129)
#أصول_أهل_السنة_و_الجماعة
قوله :" وإن أصابك شيء … " إلى آخره .
العبد إذا فاته ما لم يُقَدّر له فله حالتان :
حالة عجز وهي مفتاح عمل الشيطان فيلقيه
العجز إلى « لو » ولا فائدة في « لو » ههنا ،
بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن ، وذلك كلّه من عمل الشيطان ،
فنهاه صلى اللّه عليه وسلم عن افتتاح عمله
بهذا المفتاح ،
وأمره بالحالة الثانية ، وهي النظر إلى القدر وملاحظته ، وأنه لو قُدر له لم يفته ،
ولم يغلبه عليه أحدٌ فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ، ومشيئة الرب النافذة ،
التي توجب وجود المقدور وإذا انتفت امتنع وجوده ، فلهذا قال :
( وإن أصابك شيء ) ، أي : غلبك الأمر
ولم يحصل المقصود بعد بذل جهده
والاستعانة باللّه فلا تقل : ( لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر اللّه وما شاء فعل ) .
فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين .
حالة حصول مطلوبه ، وحالة فواته .
فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدًا ، بل هو أشد شيء إليه ضرورة ،
وهو يتضمن إثبات القدر والكسب ، والاختيار ، والقيام بالعبودية باطنًا وظاهرًا في حالتي حصول المطلوب وعدمه ، هذا معنى كلام ابن القيم .

[ النهي يتناول المعترض على القدر ...
عبد العزيز بن عبد الله الراجحي ] .
إلى أن قال :
باب قول اللّه تعالى : { يَظُنُّونَ باللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ }
سورة آل عمران
أراد المصنف بهذه الترجمة التنبيه على وجوب حسن الظن باللّه ،
لأن ذلك من واجبات التوحيد ،
ولذلك ذم اللّه من أساء الظن به ،
لأنّ مبنى حسن الظن على العلم يرحمة الله وعزته وإحسانه وقدرته وعلمه وحسن اختياره وقوة التوكل عليه ،
فإذا تمّ العلم بذلك أثمر له حسن الظن بالله .
وقد ينشأ حسن الظن من مشاهدة بعض هذه الصفات لاستلزامها الباقي ، وبالجملة فمن قام بقلبه حقائق معاني أسماء الله وصفاته ،
قام به من حسن الظن ما يناسب كل اسم وصفة، لأن كل صفة لها عبودية خاصة ،
وحسن ظن خاص .
وقد جاء الحديث القدسي ، قال اللّه تعالى :
( أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني ) . رواه البخاري ومسلم .
وعن جابر رضي اللّه عنه : أنه سمع النبيّ
صلى اللّه عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام
يقول : ( لا يموتن أحدكم إلاّ وهو يحسن الظن
باللّه عزّ وجل ) .
رواه مسلم وأبو داود .
وفي حديث عند أبي داود وابن حبان :
( حسن الظن من حسن العبادة ) .
رواه الحاكم ، ولفظهما :
( حسن الظن باللّه من حسن العبادة ) .
قوله : { يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ } .
قال ابن القيم : ثم أخبر عن الكلام الذي صدر
عن ظنهم الباطل وهو قولهم :
{ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ } .
وقولهم :
{ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } .
فليس مقصودهم بالكلمة الأولى والثانية
إثبات القدر ورد الأمر كله للّه ،
ولو كان مقصودهم لما ذموا عليه ،
ولما حسن الرد عليهم بقوله :
{ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } .
ولا كان مصدر هذا الكلام ظن الجاهلية ،
ولهذا قال غير واحد من المفسرين :
إن ظنهم الباطل ههنا هو التكذيب بالقدر ،
وظنهم أن الأمر لو كان إليهم لكان رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه تبعًا لهم يسمعون منهم ، لما أصابهم القتل ،
ولكان التصرف والظفر لهم ،
فكذّبهم اللّه عزّ وجل في هذا الظن الباطل
الذي هو ظن الجاهلية،
وهو الظن المنسوب إلى أهل الجهل الذين يزعمون بعد نفاذ القضاء والقدر الذي لم يكن بد من نفاذه : أنّهم كانوا قادرين على دفعه
وأن الأمر لو كان إليهم لما نفذ القضاء ،
فأكذبهم اللّه بقوله : { قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } .
فلا يكون إلاّ ما سبق به قضاؤه وقدره ،
وجرى به قلمه وكتابه السابق ،
وما شاء اللّه كان ولا بد ، شاء النّاس أم أبوا ،
وما لم يشأ لم يكن ، شاءه النّاس أو لم يشاؤوه ،
وما جرى عليكم من الهزيمة والقتل
فبأمره الكوني الذي لا سبيل إلى دفعه ،
سواء كان لكم من الأمر شيء أو لم يكن ،
فإنكم لو كنتم في بيوتكم وقد كتب القتل على بعضكم ؛ لخرج من كتب عليه القتل من بيته
إلى مضجعه ولا بد ،
سواء كان له من الأمر شيء أو لم يكن .
وهذا من أظهر الأشياء إبطالاً لقول القدرية النفاة، الذين يجوزون أن يقع ما لا يشاء اللّه
وأن يشاء ما لا يقع .

