في محاضرة ساد عليها الفكر الليبرالي، قال المحاضر كلمة اعجبتني جداً
قال ما معنى القراءة عند كل واحد منكم؟
قال احدهم –الاجابة المعهودة- هي غذاء الروح
وقال آخر وسيلة للمتعة والتسلية
وقال آخر أساس العلم
قال المحاضر بعدم مبالاة : انكم لن تستطيعوا ان تجعلوها غذاء للروح ولا وسيلة للمتعة ولا اساسا للعلم ان لم تفهموا معناها الاساسي .. ثم سكت
واكملنا محاضرتنا ..
لا اخفيكم اني لم اركز على ما قاله بعد تلك الجملة، جلست أفكر وأفكر ماذا تراه المعنى الاساسي؟
لم أتوصل الى حل، ربما لاني منذ الصغر وانا قد اعتدت على سماع تلك الاجابات دون ان افكر في معنى القراءة..
ذهبت للاستاذ بعد انتهاء المحاضرة وسـألته: ماذا تقصد بالمعنى الاساسي للقراءة؟
قال: خالد انت ولد نجيب لذلك حاول معرفة الاجابة بنفسك
قلت: هلا ساعدتني بإعطائي مفتاحا للاجابة ؟
قال: ولكن الباقي عليك
قلت: اجل
قال: هي عندما لا تقرأ جملة مكتوبة فحسب بل عندما تقرأ الملامح وتقرأ الصورة وتقرأ السماء
قلت: هل هذا هو المفتاح؟
قال: خالد هي كلمة واحدة فقط،
فكر جيدا وانا بانتظار الجواب منك يوم الاثنين
قلت: ان شاء الله
في وقت فراغي ذهبت لمكتبة الجامعة وحاولت البحث عن معنى القراءة، بحثت ووجدت الكثير من الدراسات والابحاث ولكنها لا تذكر الا تعريفات علمية جافة لا جدوى منها او لم تكن بنظري المعنى الاساسي، عدت الى البيت وانا لا ازال افكر
كيف أقرأ السماء ؟
كيف أقرأ الملامح؟؟
ما هي القراءة!!
ربما يجب علي ان ابحث عن المعنى الحرفي..
فتحت لسان العرب ووجدت
تقرّأ : تنسك
وتقرأ: تفقّه
والمشكلة اني لم اجد معان غير هذه للقراءة سوى الجمع !
لحظة !
نحن نقرأ القرآن فنتعبد به ونتنسك به
ونقرأ الكتب لنفقه ونفهم
أحسست اني ادور في حلقة مفرغة
فلا يمكن ان يكون هذا هو المعنى المقصود ابداً
ربما يكون هناك علاقة بين النظر والقراءة، فمن لا يرى لا يستطيع القراءة، كل القراءات ! لا يستطيع ان يقرأ السماء ولا الملامح ولا الكتب!
لآنه أعمى
ولكن كيف أقرأ السماء ؟؟
رفعت عيناي اليها قائلا:
يا سماء كيف أقرؤك ؟
تأملتها لدقائق، ظلمة حالكة ، ونجوم تضيء تلك الظلمة كأنها حبات لؤلؤ منثورة على قماش اسود.. سبحان الله
لا اعلم مالذي دفعني الى
العودة الى لسان العرب والبحث عن معنى تأمل..
تأملت الشيء: نظرت إليه مستثبتاً له
وتأمل الرجل: تثبت في الامر والنظر
ما العلاقة ؟
ما هو الرابط بين النظر والتأمل ؟
من لا ينظر لا يستطيع ان يتأمل السماء
ومن لا ينظر لا يستطيع القراءة
ومن ينظر يستطيع التأمل والقراءة
التأمل والقراءة؟؟
صورة واحدة فقط هي التي ارتسمت في بالي
صورة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتعبد في غار حراء
ثم مشهد نزول أول كلمة من القرآن عليه صلى الله عليه وسلم وهي كلمة اقرأ
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يعرف القراءة اي التهجي والتلفظ بالكلمات
فهل كان المعنى المقصود غير التهجي والنطق بالكلمات؟؟
أحسست اني اقتربت من الحل جداً
ولكن فكرة سرعان ما أطفأت ذلك الاحساس العالي
هي ان الاستاذ نصراني او ربما ملحد من المؤكد ان الاجابة لا دخل لها بما توصلت انا اليه
أزحت تلك الفكرة بصعوبة واكملت تفكيري..
