الصراع على السلطة في دولة الجبور بين المفاهيم القبلية والملك
د. عبداللطيف بن ناصر الحميدان
توطئة :
شهدت المنطقة العربية خاصة ومنطقة الشرق الاوسط عامة عبر مسارها التاريخي الطويل صراعات ىمستمرة بين الدولة والقبيلة وبين البدو والحضر كما شهدت ايضا قيام دول وكيانات سياسة كان للقبائل دور اساسي في انشائها وقيام اسر حاكمة فيها فكان لكل ذلك اثر كبير في تاريخها يتجاوز مثيله في بقاع كثيرة من الغالم ولذا فان دراسة العامل القبلي تحتل في الواقع اهمية بارزة في تعميق فهم حقيقي لتاريخها
ولقد تنبه ابن خلدون ت 808 ه / 1406 م قبل غيره من المفكرين بفترة طويلة الى اهمية العامل القبلي فاحتل جزءا رئيسيا من نظريته الاجتماعية وان الدراسات الحديثة حول مسالة القبلية قد انطلقت في الحقيقة من الرؤيا الخلدونية من دون ان تستطيع من جهة اخرى ان تزعزع اسسها
ولكي لا نبعد كثيرا عما نبتغيه بخصوص الصلة بين الدولة والقبيلة والتمازج ما بين البداوة والتحضر فانه يحسن توضيح بعض الالفاظ والمفاهيم والمفاصل الرئيسية بهذا الخصوص
فمفهوم الدولة التي ترد في البحث يقصد بها تلك الاشكال التي سادت قبل فترة التحديث حيث تعني ذلك الكيان الذي تتوافر له ثلاثة عناصر وهي اولا الحدود الاقليمية صرف النظر عن وضوحها جغرافيا وثانيا السلطة المركزية بصرف النظر عن ضالة ومحدودية اهدافها واخيرا كتلة من البشر بصرف النظر عن الاصل والمنشا 1
واذا ما كان ابن خلدون قد قسم الدول عموما الى ثلاثة اشكال وذلك وفقا لطبيعة السلطة فيها وهي دولة القبيلة ودولة الشخص المستبد ودولة الموالي 2 فاننا نجد المستشرق تابر ركز اهتمامه فقط على الدولة القبلية فقسمها الى ثلاثة اشكال وهي : سلالة قبلية حاكمة تسيطر على منطقة يقيم فيها بشر من اصول متعددة ثم سلالة حاكمة غير قبلية تحمل الى السلطة بمعونة قبلية وتستمر في الاعتماد عليها واخيرا سلالة حاكمة على راس تجمع قبلي يقيم على مساحة محدودة هي جزء من اراضي دولة مركزية وتماثل في سلطتها تلك الدولة لكنها دولة ثانوية 3
ومما ينبغي التنبيه اليه هو عدم الخلط بين التنظيم القبلي والبداوة او الربط بينهما فالتنظيم القبلي هو في الواقع موجود لدى البدو والحضر سواء بسواءيضاف الى ذلك ان التقسيمات القبلية الى عشائر وبطون وافخاذ واحياء وطوائف اضافة الى تعابير بنو و ال و بيت تدل جميعها على اختلاف الفاظه على مستويات معينة في التسلسل الاجتماعي القبلي وذلك وفقا لقربها من الجد الاصل او بعدها عنه لذا فانه لا يصح ان يتخذ من هذه التعابير دليل على البداوة او على نمط العيش 4
ولما كانت السلطة كما يقول جورج بالاند ييه صفة متلازمة لكل مجتمع 5 فان الوحدات الاجتماعية المشار اليها انفا هي التي تغدو صاحبة السلطة والسيادة ضمن هذا التقسيم القبلي وليس القبيلة نفسها ككل 6 , ويعلل ابن خلدون ذلك بقوله : بان العصبيات الخاصصة اشد التحاما من النسب العام لهم لقرب اللحمة 7
ولقد اختلف الباحثون في تحديد مهوم العصبية التي يعنيها ابن خلدون ولكنه من الواضح انه قد استعملها في معان عدة , وان المعنى الاقرب لمقصده هو ميل الناس الى الترابط والتعاون فيما بينهم , أي انها اذا كانت في الاصل تعني النيب من الاقرب ( بيت او عشيرة ) الى الابعد ( مجموعة عشائر وقبائل ) فان معناها هذا يتسع ليشمل مختلف اشكال الجماعة من القبيلة الى التشكيل السياسي ( الدولة ) بل وحتى التي تجمع كل المسلمين .
ومهما يكن من امر فان بنية النسب تسمح باقامة علاقات سياسية اساسها المساواة بين افراد القبيلة بما فيهم شيخهم نظرا الى المشيخة في القبيلة تظل اعتبارا وليس امتيازا لكننا نستدرك فنقول بان هذا لا يعني ابدا الانتفاء الكلي لعلاقات السيطرة والخضوع اذ لكل شخص مقامة ومع المقام تاتي السلطة والامتياز التي تفضي الى سيادة حقيقية يمارسها الشيخ وتتماشى مع تطور القبيلة
وفي ك الاحوال فان التصورات والمفاهيم من المفيد استحضارها في دراستنا لعلها تساعدنا في اذكاء فهم افضل لطبيعة السلطة في دولة الجبور التي هي هدف هذا البحث ثم انعكاستها على الاوضاع السياسية فيها وذلك باستقراء النصوص واضاءتها رغم ندرتها
قيام الدولة وتركيز السلطة
قامت دولة الجبور في الاحساء في حوالي منتصف القرن التاسع للهجرة / الخامس عشر ميلادي ثم ما لبثت ان اتسعت رقعتها وامتدت حدودها وتنامت قوتها وزادت في نفوذها لتصل الى الحد الذي بلغته قبلها دولتا القرامطة والعيونيون ان لم تكن قد جاوزته في ذلك ويعود فضل اقامة ذالكم الكيان الى بني جبر وهم بطن من قبيلة بني عامر النجدية الذين كانوا مقيمين في بادية الاحساء والقطيف حيث تتوفر الواحات والتي تقع على الارجح في مناطق الجوف والستار ( وادي المياه ) 10 ولعل السخاوي كان يشير لتلك المناطق عندما قال : أجود بن زامل الجبري ولد سنة 821 هجري 1418 ميلادي في بادية الاحساء والقطيف 11, وعلى اية حال فان الجبور قد تهيأت لهم فرصة لتدعيم قوتهم وتوسيع نفوذهم وذلك بالاستفادة أولا من ضعف دولة الجروانيين في الاحساء والتي كانت قد قامت سنة 750 هجري 1349 ميلادي 12 وثانيا ضعف مملكة هرموز والتي كانت يشمل حكمها معظم سواحل الخليج العربي حيث تشكل القطيف جزءا منها 13 ومن الجدير بالذكر ان كوبر وضح بأن أي شئ يؤدي الى ضعف الحكومة في مناطق الاستقرار فانه يؤدي الى تغلغل البدو في تلك المناطق 14 كما ان بارث أثبت بأن الذين يميلون الى الاستقرار من البدو هم الاكثر غنا زكذلك الاكثر فقرا 15
وعلى اية حال فإت مثل هذا التغلغل يثير احيانا خوف السلطة منه وان الجروانيين وجدوا انفسهم مضطرين نتيجة لضعفهم الى الاستعانة بشيخ الجبور زامل بن حسين بن ناصر الجبري العامري العقيلي النجدي وأن يمنحوه بعض الامتيازات المالية المجزية وذلك مثلما فعل قبلهم العيونيون حينما منحوا مثل تلك الامتيازات للعصفوريين 16
وقد استفاد زعيم الجبور من تلك الثروة التي توفرت له ومن الارتباط الذي نشأ بين الدولة وسلطته لاستمالت عدد من القبائل والموالين ودمج عصبياتهم مع عصبية بني جبر وتكوين رابطة واحدة تنتسب للعشيرة الاساس وتسمى باسمها ويميزها اساسا العامل السياسي الذي ينطوي دون شك على اعتبارات اقتصادية 17
وعلى اية حال فان تنامي قوة زعيم الجبور هذا قد اثارت الى حد كبير مخاوف الجروانيين الين كانوا قد ساهموا كثيرا في ترقيته وبروزه مما حملهم على محاولة كسر شوكته الا ان تلك المحاولة باءت بالفشل الذريع وكانت وبالا عليهم حيث يذكر السخاوي ان حاكم بني جروان خطط لقتل سيف بن زامل الجبري الساعد الايمن لوالده زامل لكن تلك سرعان ما اكتشف امرها وادت الى ثورة الجبور في وجه الجروانيين حيث اغاروا على مركز حكمهم في الاحساء وقتلوا الحاكم الجرواني وازالوا كيانه فكان هذا الحدث بداية لقيام دولة الجبور 18
وهكذا فان الالتحام الاجتماعي من جهة وعلاقة التبعية وزعامة الرئيس وسيطرته من جهة اخرى شكلت عصبية قوية نجحت في اقامة دولة الجبور التي كانت تركيبها الاجتماعي عند بداياتها مزيجا بين البداوة والتحضر كما كان هو الحال في الدول التي قامت قبلها في المنطقة ولعل ابن بسام يصور لنا تلك التركيبة خلال وصفه لجيش الشيخ زامل الجبري مؤسس الدولة وكذلك لجيش ولده أجود حينما يقول :أنه مؤلف من البدو والحضر 19 فكان طبيعي ان يكون لهذه الخصائص حضرية كانت ام بدوية الاثر الفاعل في البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة اذ من الثابت ان الانظمة السياسية ومفاهيم السلطة فيها تتنوع بتنوع البنية الاجتماعية وطبيعة تركيبها
ان اون لاتيمور ينظر الى الوضع الذي ينشأ نتيجة لاجتياح زعماء القبائل البدوية منلطق الاستقرار بان سلطتهم على اتباعهم سوف تتغير من الوشائج القرابية المتسقة مع الروابط القبلية الى اتباع وفق الاسس الاقطاعية فهؤلاء الاتباع يتحولون الى مزارعين ورجال سلطة حكومية ويفقدون قابليتهم للابتعاد عن زعيمهم مما يشكل وضعهم الجديد تمييعا للنظام الاجتماعي القبلي البدوي واندماجا بسلطة الدولة20
وعلى اية حال ان ةلفظتي البدو والحضر تعنيان في الواقع تقسيم السكان اجتماعيا وفق نمط الحياة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي اضافة الى مستوى البنية الذهنية 21
