40)
#أصول_أهل_السنة_و_الجماعة
قال العلّامة صالح بن عبد العزيز
آل الشيخ حفظه الله :
وهذا هذا اللفظ ( اسْتَوَى ) هو من الاستواء ، والاستواء معروف معناه في اللغة ؛
ولهذا لما كانت هذه الصفة فيها إثبات بوضوح لصفات الله عزوجل ،
وفيها عند المبتدعة ما يُتَوَهَم فيه المماثلة أو مشابهة المخلوقين ، كانت هذه الصفة فاصلة
بين أهل السنة وبين غيرهم ،
فالإقرار باستواء الله على العرش حقيقة كما يليق بجلال الله عزوجل وعظمته ،
هذا لا يقول به إلا سني ،
وأما غير أهل السنة – كالأشاعرة والماتريدية وغير هؤلاء من الفرق –
فإنّ هذه الصفة عندهم محل فرقان ،
فإذا أتى من يثبتها نفوه أن يكون منهم ؛
وذلك لأجل الخلاف القديم في هذه الصفة
وأمثالها .
وقد سُئل الإمام مالك رحمه الله عن الاستواء
فقال : « الاستواء غير مجهول » ،
وفي لفظ آخر قال : « الاستواء معلوم » ،
ولكن الأشهر : « الاستواء غير مجهول » ،
يعني غير مجهول المعنى في اللغة ،
« والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلا مبتدعا » ،
فالاستواء غير مجهول المعنى في اللغة ؛
لهذا أهل السنة قاعدتهم في هذه الصفات أنهم يؤمنون بما وصف الله عزوجل به نفسه ،
أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات ،
ويفهمون ذلك ويثبتونه على مقتضى اللسان العربي ،
ومعلوم أن اللسان العربي من حيث المعاني :
فيه المعاني الكلية ، وفيه المعاني الإضافية ،
فالمعاني الكلية لا توجد إلا في الأذهان ،
يعني : أن نتصور معنىً عامّاً للاستواء من غير إضافته لأحد ،
هذا بحثٌ لغوي بَحْت ،
لكنه في الواقع غير موجود ،
فكيف إذن تُفسر الألفاظ اللغوية ؟
الجواب :الألفاظ اللغوية تفهمها العرب وتفسرها بالمعنى العام الكلي الذي يكون في الذهن ،
وإذا صار مضافا في الخارج إلى لأشخاص فإن الإضافة تكون فيه بحسب ما يليق بالمضاف إليه .
فمثلا الاستواء في اللغة معلوم المعنى غير مجهول ،
ومعنى الاستواء : العلو والارتفاع ،
فتقول مثلا : استويت على الراحلة
إذا علوت عليها .
فالاستواء هو العلو والارتفاع ،
لكن هذا العلو والارتفاع مضاف إلى أي شيء ؟
علو وارتفاع المخلوق ، علو وارتفاع رجل ،
علو وارتفاع صاعد لجبل ؟
هل هو علو وارتفاع الخالق ؟
هو أي علو وارتفاع ؟
فإذن تفسير الاستواء بالمعنى العام في اللغة
هو الذي ينفي التشبيه والتمثيل ؛
لأنه يقع التمثيل إذا سُوِّيَ في الخارج بين مَن أُضيف له الاستواء ،
فقيل في الرجل : استوى ،
والله عزوجل على العرش استوى ،
وقيل : الملك استوى على عرشه ،
والله عزوجل استوى على عرشه ،
الاستواء من حيث كونه معنى كليّاً في الذهن معناه واحد ،
لكن إذا أُضيف خُصص بالإضافة ،
فيختلف المعنى ويكون بحسب مَن خُصص به .
وهذه قاعدة مهمة أن المعاني الكلية تختلف معانيها بالإضافة والتخصيص إلى مَن فَعلَ الفعل أو مَن اتصف بالوصف ،
إلى أن قال :
ولهذا في الاستواء أثبت الله عزوجل أن بعض خلقه له الاستواء ، فقال سبحانه :
{ فإذا اسْتَوَيْتَ أَنتَ ومَن مَّعَكَ على الفُلْكِ }
يعني : إذا علوتم وارتفعتم على الفلك
{ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }
سورة المؤمنون 28
وقال : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى }
سورة القصص 14
يعني : موسى عليه السلام ،
والله عزوجل أيضا استوى على العرش ،
وقال : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }
سورة طه 5
فالاستواء من حيث المعنى الكلي هو العلو والارتفاع ،
فإذا خصصته وأضفته إلى المخلوق كان ارتفاع المخلوق وعلوه بما يناسب ذاته ،
وإذا أضفته إلى الله عزوجل صار ارتفاع
وعلو الله عزوجل بما يناسب ذاته العلية .
ولهذا من القواعد المقررة عند أهل السنة في
هذا : أن الفرق بين الصفة والصفة كما بين الذات والذات ،
فالفرق بين صفة المخلوق وصفة الله
– إذا اشتركا في أصلها –
كالفرق بين الذات والذات ؛
ولهذا فقد قال شيخ الإسلام في " التدمرية "
وفي غيرها من كتبه الكبار :
« كل واحد من النفاة لما أخبر به الرسول
صلى الله عليه وسلم من الصفات لا ينفي شيئاً
فرارا مما هو محذور إلاّ وقد أثبت ما يلزمه فيه
نظير ما فرّ منه ، فلابد في آخر الأمر من أن يُثبت موجودا واجباً قديما متصفاً بصفات تميزه عن غيره ، ولا يكون فيها مماثلا لخلقه ... » ،
فالجهمية تثبت صفة واحدة وهي صفة الوجود،
والمعتزلة يثبتون ثلاث صفات ،
والأشاعرة المتقدمون يثبتون سبعاً وبالتفصيل تصير عشرين ،
والماتريدية يثبتون ثمانية ويزيدون على ذلك ،
وأهل السنة والجماعة يُثبتون جميع الصفات .
شرح الواسطية ( ص 225 - 226 )
ط : دار أعلام السّنّة / الرياض .
مع شيء من الاختصار .
يتبع -----------
أصول أهل السنة والجماعة .
http://www.alawazm.com/vb/showthread.php?t=247817