ينبغي للمفتي أن يذكر دليل الحكم ومأخَذَه ما أمكنه من ذلك ،
ولا يلقيه إلى المستفتي ساذَجاً مُجردا
عن دليله ومأخذه ;
فهذا لضيق عَطَنِه وقلة بضاعته من العلم ، ومن تأمل فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قوله حجة بنفسه
رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره ووجه مشروعيته ،
وهذا كما سئل عن بيع الرطب بالتمر
فقال ( أَيَنْقُص الرطب إذا جفَّ ؟
قالوا : نعم ، فزَجَرَ عنه ) ،
ومن المعلوم أنّه كان يعلم نُقصانه بالجفاف ،
ولكن نَبَّههم على علة التحريم وسببه .
ومن هذا قولُه لعمر وقد سأله عن قبلة امرأته وهو صائم ،
فقال : ( أرأيت لو تمضمضت ثم مججته ، أكان يضر شيئا ؟ قال : لا ) ،
فنبَّه على أن مقدمة المحظور
لا يلزم أن تكون محظورة ;
فإن غاية القُبلة أنها مقدمة الجماع ،
فلا يلزم من تحريمِه تحريمُ مقدمته ،
كما أن وضع الماء في الفم مقدمة شربه ، وليست المقدمة محرمة .
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم
( لا تُنكح المرأة على عمتها ،
ولا على خالتها ،
فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ) ;
فذكر لهم الحكم ،
ونبههم على علة التحريم .
ومن ذلك قوله لأبي النعمان بن بشير
وقد خَصَّ بعض ولده بغلام نَحَله إياه ، فقال :
( أيَسُرُّك أن يكونوا لك في البر سواء ؟
قال : نعم ،
قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )
وفي لفظ ( إن هذا لا يصلح )
وفي لفظ ( إني لا أشهد على جور )
وفي لفظ ( أشهد على هذا غيري ) تهديدا ، لا إذنا ،
فإنه لا يأذن في الجور قطعا ،
وفي لفظ : رده ،
والمقصود أنه نبهه على علة الحكم .
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم
لرافع بن خديج وقد قال :
له إنا لاَقُو العدو غدا ، وليس معنا مُدًى ، أفنذبح بالقَصَب ؟
فقال ( ما أنْهَر الدمَ وذُكِر اسم الله عليه
فكلْ ليس السن والظفر ،
وسأحدثك عن ذلك ، أما السن فعظم ،
وأما الظفر فمدى الحبشة )
فنبّه على علة المنع من التذكية بهما
بكون أحدهما عَظما ،
وهذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام ;
إما لنجاسة بعضها ;
وإما لتنجيسه على مؤمني الجن ،
ولكون الآخر مدى الحبشة ،
ففي التذكية بها تشبه بالكفار .
ومن ذلك قوله ( إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الإنسية ، فإنها رجس ) ومن ذلك قوله في الثمرة تصيبها الجائحة ( أرأيت إن مَنع الله الثمرة ،
فبم يأكل أحدكم مال أخيه بغير حق ؟ )
وهذا التعليل بعينه ينطبق على من استأجر أرضا للزراعة فأصاب الزرع آفة سماوية لفظا ومعنى ،
فيقال للمؤجر : أرأيت إن منع الله الزرع فبم تأكل مال أخيك بغير حق ؟
وهذا هو الصواب الذي ندين الله به
في المسألة ،
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .
والمقصود أن الشارع مع كون قوله حُجّة بنفسه يرشد الأمة إلى علل الأحكام ومداركها وحكمها ،
فورثته من بعده كذلك .
ومن ذلك نهيه عن الخَذْفِ وقال
( إنه يفقأ العين ويكسر السن )
ومن ذلك إفتاؤه للعاض يد غيره بإهدار دية ثَنِيَّتِه لما سقطت بانتزاع المعضوض يده من فيه ، ونبه على العلة بقوله
( أيَدعُ يدَه في فيك تَقْضمها كما يقضم الفحل )
وهذا من أحسن التعليل وأبينه
; فإنّ العاضَّ لما صال على المعضوض جاز له أن يرد صياله عنه بانتزاع يده
من فمه ،
فإذا أدَّى ذلك إلى إسقاط ثناياه
كان سقوطها بفعل مأذون فيه من الشارع فلا يقابل بالدية ،
وهذا كثير جدا في السّنّة .
فينبغي للمفتي أن ينبه السائل على علة الحكم ومأخذه إن عرف ذلك ،
وإلا حرم عليه أن يفتي بلا علم .