ويضاف الى ذلك ان الفاصل بين التحضر والبداوة من الممكن ان يتراجع ويتقلص بتغيير اولويات عناصره فالبداوة هي في الواقع عند مستويات عدة تتراوح بين التوغل في القفار والاعتماد على الابل كمصدر رئيسي للعيش 22 وعند الوضع الاخير تكون مهيئة لانه تنتقل الى طور التحضر كنمط معيشة وكتنظيم اجتماعي اكثر تعقيدا مما سبق اساسه القبلية وكممارسة للسلطة السياسة القائمة على العصبية والحلف والولاء والاستتباع والتوازن المضاد وحتى القسر وكبنية ذهنية ايضا 23 وعلى العكس من ذلك فان التحضر كنمط معيشة وكتنظيم اجتماعي وسياسي لا يتحول الى البداوة وهذا ما تنبه له ابن خلدون منذ عهد بعيد 24
وعلى اية حال فان زامل الجبري المؤسس لدولة الجبور 25 كان لا بد ان ينتهي به التفكير الى من سيخلفه في السلطة ويقودها من بعده لكن هذا الامر فيما يبدو ان محسوما سلفا اذ كان اكبر اولاده سيف هو الابرز بينهم لما اضهره من مواهب قيادية من خلال مشاركته النشطة في تاسيس تلك الدولة في عهد والده 26 فاختار سيف اذن لتولي الحكم خلفا لوالده فيه تدعيم للحمة العصبية من دون ان يكون فيه خروج على الاعراف السائدة
ثم نجد انه على أثر وفاة سيف خلفه اخوه اجود في حدود سنة 875 هجري / 1471 ميلادي والذي كان هو الاخر قد شارك والده في بناء الدولة مثلما شارك اخوه سيف من بعده واظهر خلال ذلك مواهب اكسبته الاحترام والهيبة بعد توليه السلطة حينما نجح في دفع حدود مملكة الجبور ومناطق نفوذها الى بقاع واسعة وذلك بضمه البحرين وعمان واجزاء واسعة من نجد , ليصبح بذلك اقوى زعماء جزيرة العرب وحكامها وعلى وجه الخصوص عند سواحل الخليج العربي 27
ان ابن خلدون عندما استحضر ما حدث لقوى قبلية نجحت في اقامة كيان سياسي لها في الماضي فلعله كان يحاول ايضا ان يستشرف المستقبل ويتصور ما سيحدث لقوى قبلية اخرى قديمة وذلك عندما قال ان القبيل الواحد وان كانت فيه بيتات متفرقة وعصبيات متعددة فلا بد من عصبية تكون اقوى من جميعها تغلبها وتستتبعها وتلتحم جميع العصبيات فيها , وتصير كانها عصبية واحدة كبرى ثم يضيف قائلا ثم اذا حصل التغلب بتلك العصبية على قومها طلبت بطبعها التغلب على اهل عصبية اخرى بعيدة عنها .. وان غلبتها .. طلبت غاية في التغلب والتحكم اعلى الغاية الاولى وابعد وهكذا دائما حتى تكافئ بقوتها الدولة فان ادركت الدولة في هرمها ولم يكن لها ممانع من اولياء الدولة واهل العصبيات استولت عليها وانتزعت الامر من يدها وصار الملك اجمع لها 28
وقد لا نشتط كثيرا اذا قلنا ان الصورة هذه التي رسمها ابن خلدون تساعدنا الى حد كبير في تصور ما حدث للجبور منذ بدايتهم حتى نجاحهم في اقامة كيان سياسي واسع
وعلى اية حال ان الملك الواسع الذي تحقق لأجود لا بد ان يكون قد قاده للتفكير في المحافظة عليه وان استقراره اداة الحكم وتنظيمها هي اهم ما يجب ان يلتفت اليها خصوصا بعد ان طال به العمر وطعن في السن 29لذا فان وراثة السلطة من بعده لابد ان تكون قد احتلت جانبا من تفكيره كما يجب ان نشير الى انه ربما كان يخشى من وقوع الشقاق على السلطة فيما بين اولاده من بعد وفاته مثلما كان يخشى ايضا من ذوي الطموحات والنفوذ من امراء الجبور انفسهم خصوصا وان اتساع الدولة والانسياق كثيرا نحو الملك لا بد ان يكون رافقه ضعف في الروابط العصبية التي قامت زعامة الاسرة الحاكمة علي دعائمها الامر الذي يستلزم اخضاع الجماعة لنظام هرمي قوي وتحويل العصبية الى قوة محركة بوجود زعيم مهاب على رأس هذا الهرم
وعلى كل حال فان السلطان اجود ما لبث ان انتهى الى تقسيم البلاد بين اولاده الثلاثة وهم سيف ومحمد وعلي وقد وصف مؤورخ الحجاز عبدالعزيز بن فهد تاريخ 921 هجري / 1515 ميلادي محمد بن اجود بن زامل عند وصوله الى مكة سنة 910 هجري / 1505 ميلادي على راس قافلة حجاج الجبور بانه المتقدم عن ابيه في مملكته والمشار اليه 30 ولعل ذلك يدل على ان السلطان اجود كان قد نقل السلطة الفعلية لاولاده قبل هذا التاريخ
وعلى كل حال فان توريث اجود بن زامل السلطة لاولاده الثلاثة ضمن قيادة مشتركة هو بلا شك مراعاة للاعراف القبلية مثلما هو تدعيم لمظاهر الملك الذي هو غاية العصبية كما يقول ابن خلدون فاجود كان يحاول فيما يبدو المؤامة ما بين مظاهر الملك والاعراف القبلية والتي هي عند ابن خلدون سؤدد وصاحبها متبوع وليس عليهم قهر في احكامه اما الملك فهو التغلب والحكم بالقهر 32
ولعل تنوع الالقاب التي كانت تطلق على اجود بن زامل يحمل في مضامينه العديد من الدلالات فعند السمهودي تاريخ 922 هجري / 1506 ميلادي هو ريس اهل نجد وراسها سلطان البحرين والقطيف 33 كما ان السخاوي اطلق عليه مثل هذه الالقاب ايضا حينما وصفه بريس نجد 34 فكلمة الريس ذات مدلول قبلي وتعطي معنى الشيخ ايضا كما يمكن ان يلاحظ ان اجود وحكام الجبور من بعده كانوا يحملون لقب السلطان الشيخ في ان واحد فلقب الشيخ له مدلول قبلي اذ تعرف القبيلة عادة باسم شيخها لانها ليست تنظيما سياسيا لذا فان لقب اب جبر الذي يعتز به اجود بحمله ثم اوصى ولده الاكبر بحمله من بعده كما سوف ياتي هو دليل قوي على المفهوم القبلي لسلطة الجبور
واخيرا وضمن هذا السياق علينا الانتباه الى ان عبارة بنو جبر لا يقصد بها الاشارة الى البيت الحاكم فحسب بل ان استعمالهاكان يتسع مع اتساع ذلك البيت او العشيرة وتاسيس عصبية كبرى ضمت في كنفها القبائل والبطون والعشائر والبيوتات الكبيرة على امتداد رقعة جغرافية واسعة فهي الهوية للكيان الجديد إ( التبعية )
ومثلما يقال عن دلالات عبارة بنو جبر يمكن ان يقال عن عبارة بلاد بني جبر
بقى الاشارة الى لقب السلطان فانه يحمل حقيقة الدلالة على مركزية السلطة وهي صفة من صفات الحكم في الدول كما يحمل في طياته دلالات على شرعية السلطة الحاكمة ولعل اجود استطاع اكتسابها من خلال ارتباط كانه الوثيق بحكومتين تحملان صفة الشرعية ضمن العالم الاسلامي وتكتسبان احترامهما في هذا الخصوص وهما حكومة الاشراف في الحجاز ودولة المماليك في مصر حيث مقر الخلافة العباسية هناك
وعلى كل حال فلم تمضي سوى فترة قصيرة على انشاء اجود قيادة مشتركة بين اولاده الثلاثة حتى توفي وذلك في حدود سنة 911 هجري / 1505- 1506 ميلادي تاركا بصماته القوية على الهوية السياسية للسلطة في دولة الجبور
سلطة الجبور بعد التاسيس
عقب وفاة السلطان اجود بسنتين تقريبا دخل الاسطول البرتغالي مياه الخليج العربي لاول مرة وذلك في اواخر صيف عام 913 هجري / 1507 ميلادي يقوده الفونسو البوكيرك تاريخ 921 – 1515 ولقد دونت كل نشاطات هذا القائد واعماله في البحار الشرقية فاختص الخليج العربي بقدر كبير نسبيا من الاهتمام لذا فان المعلومات التي احتواها سجل اعماله ذات قيمة تاريخية ثمينة ولقد ورد فيها بالطبع ذكر للجبور حيث قال ان العرب يطلقون على الاجزاء الداخلية من تلك البلاد اسم جزيرة العرب لان مياه البحر الاحمر والبحر الفارسي ( الخليج العربي ) تحيط بها وهذه البلاد تحكم جميعا من قبل ملك يسمى ابن جبر وكان له ثبلثة اولاد جعلهم يقتسمون البلاد عند وفاته على ان يبقى الكبير من بينهم محتفظا على الدوام بلقب ابن جبر كما كان والده وان على اخويه ان يعترفا به على انه عاهل دولتهم 35
وقد حاول البركيرك ايضا تحديد اراضي تلك المملكة فقال ان مدينة مسقط هي جزء من مملكة هرموز اما مناطقها الداخليةفهي تابعة لملك يسمى ابن جبر والذي له اخوان وبلاد هؤلاء الاخوة الثلاثة تمتد من هنا حتى عدن اما باتجاه الشمال فانها تمتد بمحاذاة سواحل بحر فارس ( الخليج العربي )ثم تنعطف لتصل الى جوار مكة , ان هذه البلاد هي مقسمة فيما بين هؤلاء الاخوة 36 ثم ان البوكيرك يحدد كل قسم من تلك الاقسام التي يحكمها الاخوة حيث يقول ويحكم ابن جبر كلا من الفرتاق وظفار وقلهات ومسقط حتى حدوده الى بلاد شيخ عدن 37
ومن المؤكد ان البوكريك يشير بذلك الى المناطق التي كان يحكمها سيف بن اجود والذي سبق له ان قام في حياة والده سنة 893 هجري 1487 ميلادي باخضاع اجزاء واسعة من عمان وتولى الحكم فيها 38 وهذا يعني ان اجود كان قد قرر ابقاء سيف في حكم عمان وان الاخير كان قد رضي بذلك كما ان يفهم ايضا من قول البوكريك بان سيف كان هو الاكبر من بين اولاد اجود الذين هم على قيد الحياة وبانه المقصود بحمل لقب ابن جبر خلفا لوالده
وعلى كل حال فان البوكريك يستمر في حديثه عن بقية اقسام المملكة والتي يحكمها اخوا ابن جبر حيث يقول : اما الاثنان الاخران فانهما يقيمان عند ساحل البحر الفارسي ( الخليج العربي ) وان احدهما كان فد انتزع جزيرة البحرين والقطيف من ملك هرموز 39
