رهن الباحث المتخصص في القياس والتقويم التربوي الدكتور عبدالمحسن مبارك العازمي، تطوير التعليم في الكويت بالاستقرار الأمني والسياسي، مشيرا الى أن أزمات الحكومة والبرلمان تؤثر بشكل كبير على مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتعليمية.
ونفى الدكتور عبدالمحسن العازمي في حوار مع «الراي» في القاهرة، أن تكون الأزمة التعليمية لها علاقة بظروف الأسرة، أو تأهيل المعلمين، وغيرها من الأسباب المؤثرة في العملية التعليمية، وحدد المشكلة في الكويت بأنها «أزمة مناهج» يعود بعضها لاستيراد أجزاء من مناهج أوروبية وغربية لا تتناسب مع ثقافة الشعوب العربية، داعيا الى التوسع في انشاء مؤسسات تعليمية جامعية تكون قبلة الطلاب الكويتيين، بدلا من اغترابهم خارج البلاد... والى نص الحوار:
• دراستك عن الأمن السياسي، وأثره على الشريعة والتعليم في الكويت، جاءت لتطرق بابا جديدا في مجالات البحث... كيف اخترت هذا الموضوع، والى أي شيء توصلت الدراسة؟
- الأمن السياسي يؤثر على جميع مناحي الحياة داخل أي مجتمع والاستقرار هو الضامن الوحيد للتنمية، فاذا غاب الاستقرار والأمن عن أي مجتمع، فان ذلك يعني أنه لا استقرار داخليا في أي مجال سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا أو تجاريا أو حتى ثقافيا فالأمن السياسي أو القومي ضامن لاستقرار المجتمع، وعندما نتحدث عن تقلبات سياسية يتجاهل الجميع العملية التعليمية فيتحدث الساسة دائما عن تأثر اقتصادي وأمني وتجاري وسياحي وصحي، لكن نادرا ما نسمع شيئا عن الجانب التربوي والتعليمي، وبالتالي كان لابد أن نثير هذا الموضوع، خاصة مع تأثر الوضع التعليمي في الكويت بالأزمة الدائمة والمتجددة بين مجلس الأمة والحكومة، ليس هذا فحسب، لكن عندما نتحدث عن الأوضاع السابقة التي مرت بالبلاد، كالغزو العراقي، وما تبعه من تدهور حقيقي للأوضاع التعليمية، لكن الآن لا يمكن القول بوجود تدهور غير أن سلبيات التأثير بالأحداث السياسية الداخلية انعكست مردوداتها على التنمية التعليمية في الكويت.
• ولكن لماذا يتم اختزال القضية في الكويت، بأنها أزمة بين مجلس الأمة والحكومة، خاصة وأن هناك أزمات متشابهة في معظم البلاد العربية، كما أن هناك تأخرا في التنمية التعليمية بشكل عام، ألا ترى أن الأزمة تتعلق بالمناهج والفكر التعليمي بالأساس، وبعيدا عن الشأن السياسي؟
- نعم الأزمات السياسية في كل دول العالم وليس في الدول العربية فقط، ومع ذلك هناك فرق بين المستوى التعليمي والتنمية التربوية بيننا وبين الدول الأوروبية، كما أن هناك فارقا بين الدول العربية والكويت، ولا أقصد بحديثي وجود تقلب سياسي أي ما تفترضه العملية الديموقراطية داخل كل وطن من حيث التغيير في الأغلبيات البرلمانية، وانما هناك أوضاع وعوامل تؤثر على تطور تنمية التعليم في البلاد العربية، اضافة الى الاملاءات الخارجية على نظم التعليم، علاوة على سلبيات تطبيق هذه المناهج، وأستطيع أن أحكم على الكويت بقولي: اننا لسنا الأسوأ عربيا، كما أننا لسنا الأفضل أيضا.