وكذلك أحكام القرآن يرشد سبحانه فيها إلى مداركها وعللها ، كقوله :
{ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض }
سورة البقرة 222
فأمر سبحانه نبيه أن يذكر لهم علة الحكم قبل الحكم ،
وكذلك قوله : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القُرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل
كي لا يكون دُولة بين الأغنياء منكم } .
سورة الحشر 7
وكذلك قوله : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا
نكالا من الله والله عزيز حكيم }
سورة المائدة 38
وقال في جزاء الصيد :
{ ليذوق وبال أمره } .
سورة المائدة 95
_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 4 / 124 - 125 )
ط / دار الكتب العلمية : بيروت / بيضون .
الفائدة السابعة : إذا كان الحكم مستغربا جدا مما لا تَأْلَفْه النّفوس
وإنّما أَلِفَت خلافَه فينبغي للمفتي
أن يُوَطّئ قبله ما يكون مؤذنا به كالدليل عليه والمقدمة بين يديه ،
فتأمل ذكره سبحانه قصة زكريا
وإخراج الولد منه بعد انصرام
عصر الشبيبة وبلوغه السن الذي
لا يُولد [ فيه ] لمثله في العادة ،
فذكر قصته مقدمة بين يدي قصة المسيح وولادته من غير أب ;
فإن النفوس لما آنست بولد من بين شيخين كبيرين لا يُولد لهما عادة سهُل عليها التصديق بولادة ولد من غير أب ، وكذلك ذكر سبحانه قبل قصة المسيح مُوافاة مريم رزقها في غير وقته
وغير إبّانِه .
وهذا الذي شجع نفس زكريا
وحركها لطلب الولد
وإن كان في غير إبّانه ،
وتأمل قصة نسخ القبلة لما كانت شديدة على النفوس جدا كيف وَطَّأَ سبحانه قبلها عدة موطئات : منها : ذكر النسخ ،
ومنها : أنه يأتي بخير من المنسوخ
أو مثله ،
ومنها : أنه على كل شيء قدير ،
وأنه بكل شيء عليم ;
فعموم قدرته وعلمه صالح لهذا
الأمر الثاني كما كان صالحا للأول .
ومنها : تحذيرهم الاعتراض على رسوله كما اعترض من قبلهم على موسى ،
بل أمَرَهم بالتسليم والانقياد .
ومنها : تحذيرهم بالإصغاء إلى اليهود ، وأن لا تستخفهم شُبَههم ،
فإنّهم يَوَدُّون أن يَرُدُّوهم كفارا من بعد ما تبين لهم الحق .
ومنها : إخباره أن دخول الجنّة
ليس بالتهود ولا بالتنصر ،
وإنّما هو بإسلام الوجه والقصد
والعمل والنيّة لله مع متابعة أمره .
ومنها : إخباره سبحانه عن سَعَته ،
وأنه حيث ولَّى المصلّي وجهَه
فثم وجهُه تعالى ، فإنه واسع عليم ،
فذكر الإحاطتين الذاتية والعلمية ،
فلا يتوهمون أنّهم في القبلة الأولى
لم يكونوا مستقبلين وجهه تبارك وتعالى ولا في الثانية ،
بل حيثما توجهوا فثم وجهه تعالى .
ومنها : أنه سبحانه وتعالى حذَّرَ نبيّه صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهواء الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ،
بل أُمر أن يتبع هو وأمّتُه ما أوحي إليه فيستقبلونه بقلوبهم وحده .
ومنها : أنه ذكر عظمة بيته الحرام ، وعظمة بانيه وملته ،
وسَفَّه مَن يرغب عنها ، وأُمر باتباعها ، فنَوَّه بالبيت وبانيه وملته ،
وكل هذا توطئة بين يدي التحويل ، مع ما في ضمنه من المقاصد الجليلة
والمطالب السنية .
ثم ذكر فضل هذه الأمة وأنهم الأمة الوسط العدل الخيار ،
فاقتضى ذلك أن يكون نبيهم
صلى الله عليه وسلم أوسَط الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وخيارهم ، وكِتابهم كذلك ، ودينهم كذلك ،
وقبلتهم التي يستقبلونها كذلك ،
فظهرت المناسبة شرعا وقدرا في أحكامه تعالى الأَمْرية والقدرية ،
وظهرت حكمته الباهرة ،
وتَجلَّتْ للعقول الزكية المستنيرة بنور ربها تبارك وتعالى .