واشارة البوكريك هذه لا بد ان يكون المقصود بها كلا من محمد بن اجود وعلي بن اجود , اما الذي انتزع البحرين والقطيف فالمقصود به محمد اذ انه الزعيم البارز اثناء ذلك الوقت والذي يملك السلطة والنفوذ في تلك الاجزاء كما يفهم من قول ابن الفهد المشار اليه انفا
واخيرا يفهم من ذلك ايضا بان استيلاء الهرمزيون على البحرين والقطيف قد وقع في حدود 911 هجري 1506 ميلادي أي قبيل وفاة السلطان اجود او بعدها بقليل , اذ ان الهرمزيين لا بد انهم كانوا يراقبون اوضاع الجبور عن كثب لكي ينفذوا ما كانوا يتطلعون اليه دائما وهو اخضاع تلك البلاد لسطنتهم 40
وعلى كل حال فليس هناك معلومات عن سيف ( ابن جبر ) وعن احوال عمان في عهده لذا فان الحديث سوف ينصب على اخوته ومنطقة حكمهم فلقد انتقلت السلطة السياسية في تلك الاجزاء الحيوية من المملكة وهي البحرين والقطيف والاحساء ونجد الى محمد بن اجود في حدود 911 هجري 1506 ميلادي حيث توجهت اليها انظار المؤرخين واهملوا عمان
فلقد وصف ابن فرج تاريخ 1010 هجري 1602 ميلادي محمد بن اجود عند وصوله مكة سنة 912 هجري على راس قوة كبيرة وبرفقته مقرن بن زامل وصالح بن سيف بانه سلطان البحرين والحسى والقطيف 41 وهذه الالقاب لم يضفها عليه المؤرخ المكي ابن فهد المعاصر 42 للاحداث والقريب منها الا ان مثل ذلك لا ينقض تلك الصفات التي اطلقها ابن فرج عليه لان البوكريك الذي دون الاحداث عن قرب ايضا قد صرح بوفاة السلطان اجود بن زامل وانتقال السلطة لأولاده وان احدهم وان لم يذكر اسمه كان يحكم في المناطق الواقعة عند الساحل الشرقي وبان البحرين والقطيف من ضمن ممتلكاته 43
وقد يتسائل المرء عن الابن الثالث لأجود والذي لم تذكر منطقة نفوذه وللاجابة عن ذلك نقول بان المؤرخين مثلما تجاهلوا ولده الاكبر وهوسيف ( ابن جبر ) فانهم قد اغفلوا ايضا الاشارة الى ولده الاصغر علي والذي يبدو ان السلطة الفعلية كانت بيد اخيه محمد وان عليا كان يشارك في السلطة بقدر ما
وعلى اية حال فانه من المحتمل ان محمد ابن اجود لم يكن يملك تلك الشخصية القوية ولا المهابه التي يمتلكها والده لكي يستطيع بها مواجهة الطامعين في السلطة من امراء البيت الحاكم ويفرض ارادته عليهم لذا فانه لم يستطع وكما يبدو تعيين اخاه علي خلفا له ولا ولده ناصر لوراثة السلطة فالاعراف القبلية كما يبدوهي التي تغلبت في اختيار خليفته حيث فاز بها صالح بن سيف بن زامل مما يعني انتقال السلطة الى اسرة سيف الاخ الاكبر لأجود الذي سبق له ان لعب دورا رئيسيا في تاسيس كيان الجبور السياسي كما سبق الاشارة الي ذلك
والواضح ان الاميرين صالح بن سيف ومقرن بن زامل هما الشخصيتان البارزتان في البيت الحاكم خلال تلك الفترة واذا ما تميز مقرن بالشجاعة والمشاركة بدور كبير في قيادة الحملات العسكرية وقوافل الحجاج جنبا الى جنب مع السلطان محمد بن اجود 44 فانه من المحتمل جدا ان صالحا بالاضافة الى انه اكبر سنا فانه اوسع علما وثقافة وخاصة في علوم الدين كما سوف نرى
ان النص القيم والوحيد الذي يشير الى تولي صالح السلطنة هو الذي اورده المؤرخ الغزي حين ترجم له ووصفه بأنه ..... السلطان بن السلطان متملك بلاد بني جبر , كان من بيت السلطنة هو وابوه وجده 45
انشقاق البيت الحاكم :
استلم السلطان الجديد صالح بن سيف السلطة في ظل أوضاع تحمل في طياتها الكثير من المخاطر والمتاعب . فكان لظهور البرتغاليين في المحيط الهندي والبحار العربية . فقبيل تولية الحكم ، تأثيره الكبير في مجمل الأنشطة الاقتصادية في تلك المناطق . وقد تولد هذا التأثير نتيجة لسعي البرتغاليين المتواصل لتحطيم النظام التجاري القديم المحكم الذي كان سائدا في المنطقة منذ أقدم العصور والأزمان ، ثم التحكم في النشاط التجاري فيها عن طريق العنف والابتزاز .
وكان طبيعياً أن يولد ذلك حالة خوف وفزع في النفوس ، وعلى وجه الخصوص في نفوس المسلمين ، بعد أن تحول هذا العدو الدموي الذي يمثل بحق وجه أوروبا الجديدة القادمة لافتراس القلب المسلم ، إلي متحد لوجودهم ومستفزاً لمشاعرهم . فكان أن ظهرت عدة محاولات من كيانات إسلامية للتصدي له ، إلا أنها باءت بالفشل (46) .
على أية حال ، فان تجارة الخليج العربي قد شهدت ارتباكاً كبيراً ولفترة من الوقت ، خاصة وأن هذه الأحداث قد تزامنت مع ظهور دولة شيعية في إيران ، ذات أطماع توسعية ، تلكم هي الدولة الصفوية ، الأمر الذي زاد في تعقد الأوضاع في الخليج .
ولم تكن دولة الجبور ، بالطبع ، بمعزل عن تلك التحديات ، بل واجهت ما هو أسوأ ، وذلك بتعرضها لغزو هرموزي جديد أدى إلي انتزاع البحرين والقطيف . فقد قام ملك هرموز ، كما يقول المؤرخ البرتغالــي كستنيدا – Castan – heda (ت 1559م/966هـ ) بحملة بحرية ضد الجبور سنة 917هـ/ 1511 م ، نجح خلالها في الاستيلاء على البحرين والقطيف (47) . ويحتمل أن هذا الغزو وقع بعد وفاة السلطان محمد بن أجود مباشرة . وإذا ما صح هذا الاحتمال ، فإنه يمكن أن يتخذ هذا الحدث نفسه كبداية لحكم السلطان صالح .
ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن ابن فهد المكي ، لم يشر الي قافلة خاصة بالجبور وذلك حينما ذكر الحجاج القادمين في موسم حج سنة 917هـ (1511-12 م ) ، وإنما قال حج جماعة من بلاد ابن جبر (48) ، من دون أن يذكر بأن لهم أميراً يقودهم . إن قلة القادمين للحج من بلاد الجبور في ذلك العام تجعلنا نرجح بأنه كان مرتبطاً بالحدث المار ذكره ، والذي وقع في العام نفسه .
وعلى أية حال ، فإن الظروف والتحديات التي أشرنا اليها تتطلب سياسة هدفها حشد الجميع في خندق واحد وجبهة متراصة لمواجهتها ، فهل استطاع السلطان الجديد تحقيقها ؟ إن الجواب على ذلك يحتاج الي التعرف على سياسته .
الواقع إن السلطان صالح كان قد نشأ نشأة دينية ، شغوفاً بعلوم الدين ومتعلقاً بحملته ، فقد وصف الغزي أنه " .. كان مالكي المذهب ، فقيهاً متبحراً بالفقه والحديث ، وله مشاركة جيدة في الأصول والنحو ، ومحباً للعلماء والصلحاء.. (49) . ولعلنا لا نشتط كثيراً إذا ماقلنا بأن تتوجه السلطان صالح الفكري هذا قد أثر في سياسته العامة ونهجه في الحكم . إذ يرجح أن قرب علماء الدين وأدناهم منه ، حتى نجحوا في كسب ثقته الزائدة بدهائهم وحسن تصرفهم ، فأعتمد عليهم في الحكم واتخذ منهم مستشارين له . وهذا يعني أنهم قد استأثروا بالمكانة التي كان عليها أفراد البيت الحاكم والزعامات التي ساهمت بدور بارز في بناء الدولة . ويضاف الي ذلك أ، السلطان ، كان طبيعياً ، أن يحتاج الي الأموال بصورة مستمرة ، من أغداقها على المرتبطين بخدمته ، لكن مثل هذا الأمر ليس من السهل تحقيقه ، نظراً للظروف الاقتصادية التي تحيط بالبلاد ، والتي أشرنا اليها سابقاً ، خصوصاً بعد خروج البحرين والقطيف من سلطة الجبور . وهنا لابد أن يكون السلطان قد أطلق يد موظفوه وأزلامه لمعالجة النقص في الخزينة عن طريق جمع الأموال والضرائب من السكان ، وأن مثل هؤلاء الأشخاص حين قيامهم بجمع الأموال من السكان لا بد أنهم قد تصرفوا وفق مفاهيمهم الخاصة ، أي بالنظر الي ثروة البلاد على أنها حق موروث للسلطان ، وأنهم في تصرفاتهم فوق الإرادة العامة وفوق القانون(50) ، الأمر الذي أوقعهم دون شك في تجاوزات ومظالم أثارت الاستياء العام . ويبدو أن السلطان صالح لم يكن ليدرك تمام الإدراك ، الآثار السلبية لسياسته التي كان ينتهجها في حكم البلاد ، ووقعها في نفوس السكان عامة ، وفي نفوس أفراد الأسرة الحاكمة والزعامات العسكرية خاصة . وقد يكون من المفيد هنا استحضار صورة كان قد رسمها ابن خلدون لما قد يحدث للكيان السياسي القبلي ، أثناء مرحلة التأسيس ، حيث تسود فيه المساواة في الأعباء والمغانم ، ثم ما ينتهي اليه بعد أ، يحرز الانتصار الكامل وتستقر أوضاعه فينجو بالسلطة نحو الاستبداد والاستئثار بالمغنم . حيث يقول ابن خلدون " .. وما كان المجد مشتركا بين العصابة وكان سعيهم له واحدا ، كانت هممهم في التغلب على الغير والذب عن الحوزة ، .. وإذا إنفرد الواحد منهم بالمجد وقرع عصبيتهم وكبح أعنتهم واستأثر بالأموال دونهم ، … فيصير ذلك وهنا في الدولة وخضدا من الشوكة ، وتقبل على مناحي الضعف والهدم " (51)
وعلى أية حال ، فهناك مسألة أخيرة يحسن النظر اليها ، وهي أن انتزاع الهرموزيين لأغنى ممتلكات الجبور ، البحرين والقطيف – ثم بقاءها بأيديهم ، من دون أن يستطع السلطان صالح استردادها ، قد وضعه ، دون سك في موقف سياسي واقتصادي حرج . بل ربما كان ذلك من بين الأسباب الهامة التي أثارت الاستياء من حكمه ، بين قطاعات هامة من السكان .
