بقلم: أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
Instagram: @ahmad_alburaiki
عام 1918 ليس عاماً عادياً على الإطلاق، هو تاريخ استثنائي له وجه الانهيار والنهايات الجماعية، وتغيير الملامح الجيوبوليتيكية للأرض بشكل مطلق.
ففي ذلك الوقت كانت الحرب الأولى ترسو مزادها على جُملة القتل في الساعة الحادية عشرة صباحا، من اليوم الحادي عشر في الشهر الحادي عشر من ذات العام، وتضع أوزارها بعد سقوط آخر ضحاياها الجندي الكندي الذي زُفّ إلى الحتف قبيل الوقت الفعلي لإيقاف الحرب بدقائق قليلة، وليُسدل الستار بذلك على مأساة عظيمة قدحها مزارع صربيّ أهوج في قلب سراييڤو، لتتدافع بعدها حطب الجيوش والشعوب في أتونٍ طاحنة، انجلى دخانها عن مغيب شمس أبدية لأربع إمبراطوريات، وزوال مجد سلسلة من أباطرة سيطروا على العروش لقرون طويلة.
فكانت نهاية الخلافة العثمانية في أوراسيا وأفريقيا، وتبدّد ممتلكاتها المنبسطة شرقاً وغرباً، وانقطاع الامتداد الإرثي والتاريخي للحضارة الإسلامية التي لم ينفصم عقدها منذ انبلاج الفجر في بعثة المصطفى عليه السلام، حتى مرضَ رجل أوروبا ومات إثر هزيمة، فكانت النتيجة تشريح الجثة بمشرط سايكس وبيكو.
آل رومانوف قياصرة روسيا لم يكونوا أسعد حظا من غريمهم "المجيدي"، فقد حلّ في تلك العائلة كارثة الاجتثاث الكلّي في ليلة لينينيّة ذات منجلٍ وفأس، وفي غياهب الصقيع الأبيض وجيش سيبيريا الأحمر، وكذا كان حال الإمبراطورية النمساوية المجرية التي وُجدت على الموعد مع الزوال، وهي التي من على جثة قربانها العظيم كانت هشيماً لنار المعركة التي ختمت فصولها على تشظًّ لتلك المملكة، التي تفرّقت إلى أربع عشرة دولة قامت على أنقاضها المعدومة.
وفي النهاية كانت امبراطورية فيلهلم الألمانية، التي جَذرها الحديدي بسمارك ليَهب حكمها للرايخ الثاني الذي قبع على عرش الاتحاد مئة عام، حتى سقطت في هاوية الحرب العالمية الأولى، وقام على أشلائها نظام الجمهورية لفايمر، ليمهّد الطريق لهتلر ورايخه الثالث حتى ينقس جرس الانتقام ويدمّر العالم من جديد.. إنها دُوَل الأيام التي تلدُ دولاً وتبيد دوَلا.
التوقيع - أحمد مبارك البريكي
....
أحمد مبارك البريكي، من النوع الذي يحرص كثيراً على جمال مقالته، فبعد أن يكتبها يعلقها على الحائط ويتراجع إلى الخلف خطوات ليراها عن بعد، ثم يعود ويضع بعض التعديلات الخفيفة، قبل أن يقدمها للزبائن… وأشهد أن ذائقته فرنسية رائعة.
البريكي تابعوه وسأبحث معكم عن أزهار الصحافة الزاهية الألوان بعد أن كثر الشوك، ولكم علي أنني كلما وجدت زهرة سأصرخ وأنا أشير إليها: «هذه واحدة… فاستنشقوها».
....
محمـد الوشيحــي