والمقصود أن المفتي جديرٌ أن يذكر بين يدي الحكم الغريب الذي لم يُؤلَفْ
مُقدماتٌ تُؤنِسُ به ، وتَدُلُّ عليه ،
وتكون توطئة بين يديه ،
وبالله التوفيق .
_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 4 / 125 - 126 )
ط / دار الكتب العلمية : بيروت / بيضون .
الفائدة الثامنة : يجوز للمفتي والمناظر
أن يحلف على ثبوت الحكم عنده ،
وإن لم يكن حلفه مُوجِبا لثبوته
عند السائل والمنازع ;
ليُشعر السائل والمنازع له أنه على ثقة ويقين مما قال له ، وأنه غير شاك فيه ،
فقد تناظر رجلان في مسألة ;
فحلف أحدُهما على ما يعتقده ،
فقال له منازِعُه : لا يثبت الحكم بحلفك ، فقال : إني لم أحلف ليثبت الحكم عندك ، ولكن ; لأعلمك أني على يقين وبصيرة
مِن قولي ،
وأن شبهتك لا تغير عندي في وجهِ يقيني ما أنا جازم به .
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم
أن يحلف على ثبوت الحق الذي جاء به في ثلاثة مواضع من كتابه ،
أحدها : { ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق }
سورة يونس 53
والثاني : قوله تعالى { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب }
سورة سبأ 3
والثالث : قوله تعالى { زعم الذين كفروا
أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن } .
سورة التغابن 7
وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم
على ما أخبر به من الحق في أكثر
من ثمانين موضعا ،
وهي موجودة في الصحاح والمسانيد ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحلفون على الفتاوى والرواية ،
فقال علي بن أبي طالب
[ رضي الله عنه ]
لابن عباس في مُتعة النّساء :
إنّك امرؤ تائه ، فانظر ما تُفتي به في متعة النساء ،
فوالله وأشهد بالله لقد نهى عنها
رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولما ولي عمر رضي الله عنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحلَّ المتعة ثلاثا ، ثم حرمها ثلاثا ،
فأنا أقسم بالله قسما لا أجد أحدا مِن المسلمين متمتعا إلاّ رجمتُه ،
إلاّ أن يأتي بأربعة من المسلمين يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها بعد أن حرمها .
وقد حلف الشافعي في بعض أجوبته ، فقال محمد بن الحكم :
سألت الشافعي رضي الله عنه عن المتعة كان يكون فيها طلاق أو ميراث أو نفقة
أو شهادة ؟
فقال : لا والله ما أدري .
وقال يزيد بن هارون : من قال القرآن مخلوق أو شيء منه مخلوق فهو والله عندي زنديق .
وسُئل عن حديث جرير في الرؤية ،
فقال : والله الذي لا إله إلاّ هو
مَن كذّب به ما هم إلا زنادقة ،
وأما الإمام أحمد رحمة الله عليه
ورضوانه فإنّه حلف على عدة
مسائل من فتاويه .
قيل : أيزيد الرجل في الوضوء على ثلاث مرات ؟ فقال : لا والله ، إلا رجل مبتلى ، يعني بالوسواس .
وسُئل عن تخلل الرجل لحيته إذا توضأ ، فقال : إي والله .
وسئل يكون الرجل في الجهاد بين الصفين يبارز علجا بغير إذن الإمام ،
فقال : لا والله .
وقيل له : أتكره الصلاة في المقصورة ؟ فقال : إي والله ،
قلت : وهذا لما كانت المقصورة تُحْمَى للأمراء وأتباعهم .
وسئل : أيؤجر الرجل على بغض مَن خالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إي والله .
وسئل : من قال القرآن مخلوق كافر ؟ فقال : إي والله ،
وسئل : هل صح عندك في النبيذ حديث ؟ فقال : والله ما صح عندي حديث واحد
إلا على التحريم .
وسئل : أيكره الخضاب بالسواد ؟
فقال : إي والله ،
وسئل عن الرجل يؤم أباه
ويصلي الأب خلفه ،
فقال : إي والله ...
_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 4 / 126 - 127 )
ط / دار الكتب العلمية : بيروت / بيضون .
الفائدة التاسعة :
ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص
مهما أمكنه ;
فإنّه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام ، فهو حكم مضمون له الصواب ، متضمن للدليل عليه في أحسن بيان ، وقول الفقيه المعين ليس كذلك ،
وقد كان الصحابة والتابعون والأئمة الذين سلكوا على منهاجهم يتحرون ذلك غاية التحري ،
حتى خَلَفَتْ مِن بعدهم خُلُوف رغبوا
عن النصوص ،
واشتقوا لهم ألفاظا غير ألفاظ النصوص ، فأوجب ذلك هجر النصوص ،
ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي به النصوص من الحكم والدليل
وحسن البيان ،
فتولد مِن هجران ألفاظ النصوص والإقبال على الحادثة وتعليق الأحكام بها على الأمة من الفساد ما لا يعلمه إلاّ اللهُ .