• لكن البعض يرى أن الكويت تعيش أزمة داخلية في ما يخص التعليم وتطوير المناهج، فلماذا نربط المسألة اذاً بالبرلمان والحكومة وما علاقة ذلك بما تسميه املاءات خارجية؟
- اذا أردنا الحديث عن الأزمة بين الحكومة والبرلمان «مجلس الأمة»، فلابد أن نوضح أن أكثر المؤسسات التي تأثرت بهذه الأزمة - أو ان صح التعبير الأزمات - هي مؤسسة التعليم الكويتية، اذ غاب التقييم التعليمي والمنهجي لأداء الوزارة، وكذلك تطوير المناهج، ففي كل عام تقريبا تحل الحكومة أو تقال، وبالتالي لا وقت ولا مجال للمراجعات أو لتقييم أداء الحكومة، فضلا عن أداء وزارة التعليم، وكذلك انصراف الرأي العام الى الأزمة السياسية وهي مفصولة عن أزمة التعليم. هذا اذا افترضنا الجانب السلبي، لكن اذا افترضنا الجانب الايجابي فانه لا مجال لاعطاء الوزارة وقتا كافيا لتطبيق خططها المفترضة للتنمية والتطوير، وهذا كله بسبب الأزمة الداخلية السياسية، ويرى البعض أن هناك فصلا بين الأزمة السياسية المتكررة بين البرلمان والحكومة، وبينها وبين التعليم بشكل خاص، لكن هذا واقعيا ليس صحيحا، حيث تم استجواب وزيرة التربية والتعليم السابقة نورية الصبيح، ودارت أزمة جديدة بين البرلمان والحكومة من أجل التعليم.
• اذاً لم يتم الفصل بين السياسة والتعليم في هذه الأزمة كما أسلفت؟
- هذا من جهة وجود قصور فنحن نعترف بعدم الفصل لكن ما أقصده هو الاستقرار السياسي، حيث يمكن متابعة الخطأ، ومحاسبة المخطئ، وتحديد سياسة أيديولوجية خاصة بالتعليم، فلو سلمنا بضعف المناهج التعليمية، فان التقييم سيكون معدوما، لأنه لا استقرار، وهنا نسأل من سيحاسب، ومن يتطور، ومن سيستفيد من الخطأ.
• التعليم كوزارة ظل مستقرا فالتغيير لم يكن كباقي الوزارات، كما أن تقارير عديدة رجحت تقدم العملية التعليمية في الكويت وغالبيتها تقارير من خارج البلاد... فأين هذا مما تقوله؟
- أولا لم يكن هناك استقرار في ظل حكومة دخلت «3» أو «4» أزمات في «4» أعوام.
الوزير أو الوزيرة الذي هو على هرم الوزارة يصبح همه اظهار الجانب الجيد، على أساس الحفاظ على المظهر العام للوزارة، وليس التطوير، ووضع الخطط، فهذا أمر آخر.
وأنا لم أقل ان التعليم في الكويت ينحدر، ولا ينكر أحد في الوقت نفسه وجود أزمات سياسية صعبة في الكويت، لكن التعليم أيضا يتقدم، وهناك تطوير حقيقي، لكن معدل هذا التطوير، وعجلة هذا التقدم بطيئة، وضعيفة اذا ما أكدنا على امكانات الكويت المادية والبشرية، أضف الى ذلك انه لو أتيح لها المجال التعليمي الخالي من التوتر السياسي، وأعطيت مزيدا من التطورات المنهجية فان الأمر سيختلف كثيرا عما نحن فيه، بل نستطيع أن نكون من الدول المتقدمة تعليميا على مستوى العالم.
وأنا لم أقل أبدا بتأخر التعليم في الكويت، بل أراه يتقدم ببطء، وهذا يعني - بما تمتلكه الكويت - تأخر من منظور تقييمنا لأنفسنا وليس تقييم الآخرين لنا، وهذا ما يجب ايضاحه للجميع.
• قلت بوجود املاءات خارجية، ولم توضح ماذا قصدت بها؟
- ليس المقصود من املاءات خارجية أن تكون مفروضة، بل أن تكون مستوردة من الخارج بدعوى التطوير، ومواكبة التقدم التعليمي، وهي في الحقيقة تأخر، لأنها لا تتناسب مع نظم التعليم في بلادنا، وبذلك تكون املاءات خارجية، اذ ان النموذج الغربي المتقدم عندما يتم نقل أجزاء منه الى النموذج التعليمي العربي، فان هذا لن يكون تطويرا بل يمكن أن يكون تأخرا، وذلك لأن العقلية العربية تختلف تعليميا ومنهجيا عن الغرب، والتعليم هناك مع وجود قيم ونماذج مختلفة، قد يصبح وبالا على التطوير عندنا لأن النموذج ناقص، وليس تاما، ويجب أن نعي أيضا أن المستفيد من تأخر الكويت سياسيا واقتصاديا واجتماعيا هو من يسعى لتأخرها تعليميا أيضا.
