19-08-2015, 08:53 AM
|
رقم المشاركة : 402
|
|
بين متحفي الامبريالية و الجاسوسية هولمز
بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @qdeem
في متحف الحرب الإمبراطوري أو الإمبريالي، الذي يكنى بالأحرف اللاتينية الثلاثة "آي دبليو إم"، أجد نفسي في هذا النهار سائحا بين حكايا الحرب في هذا المتحف، الذي له خمسة أفرع، ثلاثة منها في لندن، ويقع تحت الرعاية الملكية بشكل مباشر، له تاريخه الخاص منذ نشأته عام 1917، خلال زمن الحرب العالمية الأولى، ومن ثم فُتحت أبوابه للجمهور بعدها بثلاث سنوات.. ويعود الفضل في إنشائه للسير ألفرد موند، الذي كتب لرئيس الوزراء، آنذاك، بتأسيس متحف وطني يخلّد ذكرى الحرب الأولى.
ويحوي أرشيفه كثيرا من الوثائق التاريخية المهمة، وحتى تلك الأوراق السرية التي تكشفها السلطات البريطانية عادة بعد مرور ثلاثة عقود على أي حدث، وفي أروقته تُعرض الصور والأفلام المتلفزة النادرة والمساجلات الصوتية السرية للمسؤولين وأهل القرار، التي تعود حقوقها بشكل حصري للإدارة المتحفية ومكتبتها.. تجوَّلت في المتحف الرئيس الأول والواقع في شارع "لامبث"، عابراً طوابقه الأربعة، التي انطلقت صعودا من ذكرى الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية، وتطور الآلة العسكرية خلال السنين، وأسرار الحرب الباردة، وصولا لفترات السِلم العالمي القصيرة، حتى توقفت في نهاية الهرم المتحفي، وتحديدا عند غُرف البارون الإنجليزي، ورجل الأعمال مايكل آشكروفت، الذي جمع كمَّا هائلا من الوثائق والأفلام والصور عن محرقة اليهود أو الهولوكوست، إبَّان حقبة هتلر النازية، وقد عرضها في آخر عنقود المتحف، تخليداً لذكرى تلك المأساة.. وفيها مشاهدات وأخبار لأناس عاشوا تلك المجازر المريعة، وتوجد قاعة سينمائية تتحرَّك بكراتها بشكل مكوكيّ، عارضة أفلاما تسجيلية تؤرِّخ الحدث.
ومن الأشياء التي أذكرها هنا، هي أن ولوجي لردهات هذا المعرض كان مشروطا من قِبل رجل أمن، اتخذ مكاناً عند المدخل، ليحذر كل زائر من استخدام الكاميرا للتصوير.
أترك المتحف، لأقف على عتبة متحف آخر، هو دار "شارلوك هولمز"، وأقف تحديدا على ذات الباب الذي طرَّزه هذا المُخبر بمسدسه برمز الحرفين "ڤي آر" عند رأس شارع بيكر، وهو مكان سكن هذه الشخصية الخيالية الاستنتاجية الخلابة، التي أدهشت كل مفتون في تقفي الأثر الجرائمي والتفكير المنطقي، الذي وصل ذكاءه الجاسوسيّ إلى مستوى الكمال، ويعد حقيقة رائدة في علم الأدلة الجنائية الحديثة التي صارت تُدرَّس فعلياً استنباطا من سيرته.
ابتكر هذه العبقرية بين ورقات الرواية المحقق الإنجليزي الأصلي السير كونان في نهايات القرن التاسع عشر، ليطلقها لغزا، يحل الألغاز وبوليساً سرياً يتعقب كل سِر، وعقلاً مذهلاً لديه كل حل.. وقد كان طلوعه الأول من خلال رواية "دراسة في سكارليت" عام 1886، حتى وفاته روائياً، من خلال قصة "المشكلة الأخيرة"، بعد ذلك بخمسة أعوام، لكن رفض المجتمع الإنجليزي وغضبه على الكاتب لهذه النهاية السريعة وغير المتوقعة للبطل البوليسي الذي عشقه كل الناس، جعل الكاتب يتراجع عما أقدمت به يداه، ويعد ما حدث في المشكلة الأخيرة مجرَّد خدعة للإطاحة بالمجرمين، وليصدر بعدها سلسلة من الروايات الخالدة، التي تُرجمت سينمائياً، وكان آخرها فيلم موسيقي حضرته منذ سنوات للمخرج غاي ريتشي، وبطولة روبرت داوني، وفاز بعدة جوائز عالمية.
في المتحف الذي بدأت صعوده بسلّمه الإسكوتلانديارديّ المشهور والمكوَّن من 17 درجة، كما في الرواية، استطعت من داخله اعتمار قبعة شارلوك الأرنبيّة، والقبض بيدي على غليونه المقعَّر، والإمساك بعدسته المُكبِّرة، والجلوس على كرسيِّه ذي الظهر الطويل واستخدام جهاز ندائه القديم، لكن أجمل ما وجدت هنا هي تلك المعلّقات الكلامية التي قال هولمز ومنها:
-لا تعتبر المجهول عدواً لك بل اعتبره مغامرة.
-الطريقة الوحيدة للتقدم إلى الأمام هي تدمير الماضي.
-أعرف شيئاً عن كل شيء.
-العقل الكبير لا يتجاهل التفاصيل الصغيرة
التوقيع - أحمد مبارك البريكي |
....
أحمد مبارك البريكي، من النوع الذي يحرص كثيراً على جمال مقالته، فبعد أن يكتبها يعلقها على الحائط ويتراجع إلى الخلف خطوات ليراها عن بعد، ثم يعود ويضع بعض التعديلات الخفيفة، قبل أن يقدمها للزبائن… وأشهد أن ذائقته فرنسية رائعة.
البريكي تابعوه وسأبحث معكم عن أزهار الصحافة الزاهية الألوان بعد أن كثر الشوك، ولكم علي أنني كلما وجدت زهرة سأصرخ وأنا أشير إليها: «هذه واحدة… فاستنشقوها».
....
محمـد الوشيحــي |
|
|
|