فألفاظ النصوص عصمة وحجة بريئة
مِن الخطأ والتناقض والتعقيد والاضطراب ،
ولما كانت هي عصمة عهدة الصحابة وأصولهم التي إليها يرجعون
كانت علومهم أصح من علوم من بعدهم ، وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل مِن خطأ مَن بعدهم ،
ثم التابعون بالنسبة إلى من بعدهم كذلك ، وهلم جرا ،
ولما استحكم هجران النصوص عند أكثر أهل الأهواء والبدع كانت علومهم
في مسائلهم وأدلتهم في غاية الفساد والاضطراب والتناقض .
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئلوا عن مسألة يقولون :
قال الله كذا ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، أو فعل [ رسول ] الله كذا ،
ولا يَعدلون عن ذلك ما وجدوا إليه سبيلا قط ، فمن تأمل أجوبتهم وجدها شفاء
لما في الصدور ،
فلما طال العهد وبَعُدَ النّاسُ من نور النبوة صار هذا عيبا عند المتأخرين
أن يذكروا في أصول دينهم وفروعه
قال الله ، وقال رسول الله .
أما أصول دينهم فصرحوا في كتبهم
أن قول الله ورسوله لا يفيد اليقين
في مسائل أصول الدين ،
وإنّما يحتج بكلام الله ورسوله فيها الحشوية والـمُجَسِّمَة والـمُشَبِّهة ،
وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض المختصرات التي لا يذكر فيها نص عن الله ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الإمام الذي زعموا أنهم قلدوه دينهم ،
بل عمدتهم فيما يفتون ويقضون به وينقلون به الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والأموال على قول ذلك المصنف ، وأجلهم عند نفسه وزعيمهم عند بني جنسه من يستحضر لفظ الكتاب ،
ويقول : هكذا قال ، وهذا لفظه ;
فالحلال ما أحله ذلك الكتاب ،
والحرام ما حرمه ، والواجب ما أوجبه ، والباطل ما أبطله ، والصحيح ما صححه .
هذا ، وأنّى لنا بهؤلاء في مثل هذه الأزمان ، فقد دفعنا إلى أمر تضج منه الحقوق إلى الله ضجيجا ،
وتعج منه الفروج والأموال والدماء إلى ربها عجيجا ، تبدل فيه الأحكام ،
ويُقلَب فيه الحلال والحرام ،
ويجعل المعروف فيه أعلى مراتب المنكرات ،
والذي لم يشرعه الله ورسوله من
أفضل القربات ،
الحق فيه غريب ،
وأغرب منه من يعرفه ،
وأغرب منهما من يدعو إليه ،
وينصح به نفسه والناس ،
قد فلق بهم فالق الإصباح صبحه عن غياهب الظلمات ،
وأبان طريقه المستقيم من بين تلك الطرق الجائرات ،
وأراه بعين قلبه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع ما عليه أكثر الخلق من البدع المضلات ،
رفع له علم الهداية فشمر إليه ،
ووضح له الصراط المستقيم فقام ، واستقام عليه ،
وطوبى له من وحيد على كثرة السكان ، غريب على كثرة الجيران ،
بين أقوام رؤيتهم قَذَى العيون ،
وشَجَى الحلوق ، وكرب النفوس ،
وحُمَّى الأرواح وغم الصدور ،
ومرض القلوب .
وإن أنصفتَهم لم تقبل طبيعتُهم الإنصاف ،
وإن طلبته منهم فأين الثريّا
مِن يَدِ الملتمس ، قد انتكست قلوبهم ، وعمي عليهم مطلوبهم ، رَضُوا بالأماني ، وابتلوا بالحظوظ ،
وحصلوا على الحرمان ،
وخاضوا بحار العلم لكن بالدعاوى الباطلة وشقاشق الهذيان ،
ولا والله ما ابتلت من وَشَلِه أقدامُهم ،
ولا زكت به عقولهم وأحلامهم ،
ولا ابيضت به لياليهم وأشرقت بنوره أيامهم ،
ولا ضحكت بالهدى والحق منه وجوه الدفاتر إذ بُلَّت بمداده أقلامهم ،
أنْفَقُوا في غير شيء نفائس الأنفاس ، وأتعبوا أنفسهم وحيروا مَن خلفهم مِن النّاس ،
ضيعوا الأصول فحرموا الوصول ، وأعرضوا عن الرسالة ،
فوقعوا في مَهَامه الحيرة
وبيداء الضلالة .
