جلست في منزل قديم جاء بي القدر اليه دخلت الى هذا البيت القديم فلم اجلس فيه طويلا حتى الفت المكان واستمتعت بزخارفه
اخذت اتأمل الجدران والممرات ثم استيقظت من الغيبة الممتعة
فوجدتني جالسا في بعض الغرف التي لم تكن لها صلة بي غرف متعددة وكبيرة استغربت من وجودي فيها وتركني اهلها وانطلقوا يمارسون اعمالهم حتى اذا ضاق بي الحال وزادت الاحوال فاطلقت العنان لقدمي في حرية التنقل بين هذه الغرف غرف كثيرة وابواب متعددة
اخذت افتح الابواب واتجول فيها وفي كل غرفة اجد انسانا قد شغل حيزا كبيرا في هذه الغرف والغريبة ان لساني وفكري لم يحاولا ابدا ان يقدما سؤالا ولو صغيرا لهؤلاء البشر الذين ملؤوا هذه الغرف مثل :
من أنت ؟ وما أنت ؟
وهل انت وحدك في هذه الغرفة او يشاركك فيها احد ؟
فكنت افتح الباب دون استئذان واغلق الباب دون اعتذار
حتى وقفت عند باب كبير فاعجبني صنعه وزخرفة جوانبه فوجدت قلبي يرفض التقدم دون استئذان والعقل يأمرني باحترام المكان
فلم أرَ بدا من الخضوع لهما حين اتفقا على شيء هو من حق من خلف الباب
فطرقت الباب طرقا خفيفا فلم ألبث الا برهة حتى سمعت صوتا مهيبا وزلزلة قوية وصوت اشبه بالرجل القائم يسمح لي بالدخول فتحت الباب وأنا على ترقب وخوف ووجل
اسمع صرير الباب وهو يفتح وكأن سكينا تمشي على جسدي
فوجدت رجلا مشوه الخلق جاحظ العينين تستبشع منظره تعلوه الهيبة وتخشاه من لفظه
فوقفت لجلال المكان وهدوء صاحب المقام في مكاني لا املك امري ولا اعرف حالي
وفجأة التفت الى وأمرني بالجلوس فلم رجعت الى نفسي وملكت مقولي استئذنته في السؤال فنظر الي نظرة انخلع لها قلبي وسكنت منها جوارحي ثم غض طرفه وسمح لي بذلك السؤال
قلت له : من أنت ؟ قال : أنا ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ قلت له : ما انت ؟ قال : أديب وهذه صنعتي وبها شهرتي
قلت له : وهل اعرفك ؟ قال : اظنك سمعت بي والا لما ادخلتك
قلت له : وكيف عدت الى الحياة ؟ فقد بلغني حسب ما كتب المؤرخون ان الله توفاك في عام 255 هـ وانت لدة الشافعي وقد ولدتما في عام 150 هـ (( واللدة :وهو الذي يُولَد مَعَك في وَقْتٍ واحِد))
وقد عشت بعده دهرا طويلا (( توفي الجاحظ سنة 255)) حيث مات الشافعي سنة 204 هـ قال : انني لم أمت حتى تزعم ذلك من انني مت وانما الموت لمن سقط من الحياة وفقد المآل
اما ربطك للشافعي معي فلاننا شغلنا العالم وغيرنا الافكار والمفاهيم واذكر انني قلت في الشافعي : نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا ، فلم أر أحسن تأليفا من المطلبي كأن فوه نَظَم دراً إلى در
قلت له : هكذا وجدت العلماء يربطونك معه
قال : خيرا فعلوا والحق ارادوا فقد مدحت الشافعي وانصفت علمه والانصاف عزيز بين الاقران
قلت : لماذا انعزلت عن الناس ؟ قال : مثلي لا ينعزل لكنني اصبت بالمرض الذي جعلني حبيس الفراش جليس النساء
وكتبك ؟ ما بها ؟ ما قيمتها ؟
يا ابا يوسف أهذه كنيتك ؟ قلت نعم قال انت تريد ماذا ؟
اذا كنت تريد البقاء
قلت : لا اخفي اعجابي بما تكتب فانت لك الاسلوب الرفيع والكلام البليغ والنظرة الثاقبة والجملة الخالدة
ولكن هناك بعض الامور التي اخذها عليك البعض
قال : لا احب ان اقاطعك ولكن من هؤلاء البعض ؟ تقصد من لم يجمع من المعرفة الا رسم الحروف وتجميل المعنى باللفظ القريب ؟!!
يا أبا يوسف :ابحث لي عن اشياء يستهويني سماعها واشغل الفكرة معاها
قلت : لم اذهب الى أولئك فهم ذباب الطعام وبعوض الدماء
لكنني اقصد العلماء الذين عابوا عليك بعض كتبك
قال : اسمع ْ في اوائل كتابي الحيوان ذكرت بعض كتبي وما عابها وفي رسالتي عن الحسد والعداوة شرح بعض ذلك فلك حرية الرجوع الى ما احلتك اليه لتعرف بعض الامر التي ربما غابت عنك