وعلى أية حال ، فإنه بعد مرور ثلاث سنوات ، وبالذات في حدود منتصف عام 920هـ/1514م ، توفى ملك هرموز ، كما توفى أيضاً وزير القوي حواجه عطا ، فقام البحرين في أثر ذلك ، بثورة ضد حكم الهرموزيين واستطاعوا تحرير بلادهم ، ومن ثم إعادتها الي حظيرة الوطن الأم ، شرق جزيرة العرب (52) .
ويبدو أنه عقب هذا الحدث تم تسوية هذا النزاع بين ملك هرموز الجديد وبين سلطان الجبور ، وفق الاتفاقيات السابقة بينهما ، والتي كانت تتضمن التزام سلطان الجبور بدف ع مبلغ سنوي محدد لملك هرموز لقاء احتفاظه بحكم البحرين والقطيف (53) .
ويستدل على التوصل الي مثل هذا الاتفاق ، من خلال رسالة سلطان الجبور التي حملها مبعوثه الي جزيرة جرون (هرموز) ، في أواخر صيف عام 921هـ/1515م للترحيب بالحاكم البرتغالي للهند البوكيرك ، الذي وصل الي هناك على رأس أسطول ضخم حيث تضمنت الرسالة الي الأخير ، قوله : بأن العلاقة بينه وبين ملك هرموز هي حسنة جداً ومتينة (54) .
وعلى أية حال فإن المصادر لا تذكر ، مع الأسف الشديد اسم سلطان الجبور أثناء ذلك ، لكن من المرجح أنه كان صالح بن سيف ، وبأن التسوية التي عقدها مع ملك هرموز ، قد أثارت استياء عدد من زعماء البلاد الذين نظروا اليها على أنها إهانه لهم ولبلادهم ، خاصة وأن السلطان أجود بين زامل ، كان قد توقف عن دفع أي مبلغ لملك هرموز ، ومثل ذلك فعل ولده السلطان محمد ، فكيف يتم الآن مثل ذلك ، بعد أن تم انتزاع البحرين والقطيف بقوة السلاح من ملك هرموز ، والذي هو في الواقع ، قد فقد معظم سلطانه بعد أن ارتهن بلاده للبرتغاليين (55) .
ومهما يكن ، فإن العلاقة بين السلطان صالح ومعارضيه قد تأزمت حتى وصلت الي حد الانفجار عند بداية سنة 922 هـ/1516 م ، حيث أصيح به .
الإطاحة بالسلطان صالح :
هناك رأيان مختلفان حول فترة حكم السلطان صالح بن سيف وتقييم سياسته ، يعبر عن الأول منهما الغزي ، حينما يصف صالح بأنه " 000 شجاعاً مقدماً ، عادلا في ملكه صالحا كاسمه 000 (56) . في حين يعبر عن الثاني شاعر نجدي ، هو الكليف أو الجليف في قصيدته النبطية التي امتدح بها مقرن بن زامل (57) ، بعد توليه السلطنة خلفا لصالح ، حيث يصف فترة الحكم السابقة ، من دون أن يذكر اسم حاكمها ، بأنه عهد تفشى فيه الظلم (58) .
وعلى أية حال ، إن كلا الرأيين يحملان المبالغة في الوصف والتحيز إلا أن مما لا شك فيه ، هو ظهور استياء لدى قطاعات هامة من السكان ووجود تململ من حكم صالح ، وقد يكون ذلك قد حدث في أواخر عهده . وبأن الأحداث التي سوف نذكرها ، ربما تؤيد ذلك .
وأن مما يجدر ذكره ، هو أن حالة القلق والخوف عندما تسود بلداً ما ، تدفع من دون شك ، بالسكان للبحث عن مخرج لأزمتها والتطلع الي زعيم قوي قادر على التصدي لها ، وانتشال البلاد والعباد من وهدتها . فضروب النشاط الاقتصادي المختلفة تتطلب توافر الأمن والاستقرار ، فمصلحة بعض السكان ذات صلة بمصلحة السلطة السياسية القهرية . ويبدو أن هذا هو ما كان واقعاً في دولة الجبور ، وأنه كان طبيعي ، في ظل الأوضاع الاجتماعية السائدة فيها أن يت الالتفات الي وسائل سياسية تقوم على أساس إستخدام القرابة العائلية ضمن اطار البحث عند زعيم جديد بين الأرستقراطية العشائرية الحاكمة خاصة وأن المفاهيم القبلية السائدة لا تعطي للقسم الذي يؤدي للرئيس أو الحاكم صفة ملزمة للتقيد به ، حيث من الممكن فسخه والتحلل منه .
اتجهت الانظار ، فيما يبدو الي الأمير مقرن بن زامل ، والذي وصفه المؤرخ البرتغالي باروش Barros ، بأنه ذو شهرة واسعة بين العرب كفارس شجاع (59) وكان مقرن قد عبر ، هو الآخر عن عدم رضاه عن السياسة التي كانت تمارسها الهيئة الحاكمة ، والتجاوزات التي صدرت من بعض كبار أسرته وذلك بالأنزواء والانسحاب من الحياة العامة .
وقد عبر الشاعر الكليف عن ذلك مخاطباً الأمير مقرن بقوله :
تل العشيره مقرن زاكي الوفا حمال من أجل الخطوب أثقالها
قد شاف بالأعمام مالا يرتضي بالدار واقفي زاهد بأعمالهــا
متضايل عن ديرته وأصحابه خوف القطيعة بالصديق وقالها(60)
وعلى أية حال ، يفهم من أبيات الشاعر أن الوفود أخذت في التردد على مقرن تثبت اليه بشكواها من الأوضاع ، وتحثه على المجاهرة بالاعتراض عما كان يجري في البلاد بل ولربما حرضوه حتى على حمل السلاح ومظهرين استعدادهم للوقوف الي جانبه .
وقد عبر الشاعر عن هذا المعنى ، بقولة :
حتى بقى الطراش يتعب بعضهم بعض وتشتكي ما جرى في حالها
ويقال ياستر العشيرة قد بقــى قطع بأيدي الظالمين خلالها (61)
استجاب الأمير مقرن ، فيما يبدو إلى الحاح المستائين ، فخرج من صمته ، وعمد إلى المطالبة بالإصلاح ، ثم ما لبث أن حمل السلاح من أجل ذلك ، والتف حول الأنصار والمريدون بأعداد كبيرة ، فكان ذلك إيذانا ببداية مرحلة جديدة في تاريخ دولة الجبور ، والتي إتسمت بالصراع الدامي داخل البيت الحاكم ، ووقعتا أحداثها ، على الأرجح ، عند بداية عام 922 هـ /1516 م(62) . ويصف الغزي المتعاطف مع صالح ، المعارك الدامية التي دارت في الأحساء بين الأمير مقرن وخاله السلطان صالح ، بقوله : " .. وقد وقع بينهما وقعة عظيمة تشهد لصالح بالشجاعة التي لا توصف " (63) ، ثم ينتقل لوصف إحداها وضخامة عدد المنضوين تحت لواء الأمير مقرن ، والتي قد تكون أولى تلك المعارك ، فيقول : أن صالحا " قد كر على مقرن وعسكره ، وكانوا جما غفيرا ، بنفسه ، وكان خارجا لصلاة الجمعة ، لا أهبة معه ولا سلاح ، فكسرهم " (64)
أما الشاعر الكليف ، فإنه يصف استجابة الأمير مقرن لدعوة المستائين وقيامه بالثورة وشدة المعارك التي دارت والشجاعة المتميزة التي أظهرها الأمير مقرن (65) .
وعلى الرغم من أن الغزي لا يتعرض لكر المعارك التي أعقبت المعركة التي ذكرها ، وما انتهت اليه . إلا أنه يضطر بصورة غير مباشرة الي الاعتراف بأن النتيجة لم تكن لصالح صالح . حيث يصفه حين حضوره لدمشق وإقامته فيها سنة 927 هـ/1521 م ، ".. بأنه كان متسترا بها ، مختفياً غير منتسب الي سلطنة " (66) .
أما الكليف ، فإنه يجلجل بالانتصارات التي تحققت للممدوحة مقرن ويطري شجاعته النادرة التي تكللت بإنتزاعه الملك (67) .
ويفهم من قول الغزي : " ثم كان الحرب بينهما سجالا الي أن توفي " (68) بأن الحرب لم يتوقف أوارها بين المتخاصمين ، حتى بعد أن كسب مقرن الجولة الرئيسة وفاز بالسلطة .
استمرار النزاع بين مقرن وصالح :
يحسن ابتداء تحديد تاريخ وصول مقرن الي السلطة ، قبل الانتقال الي نقطة جديدة ، وذلك بتفحص بعض الوقائع التي بما ، تقربنا من ذلك .
إن الشكاوي التي كان ملك هرموز يثيرها لدي البرتغاليين ضد سلطان الجبور ، بعد عام 921 هـ/1515م ، نجد أن اسم مقرن يتردد فيها ، وبأنه متهم بالتمرد ضده لرفضه دفع أي مبلغ اليه من إيرادات البحرين (69) . ويؤكد المؤرخ البرتغالي باروش ، موقف مقرن هذه ، بقوله : أن مقرن بن زامل حفيد أجود ، لم يكن يرفض دفع الأتاوة الي ملك هرموز فحسب ، بل أنه يرى بأنه إيرادات البحرين ، إذا ما دفعت ، فإنها ستؤول الي الريس شرف الدين الفالي المتحكم الحقيقي بمملكة هرموز ، في حين أنه أحق بالبحرين وبما تغله من إيرادات ، لأنها جزء من بلاده التي ورثها عن آبائه (70) .
وعلى كل ، فهناك إشارة أخرى تدل على أن قافلة الجبور ، قد استأنفت رحلاتها الى الحج ، بقيادة سلطانها سنة 922 هـ/1916م (71) ، بعد توقف دام عدة سنوات ، حيث لم يعد يشار لتلك القافلة المهمة ، والتي ربما يعزي توقفها الي الأوضاع العامة غير المستقرة في عهد السلطان صالح . وان مقرن ، قد يكون استأنف تسييرها ، وقادها بنفسه ، حالماً تسلم السلطة ، وذلك ادراكا منه للفوائد الكبيرة ، التي سيجنيها والأهداف العديدة التي ستتحقق من تسيير تلك القافلة وإذا ما صلح هذا الاستنتاج ، فإن مقرن ، قد يكون ، قد تسلم السلطة في العام نفسه .