والمقصود أن العصمة مضمونة في ألفاظ النصوص ومعانيها في أتم بيان
وأحسن تفسير ،
ومَن رام إدراك الهدى ،
ودين الحق من غير مِشْكاتِها
فهو عليه عسير غير يسير .
_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 4 / 130 - 131 )
ط / دار الكتب العلمية : بيروت / بيضون .
ينبغي للمفتي الموفق إذا نَزَلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي [ الحالي ] لا العلمي المجرد إلى مُلْهِم الصواب ، ومُعَلم الخير ، وهادي القلوب ، أن يلهمه الصواب ،
ويفتح له طريق السداد ،
ويَدُلّه على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة ،
فمتى قرع هذا الباب فقد قَرَعَ
باب التوفيق ،
وما أجدر مَن أَمَّلَ فضل ربه أن لا يحرمه إياه ، فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشرى التوفيق ،
فعليه أن يُوجِه وجهَه ويحدق نظره
إلى منبع الهدى ومعدن الصواب
ومطلع الرشد ،
وهو النصوص من القرآن والسنة
وآثار الصحابة ،
فيستفرغ وُسْعَه في تعرف حكم تلك النازلة منها ، فإن ظفر بذلك أخبر به ،
وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار ، والإكثار من ذكر الله ،
فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده ، والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ
ذلك النور أو تكاد ،
ولا بد أن تضعفه .
وشَهدتُ شيخَ الإسلام قدس الله روحه
إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه
فَرَّ منها إلى التوبة والاستغفار ، والاستغاثة بالله واللّجَأ إليه ،
واستنزال الصواب من عنده ،
والاستفتاح من خزائن رحمته ،
فقلما يلبث المدد الإلهي أن يَتَتَابَع
عليه مداً ،
وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه
بأيتهن يبدأ ،
ولا ريب أن من وفق هذا الافتقار
علما وحالا ،
وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد
فقد أعطي حَظَّه من التوفيق ،
ومن حُرِمه فقد منع الطريق والرفيق ، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم ،
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
والله ذو الفضل العظيم .
_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 4 / 131 - 132 )
ط / دار الكتب العلمية : بيروت / بيضون .
[ لا يفتي ولا يحكم إلاّ بما يكون عالما بالحق فيه ]
الفائدة الحادية عشرة :
إذا نزلت بالحاكم أو المفتي النازلة
فإما أن يكون عالما بالحق فيها أو غالبا على ظنه بحيث قد استفرغ وسعه في طلبه ومعرفته ، أو لا ،
فإن لم يكن عالما بالحق فيها
ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي ،
ولا يقضي بما لا يعلم ،
ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض
لعقوبة الله ،
ودخل تحت قوله تعالى :
{ قل إنّما حرّم ربّيَ الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحَقِّ وأن تشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانا
وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }
سورة الأعراف 33
فجعل القول عليه بلا علم أعْظَمَ المحرمات الأربع التي لا تُباح بحال ;
ولهذا حصر التحريم فيها
بصيغة الحصر .
ودخل تحت قوله تعالى :
{ ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان
إنّه لكم عدوّ مّبين * إنّما يأمركم بالسّوء والفحشاء وأن تقولوا على الله
ما لا تعلمون }
سورة البقرة 168 - 169
ودخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من أفتى بغير علم فإنما إثمه
على مَن أفتاه )
[ حسّنه الألباني في عدد من كتبه
انظر صحيح الجامع رقم ( 6068 )
و ( 6069 ) ] .
وكان أحد القضاة الثلاثة الذين ثُلُثاهُم في النار ،
وإن كان قد عَرَفَ الحق في المسألة علما
أو ظنا غالبا لم يحل له أن يفتي
ولا يقضي بغيره بالإجماع المعلوم بالضرورة من دين الإسلام ،
وهو أحد القضاة الثلاثة والمفتين الثلاثة والشهود الثلاثة ،
وإذا كان مَن أفتى أو حكم أو شهد بغير علم مرتكبا لأعظم الكبائر ،
فكيف من أفتى أو حكم أو شهد
بما يعلم خلافه ؟ .