• إن الكويت تمتلك قدرات مادية وبشرية... برأيك كيف انعكس هذا على العملية التعليمية؟
- الكويت دولة غنية، وتمتلك استثمارات وموارد نفطية قوية، والتعليم في الكويت ليس حكرا على الأغنياء، فالدستور الكويتي ينص على أحقية التعليم لكل مواطن، كما أن الحالة المادية للمواطن الكويتي تعينه على أداء تعليمي كامل فالمشكلة ليست كبعض الدول، والتي يحتكر التعليم فيها الأغنياء دون غيرهم، فميزانية التعليم في الكويت جيدة، وتنفق الحكومة الكثير على المرافق التعليمية، لكننا لانزال في خضم مشكلة حقيقية تخص التعليم العالي والجامعي حيث يعاني آلاف الطلبة الكويتيين من البحث عن التعليم الجامعي خارج الكويت، وينفقون الكثير في سبيل ذلك، كما يكلفون الدولة الكثير أيضا.
• لكن في الكويت هناك الجامعة العربية المفتوحة، وفروع لجامعات دولية أخرى، ألم تتقلص المشكلة نوعا ما؟
- بالفعل تقلصت لكن تحول التعليم الى تجارة خارج الكويت، أصبح مشكلة حقيقية وهناك جامعات يلتحق بها الطلبة الكويتيون في الخارج ليست معتمدة داخل البلاد، وبالتالي لا يعترف بشهاداتها، أما الجامعة العربية المفتوحة فهي جامعة خاصة، وأنا أتكلم عن تعليم حكومي ومؤسسة محددة من قبل الدولة.
• هذه الجامعات جزء من المنظومة التعليمية داخل الوطن العربي وهي معتمدة أيضا؟
- اذن لماذا يتواجد ما يزيد على «20» ألف طالب في مصر وحدها من أجل التعليم، ولماذا يسافر هؤلاء الطلاب الى خارج الكويت من أجل التعليم، ولماذا لا يتعلمون داخل البلاد، وهناك أضعاف هذا العدد في دول أخرى.
• أنت شخصيا حصلت على درجة الدكتوراه من مصر؟
- أنا أفتخر بذلك، فمصر صاحبة الريادة التعليمية في المنطقة، لكن هناك سلبيات حيث نسمع جميعا الآن عن طلاب من الكويت، جاءوا الى مصر للدراسة في معاهد وجامعات غير معترف بها الآن في الكويت، وأنفقوا المال الكثير ثم عادوا بخفي حنين.
• ولماذا لا يؤسس الكويتيون جامعات خاصة في الكويت؟
- هناك جامعات موجودة بالفعل، لكن ليست كما ينبغي، نحن في حاجة الى توسيع جامعة الكويت، وتحديد ما تحتاجه البلاد من منح تعليمية خارجية، وما تحتاجه من تطوير داخلي، هذا قبل كل شيء.
• لو أردت أن أعود الى التعليم الأساسي لماذا لا تكون الأزمة أزمة تأهيل المدرسين عمليا وعلميا أو عدم اهتمام داخل الأسر؟
- لا مشاكل من جهة المنزل والبيت، نعم هناك حالات خاصة، كما أن من يعاني من الفقر حالات خاصة في الكويت، كذلك فأغلب مواطني الكويت يهتمون بتعليم أبنائهم، أما المدرسة فلا نعاني من وجود زيادة في عدد طلاب الفصل، مثلا كما في بعض الدول، ولا يوجد الا فصول مكيفة، وأبنية تعليمية متميزة، أما المدرسون، فهم على درجة عالية من التعليم، وغالبيتهم ذوو خبرات يمكن تطويرها عن طريق الدورات والمنح الحقيقية، وللأسف فالأزمة أزمة مناهج.
• الحكومة تؤكد على سلامة مناهجها؟
- الحكومة ليست من يقيّم أداء نفسها.
• اذن من؟
- المعنيون بالتعليم، حيث أثبتت الدراسات في هذا المجال أننا نعاني أزمة في المناهج الدراسية، وأنها مرتبطة بالأمن السياسي أو القومي في الكويت، هذا عن التعليم بشكل عام، أضف الى ذلك التجارة التعليمية في مراحل التعليم العالي.