وعلى أية حال ، فإن وصول مقرن بن زامل الي السلطة في سنة 922 هـ/1516م لم يكن ليحسم النزاع بينه وبين خاله صالح بن سيف ، حيث يشير الغزي ، وكما سبق أن ذكرنا ، إلي أن صالح لم يتوقف عن مقاتلة مقرن ، عقب انتزاع السلطنة منه (72) . لذا فإن السؤال المطروح هو . بمن استعان صالح في مقاومته لمقرن ؟ سوف نحاول ما أمكن الاقتراب من الجواب الصحيح فصالح ، حينما منى بالزائم ، اضطر الي ترك الاحساء واللجوء الي نجد بحثا عن منطقة آمنة ، قد يجد فيها المؤازر والحليف . هناك منطقتان مرشحتان أكثر من غيرهما ليتجه صالح بن سيف اليهما ، أولادهما منطقة العارض التي وردت الاشارة اليها في قصيدة الجعيثن اليزيدي الذي امتدح انتصار مقرن على زعمائها من بني يزيد ومزيد (73) .
حمى بالقنا هجرا الي ضاحي اللوى الي العارض المنقاد نابي الفرايد
ثم يقول :
وسادات حجر يزيد ومزيــــد قد إقتادهم قود الفلا بالقلايــد
أما المنطقة الثانية فهي نحو الشمال من نجد عن أطراف اقليمي الاحساء والقطيف ، حيث يقيم فيها بطون بني لام ، والتي تحمل أحياناً اسم القبيلة الأم نفسها أو بطن من بطونها ، كالفضول والذين من أشهر عشائرها آل غزي ، ثم آل كثير وآل سعيد وآل حسين والظفير (74) ، ويجاورهم ايضاً بنو خالد ، وكانت مناطق سكنى هؤلاء وتجوالهم تمتد في القرن العاشر الهجري / السادس عشر على الأرجح من منطقة الحجرة ووادي الباطن وأطراف الدهناء ، حتى بوادي البصرة والسماوة في العراق (75) .
وعلى كل حال ، إن بني لام وبني خالد كانوا يجاورون قبيلة المنتفق ، التي كان يحكم أمراؤها من آل فضل البصرة ، فقامت بين تلك القبائل تحالفات وثيقة ومصالح اقتصادية مشتركة .
إن الافتراض بأن صالح بن سيف قد اتجه الي جهة الشمال يعني أنه دخل في دائرة التحالفات المشار اليها آنفا ، وفي هذه الحالة إما أن يكون قد إحتمى بهذه القبائل فآزرته ، أو أنه ذهب مباشرة الي البصرة ، وطلب من سلطانها الدعم والمساعدة لاستعادة عرشه المسلوب ، وأن سلطانها قد وجد في ذلك فرصة سانحة لتحقيق ما كان يطمح اليه خاصة وأن الأعراف القبلية توجب في حالة "الدخالة" الحماية ، بل المساندة أحيانا . فأوعز لتلك القبائل بتقديم السند الضروري له والمؤزارة . وهنا يكون النزاع بين مقرن وصالح قد دخل مرحلة خطيرة ، فإن أسوأ أوجه النزاعات الداخلية ، وأكثرها تعقيداً هي عندما تتسع وتتشعب لتسمح بتدخل خارجي جراء إنزلاق أحد أطرافها في ذلك الإتجاه .
وفي كل الأحول فإن مثل هذا الدعم لابد أن يكون قد إستفز السلطان مقرن الجبري ، وشكل خطراً عليه فقاتل تل القبائل وأخضعها ، كما يفهم من قصيدة الجعيثن النبطية المار ذكرها حينما قال :
ونجد رعى ربعي زاهي فلاتها على الرغم من سادات لام وخالد (76)
مهما يكن من أمر ، فإن كل ما ذكر هي احتمالات بحاجة الي أدلة أوضح وأقوي ، يحاول هذا البحث استكشافها . فمع استمرار نزاع مقرن مع خاله صالح ، نجد أ، مقرن يقوم بالمباشرة ببناء أسطول مزودة سفنه الكبيرة بالأسلحة النارية التي أدخلها لأول مرة شرق الجزيرة ، فعرفها العرب هناك . ثم أوعز لأسطوله بمهاجمة السفن التجارية الذاهبة الي البصرة واعتراض طريقها (77) .
وهنا يرد سؤال حول السبب الذي دفع مقرن للقيام بهذا العمل ؟ هل كان ذلك مرتبطا بالنشاط المعادي له في الشمال ، والذي قامت به قبائل بني لام وبني خالد التي يمر من ديارها طريق الحج البصري ، وأن سلطان البصرة له صلة بذلك ؟ أم أنه جزء من سياسة كان يتبعها مقرن ، ذات أبعاد اقتصادية ، ومرتبطة بها أسباب سياسية ؟
ليس هناك جواب لهذه الأسئلة سوى القول بأنه كانت هناك منافسة تجارية بالتأكيد ، بين تلك القوتين المتجاورتين ، وأن نشاط صالح بن سيف المعادي لمقرن ربما أضاف اليها بعدا ساسياً جديداً . على أن سلطان البصرة لم يقف مكتوف الأيدي تجاه ما كان يقوم به مقرن ، فشرع هو الآخر ببناء قوته البحرية وتدعيمها بالأسلحة النارية والمدفعية ، وهو يعلم بأن مثل ذلك سوف يثير البرتغاليين الذين كانت سياستهم تقوم على عدم السماح بظهور قوة بحرية في منطقة الخليج قد تهدد وجودهم فيه . لذا فإنه خطا خطوة دبلوماسية ماكرة حينما اتصل بالبرتغاليين وطلب منهم الإعتراف بتبعية البحرين والقطيف لبلاده ، وبأنه عازم على أخذها ، وأنه في مقابل هذا سوف يقوم بدفع مبلغ كبير من المال سنوياً اليهم ، إضافة الي الإعتراف بتبعيته لملك البرتغال (78) .
وإذا توفرت القناعة بأن سلطان البصرة هو الذي كان يسند صالحا ، فإن ذلك يعني بأن سلطان البصرة كان يعمل في كلا الإتجاهات وبنشاط لإلحاق الضرر بمقرن والوصول الي أهدافه التي سوف تتحقق وبأن الانشقاق داخل البيت الحاكم قد مهد السبيل لذلك ، وان لم يكن هو السبب وحده فيما سوف يحصل ، بل هو نتيجة أيضا ، لما أصاب مجتمع الجبور من مؤثرات وتحولات يجدر تناولها .
التحولات في حياة الجبور وأثرها على السلطة :
سبق أن ذكرناه في مطلع البحث ، أن النظام السياسي ومفاهيم السلطة ، تتأثر بالتركيبة الاجتماعية وبنائها الثقافي ، ونضيف الي ذلك بأن التنظيم الاجتماعي قابل لأن ينتقل الي صورة أكثر تعقيدا ، نتيجة لقيام الدولة وما تولده من تحولاً في محيطها الاجتماعي .
وإذا ما كان حديثنا ، قد انصب ، سابقا، على التحولات في السلطة من خلال مجموعات قرابية تنفرد باحتكارها ، فإن علينا أن ندرك أن ما حدث في طبيعة تلك السلطة ما هو إلا نتاج لتحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية رافقت قيام دولة الجبور ، وأن من الأجدر تسجيل تلك التحولات بقدر ما تسمح به طبيعة هذا البحث ومصادره الشحيحة .
أخذ الجبور ، منذ ضعف دولتي الجروانيين والهرموزيين ، بالتوغل التدريجي في أرياف وقرى ومدن ، الأحساء والقطيف وجزر البحرين ، وخالطوا ساكنيها ، وتمازجوا بقاطنيها . ثم ما لبثوا ، بعد سيطرتهم على تلك البلاد ، أن استقروا فيها بصورة أو بأخرى ، وأتخذوا منها مقرا لهم ومجالا لنشاطهم . فبنوا الدور والقصور والحصون والقلاع والمساجد والجوامع . وحيث أن احدى مصادر الثروة في تلك البلاد ، تعتمد الي حد كبير على النشاط التجاري ، فإنهم استفادوا منها الي درجة كبيرة في الحصول على الأموال وتراكم الثروة .
وبالرغم من أن تجارة الخليج العربي قد أصابها الارتباك نتيجة لظهور البرتغاليين ، فانه مع هذا قد إستفادت من زيادة الطلب على السلع فيها ، على أثر قيام البرتغاليين بالعمل على غلق البحر الأحمر في وجه التجارة ، مع ابقاء الخليج العربي مفتوحا في وجه التجارة التي تسير تحت رقابتهم . وهنا لا بد أن نشير الي أنه لا صحة لما يردده البعض ، من أن البرتغاليين قد مارسوا تجاه تجارة الخليج العربي ، السياسة نفسها التي مارسوها تجاة تجارة لبحر الأحمر ، وبأنهم عمدوا ايضاً الي غلق الخليج العربي في وجه التجارة (79) .
وعلى أية حال ، فإن زيادة الطلب في الحجاز على بعض السلع ، وخاصة الهندية منها ، وبالتاغلي زيادة أثمانها ، أدى الي قيام قوافل الجبور بنقل تلك السلع الثمينة من سواحل الخليج الي هناك ، في مواسم الحج على وجه الخصوص (80) ومثل ذلك فعلت ايضاً ، القوافل المنطلقة من البصرة .
نتج عن هذا النشاط التجاري الواسع ، مع ارتفاع الأسعار ، فوائد مادية كبيرة لدوزلة الجبور ، وزيادة الثروة ، فانعكس ذلك في زيادة تداول السلع وانتشار استخدام النقود في التبادل التجاري ، مع ارتفاع في القوة الشرائية كما صاحب ذلك ايضاً ، اتساع في الملكية العقارية وفي عدد السفن وزيادة عدد العبيد والاجراء والصناع والعمال والخدم ، الذين استخدموا في المزارع والبساتين وفي بناء السفن والنقل البحري والغوص وحراسة القوافل وفي الجيش ، اضافة الي البيوت وبعض الحرف والصناعات ، وكان أن ظهرت نتيجة لكل ذلك فئة غنية مترفة ، من بين تجار اللؤلؤ والخيول والتوابل والحرف وأصحاب السفن والبساتين والصناعات (81) . حيث اعتنت هذه الفئة ، بدور سكانها ومتاعها ولباسها ، وفي استغلال أوقات فراغها فيما يدخل البهجة والسرور في نفوسها وكان الصيد احداها ، وخاصة في الصحراء ، مما حملهم على تربية الصقور التي ارتفعت أثمانها وراجت تجارتها ، كما اعتنوا بكلاب الصيد (السلوقيان) وتدريبها (82) ومن الطبيعي ، أن يكون سلاطين البلاد والبيت الحاكم وأزلامهم ، في مقدمة الذين اغتنوا واندفعوا في الدعة ومظاهر السطوة والملك وأن الفئة الغنية من بين السكان قد حاكتهم في ذلك المسلك .