فالحاكم والمفتي والشاهد كل منهم مخبر عن حكم الله ;
فالحاكم مخبر منفذ ،
والمفتي مخبر غير منفذ ،
والشاهد مخبر عن الحكم الكوني القدري المطابق للحكم الديني الأمري ;
فمن أخبر منهم عما يعلم خلافه
فهو كاذب على الله عمدا
{ ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على الله وجوههم مّسودّة } ،
سورة الزمر 60
ولا أظلم ممن كذب على الله وعلى دينه ، وإن أخبروا بما لم يعلموا فقد كذبوا
على الله جهلا ،
وإن أصابوا في الباطن ،
وأخبروا بما لم يأذن الله لهم في
الإخبار به .
وهم أسْوَأُ حالا من القاذف
إذا رأى الفاحشة وحده فأخبر بها
فإنّه كاذب عند الله ،
وإن أخبر بالواقع
; فإنّ الله لم يأذن له في الإخبار بها
إلا إذا كان رابع أربعة ،
فإن كان كاذبا عند الله في خبر مطابق لمخبره حيث لم يأذن له في الإخبار به فكيف بمن أخبر عن حكمه بما لم يعلم
أن الله حكم به ،
ولم يأذن له في الإخبار به ؟
قال الله تعالى : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لّتفتروا على الله الكذب إنّ الّذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع قليل ولهم عذاب أليم } ،
سورة النحل 116 - 117
وقال تعالى : { فمن أظلم ممّن كذب على الله وكذّب بالصّدق إذ جاءه }
سورة الزمر 32
والكذب على الله يستلزم التكذيب
بالحق والصدق ،
وقال تعالى : { ومَن أظلم ممّن افترى على الله كذبا أولئك يُعرضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم
ألا لعنة الله على الظّالمين } .
سورة هود 18
وهؤلاء الآيات وإن كانت في حق المشركين والكفار فإنّها متناولة لمن كذب على الله في توحيده ودينه وأسمائه وصفاته وأفعاله ، ولا تتناول المخطئ المأجور
إذا بذل جهده واستفرغ وسعه في إصابة حكم الله وشرعه ،
فإنّ هذا هو الذي فرضه الله عليه ،
فلا يتناول المطيع لله وإن أخطأ ،
وبالله التوفيق .
_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 4 / 132 - 133 )
ط / دار الكتب العلمية : بيروت / بيضون .
[ من أدب المفتي ألا ينسب الحكم
إلى الله إلاّ بنص ]
الفائدة الثالثة عشرة :
لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه أو أوجبه أو كرهه إلاّ لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أو تحريمه أو إيجابه أو كراهته .
وأما ما وجده في كتابه الذي تلقاه
عمن قلّده دينه فليس له أن يشهد
على الله ورسوله به ، ويغر الناس بذلك ، ولا علم له بحكم الله ورسوله .
قال غير واحد من السلف :
ليحذر أحدكم أن يقول :
أحل الله كذا ، أو حرم الله كذا ،
فيقول الله له : كذبت ،
لم أحل كذا ، ولم أحرمه .
وثبت في صحيح مسلم من حديث
بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( وإذا حاصَرْت حصنا فسألوك أن تنزلهم على حكم الله ورسوله فلا تنزلهم على حكم الله ورسوله ،
فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم
أم لا ،
ولكن أنزلهم على حكمك
وحكم أصحابك ) .
وسمعت شيخ الإسلام يقول :
حضرت مجلسا فيه القضاة وغيرهم ، فجرت حكومة حكم فيها أحدهم
بقول زُفَرْ ،
فقلت له : ما هذه الحكومة ؟
فقال : هذا حكم الله ،
فقلت له : صار قول زُفَرْ هو حكم الله الذي حكم به وألزم به الأمة ؟! ،
قل : هذا حكم زُفَر ،
ولا تقل هذا حكم الله ،
أو نحو هذا من الكلام .
_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 4 / 134 )
ط / دار الكتب العلمية : بيروت / بيضون .
الفائدة السادسة عشرة :
لا يجوز للمفتي الترويج وتخيير السائل وإلقاؤه في الإشكال والحيرة ،
بل عليه أن يبين بيانا مزيلا للإشكال ، متضمنا لفصل الخطاب ،
كافيا في حصول المقصود ،
لا يحتاج معه إلى غيره ،
ولا يكون كالمفتي الذي سئل عن مسألة
في المواريث فقال : يقسم بين الورثة
على فرائض الله عز وجل
وكتبه فلان .
وسئل آخر عن صلاة الكسوف
فقال : تُصلى على حديث عائشة ،
وإن كان هذا أعلم من الأول .
