأصل الذي شُرع الزواج لأجله هو
الديْمُومَة
أي استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين
ولكن إذا لم يكن هناك توافق ،
واستحالت الحياة بين الاثنين لكثرة الخلافات المنفرة للقلوب،
فإن الطلاق يكون مشروعا حينذاك ،
وقد شُرع الطلاق بعد محاولات الإصلاح بين الزوجين، عند نشوب الخلافات بينهما .
كما في قوله سبحانه :
{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }
سورة النساء 35
قال الله تعالى : { الطّلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } سورة البقرة 229
وقال تعالى :
{ فمتّعوهن وسرّحوهنّ سراحا جميلا }
سورة الأحزاب 49
وقال تعالى : { فإذا بلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف }
سورة الطّلاق 2
والطلاق ينقسم إلى قسمين :
سني وبدعي
أما السني : فهو أن يطلق الرجل امرأته في طهرٍ لم يجامعها فيه ، أو وهي حامل .
وأما البدعي : فهو أن يطلقها في طهرٍ جامعها فيه ، أو وهي حائض .
يظهر من خلال ذلك أن الإسلام وضع قيودا حقيقية على سلطة الرجل في ايقاع الطلاق
في محاولة للحد من آفات هذه الظاهرة،
وحتى يكون هناك مجالا للصلح والمراجعة .
إن الله تعالى جعل الطلاق بيد الزوج ،
لا الزوجة .
لما في المرأة من سهولة الانفعال ،
والتسرع في اتخاذ قراراتها .
وقد ذكر ابن الهمام الحنفي رحمه الله أن من محاسن تشريعات الطلاق أنه جُعل بيد الرجال دون النساء ، وسبب ذلك : أن الرجل أكثر ضبطا لنفسه وتقديراً لعواقب الأمور .
_ انظر : فتح القدير ( 3 / 463 ) .
لا يجوز للرجل أن يطلق امرأته وهي حائض ،
أو في طهر جامعها فيه .
عدم إخراج المرأة من بيتها بعد وقوع الطلاق ، وعدم جواز خروجها ،
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } سورة الطلاق 1
وهذا يعطي فرصة للزوجين في حل المشكلة بينهما ويراجع الزوج زوجته ،
بعيداً عن تدخل أطراف أخرى قد يكون تدخلها سبباً للإفساد لا الإصلاح .
لأن المرأة إن خرجت من بيتها بمجرد
وقوع الطلاق ، لأدى ذلك إلى زيادة الخلاف وتوسعه .
وفي حالة استنفاد كل سُبل الإصلاح ووقع
الطلاق فإن الله قد تكفل بإغناء كلا من الزوجين
قال الله تعالى : { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما }
سورة النساء 130
ثبت عن جابرٍ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم :
( إنَّ إبليس ينصب عرشَه على البحْر،
ويبعث سراياه،
فأقربُهم إليه منزلةً أعظمُهم فتْنة،
فيأتيه الشَّيطان
فيقول : ما زلت به حتَّى فعل كذا،
حتَّى يأتيه الشَّيطان فيقول :
ما زلتُ به حتَّى فرَّقتُ بينه وبين امرأته،
فيدْنيه منه، ويقول : أنت أنت، ويلتزِمُه ) .
_ صحيح مسلم .
إذا على الأزوج أن يتقوا الله تعالى ،
وأن يجتنبوا استعمال لفظ الطلاق ،
هكذا جزافا دون مراعاة لأحكامه
وما يترتب عليه وحتى لا يفضي ذلك إلى خراب البيوت وانهيار الأسر .
وعلى الأزواج والزوجات أن يتقين الله في تنفيذ حدود الله عز وجل وأن يكون النظر إلى ما يقع
فيه هل هو من الغضب المعتاد الذي يقع به الطلاق أم هو الغضب الشديد الذي لا يمكن أن يكون الطلاق واقعا بسببه .
وعلى الأزواج مراعاة حال وجود أولاد بين الزوجين لأنه ينبغي أن يكون دافعاً لهم للابتعاد عن استعمال ألفاظ الطلاق والتهوّر فيها ،
وأن لا أن يكون أيضاً وجود الأطفال دافعاً للتحايل على الحكم الشرعيّ بعد إيقاع الطلاق والبحث عن مخارج
وتتبّع رخص الفقهاء في ذلك .
نسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين
وتعظيم شعائره .
سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن تسيء إليه زوجته وتشتمه ،
فطلقها في حال الغضب :
فأجاب :
« إذا كان الطلاق المذكور وقع منك في حالة شدة الغضب وغيبة الشعور ، وأنك لم تدرك نفسك،
ولم تضبط أعصابك، بسبب كلامها السيئ وسبها لك وشتائمها ونحو ذلك ، وأنك طلقت هذا الطلاق في حال شدة الغضب وغيبة الشعور ، وهي معترفة بذلك ، أو لديك من يشهد بذلك من الشهود العدول ، فإنه لا يقع الطلاق ؛ لأن الأدلة الشرعية دلت على أن شدة الغضب – وإذا كان معها غيبة الشعور كان أعظم - لا يقع بها الطلاق .