وقوله : { ولِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ} ،
أي : يختبر ما فيها من الإيمان والنفاق .
فالمؤمن لا يزداد بذلك إلا إيمانًا وتسليمًا ، والمنافق ومن في قلبه مرض لا بد أن يظهر ما في قلبه على جوارحه ولسانه .
قوله : { ولِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } ،
هذه حكمة أخرى ، وهي تمحيص ما في قلوب المؤمنين وهو تخليصه وتنقيته وتهذيبه ،
فإنّ القلوب يخالطها تغليب الطباع وميل النفوس ، وحكم العادة ، وتزيين الشيطان ،
واستيلاء الغفلة مما يضاد ما أُودِع فيها من الإيمان والإسلام والبر والتقوى فلو تركت في عافية دائمة مستمرة ، لم تتخلص من هذه المخاطر
ولم تتمحص منه ،
فاقتضت حكمة العزيز الرحيم أن قيّض لها من المحن والبلايا ما يكون كالدواء الكريه لمن عرض له داء إن لم يتداركه طبيب بإزالته وتنقيته ممن هو في جسده ،
وإلاّ خيف عليه من الفساد والهلاك ،
فكانت نعمته سبحانه عليهم بهذه الكثرة والهزيمة ، وقتل من قتل منهم تعادل نعمته عليهم بنصره ، وتأييدهم وظفرهم بقدرتهم ،
فله عليهم النعمة التامة في هذا وهذا .

قوله : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ } .
يعني أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل الصادق ، وهم الجازمون بأن اللّه عزّ وجل
سينصر رسوله ، ويُنجز له مأموله ،
ولهذا قال : { وطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } ،
يعني : لا يغشاهم النعاس من القلق :
{ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } ،
كما قال في الآية الأخرى :
{ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ والمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ } .
سورة الفتح 12
وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا
تلك الساعة أنها الفاصلة
وأن الإسلام قد باد وأهله .
وهذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة .
قال ابن القيم : ظن الجاهلية : هو المنسوب إلى أهل الجهل وظن غير الحق ،
لأنّه غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العلا وذاته المبرأة من من كل عيب وسوء ،
أو خلاف ما يليق بحكمته وحمده وتفرده بالربوبية والإلهية ،
وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه .
وقد ذكر المؤلف تفسير ابن القيم لهذه الآية ،
وهو أحسن ما قيل فيها وسيأتي ما يتعلق به
إن شاء اللّه تعالى .

إلى أن قال :
وقوله : {ولِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } ،
أي : قدر اللّه هذه الهزيمة والقتل ،
ليختبر اللّه ما في صدوركم بأعمالكم ،
لأنّه قد علمه غيبًا فيعلمه شهادة لأنّ المجازاة
إنما تقع على من يعلم مشاهدة ،
لا على ما هو معلوم منهم غير مغمور
{ ولِيُمَحِّصَ ما في قُلُوبِكُمْ }
أي : يطهرها من الشدة والمرض بما يريكم من عجائب آياته وباهر قدرته ،
وهذا خاص بالمؤمنين دون المنافقين
{ واللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
قيل معناه : إن اللّه لا يبتليكم ليعلم ما في صدوركم فإنه عليم بذلك
وإنّما ابتلاكم ليظهر أسراركم .
واللّه أعلم .
تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد
تأليف العلاّمة سليمان بن عبد الله بن محمد
بن عبد الوهاب رحمهم الله
تعليق العلاّمة عبد العزيز بن عبد الله الرّاجحي
حفظه الله ( ص 721 - 729 )
ط / الدار الأثرية للنشر والتوزيع .
يتبع ____________________
نسف العلمانية بأوجز العبارات
العلمانية حقيقتها وخطرها على المسلمين
للشيخ صالح العصيمي حفظه الله
https://youtu.be/n1DK0VOua8o