وسئل آخر عن مسألة من الزكاة فقال :
أما أهل الإيثار فيخرجون المال كله ،
وأما غيرهم فيخرج القدر الواجب عليه ، أو كما قال .
وسئل آخر عن مسألة فقال :
فيها قولان ،
ولم يزد .
قال أبو محمد بن حزم :
وكان عندنا مفت إذا سئل عن مسألة
لا يفتي فيها حتى يتقدمه من يكتب ، فيكتب هو :
جوابي فيها مثل جواب الشيخ ،
فقُدِّر أن مُفتِيَيْن اختلفا في جواب ،
فكتب تحت جوابهما :
جوابي مثل جواب الشيخين ،
فقيل له : إنهما قد تناقضا ،
فقال : وأنا أتناقض كما تناقضا ،
وكان في زماننا رجل مشار إليه بالفتوى ، وهو مقدم في مذهبه ،
وكان نائب السلطان يرسل إليه
في الفتاوى فيكتب : يجوز كذا ،
أو يصح كذا ، أو ينعقد بشرطه ،
فأرسل إليه يقول له :
تأتينا فتاوى منك فيها يجوز أو ينعقد
أو يصح بشرطه ، ونحن لا نعلم شرطه ، فإما أن تبين شرطه ،
وإما أن لا تكتب ذلك .
وسمعت شيخنا يقول :
كل أحد يحسن أن يفتي بهذا الشرط ،
فإن أي مسألة وردت عليه يكتب فيها يجوز بشرطه أو يصح بشرطه
أو يقبل بشرطه ونحو ذلك ،
وهذا ليس بعلم ،
ولا يفيد فائدة أصلا سوى حيرة السائل وتَبَلُدَه ،
وكذلك قول بعضهم في فتاويه :
يرجع في ذلك إلى رأي الحاكم ،
فيا سبحان الله ،
والله لو كان الحاكم شُرَيْحا وأشباهه لما كان مَرَدُّ أحكام الله ورسوله إلى رأيه
فضلا عن حكام زماننا فالله المستعان .
وسئل بعضهم عن مسألة فقال :
فيها خلاف ،
فقيل له : كيف يعمل المفتي ؟
فقال :
يختار له القاضي أحد المذهبين .
قال أبو عمرو بن الصلاح :
كنت عند أبي السعادات بن الأثير الجَزَري ، فحكى لي عن بعض المفتين
أنه سئل عن مسألة
فقال : فيها قولان ،
فأخذ يُزْري عليه ،
وقال : هذا حَيْد عن الفتوى ،
ولم يخلص السائل من عَمايته ،
ولم يأت بالمطلوب
قلت :
وهذا فيه تفصيل ;
فإنّ المفتي المتمكن من العلم المضطلع به قد يتوقف في الصواب في المسألة المتنازع فيها فلا يقدم على الجَزْم
بغير علم ،
وغاية ما يمكنه أن يذكر الخلاف
فيها للسائل .
وكثيرا ما يسأل الإمام أحمد رضي الله عليه وغيره من الأئمة عن مسألة
فيقول : فيها قولان ، أو قد اختلفوا فيها ، وهذا كثير في أجوبة الإمام أحمد لسَعَة علمه وورعه ،
وهو كثير في كلام الإمام الشافعي
رضي الله عنه ،
يذكر المسألة ثم يقول : فيها قولان .
وقد اختلف أصحابه هل يضاف القولان اللذان يحكيهما إلى مذهبه
وينسبان إليه أم لا ؟
على طريقين ،
وإذا اختلف علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد وأبي وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم
ولم يتبين للمفتي القول الراجح
من أقوالهم فقال : هذه مسألة اختلف فيها فلان وفلان من الصحابة ،
فقد انتهى إلى ما يقدر عليه من العلم .
_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 4 / 136 - 137 )
ط / دار الكتب العلمية : بيروت / بيضون .
[ لا يطلق المفتي الجواب
إذا كان في المسألة تفصيل ]
الفائدة الثامنة عشرة :
ليس للمفتي أن يُطْلِق الجوابَ
في مسألة فيها تفصيل
إلاّ إذا علم أن السائل إنّما سأل عن أحد تلك الأنواع ،
بل إذا كانت المسألة تحتاج إلى التفصيل استفصله ،
كما استفصل النّبيُّ صلى الله عليه وسلم ماعزا لما أَقَرَّ بالزنا :
هل وجد منه مقدماته أو حقيقته ؟
فلما أجابه عن الحقيقة استفصله :
هل به جنون ،
فيكون إقراره غير معتبر أم هو عاقل ؟
فلما علم عَقْله استفصله :
بأن أمر باستنكاهه ;
ليعلم هل هو سكران أم صاح ؟
فلما علم أنه صاح استفصله :
هل أُحْصِنَ أم لا ؟
فلما علم أنه قد أُحْصِنَ أقام عليه الحد .