وعلى أية حال ، هناك إشارات لمبان عدة أقامها الجبور ، فهناك رسوم قصر في الأحساء يطلق عليه حتى اليوم ، اسم قصر أجود (83) ، إذ قد يكون أحد قصوره فعلاً ، خاصة وأن وجود مقر يناسب مكانته كان موجوداً في الأحساء ، حيث أقام به سرغول (سرغل) ، ملك هرموز المخلوع ، عندما جاء الي الأحساء مستنجداً بالسلطان أجود بن زامل لاعادته الي عرشه ، وأقام معه في الأحساء فترة من الوقت .
ويفهم من ترجمة الغزي ، للسلطان صالح بن سيف ، بأن له قصر في الأحساء ، قريباً من الجامع اليذي بناه الجبور ايضا (85) ولعله هو المعروف حتى اليوم بجامع الجبري (86) . و يضاف الي ذلك وجود اشارات لمبان وقصور اتخذها الجبور في جزيرة البحرين ، والتي أصبحت هدفاً لنهب الهرموزيين ، لما تحتويه من أموال وكنوز ، وذلك على أثر استشهاد السلطان مقرن بن زامل الجبري هناك في صيف عام 927هـ/1521م . وقد استخدم الجبور ايضاً قلعتي البحرين والقطيف التاريخيتين ، لأغراض عسكرية وسكنية ، بعد أن أجروا فيها بعض الاضافات والترميمات لتقويتها وتدعيمها (87) . ويضيف ميرزا حين خان – الذي ألف كتابه عند مطلع هذا القرن – الي ذلك أسماء عدد من القرى والقصبان القريبة من الهفوف ، والتي كانت مزدهرة الي ماقبل عصره بثلاثة قرون (88) .
وعلى أية حال . إن التحولات في مصادر الدخل وأساليب العيش ، إضافة الي ما تمارسة الحياة الحضرية نفسها على أهل الباديه ، كانت إحدى المؤثرات الهامة في تغير المفاهيم والروابط ، ومن المفيد التذكير بقول ابن خلدون "إن عوارض الترف والغرق في النعيم كاسر من سورة العصبية التي بها التغلب " (89) .
ويحسن الآن الانتقال الي عامل هام ، له تأثيره الكبير في المفاهيم وفي النظر الي شؤون الحياة المختلفة ، ذلك هو الحياة الفكرية – بمعناها الضيق – والمحيط الثقافي الذي يعيش السكان ضمن أجوائه .
لقد انتبه سلاطين الجبور الي الناحية الفكرية ، منذ وقت مبكر ، واعطوها جل اهتمامهم ، لادراكهم بأنه سيترتب على رعايتها ، خاصة الناحية الدينية منها ، تعزيز لكيانهم وتلاحم في وحدتهم الداخلية ، وكسب الاحترام لأسرتهم الحاكمة ، خاصة إذا ما عملنا بأن دولتهم قامت على أنقاض دولة الجروانين الشيعية التي كانت ترعى ، بالطبع ، ذلك المذهب وتقرب علماؤه (90) .
إضافة الي ذلك فإن المنطقة نفسها ، التي قامت دولة الجبور عليها ، كانت قد تعرضت فيها العقيدة الدينية ، ولتفرة طويلة سابقة ، لكثير من التشويه والتحريف والاهمال . ويمكن أن نضيف الي ذلك ، أن قيام دولة الجبور قد رافقه قيام دولة شيعية مغالبة مجاورة لدولتهم ، في كل من خوزستا والبصرة ، وهي دولة المشعشعين ، (91) والتي ربما ولد قيامها ، خشية لدى الجبور من ظهور تعاطف نحوها لدى قطاع من السكان بحكم التوجهات المذهبية والعلاقات البشرية والتجارية التي تربط بين سكان كلا الدولتين .
ويحسن عدم التوسع في التصور أكثر من هذا ، كما فعل المستشرق نيومان Newman عندما تخيل قيام ثورة في الأحساء متعاطفة مع المشعشعين بعد تنكيل الشاه اسماعيل الصفوي بقادتهم عام 914 هـ/1508م (92) .
لقد لخص السخاوي ، جهود السلطان أجود في ميدان الحياة الدينية بقولة "00 وله المام ببعض فروع المالكية واعتناء بتحصيل كتبهم ، بل استقر في قضائه ببعض أهل السنة منهم ، بعد أ، كانوا شيعة ، وأقاموا الجمعة والجماعة ، وأكثر من الحج في اتباع كثيرين يبلغون آلافا ، مصاحبا للتصدق والبذل الأهل الحرمين وغيرهم " (93) .
ومن الجدير بالذكر ، أن المستشرق الأمريكي رينتز Rentz الذي استند الي النص أعلاه ، قال : بأن بعض قضاة المالكية الذين عينهم أجود كانوا قد تحولوا عن المذهب الشيعي (94) . وهو من دون شك فهم خاطئ لنص السخاوي . في حين نجد أن المستشرق كول Cole كان قد فهم نص السخاوي جيدا ، إلا أنه عاد مرة أخرى ليتابع رنتز ، وذلك عندما قال : أن الجبور أرغموا بعض قاه الشيعة على أن يصبحوا سنيين (95) . وهكذا ابتعد كلا المستشرقين عن معنى النص ، وأوحيا للقارىء ، بأن النص يدل على ممارسة أجود الإضطهاد ضد الشيعة عامة وعلمائهم خاصة ، والغريب في الأمر أن كول ، لم يجد أي سند يدعم قوله السابق ، بعد استعراضه لأوضاع الشيعة خلال عهد الجبور ، بل أنه يؤكد عكس ذلك ، إذ أن التسامح المذهبي كان هو السائد في تلك الجهات (96) .
وعلى أية حال ، فإن بعض العلماء الذين استعان بهم السلطان أجود ، كانوا من ذوي المكانة العلمية المعروفة ، بدليل ورود أسماء بعض منهم في كتب التراجم . فالسخاوي ترجم لإثنين من المغارة المالكية ، وهما : خليفة بن عبد الرحمن المتناني البجائي (97) ، وعبد الله بن فارس البنوسي التازي (98) . كما ترجم كل من السخاوي (99) والشيلي اليمني (100) ، لمحمد بن عبد العزيز بن اسماعيل البصري المعروف بابن الزقزق (ت 935 هـ) ، وأخيرا فإن ابن بشر ذكر أسماء ستة من قضاة الجبور ، وهم : عثمان بن زيد وعبد القادر المشرفي ومنصور بن مصبح الباهلي ، وأخيه عبد الرحمن وأحمد بن فيروز بم بسام وسلطان بن مغامس (101) .
ويمكن أن يضاف الي هؤلاء الذين كان لهم تأثير في الحياة الفكرية عدد من العلماء ، ممن نجهل أسماءهم ، حيث يحتمل لجوء البعض الي الاحساء هربا من المشعشعي ، اضافة الي أولئك الذين قدموا من جنوب ايران الي الاحساء بقصد أداء فريضة الحج .
ونود الاشارة هنا ، الي أن مناطق شرق الجزيرة العربية ، كالاحساء والقطيف والبحرين ، لم تكن ، ايضا ، بمعزل عن التيارات الصوفية واتجاهاتها شأنها في ذلك شأن بقية المناطق الإسلامية الأخرى ، حيث كان الكثير من علما الدين متصوفة أو متعاطفين مع هذه الطريقة الصوفية أو تلك . وبعبارة أخرى فإن التصوف كان له وجود بارز في تلك المنطقة ، بدليل أن الطريقة الكوازية فإن التصوف كان له وجود بارز في تلك المنطقة ، بدليل أن الطريقة الكوازية التي نشأت في البصرة عند بداية القرن العاشر / السادس عشر ، كانت قد جاءت أصلاً من الأحساء عن طريق الشيخ أحمد بن موسى المنباوي ، المغربي الأصل وأحد كبار شيوخ الطريقة الشاذلية ، والذي أقام في الاحساء فترة من الوقت في واخر عهد الجبور ، ومنها انتقل الي البصرة (102) . كما أن الطريقة الصوفية التي أنشأها الشيخ براهيم الرديني في البصرة في حدود تلك الفترة ، كان مؤسسها قد انتقل من الأحساء ايضا واتخذ من البصرة مقام له (103) ويرجح أن الرديني ، هو من أحفاد الشيخ أحمد بن محمد الرديني المتصوف اليماني المتوفي سنة 827 هـ (104) .
وعلى أية حال ، فغن ما قدمناه عن جوانب من الحياة الفكرية ، يبرر القول بأن جهود سلاطين الجبور قد أثمرت بالاتقاء بالدراسة الدينية والثقافية وجعلت من الاحساء ، مركزا دينيا وثقافيا مزدهرا يستقطب الدارسين ويؤثر فيما حوله ، كما حظى المذهب المالكي والدراسات المتعلقة بفقهه رعاية خاصة ، مما ساعد على انتشاره ، فيما حوله ، بشكل واسع .
ولعل فيما قدمناه خلال الصفحات السابقة ، ما يكفي للقول بأن التحولات التي نتجت عن المؤثرات الاقتصادية والثقافية ، قد أدت من دون شك الي خلق مشاعر جديدة ورؤيا فكرية أوسع وروابط تتجاوز الروابط القديمة وبالتالي أضعفت من الروابط المبنية على القرابة النسبية التي ارتكزت عليها سلطة الجبور .
سقوط بني جبر وقيام بني فضل :
بلغت دولة الجبور أوج قوتها العسكرية وإزدهارها المادي في عهد السلطان مقرن بن زامل ، والذي استطاع الصعود الي السلطة وقيادة دفة الحكم بشكا ميز وسط ظروف دقيقة وصعبة ومخاطر عديدة ومتنوعة ، كانت تحدق بالجبور مثلما كانت تحدق بالمنطقة على اتساعها . فكان أن خلق السلطان مقرن لنفسه شهرة واسعة ، وانصاراً عديدن ، عقدوا عليه الآمال العريضة ، ومنحوه الثقة والاحترام . ومثل ذلك خلق لنفسه الكثير من الأعداء الذي كانوا يتربصون به ، ويناصبونه العداء . لذا فإن سقوط مقرن شهيداً وسط المعركة التي خاضها في البحرين ضد البرتغاليين والهرموزييم في صيف عام 927هـ/1521م ، قد ولد الحزن العميق والخوف الواسع في نفوس العرب وعموم المسلمين ، في حين أنه استقبل بالفرح والسرور من جانب البرتغاليين وحلفائهم إضافة الي المتربصين (105) . ومثلما يحدث دائماً في مثل هذا الظرف ، فإن سقوط قادئ مقدام وزعيم جسور واختفائه عن الموقع القيادي بسرعة ، يولد فراغاً سياسيا كبيراً وارتباطا وحيرة واسعة في النفوس ، ولا يستثنى من ذلك ، أمراء البيت الحاكم ، الذين تركزت حولهم الأنظار ، وهم يبحثون عن خلف لمقرن .