ومن ذلك ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" .
قال جماعة من أهل العلم : الإغلاق : هو الإكراه أو الغضب ؛ يعنون بذلك الغضب الشديد ، فالغضبان قد أغلق عليه غضبه قصده ، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون والسكران ، بسبب شدة الغضب ، فلا يقع طلاقه . وإذا كان هذا مع تغيب الشعور وأنه لم يضبط ما يصدر منه بسبب شدة الغضب فإنه لا يقع الطلاق .
والغضبان له ثلاثة أحوال :
الحال الأولى : حال يتغيب معها الشعور، فهذا يلحق بالمجانين ، ولا يقع الطلاق عند جميع أهل العلم .
الحال الثانية : وهي إن اشتد به الغضب ، ولكن لم يفقد شعوره ، بل عنده شيء من الإحساس ، وشيء من العقل ، ولكن اشتد به الغضب حتى ألجأه إلى الطلاق ، وهذا النوع لا يقع به الطلاق أيضاً على الصحيح .
والحال الثالثة : أن يكون غضبه عاديا ليس بالشديد جدا ، بل عاديا كسائر الغضب الذي يقع من الناس ، فهو ليس بملجئ ، وهذا النوع يقع معه الطلاق عند الجميع . » انتهى .
طلاق الغضبان
http://www.binbaz.org.sa/mat/12702
وقال الشيخ العلاّمة صالح الفوزان
حفظه الله تعالى : « إذا بلغ بالإنسان من الغضب إلى زوال الشعور وفقد الوعي بأن لا يدري ولا يتصور ماذا يقول :
فإن هذا لا تعتبر أقواله لا طلاق ولا غيره ؛
لأنه فاقد للعقل في هذه الحالة .
أما إذا كان الغضب دون ذلك ،
وكان معه شعوره ، ويتصور ما يقول :
فإنه يؤاخذ بألفاظه وتصرفاته ،
ومن ذلك الطلاق » .
_ فتاوى المرأة المسلمة ( 2 / 734 ) .
الفـقه : الشرح الممتع على زاد المستقنع
كِتَابُ الطَّلاَقِ
لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18228.shtml
فتاوى ابن باز رحمه الله في طلاق
الغضبان
http://www.alifta.net/fatawa/fatawaD...=4&PageID=4227
التفريغ النصي - فتاوى نور على الدرب 164 -
للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
https://audio.islamweb.net/audio/ind...audioid=310309
بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلاَقِ بِالشُّرُوطِ
لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله تعالى
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18231.shtml
قرار هيئة كبار العلماء
بشأن الطلاق المعلق
http://www.alifta.net/Fatawa/fatawaD...o=1&PageID=187
حكم الطلاق بالثلاث
http://www.binbaz.org.sa/mat/12748
مسائل مهمة تتعلق بالطلاق
http://www.startimes.com/f.aspx?t=26570930
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
الإسلام لم يضع الطلاق إلا كحل أخير للفصل بين الزوجين ، ووضع حلولاً أوليَّة قبل اللجوء إلى الطلاق ، فلو تحدثنا يا سماحة الشيخ عن هذه الحلول التي وضعها الإسلام لفض النزاع بين الزوجين قبل اللجوء إلى الطلاق ؟ .
فأجاب :
"قد شرع الله الإصلاح بين الزوجين واتخاذ الوسائل التي تجمع الشمل وتبعد شبح الطلاق ، ومن ذلك : الوعظ ، والهجر ،
والضرب اليسير إذا لم ينفع الوعظ والهجر ،
كما في قوله سبحانه :
{ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا }
سورة النساء 34
ومن ذلك : بعث الحكمين من أهل الزوج وأهل الزوجة عند وجود الشقاق بينهما للإصلاح بين الزوجين ،
كما في قوله سبحانه :
{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }
سورة النساء 35
فإن لم تنفع هذه الوسائل ولم يتيسر الصلح واستمر الشقاق : شرع للزوج الطلاق إذا كان السبب منه ، وشرع للزوجة المفاداة بالمال إذا لم يطلقها بدون ذلك إذا كان الخطأ منها أو البغضاء
لقول الله سبحانه : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
سورة البقرة 229
ولأن الفراق بإحسان خير من الشقاق والخلاف ، وعدم حصول مقاصد النكاح التي شرع من أجلها ، ولهذا قال الله سبحانه : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا }
سورة النساء 130
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
( أنه أمر ثابت بن قيس الأنصاري رضي الله عنهما لما لم تستطع زوجته البقاء معه لعدم محبتها له وسمحت بأن تدفع إليه الحديقة التي أمهرها إياها أن يقبل الحديقة ويطلقها تطليقة ففعل ذلك ) .
_ رواه البخاري في الصحيح .
_ فتاوى علماء البلد الحرام
( ص 494 - 495 ) .