انني عندما انظر الى السماء وأتأملها حينها اكون قد قرأتها وقرأت ما فيها من غيوم ونجوم وشمس وقمر
وكيف لقارئ الملامح ان يقرأها دون أن يتأمل تلك الملامح؟
ومن يقرأ الكتاب ينظر الى الكلمات ثم ينطقها ولكن هل يتأملها؟
كيف أتأمل الكلمة؟
عندما أتأملها سأضيع في دوامة التفكير وسأشتت ذهني..
لم استطع التفكير اكثر، فلقد خارت كل قواي بعد ذلك التفكير المضني
سجلت هذه الجملة في كراستي..
القراءة = التأمل ؟؟؟؟
وخلدت الى النوم
في صباح اليوم التالي ..
استيقظت بكل نشاط وبعد الفطور فتحت المصحف لأنهي وردي اليومي ..
كنت قد وصلت الى سورة يونس ..
وعند قول الله تعالى "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك" توقفت
أردت ان اطبق ما توصلت اليه بالامس الآن
تأملت تلك الكلمات ..
يقرءون الكتاب من قبلك
خلت ان المعنى المقصود بالكتاب هو التوراة والانجيل
هل كل من يقرأ التوراة والانجيل نستطيع ان نعتمد على اجابته؟
هل هناك حصر على هؤلاء "الذين"؟
أم فقط "يقرءون الكتاب"؟
فتحت الشبكة العنكبوتية واتجهت الى موقع لتفسير الآيات..
ووجدت اسأل من يفهمون التوراة والانجيل ويتدارسونه فإنهم يعرفون صفاتك ونعوتك
اذن اقرأ تعني افهم وتأمل وتفقه
لا يوجد كلمة غيرها بنظري
فالقراءة تعني التأمل
وفي صباح الاثنين ذهبت لمكتب استاذنا وانا متحمس جدا لأخبره بما توصلت إليه
قال: خالد انت هنا،
تفضل
كنت اتوقع مجيئك مبكراً،
أحسب انك عرفت الحل
قلت: أظن ان الاجابة هي التأمل
ابتسم ثم قال ولماذا تظن؟
قلت: لانني فكرت كثيرا و..
قاطعني مبتسما : انا اقصد لماذا قلت اظن ولم تقل الاجابة مباشرة
ابتسمت ثم قلت: حسناً لان ابي علمني ان الجاهل يؤكد والعالم يشك والعاقل يتروى
قال: حكمة رائعه ، وأحسنت في الاجابة فلقد توصلت اليها حقاً ، عندما تمعن النظر وتتأمل وتتفكر في الكلمة تدرك معناها ثم تدرك لم وضعها المؤلف هنا بالذات وتفهم الموضوع بشكل عميق جدا
عندما تتأمل فأنت تقرأ عشر مرات
بل دعني أقول عندما تتأمل فأنت تقرأ حقاً
ولقد أجريت عدة دراسات على هذا الامر سأنشرها قريباً
والتقيت بكبار العلماء الذين بحثوا في هذه المسأله
فالقراءة الصحيحة هي التأمل
وعندما نطلق كلمة القراءة فنحن لا نقصد بها الا القراءة بتأمل
إنك حينها تغذي روحك وتسلي نفسك وتملك أساس العلم
هيا بنا الى المحاضرة يا صديقي..
ذهبت معه ولسان حالي يقول:
أنستغرب حينها عندما نعلم ان اول كلمة نزلت في القرآن هي اقرأ؟