وهنا لا بد من الإشارة الي أنه خلال هذا الظرف العصيب ، كان البيت الحاكم تتقاسم الزعامة فيه أربع أسر وهي : أسرة سيف بن زامل بن حسين وأسرة هلال بن زامل بن حسين ، وأسرة أجود بن زامل بن حسين ، وأسرة سيف بن أجود بن زامل ، ولكل من هذه الأسر الأربع مكانتها ونفوذها .
فأسرة سيف بن زامل كان يمثلها صالح بن سيف ، والذي كان مقيما في دمشق في نفس السنة التي قتل فيها مقرن ، ولا بد أ،ه قد عاد الي بلاده في أثر ذلك الحدث . أما أسرة سيف بن أجود (ابن جبر) فيمثلها حسين بن سيف الذي خلف والده في السلطة والنقود في عمان ، وكان قد قام بالثورة ضد الزعامة الفارسية المتحكمة في هرموز أثر مقتل ابن عمه مقرن ، فطردهم من صحار واضطر البرتغاليون الي الإعتراف به حاكما عليها (وزيرا) (106) .
أما أسرة هلال بن زامل التي لم تلعب دورا مهما حتى ذل التاريخ فإنه ليبدوا الآن أنها مهيأة أكثر من غيرها لتعلب ذلك الدور .
بقى الإشارة الي أسرة السلطان أجود ، والتي خلال معركة البحرين كانت كما يبدو ، الأكثر تضررا بين هذه الأسر ، فقد فقدوا بعض أمراؤهم البارزين وأعداد من فرسانهم الشجعان . إضافة الي عدد كبير من أتباعهم المخلصين الذين كانوا الي جانب قائدهم وسلطانهم مقرن (107) فكان ذلك دون شك إضعافا لقوة تلك الأسرة ونفوذها .
وعلى كل ، فإن أكبر أمراء هذه الأسرة وأكثر أحقية في الحكم ، كان فيما يبدو ، هو على بن السلطان أجود الذي سبق له أن شارك أخاه السلطان محمد في السلطة ، لذا فإن الاختيار قد وقع عليه ليكون خلفا لمقرن ، لكنه أثبت فيما يبدو ، أنه عاجز عن إدارة دفة الحكم في ظل تلك الأوضاع المضطربة ، وعلى ملء الفوارغ الكبير الذي خلفه استشاد السلطان مقرن المفاجئ . لذا لم يمض على وجوده في السلطة سوى شهرين حتى أزاحه عنها ابن أخيه ناصر بن السلطان محمد بن السلطان أجود (108) .
ومما تجدر ملاحظته ، أن خلع السلطان على بن أجود من السلطة ، دليل على تداعي أسس المفاهيم القبلية بخصوص السلطة ، كما أنه دليل ايضا على وجود إنحلال في الروابط القرابية داخل الأسرة الواحدة ، وتغلب سلطة الملك وسطوته .
وعلى أية حال ، فإن الشيخ ناصر بن محمد بن أجود لم يستطع البقاء في السلطة لأكثر من ثلاث سنوات ، إذ أنه كان يواجه ، فيما يبدو ضغوطا شديدة من قبل أسرة هلال بن زامل ، ومن تزايد نفوذها ، لذا فإنه اضطر الي تسوية الأمر بينه وبينهم سلمياً في حدود منتصف عام 930هـ/1524م وذلك بالتنازل عن الحكم لقطن بن علي بن هلال بن زامل لقاء مبلغ من المال (109) وبهذه التسوية تكون أسرة أجود بن زامل قد خرجت نهائياً من دائرة التنافس على السلطة ، لكي تنتقل السلطة بعدها الي أسرة أخيه هلال ، التي جاء استلامها للسلطة بعد مده تزيد على النصف قرن من تاريخ قيام دولة الجبور وليبدأ دورها القيادي في الاحساء ونجد وعمان ، منذ ذلك الوقت حتى نهاية دولتهم .
والواقع فإن إتساع القاعدة القرابية والتفرغ الي عشائر وبطون وأفخاذ وأسر ، تؤدي ، من دون شك ، الي تعقد ممارسة السلطة ، وقد يرفقها صراع بين الأقرباء ، مع عدم إستبعاد القسر في ممارستها (110) وعلينا ، عند النظر الي التنظيم السلالي لنواة العشيرة ، أن نأخذ بالاعتبار ، نظرية ابن خلدون بخصوص تفرع القرابة الي أربعة أجيال "لأن نهاية الحسب في العصب الواحد أربعة آباء" (111) . إضافة الي مقولة العرب الشهرية "أنا وأخي على أبن عمي" وأنا وابن عمي على الغريب" والتي تفصح على أي مستوى كان داخل الدولة القبلية أو خارجها . خاصة وأن كل مجموعة قرابية لا تعترف بحق أي مجموعة قرابية أخرى بأن تنفد دونها فاحتكار السلطة والانتفاع بالموارد .
مهما يكن من أمر فإن فترة حكم السلطان قطن بن علي لا نعرف عنها أي شئ يذكر ، حيث لم يدم حكمه سوى سنة واحدة تقريباً ، ليخلفه ولده والذي نجهل حتى اسمه (112) ، لكننا نعرف بأن للسلطان قطن ثلاثة أولاد وهم ناصر وعلي وقطن . وعلى كل حال ، فإن ابن قطن هذا قد تخلى عن السلطة لإبن عم والده المدعو غضيب (قضيب) بن زامل بن هلال ، بعد بقائه في الحكم فترة وجيزة ، شعر خلال بعجزة التام عن إدارة شؤون البلاد ، وذلك في حدود النصف الأول من عام 921هـ/1525م (113) .
وهنا لا بد من أن نذكر ، بأنه من المحتمل جداً ، أن السلطان قطن بن على مد سلطته الي عمان أثناء فترة حكمه ، وذلك على أثر وفاة حسين بن سيف بن زامل ، والذي لم نعد نعثر له على ذكر بعد سنة 928هـ/1522ن ، لذا فإنه من المحتمل أن تخلي ابن قطن عن الحكم كان قد تم وفق إتفاق ، تم التوصل اليه بين أولاد السلطان قطن وبين غضيب (قضيب) ، والذي يتضمن إقتسام البلاد بينهم ، مثلهما حدث ذلك بين أولاد السلطان أجود ، فأخذ غضيب (قضيب) الاحساء ونجد ، في حين أخذ أولاد السلطان قطن عمان . ويستدل على أن هذا هو ما حدث من خلال وجود نفوذ قوي وسلطة واسعة لأولاد قطن في عمان . حيث لعبوا بعد هذا التاريخ بقليل أدوارا خطيرة في الحياة السياسية لتلك البلاد (114) .
ويبدو أن أولاد قطن ، حين رضوا بهذه القسمة ، كانوا يشعرون بقرب زوال دولة الجبور في الاحساء .
والواقع أن دولة الجبور ، قد فقدت مركز ثقلها ودرة تاجها ، حينما اقتطعت منها البحرين والقطيف ، خاصة بعد أن اتضح أنها عاجزة عن استردادها ، مما أوقع الجبور في تخبط سياسي واضطراب اقتصادي ، فكان طبيعيا أن لا يطول بها العمل بعد كل هذا . لعل في الأشهر المقبلة من حكم قضيب بن زامل ، آخر سلاطين الجبور ، فرصة لتلمس ذلك الوضع ، حيث عجز عن إنتشال البلاد من وهدتها ، على الرغم من أن بعض الشعراء قد إمتدحوا شجاعة هذا الشيخ وفروسيته (115) ، إلا أنها صفات لم تكن كافية وحدها لمواجهة الوضع المتأزم .
ويبدو أن بعض الزعامات في البلاد ، ومن بينهم بعض أمراء الجبور اضافة الي بعض طوائف من السكان ، كانوا يشعرون بالأزمة وخطورتها ، فأخذوا يبحثون عن مخرج منها ، فكان أن اتجه البعض منهم ببصرة نحو البصرة والي ملكها بالذات ـ متوسمين فيه القدرة على المساعدة وعاقدين عليه الآمال في حل أزمتهم . وهنا يشير الجزيري الي ذلك بقوله : "ان بني جبر استعانوا بالشيخ راشد لضعف حالهم" (116) . وكان طبيعي أ، يرحب سلطان البصرة بهذا الطلب ، إن لم يكن نفسه قد أوحى لهم بذلك ، إذ أن في لجوئهم اليه ، فرصة ثمينة ، ربما تؤدي الي تحقيق طموحه في تلك البلاد ، والتي سبق أن أشرنا اليها .
والواقع ، فإن الزعيم القوي الطموح ، عندما يسعى الي السيطرة على منطقة ما ، فإنه يعمل أولا على اسمتالة الزعامات والطوائف القبلية منها وغير القبلية وهنا تجدر الاشارة الي أن بعض الطوائف من السكان تتميز ولاءاتهم عموما ، بعدم الثبات ، إذ يلجأون الي تبديلها تبعا لمصالحهم الخاصة . فهم كالجنود والعبيد ، الذين يهجرون أسيادهم حالماً يضعفوا أو يفتقروا .
وهنا يبرز سؤال هام حول الزعامات التي يحتمل قيامها يطلب الدعم والمساعدة من سلطان البصرة ؟
وللإجابة على ذلك ، لا بد من استبعاد أسرة السلطان غضيب (قضيب) بن زامل بن هلال ، لأن السلطة انتزعت منه بالقوة . إذ يقوم الجزيري "نأخذها منه بالحرب الشيخ راشد بن مغامس " (117) . لكن أسرتي أجود بن زامل وسيف بن زامل هما الأكثر احتمالا في طلب تلك المساعدة . وهنا يمكن أن نعود الي التركيز على صالح بن سيف ، الذي يحظى ببعض المكانة والبروز لكبر سنه وماضيه السابق ، اضافه الي ثقافته المتميزة ، خصوصا إذا كان ما ذكرناه فيما سبق من قيام تحالف بينه وبين سلطان البصرة ضد السلطان مقرن بن زامل هو صحيحا ، فإن قيامهم بهذا العمل ، في هذا الوقت بالذات ، هو أمر ممكن ، وإذا كان هذا هو ما حدث ، فإن ذلك يعني أن الروابط الأسرية والقبلية بين الجبور قد وصلت الي الحد الذي لم يعد بعدها الوئام ممكنا ، وأن دولتهم كانت تعيش في أزمة عميقة .
وعلى أية حال ، فلم تمض سوى فترة قصيرة على وصول جيش البصرة بقيادة الشيخ راشد بن مغامس الفضلي الي الاحساء حتى اصطدم بالشيخ قضيب وانتزع منه السلطة في حدود سنة 931هـ /1525ن (118) . أما صالح بن سيف فإنه لم يعد له من ذكر ، ولعله توفى في هذا الأثناء (119) .