ومن هذا قوله لمن سألته :
هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال : ( نعم إذا رأت الماء )
فتضمن هذا الجواب الاستفصال
بأنّها يجب عليها الغسل في حال ،
ولا يجب عليها في حال .
ومن ذلك أن أبا النعمان بن بشير سأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشهد
على غلام نَحَله ابنَه ، فاستفصله ،
وقال : أكُلَّ ولدك نحلته كذلك ؟
فقال : لا ، فأبى أن يشهد .
وتحت هذا الاستفصال :
أنّ ولدَكَ إن كانوا اشتركوا في النحل
صح ذلك ، وإلاّ لم يصح ،
ومن ذلك أن ابن أم مكتوم استفتاه :
هل يجد له رُخْصَة أن يصلي في بيته ؟ فقال ( هل تسمع النداء ؟ )
قال : نعم ، قال ( فأجبْ )
فاستفصله بين أن يسمع النداء
أو لا يسمعه .
إلى أن قال رحمه الله :
والمقصود التنبيه على وجوب التفصيل إذا كان يجد السؤال محتملا ،
وبالله التوفيق ،
فكثيرا ما يقع غلط المفتي في هذا القسم ، فالمفتي تَرِدُ إليه المسائل في قوالب متنوعة جدا ،
فإن لم يتفطن لحقيقة السؤال
وإلا هَلَكَ وأهْلَك ،
فتارة تورد عليه المسألتان صورتهما واحدة وحكمهما مختلف ;
فصورة الصحيح والجائز صورة الباطل والمحرم ويختلفان بالحقيقة ،
فيذهل بالصورة عن الحقيقة ،
فيجمع بين ما فرق الله ورسوله بينه ،
وتارة تورد عليه المسألتان صورتهما مختلفة وحقيقتهما واحدة
وحكمهما واحد ،
فيذهل باختلاف الصورة عن تساويهما في الحقيقة ،
فيفرق بين ما جمع الله بينه ،
وتارة تُورَدُ عليه المسألة مجملة تحتها
عدة أنواع ، فيذهب وهمه إلى واحد منها ، ويذهل عن المسئول عنه منها ، فيجيب بغير الصواب ،
وتارة تورد عليه المسألة الباطلة
في دين الله في قالب مزخرف ولفظ حسن ، فيتبادر إلى تسويغها
وهي من أبطل الباطل ، وتارة بالعكس ;
فلا إله إلا الله ، كم ههنا من مَزَلَة أقدام ، ومجال أوهام ،
وما دُعِي مُحق إلى حَق إلاّ أخرجه الشيطان على لسان أخيه ،
ووليه من الإنس في قالب تنفر عنه خفافيش البصائر وضعفاء العقول
وهُمْ أكثر الناس ،
وما حذّر أحدٌ من باطل إلاّ أخرجه
الشيطان على لسان وليه من الإنس
في قالب مزخرف يستخف به عقول ذلك الضرب من الناس فيستجيبون له ،
وأكثر الناس نَظَرُهم قاصرٌ على الصور
لا يتجاوزونها إلى الحقائق ،
فهم محبوسون في سجن الألفاظ ، مقيدون بقيود العبارات ،
كما قال تعالى :
{ وكذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوّا شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربّك ما فعلوه فذرهم وما يفترون * ولتصغى إليه أفئدة الّذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مّقترفون } .
سورة الأنعام 112 - 113
_ أعلام الموقعين عن رب العالمين
( 4 / 143 - 148 )
ط / دار الكتب العلمية : بيروت / بيضون .
جزاك الله خير اخي الحبيب ...ابوايوب
على
الموضوع الطيب
و
جزاك الله خير
التوقيع - عمر خالد
اللهم انتقم من نعجه سوريا المجرم وأعوانه ومن والاهم ، اللهم يا حي يا قيوم يا جبار السموات والأرض أرنا فيهم عجائب قدرتك ، اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا،،، اللهم رحماك رحماك باخواننا المسلمين المستضعغين في سوريا الحبيبه ، اللهم وعجل بفرجهم يا رب العالمين ، ولا حول ولا قوة الا بالله .