وباستيلاء الشيخ راشد الفضلي على الاحساء تكون صفحة الجبور السياسية قد طويت من تلك البلاد مثلما طويت قبلها في كل من البحرين والقطيف ، ولم يبق لهم من سلطة ونفوذ سوى في عمان بزعامة فخذ منه وهم ينو هلال (120) .
وهكذا تكون قد بدأت صفحة جديدة وغامضة من تاريخ الاحساء والقطيف في ظل قبيلة أخرى قي قبيلة المنتفق ، وحكم أسرة تقودها ، هي أسرة ال فضل ، لنعود نواجه من جديد دولة قبلية تشبه في قيامها ، الي حد ما ، قيام دولة الجبور .
الهوامش والتعليقات
يقر الباحث بأنه مدين بالشكر الجزيل لعدد من الأصدقاء الذين قدموا له العون والمساعدة ، وكان لملاحظاتهم الأثر الهام في اخراج البحث بشكل مقبول كما يشكر الباحث الأستاذ / محمد بري لقيامه بترجمة النصوص البرتغاليه التي استعان بها .
(1) ريتشارد تابر ، الأنثرولوجيا والمؤرخون والقبلية ، مجلة الاجتهاد 17/4(1413هـ/1992م) ، 108 .
(2) تاريخ ابن خلدون (المقدمة) ، بيروت ، دار الكتاب اللبناني ، 1982 ، 1/27-77 ، 293-313 ، 316-30 ؛ وانظر ايضا ، محمد عابد الجابري ، "نظرية ابن خلدون في الدولة العربية" ، مجلة الفكر العربي المعاصر ، 27/28 (1983) ، 30-41 .
(3) الأنثروبولوجيا والمؤرخون ، 138 .
(4) فؤاد اسحاق الخوري ، السلطة لدى القبائل العربية . (لندن ، دار الساقي 1992م) ، 7-23 ؛ أنظر ايضا ، عاطف عطية ، "الدولة المؤجلة" ، مجلة الاجتهاد ، 17/4 (1992) ، 221 .
(5) الأنثروبولوجيا السياسية ، ترجمة جورج أبو صالح (بيروت ، معهد الإنماء العربي ، 1986) ، 38 ، 58 .
(6) فؤاد الخوري ، المرجع السابق ، الصفحات نفسها . 177/4 ، (1992) 221.
(7) المصدر السابق ، 230 .
(8) جورج لابيكا ، السياسة والدين عند ابن خلدون ، تعريب موسى وهبه وزميله ، (بيروت ، 1980) ، 90-91 ؛ عبد الغني مغربي ، الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون ، ترجمة محمد الشريف ، (الجزائر ، 1986) ، 143 – 146 ؛ عزيز العظمة ، ابن خلدون وتاريخيته (بيروت ، 1981) ، 52 – 60 . كذلك من المفيد مراجعة ، محمد الجابري ، العبية والدولة : معالم نظريه خلدونيه في التاريخ الاسلامي ، (بغداد ، ب ، ت) ، 245 – 295 .
(9) تركي على الربيعو ، إناسه "لدراسة المجتمع البدوي" ، مجلة الاجتهاد 17/4 (1992) ، 171 ، وكذلك راجع ، عبد الغني مغربي ، المرجع السابق ، 154-155 .
(10) حمد الجاسر ، المعجم الجغرافي للمنطقة الشرقية . (الرياض 1399هـ/1979م – 1402 هـ/1982م) مادة : الجوف ، 1/439-50 : مادة الستار ، 2/833 – 42 ، مادة : وادي المياه ،4/1780 – 87 .
(11) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع . (بيروت ، دار مكتبة الحياة ، ب .ت) 1/190 .
(12) المقريزي ، درر العقود الفريدة في تراحم الأعيان المفيدة ، تحقيق محمد كمال الدين على ، بيروت ، 142 هـ/1992م) 1/128 ؛ كذلك انظر ، ابن حجر العقلاني ، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (حيدر أباد ، ط2 ، 1392هـ/1972 م) 1/83 ، ومن الجدير بالذكر أن كتاب ابن حجر قد ورد فيه ، بأن قيام تلك الدولة كان سنة 705هـ مع العلم أن مصدره في ذلك هو المقريزي ، مما يرجح جدا بأن هناك تصحيفا في التاريخ الذي ورد عند ابن حجر . هذا وقد عرف من بين حكام تلك الدولة جروان المؤسس وابنه ناصر وحفيده ابراهيم والذي كان لا يزال في الحكم ينة 820هـ ، حيث يرجح أن الدولة سقطت فيما بعده .
(13) حول علاقة مملكة هرموز بكل من البحرين والقطيف والاحساء ، راجع : عبد اللطيف الناصر الحميدان ، "امارة العصفوريين ودورها السياسي في سرق الجزيرة العربية ، مجلة كلية الآداب بجامعة البصرة ( 1979) ، 15/69 -140 خصوصا ، 108-113 . كذلك راجع للباحث نفسه ، "التاريخ السياسي لأمارة الجبور في نجد وشرق الجزيرة العربية ، المرجع نفسه ، (1980) 16/13-63 .
(14) J.R. Kupper. In JESHO. (1939) , 113f. ; M-B- Rowton, “The role of water courses in the grouth of Mesopotamain civilization “, in Altar Orient und Altes testament . Bd-7-1969,p.16-esp.311-12.
(15) نقلا عن : M.B-Rowton,”Autonomy and Nomad – ism in Westem Asia” in Orientalia,42 nova Ser-ies, fasc-12, (Rome) , 1973.p.247-58, esp.253-54.
(16) الحميدان ، "امارة العصفوريين . المرجع السابق ، 81-85 . وحول الدولة العيونية، راجع عبد الرحمن المديرس ، الدولة العيونية في بلاد البحرين ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامة الملك سعود (1404هـ/1984م) .
(17) عزيز العظمة ، المرجع السابق 55 .
(18) الضوء اللامع ، 1/190 .
(19) عبد الله بن بسام ( ت 1346هـ /1948 م ) ، تحفه المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق ، مخطوطة نقلها عن الأصل نور الدين شريبه سنـة 1375 هـ ، انظر حوادث سنة 851هـ . أما وصفه لجيش السلطان أجود ، فانظر حوادث سنة 887 هـ و 893 هـ وسنة 900هـ الأوراق 7أ – 16أ.
(20) انظر: , S.L. Pastner, “Lords of the desert border” Int.j. Middle East Sts. 10(1979).pp.93-106 .
(21) عاطف عطيه ، المرجع السابق ، 221 .
(22) قسم ابن خلدون البدو الي ثلاثة أصناف ، أولا : البدو الأقحاح ، وهم الموغلون في البادية ، وعما معيشتهم على الابل . وثانياً : أنصاف البدو أو الشاوية ، وهم الذين يعيشون على أطراف البادية ، ويتعمدون في معيشتهم على الأغنام والماعز ، وأحياناً البقر . وأخيراً : أولئك المستقرون في الواحات والأرياف والجبال والديان ، ويعتمدون في معيشتهم أساسا على الزراعة . والصنف الأخير هم المهيئون لاقامة دولة ، كما أنهم أكثر استعدادا للتحضير من الصنفين السابقين . تاريخ ابن خلدون (المقدمة ) ، 10/212-13 .
(23) عاطف عطيه ، المرجع السابق ، الصفحة نفسها . وحول مفهوم القبيلة والمجتمع القبلي لنماذج غير عربية راجع : M.H. Fried, “On
the concepts of tribe and tribal society” in june Helm, (ed) Essays on the problem of tribe seattle,1968) pp.3-19 .
(24) تاريخ ابن خلدون ، 1/214 ، 301-2 ،3،304 .
(25) يفهم بأن زامل هو المؤسس من خلال ترجمة نجم الدين الغزي (ت 1061هـ/1651م) لصالح بن سيف بن زامل حينما قال : بأنه " من بيت السلطنة هو وأبوه وجده" . راجع الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة . تحقيق جبرائيل جبور (بيروت ، ط2 ، دار الآفاق ، 1979م) 1/215 . كذلك راجع : ابن العمل الحنبلي ، (ت 1089هـ) شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، (بيروت ، دار الفكر ، 1399هـ/1979م) ، 8/172 – 73 .
(26) راجع الحميدان ، " التاريخ السياسي لأمارة الجبور في نجد ، المرجع السابق .
(27) الحميدان ، المرجع نفسه ، كذلك راجع للباحث نفسه "مكانه السلطان أجود بن زامل الجبري في جزيرة العرب … " مجلة الدارة ، 7/4 (1402) ، 56/76.
(28) تاريخ ابن خلدون ، 1/245 .
(29) ولد أجود بن زامل الجبري ، وكما ذكرنا ، في رمضان سنة 921 هـ/ تشرين الأول سنة 1418 م .
(30) أنظر : بلوغ القرى في ذيل اتحاف الورى بأخبار أم القرى . مخطوطة مصورة في مكتبة جامعة الملك سعود ، رقم 73/1 ، (أخبار سنة 910 هـ) . لقد أخطأ ابن فهد حين اعتبر عليا ولدا لمحمد بن أجود بينما الصحيح أنه كان أخا له ، ويبدو أن ابن فهد نفسه قد تدارك خطأه في أخبار سنة 912 هـ .
(31) تاريخ ابن خلدون ، 1/446 .
(32) المصدر نفسه ، 1/444 .
(33) وفاء الوفاء بأخبار المصطفى . تحقيق محمد حي الدين عبد الحميد (القاهرة ، 1374هـ/1955م) ، 3/1093 .
(34) الضوء اللامع ، 1/190 .
(35) The Commentaries of the Great Afonso Dal Boquerque. Trans. By W. de Gray Birch. (New York, reprinted 1970) Vol.1,p.84.
(36) Ibid, pp. 83-84 .
(37) يلاحظ أن في هذا الوصف مبالغة كبيرة فيما يتعلق بامتداد نفوذ الجبور Op.Cit p. 84 .
(38) الحميدان ، "التاريخ السياسي لإمارة الجبور " ، المرجع السابق ، 55-56.
(39) Op.Cit p. 84 ومما تجدر الاشارة اليه أن نص البوكيرك قد اقتبسه Miles مايلز حرفيا واستخدمه بشكله الصحيح . اما الترجمة العربية لكتاب مايلز فقد تصرفت بهذا النص حتى بعدت به عن معناه الأصلي ، أنظر ، الخليج
تم النشر قبل 29th November 2012 بواسطة ساكن
0
إضافة تعليق
في تاريخ الجزيرة العربية
مقالات ودراسات منتخبة في تاريخ الجزيرة العربية في العصور الاسلامية الوسيطة
منقووول